الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكرام منعه فقال عليه الصلاة والسلام دعوه فإن لصاحب الحق مقالا (وكجحد الأعرابيّ) أي له كما في نسخة يعني وكإنكاره للنبي عليه الصلاة والسلام (شراءه منه) أي الأعرابي وهو سواد بن قيس المحاربي وقيل سواد بن الحارث (فرسه) المسمى بالمرتجز وكان أبيض وقيل النجيب (التي شهد فيها خزيمة) أنه اشتراها منه فجعل صلى الله تعالى عليه وسلم شهادته بشهادتين والحديث وراه البخاري (وما) وفي نسخة وكما (كان من تظاهر زوجيه) وفي نسخة زوجتيه وهي لغة والأول أفصح أي تعاونهما (عليه) فيما يسوؤه من فرط الغيرة بالنسبة إليه وهما عائشة وحفصة (وأشباه هذا) الذي ذكر هنا (ممّا يحسن الصّفح عنه) أي يستحسن الاعراض عنه وعدم الالتفات نحوه وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا إِنَّ أَذَى النَّبِيِّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ بِفِعْلٍ مُبَاحٍ ولا غيره وأما غيره من الناس فَيَجُوزُ بِفِعْلٍ مُبَاحٍ مَا لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ فعله وإن تأذى غَيْرُهُ وَاحْتَجَّ بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وبقوله صلى الله تعالى عليه وسلم في حديث فاطمة رضي الله تعالى عنها أنها بضعة مني يؤذيني ما آذاها أَلَا وَإِنِّي لَا أُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَلَكِنْ لَا تَجْتَمِعُ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ وَابْنَةُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَبَدًا (أَوْ يَكُونُ هذا) الحديث المتقدم ذكره (ممّا أذاه به كافر) صريح (رجا بعد ذلك إسلامه) كذا في النسخ المصححة وجاء بالواو وقال الحلبي رأيت في بعض النسخ بالراء من الرجاء وهذه ينبغي أن تكون الصواب وتلك التي تقدمت تصحيف قلت إذا كان المبنى صحيحا رواية ودراية فلا يقال فيه إنه تحريف فلا يلزم ما ادعاه على ما سيأتي دعواه (كَعَفْوِهِ عَنِ الْيَهُودِيِّ الَّذِي سَحَرَهُ وَعَنِ الْأَعْرَابِيِّ الّذي أراد قتله) وهو غورث بن الحارث (وَعَنِ الْيَهُودِيَّةِ الَّتِي سَمَّتْهُ وَقَدْ قِيلَ قَتَلَهَا) أي آخرا قصاصا ببشر بن البراء بعد ما عفا عنها أولا لإسلامها أو اعتذارها في كلامها هذا وقال الحلبي المفهوم من عبارة القاضي المؤلف هنا أن هؤلاء الثلاثة قد اسلموا لكن الذي سحره وهو لبيد بن الأعصم لم يسلم بلا خلاف فيما أعرفه وأما الأعرابي الذي أراد قتله وهو غورث أو دعثور على ما تقدم فقد اسلم بلا خلاف وأما اليهودية التي سمته فأنها زينب بنت الحارث فقيل إنها لم تسلم وقتلها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وعن الزهري كما رواه معمر بن راشد في جامعه أنها اسلمت فتركها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وبيان وجه الخلاف والجمع قد تقدم والله تعالى أعلم (ومثل هذا ممّا يبلغه) أي بعض ما يصل إليه (من أذى أهل الكتاب والمنافقين) من أرباب الحجاب (وصفح عنهم) جملة حالية وفي نسخة فصفح عنهم أي أعرض عن اذاهم وتركهم على هواهم (رجاء استئلافهم) أي تألف أنفسهم (واستئلاف غيرهم كما قرّرناه قبل) أي قبل ذلك على وجه التحقيق (وبالله التوفيق) .
فصل (قَالَ الْقَاضِي تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي قَتْلِ الْقَاصِدِ لسبّه)
أي المتعمد في شتمه (والإزراء به) وفي
نسخة والازدراء وهو بمعنى الاحتقار (وغمصه) بمعجمه ومهملة بينهما ميم ساكنة أي عيبه (بأيّ وجه كان من ممكن) وجوده (أو محال) بضم الميم أي ممتنع شهودة (فهذا وجه بيّن) أي ظاهر مكشوف (لا إشكال فيه) ولا توقف في قتل متعاطيه. (الوجه الثاني لا حق به) أي ملحق بالوجه الأول (في البيان والجلاء) أي في الظهور وعدم الخفاء (وهو أن يكون القائل لما قال) من الكلام (في جهته صلى الله تعالى عليه وسلم غير قاصد للسّبّ) أي للشتم على وجه الجفاء (والإزراء) وفي نسخة الازدارء أي الاستحقار بالاستخفاف والاستهزاء (ولا معتقد) بالجر وفي نسخة ولا معتقدا (له) أي لمضمون كلامه (ولكنّه تكلّم في جهته صلى الله تعالى عليه وسلم بكلمة الكفر) وفي نسخة بكلمة من الكفر أي من ألفاظه كما بينه بقوله (مِنْ لَعْنِهِ أَوْ سَبِّهِ أَوْ تَكْذِيبِهِ أَوْ إضافة ما لا يجوز عليه) أي نسبته إليه (أو نفي ما يجب) أي ثبوته (لَهُ مِمَّا هُوَ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم نقيصة) أي منقصة ومذمة (مثل) بالرفع ويجوز نصبه أي نحو (أن ينسب إليه إتيان كبيرة) بصيغة المجهول والأظهر أن يكون بصيغة الفاعل أي ينسب القائل إليه اتيان كبيرة أي صدورها من قول أو فعل بخلاف صغيرة للاختلاف في جواز صدورها عنه (أو مداهنة) بالجر أو النصب أي مصانعة (في تبليغ الرّسالة) كما نفاها الله عنه بقوله فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ (أو) مسامحة أو مساهلة (في حكم بين النّاس) كما نفاها عنه في قوله تعالى إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ (أو يغضّ) الله بضم الغين وتشديد الضاد المعجمتين أي يخفض وينقص (من مرتبته) العلية (أو شرف نسبه) إلى آبائه وأجداده الجلية من العيوب العرفية لا من الذنوب الشرعية فأن عبد المطلب من أجداده مات في زمن الجهالة بالإجماع وكذا جزم أبو حنيفة بأن والدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ماتا في زمن الجهالة وكذا أبو إبراهيم عليه السلام من أهل الكفر إجماعا خلافا للشيعة وشرذمة قليلة من أهل السنة وقد كتبت في هذه المسألة رسالة مستقلة (أو وفور علمه) أي كثرته (أو زهده) من غير ضرورته (أَوْ يُكَذِّبَ بِمَا اشْتَهَرَ مِنْ أُمُورٍ أَخْبَرَ بها عليه الصلاة والسلام وَتَوَاتَرَ الْخَبَرُ بِهَا) عَنْهُ (عَنْ قَصْدٍ لِرَدِّ خبره) إذا لو أنكر خبرا متواترا كفر بخلاف ما أنكر حديث آحاد فإن أنكره فسق ففي المحيط من أنكر الأخبار المتواترة في الشريعة كفر مثل حرمة لبس الحرير على الرجال ومن أنكر أصل الوتر وأصل الأضحية كفر وفي الخلاصة من رد حديثا قال بعض مشايخنا يكفر وقال المتأخرون إن كان متواترا كفر أقول وهذا هو الصحيح إلا إذا كان رد حديث الآحاد من الأخبار على وجه الاستخفاف والاستحقار وأما انكار الحديث المشهور فالجمهور من أصحابنا على أنه يكفر إلا عيسى بن أبان فإن عنده يضلل ولا يكفر وهو الصحيح (أو يأتي بسفه من القول) أي بسفاهة في عبارة (أو قبيح من الكلام) ولو بإشارة (ونوع من السّبّ) وما فيه من قلة الأدب (في جهته) عليه الصلاة والسلام (وإن ظهر بدليل حاله) أي حال قائله (أنّه لم يعتمد) أي لم يرد (ذمّه) عليه الصلاة والسلام
في مقاله (ولم يقصد سبّه) لاعتقاده كماله لكن صدر عنه مقاله (إمّا لجهالة) بنعوت جماله (حملته على ما قاله أو لضجر) بفتحتين أي قلق من أثر غم ناله (أو منكر) محرم أو غيره (أو قلّة مراقبة) في شأنه (وضبط) أي وقلة ضبط (للسانه وعجرفة) أي محازفة وقلة مبالاة في بيانه (وتهوّر في كلامه) أي سرعة في خلقه وجراءة في نطقه (فحكم هذا الوجه) الثاني (حكم الوجه الأوّل) وهو (القتل) أي قولا واحدا (دون تلعثم) أي توقف في بابه (إِذْ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِي الْكُفْرِ بِالْجَهَالَةِ) إذا معرفة ذات الله تعالى وصفاته وما يتعلق بأنبيائه فرض عين مجملا في مقام الإجمال ومفصلا في مقام الاكمال نعم إذا تكلم بكلمة عالما بمبناها ولا يعتقد معناها يمكن أن صدرت عنه من غير إكراه بل مع طواعيته في تأديته فإنه يحكم عليه بالكفر بناء على القول المختار عند بعضهم من أن الإيمان هو مجموع التصديق والإقرار فياجراءها يتبدل الإقرار بالإنكار أما إذا تكلم بكلمة ولم يدر أنها كلمة ففي فتاوى قاضيخان حكاية خلاف من غير ترجيح حيث قال قيل لا يكفر لعذره بالجهل وقيل يكفر ولا يعذر بالجهل أقول والأظهر الأول إلا إذا كان من قبيل ما يعلم من الدين بالضرورة حينئذ فإنه حينئذ يكفر ولا يعذر بالجهل أقول وفي الخلاصة من قال أنا ملحد كفر وفي المحيط والحاوي لأن الملحد كافر ولو قال ما علمت أنه كفر لا يعذر بهذا أي في القضاء الظاهر والله اعلم بالسرائر (ولا بدعوى زلل اللّسان) فيه أن الخطأ والنسيان وما استكره عليه الإنسان أن عذر في معرض البيان (ولا بشيء ممّا ذكرناه) مما يظن أنه يكون عذرا (إذا) وفي نسخة إذا (كان عقله في فطرته) أي خلقته وجبلته (سليما) بأن لا يكون مجنونا ولا خرفا سقيما (إلّا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) كما هو مبين في القرآن (وبهذا) الوجه الثاني (أفتى الأندلسيّون) بفتح الهمزة وضم الدال واللام بفتحهما أي المالكيون من علماء الأندلس وهو اقليم معروف من المغرب (على ابن حاتم) أي الطليطلي (في نفيه الزّهد) أي الاختياري (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وآله وسلّم الّذي قدّمناه) أي ذكره وأمره (وقال محمد بن سحنون) بفتح أوله ويضم ويصرف ولا يصرف (في المأمور) بأيدي الكفار (يسبّ النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) جملة حالية (في أيدي العدوّ) أي في تصرفهم أو فيما بينهم (يقتل إلّا أن يعلم تبصّره) أي حدوث دخوله في مذهب النصارى (أو إكراهه) أما الثاني فظاهر ويدل عليه قوله تعالى مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ روي أن بني المغيرة أخذوا عمارا وغطوه في بئر ميمون وقالوا له اكفر بمحمد فتابعهم على ذلك وقلبه كاره فأتى عمار رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يبكي فقال عليه الصلاة والسلام ما ورائك قال شر يا رسول الله نلت منك وذكره قال كيف وجدت قلبك قال مطمئنا بالإيمان فجعل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يمسح عينيه ويقول إن عادوا لك فعد لهم بما قلت وأما الأول فقد قال الحلبي هذا الكلام ينبغي أن يسأل عنه مالكية وقال الأنطاكي أي إلا أن يكون معروفا بالبصارة تمنعه بصارته ومعرفته عن الحوم
حول الحمى المنيع بالأمر الشنيع انتهى وفيه أن السب هنالك من غير أن يكره عليه في ذلك مناف للتبصر سواء يكون معروفا به أم لا وقال التلمساني وكأن النسخة عندهما بالباء الموحدة وإنما هي والله اعلم بالنون أي إلا أن يعلم تنصره ولا شك أن المالكية يقولون إذا تنصر طوعا ثم وقع منه سب أو لعن أو كلام يعيب به النبي أو قذفه أو استخف بحقه أو غير صفته أو الحق به نقصا ثم رجع إلى الإسلام أقول هنا بياض في الأصل ولم يعلم أن الحكم يقتل أو لا يقتل وعلى كل تقدير فيه إشكال أما على الأول فلأنه ينافي الاستثناء وسيأتي صريحا في كلام القاضي أنه يجب قتله وأما على الثاني فلأنه قد تقدم أن من سب النبي يقتل مسلما كان أو كافرا والذي يظهر لي أن المعنى إلا أن يعلم تنصره قبل ذلك وأنه ما صح إيمانه هنالك بأن كان منافقا أو مزورا أو مرائيا أو جاسوسا ثم لما أسر أظهر سبه عليه الصلاة والسلام ثم رجع إلى الإسلام فإنه حينئذ لا يقتل ففي مختصر العلامة خليل المالكي إلا أن يسلم الكافر قال شارحه المشهور بحلو لو اختلف في الذمي إذ سب أحدا من الأنبياء ثم اسلم هل يدرأ عنه القتل بإسلامه فقال مالك في الواضحة وَالْمَبْسُوطِ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الحكم وأصبغ أن اسلم ترك قال أصبغ وسحنون لا يقال له اسلم ولكن إن اسلم فذلك له توبة وحكى القاضي أبو محمد في ذلك روايتن انتهى وأما على نسخة تبصره بالموحدة فلا يبعد أن يراد به الفرق بين المتبصر بالدين من العلماء المتقين وبين وبين الفسقة والجهلة بمراتب اليقين فإن الثاني يحتاج إلى العلم بإكراهه ببينة أو قرينة بخلاف الأول فإن الظن به في مقام يقينه أن لا يقع له سب إلا بعد تحقق إكراهه فيقبل قوله ويتفرع عليه إبانة امرأته منه وعدمها والله سبحانه وتعالى اعلم ومن فروع هذه المسألة عندنا لو قالت زوجة أسير تخلص أنه ارتد عن الإسلام وبنت منه فقال الأسير أكرهني ملكهم بالقتل على الكفر بالله تعالى ففعلت مكرها فالقول لها ولا يصدق الأسير إلا بالبينة (وَعَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ لَا يُعْذُرُ بِدَعْوَى زَلَلِ اللِّسَانِ فِي مِثْلِ هَذَا) الشأن ولعل وجهه سد الذريعة لفساد أهل الزمان (وأفتى أبو الحسن القابسيّ) بكسر الموحدة (فيمن شتم النّبي صلى الله عليه وآله وسلم فِي سُكْرِهِ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ يُظَنُّ بِهِ أنّه يعتقد هذا ويفعله) أي ويقول مثله (في صحوه) فإن كل إناء يترشح بما فيه وهذا بناء على سوء الظن به مع أنه لا يلزمه إذ السكران قد يقصد أمه وبنته ونحوهما في حال سكره مع أنه لا يظن به أنه يفعله حال صَحْوِهِ (وَأَيْضًا فَإِنَّهُ حَدٌّ لَا يُسْقِطُهُ السُّكْرُ كالقذف والقتل وسائر الحدود) الفارقة بين الحلال والحرام المانعة من قربان الحرام كالزنى والمترتب عليه كالرجم (لأنّه أدخله على نفسه) باجترائه على نبيه ما لا يليق به (لأنّ من شرب الخمر على علم) أي مع علمه بما يترتب عليها (مِنْ زَوَالِ عَقْلِهِ بِهَا وَإِتْيَانِ مَا يُنْكَرُ) صدوره (منه) بسببها (فهو كالعامد لما يكون بسببه) القتل (وعلى هذا ألزمناه الطّلاق) على خلاف فيه بين علماءنا والصحيح وقوعه تأكيدا لزجره (والعتاق والقصاص والحدود) كالقطع بالسرقة (ولا يعترض على هذا) الذي ذكره من أن السكران يؤخذ بما صدر عنه حال سكره (بحديث