الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحت عموم الدعاء (كما قال تعالى يَقُولُونَ) أي الذين جاؤوا من بعدهم (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ)[الحشر: 10] أي وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (وقال وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ) وفي نسخة وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ (بِإِحْسانٍ) أي بإيمان وإيقان وطاعة واتقان إلى يوم القيامة (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة: 100] وأيضا فهو) أي ذكر الصلاة والسلام على غير الأنبياء (أمر) ويروى فهذا أَمْرٌ (لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ) أي من السلف والخلف (كما قال أبو عمران) أي الفاسي (وإنّما أحدثه الرّافضة) أي التاركة محبة أكثر الصحابة (والمتشيّعة) أي المظهرة أنهم السابقون والمتابعون (في بعض الأئمة) أي من أهل بيت النبوة (فشاركوهم) أي ائمتهم كعلي والحسنين وغيرهم (عند الذّكر لهم بالصّلاة) وكذا بالسلام فيقولون مثلا علي عليه السلام (وساووهم) أي ائمتهم (بالنبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم في ذلك) أي مقام المرام وهذا لا يليق بالكرام وذكر انطاكي أن الرافضة فرقة من شيعة الكوفة وسموا بذلك لأن زيد بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبي طالب خرج على هشام بن عبد الملك فطعن عسكره في أبي بكر وعمر فمنعهم عن ذلك فرفضوه ولم يبق معه إلا مائتا فارس فقال لهم رفضتموني أي تركتموني فلقبوا بذلك ثم لزم هذا اللقب كل من غلا في مذهبه واستجاز الطعن في الصحابة والمتشيعة هم الذين ينسبون إلى الشيعة وتقدم أنهم فرقة يفضلون عليا ويزعمون أنهم من شيعته أي أتباعه (وأيضا فإنّ التّشبّه بِأَهْلِ الْبِدَعِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَتَجِبُ مُخَالَفَتُهُمْ فِيمَا التزموه من ذلك) أي وجعلوه شعارا لهم هنالك (وَذِكْرُ الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ وَالْأَزْوَاجِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم بحكم التّتبع) أي له صلى الله تعالى عليه وسلم (والإضافة إليه) أي فهو جائز (لا على التّخصيص) أي بحكم الاستقلال (قالوا) أي العلماء المحققون (وصلاة النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم على من صلّى عليه) أي من آل أبي أوفى ونحوه (مجراها مجرى الدّعاء) أي مجرى تلك الصلاة محمول على مجرى الدعاء والرحمة (والمواجهة) أي حسن المقابلة حال المعاشرة (ليس فيها معنى التّعظيم والتّوقير) أي الذي اختص بأرباب الكمال (قالوا) أي العلماء (وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً)[النور: 61] أي في المناداة باسمه وفي رفع الصوت عنده (فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ لَهُ مُخَالِفًا لدعاء النّاس بعضهم لبعض) أي يتميز به عن غيره (وهذا اختيار الإمام أبي المظفّر الإسفرايينيّ) بكسر الهمزة وتفتح الفاء وتكسر (من شيوخنا) أي الفقهاء المالكيه (وَبِهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ) وهو حافظ الغرب في البحر والبر.
فصل (فِي حُكْمِ زِيَارَةِ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَفَضِيلَةِ مَنْ زَارَهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ
وَكَيْفَ يسلم ويدعو وزيارة قبره عليه السلام سنّة من سنن المسلمين مجمع) ويروى مجتمع (عليها) أي
مجتمع على كونها شنة وممن ادعى الإجماع النووي وابن الهمام بل قيل إنها واجبة (وفضيلة مرغّب فيها روي «1» عن ابن عمر) فيما رواه ابن خزيمة والبزار والطبراني وله طرق وشواهد حسنه الذهبي لأجلها (قال النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شفاعتي) أي حقت وثبتت وفي رواية حلت رواه الدارقطني وغيره وصححه جماعة من أئمة الحديث (وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ زَارَنِي فِي الْمَدِينَةِ مُحْتَسِبًا) أي ناويا ذلك الجناب وطالبا للثواب ليس له غرض آخر في هذا الباب فعن عمر رضي الله تعالى عنه أيها الناس احتسبوا أعمالكم فإن من احتسب عمله كتب له أجر عمله وأجر حسبته (كان في جواري) بكسر الجيم أي مجاورتي وفي نسخة بضم الجيم أي في ذمتي وعهدي وجيرتي (وكنت له شفيعا يوم القيامة) قال الدلجي لا أعرف من رواه قلت قد رواه العقيلي وغيره بلفظ من زارني معتمدا كان في جواري يوم القيامة ورواه البيهقي ولفظه من زارني محتسبا إلى المدينة كان جواري يوم القيامة وروى أبو عوانة من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة (وفي حديث آخر) أي مما رواه البيهقي وسعيد بن منصور في سننهما والدارقطني والطبراني وأبو يعلى وابن عساكر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما (من زارني بعد موتي) وفي رواية بعد وفاتي (فكأنّما زارني في حياتي) والأحاديث في هذا الباب كثيرة والروايات فيها شهيرة منها ما رواه علي مرفوعا من زار قبري بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ومن لم يزر قبري فقد جفاني وقد استدل به على وجوب الزيارة بعد الاستطاعة وعن أنس بسند ضعيف بلفظ ما من أحد من أمتي له سعة ثم لم يزرني إلا وليس له عذر وعن ابن عدي بسند يحتج به من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني (وكره مالك رحمه الله قال ابن تيمية وتبعه طائفة في ذلك (أَنْ يُقَالَ زُرْنَا قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ) أي الداعي إلى كراهية مالك (فقيل كراهية الاسم) وفي نسخة كراهية للاسم وفي أخرى كراهة الاسم أي اسم الزيارة (لما ورد) أي في رواية أحمد والترمذي وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (من قوله عليه السلام لعن الله زوّارات القبور) بفتح الزاء وتشديد الواو أي المبالغات في زيارة القبور وفيه أنه عليه السلام إنما لعنهن لأنهن مأمورات بالقرار في بيوتهن فلا يصلح زيارتها لهن نعم قد يؤخذ منه أنه لا يسن في حقهن زيارته عليه السلام كما قال به بعض الأعلام لكن الأصح أنه لا يكره لهن ذلك إذا قمن بشرائط فيما هنالك (وهذا) أي الاستدلال (يردّه قوله) أي فيما رواه مسلم (كنت نهيتكم) وفي نسخة من الكتاب نهيتم (عن زيارة القبور فزوروها) وفي نسخة بزيارة ولا تقولوا هجرا بضم الهاء وسكون الجيم أي كلاما يوجب إثما وفيه بحث إذ يحتمل أن يكون خطاب
(1) وقد سقط في نسخة هذا الشرح السندات فليراجع نسخة المتن وشرح الشهاب قاله المصحح ط.
الرجال بعد خطاب النساء فيكون الحكم الثاني في حقهم ناسخا لا في حقهن ويؤيده التعليل في حقهن بأنهن قليلات الصبر كثيرات الجزع والفزع لا يملكن أنفسهن من الصياح والنياح وأما التعليل في حقهم فلأن أمواتهم في صدر الإسلام كانوا كفرة فمنعوا عن زيارة قبورهم فلما كثر أموات المسلمين أجازهم زيارتهم لما فيها من العبرة لأهل الحياة ومنفعة الدعوة للأموات فهذا حديث اجتمع فيه الناسخ والمنسوخ (وقوله) أي ويرده أيضا قوله فيما مر عن ابن عمر وغيره مرفوعا (من زار قبري) أي وجبت له شفاعتي أو حلت له شفاعتي (فقد أطلق اسم الزّيارة) أي فلم تكن الكراهة لاسم الزيارة (وقيل) أي في توجيه كلام مالك (لأنّ ذلك لما قيل) أي لقول بعضهم (إنّ الزّائر أفضل من المزور وهذا) أي الاستدلال (أيضا ليس بشيء) أي معتد به وفي نسخة ليس ببين أي بظاهر فلم يلتفت إليه (إذ ليس كلّ زائر بهذه الصّفة) بل الغالب عكسه في العرب والعادة (وليس هذا) أي هذا القول (عموما) أي عاما في كل زائر (وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَهْلِ الْجَنَّةِ زِيَارَتُهُمْ لربّهم ولم يمنع هذا اللّفظ) أي إطلاق لفظ الزيارة (في حقّه تعالى) ففي حق نبيه عليه السلام بالأولى فلا يصح الاستدلال بهذا المبنى على هذا المعنى وزيد في بعض النسخ هنا (وقال أبو عمران) أي الفاسي وفي كثير من النسخ أبو عمر وهو ابن عبد البر (إِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُقَالَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وزرنا قبر النبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاسْتِعْمَالِ النَّاسِ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ بَعْضُهُمْ لبعض) أي فيما بينهم (فكره تسوية النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم مع النّاس) أي عمومهم (بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَحَبَّ أَنْ يُخَصَّ بِأَنْ يُقَالَ سلّمنا على النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) وفيه أن السلام أيضا يستعمل عاما فلا يكون التعليل تاما (وَأَيْضًا فَإِنَّ الزِّيَارَةَ مُبَاحَةٌ بَيْنَ النَّاسِ وَوَاجِبٌ شدّ الرحال) وفي نسخة شد المطيّ (إلى قبره صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ بِالْوُجُوبِ هُنَا وُجُوبَ نَدْبٍ وترغيب وتأكيد لا وجوب فرض) أي موجب تهديد وفيه أن لفظ الزيارة قضية لغوية كالحج والعمرة والصلاة والزكاة وأمثالها والوجوب والندب والنافلة من الأحكام الشرعية (والأولى عندي أن منعه) أي منع هذا القول هنالك (وكراهة مالك له) أي لذلك (لإضافته إلى قبر النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وأنه) بكسر الهمزة وفتحها (لو قال زرنا النبيّ لم يكرهه) أي مالك ومن تبعه وإنما ذلك (لقوله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا) أي كالوثن وهو الصنم (يعبد بعدي) أي بعد موتي (اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبيائهم مساجد) أي يسجدون لها كما يسجدون للأوثان كما فعله بعض النصّارى (فحمى) أي صان مالك (إضافة هذا اللّفظ) أي لفظ الزيارة (إلى القبر والتّشبّه بفعل أولئك) أي العامة (قطعا للذّريعة) أي الوسيلة (وحسما) أي قطعا (للباب) أي لفتح هذا الباب (والله أعلم) أي بالصواب وفيه أنه قد ورد بروايات متعددة التصريح بهذه اللفظة فلا يلتفت إلى هذه العلة منها ما رواه أبو داود الطيالسي من زار قبري كنت له شفيعا أو شهيدا ومنها حديث علي مرفوعا من زار قبري بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ومن لم يزر قبري فقد جفاني وجاء عنه موقوفا من زار قبر
رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان في جواره عليه السلام على أنا إذا قلنا زرناه فالمعنى زرنا قبره لأنه لا يتصور زيارة ذاته حقيقة ولهذا المعنى ورد من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي بلفظ التشبيه مع أن المعتقد أنه وسائر الأنبياء في قبورهم من الأحياء فإنهم أولى بذلك من الشهداء بل قولنا زرنا قبره أولى من زرناه عند التحقيق والله ولي التوفيق هذا وما وقع للشعبي والنخعي وغيرهما مما يقتضي كراهة زيارة القبور شاذ لا يعول عليه لمخالفته الإجماع وقد فرط ابن تيمية من الحنابلة حيث حرم السفر لزيارة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كما أفرط غيره حيث قال كون الزيارة قربة معلوم من الدين بالضرورة وجاحده محكوم عليه بالكفر ولعل الثاني أقرب إلى الصواب لأن تحريم ما أجمع العلماء فيه بالاستحباب يكون كفرا لأنه فوق تحريم المباح المتفق عليه في هذا الباب نعم يمكن حمل كلام من حرم أو كره على صورة خاصة من الزيارة من الاجتماع في وقت خاص على هيئة منكرة أو صفة مكروهة من اجتماع الرجال والنساء في وقت واحد لما فيه من اتخاذ قبره عيدا والموجب لما أورد فيه وعيدا (قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَقِيهُ وَمِمَّا لَمْ يزل) أي من قديم الأيام (من شأن من حجّ) أي من ديدن من قصد بيت الله الحرام (المرور بالمدينة) أي مدينة الإسلام لزيارته عليه السلام أي إما قبل الحج وإما بعده (والقصد) أي أيضا (إِلَى الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم) لما ورد فيه من مزيد المضاعفة في تلك المحال الكرام إذ قد ورد أن الصلاة فيه بمائة ألف (والتّبرّك برؤية روضته) أي خصوصا (ومنبره وقبره ومجلسه) أي محل جلوسه في المسجد ومكان صلاته عند الإسطوانات وغيرها (وملامس يديه ومواطىء قدميه) أي في نحو المنبر (والعمود الّذي كان يستند إليه) وفي نسخة يسند ففي الصحاح سندت إلى الشيء واستندت إليه بمعنى (وينزل جبريل بالوحي فيه) أي في حال استناده (عليه وبمن عمره) أي والتبرك بمن عمر مسجده مبنى ومعنى وقيل أي زاره (وقصده) أي وبمن قصده (من الصّحابة وأئمة المسلمين) أي من التابعين واتباعهم من المجتهدين والعلماء والصالحين (والاعتبار) بالرفع (بذلك) أي بما ذكره (كلّه) أي جميعه والحاصل أنه لا منع من الجمع بين النيات في تحصيل الطاعات لكن ينبغي أن يكون الغرض الأصلي بعد أداء فرض حج الإسلام زيارته عليه السلام ويتبعها حضور مشاهده الكرام (وقال ابن أبي فديك) بالتصغير وثقه جماعة واحتج به أصحاب الكتب الستة (سمعت بعض من أدركت يقول:
بلغنا) أي في الحديث (أنه) أي الشأن (مَنْ وَقَفَ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم فتلا هذه الآية (وهي قَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ)[الأحزاب: 56] الظاهر أنه يقرأ ما بعدها أيضا وهو يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (ثمّ قال صلى الله تعالى عليك) الأولى أن يزيد وسلم (يا محمد) الأولى أن يقول يا نبي الله ونحوه (مَنْ يَقُولُهَا سَبْعِينَ مَرَّةً، نَادَاهُ مَلَكٌ صَلَّى الله عليك يا فلان) أي باسمه (ولم تسقط له) وفي نسخة لك (حاجة) بل ترفع والمعنى قضيت كل حاجة له دنيوية أو أخروية والحديث رواه البيهقي
من طريق ابن أبي الدنيا (وعن يزيد بن أبي سعيد المهريّ) بفتح ميم وسكون هاء فراء فياء نسبة (قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلَمَّا ودّعته قال: لي إليك حاجة) أي وهي إنك (إِذَا أَتَيْتَ الْمَدِينَةَ سَتَرَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم) أي حقيقة أو مجازا وهو محله وحوله (فأقره منّي السّلام) يجوز قطع همزة وكسر رائه ويجوز وصل أوله وفتح عينه والحديث رواه ابن أبي الدنيا من طريق البيهقي في الشعب عنه (قال غيره) أي غير المهري وهو حاتم بن وردان كما رواه البيهقي في شعب الإيمان (وكان) أي عمر بن عبد العزيز (يبرد) بضم ياء وسكون موحدة وكسر راء أي يوجه ويسير (إليه البريد من الشّام) أي إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم القاصد من الشام ليقرأه منه السلام (قَالَ بَعْضُهُمْ رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَتَى قبر النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم فوقف) أي بين يديه (فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فسلّم على النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم ثمّ انصرف) لا يعرف استحباب رفع اليدين في ذلك المقام عن أحد من الأعلام ولعله دعا الله سبحانه وتشفع به عليه السلام (وقال مالك في رواية ابن وهب) أي عنه (إذا سلّم) أي هو أو أحد (على النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا يَقِفُ وَوَجْهُهُ إِلَى الْقَبْرِ لا إلى القبلة) وذهب بعض أرباب المناسك أن الزائر يسلم أولا وهو متوجه إلى القبر ثم يدعو الله وهو مستقبل القبلة فوق رأسه عليه الصلاة والسلام (ويدنو) أي ويقرب إلى القبر قربا يناسب الأدب (ويسلّم ولا يمسّ القبر) وكذا جدار قبته وشبابيك حجرته عليه السلام (بيده) ولا بفمه لعدم وروده عن الصحابة الكرام ولأنه أقرب إلى مقام الأدب لأن ذلك من عادة النصارى على ما نقله الغزالي (وقال) أي مالك (في المبسوطة لا أرى) أي لا أجوز (أن يقف) أي أحد (عند قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يدعو ولكن يسلّم ويمضي) هذا بظاهره يناقض ما سبق عنه اللهم إلا أن يقال هذا بيان الأكمل فتأمل (قال ابن أبي مليكة) بالتصغير تابعي تيمي مؤذن ابن الزبير وقاضيه قال بعثني ابن الزبير على قضاء الطائف فكنت أسأل ابن عباس وأما أبو مليكة فصحابي (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقُومَ وِجَاهَ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم) بكسر الواو ويضم أي في مواجهته ومقابلته (فليجعل القنديل) بكسر القاف معروف وأما بفتحه فهو عظيم الرأس (الّذي في القبلة) أي في جهتها (عند القبر على رأسه) أي محاذيا لرأسه (وقال نافع) هو مولى ابن عمر من أئمة التابعين وأعلامهم (كان ابن عمر يسلّم على القبر) أي على من فيه (رأيته) أي ابن عمر بفعل ذلك (مائة مرّة وأكثر) وفي نسخة أو أكثر بمعنى بل أكثر (يَجِيءُ إِلَى الْقَبْرِ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَامُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ السَّلَامُ على أبي) وفي نسخة السلام على أبي حفص وهو كنية عمر وهذا أقرب إلى الأدب (ثمّ ينصرف) أي ولم يزد على ذلك رواه البيهقي وغيره (ورؤي) وفي نسخة ورئي أي أبصر (ابْنُ عُمَرَ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى مَقْعَدِ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي موضع قعوده (من المنبر ثمّ وضعها) أي يده (على وجهه) رواه ابن سعد عن عبد الرحمن بن عبد القارىء أنه
رآه وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى مَقْعَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم (وعن ابن قسيط) بفتح قاف فكسر مهملة أو بالتصغير وهو الأصح (والعتبيّ) بضم عين فسكون فوقية فموحدة (كان أصحاب النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم إذا خلا المسجد) أي من عامة الناس (جسّوا) بفتح الجيم وتشديد السين المهملة أي حسو ومسوا (رمّانة المنبر) أي العقدة المشابهة للرمانة (التي تلي القبر) يعني التي كان يأخذها عليه السلام بيمينه (بميامنهم) متعلق بجسوا أي تمسحوا بأيمانهم طلبا لليمن والبركة في زيادة الإيمان وإيقان الإحسان (ثمّ استقبلوا القبلة يدعون) أي الله سبحانه بهذه الوسيلة المشتملة على الفضيلة رواه ابن سعد (وَفِي الْمُوَطَّأِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى اللّيثيّ) هو عالم الأندلس (أنّه) أي ابن عمر (كَانَ يَقِفُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم) أي عند قبره كما في نسخة (فَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ) أي وهو في مكان يجمع بينهم في السلام من غير تغيير المقام في القيام (وعند ابن القاسم) وهو فقيه مصر (والقعنبيّ) وهو أحد الأعلام وروى عنه البخاري ومسلم وغيرهما (ويدعو لأبي بكر وعمر) أي بدل لفظة وعلى أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ (قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وهب) وهو عالم مصر (يقول المسلّم) بتشديد اللام المكسورة أي الزائر (السّلام) ويروى سلام (عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ: قَالَ) أي مالك (في المبسوطة ويسلّم على أبي بكر وعمر) بأي لفظ كان (قال القاضي أبو الوليد الباجيّ) بالموحدة والجيم وهو أحد الأعلام (وعندي أنّه يدعو للنبي بلفظ الصّلاة) أي بأن يقول الصلاة عليك يا نبي الله أو الصلاة على رسول الله ولا شك أن الجمع بينها وبين السلام أفضل وأكمل كما دل عليه قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (ولأبي بكر وعمر) يعني ويدعو لهما أيضا (كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مِنَ الْخِلَافِ) أي المتقدم حيث جاء في رواية أخرى عنه أنه كان يقول السلام على النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَامُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ السَّلَامُ على أبي وفي رواية أخرى عنه أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر وقد تقدم أن الصلاة على غير الأنبياء تكره استقلالا فكيف يصح قول الباجي عندي أنه يدعو للنبي بلفظ الصلاة ولأبي بكر وعمر وغايته أن حديث ابن عمر في الرواية الثانية أن ذكر الصلاة عليهما وقع تبعا أو تغليبا والحاصل أن الأفضل هو الجمع بين الصلاة والسلام للنبي الأكمل وأما صاحباه فنخصهما بلفظ السلام فتأمل فإنه القول المعول (وقال ابن حبيب) أحد الأئمة ومصنف الواضحة (ويقول) أي الزائر (إذا دخل مسجد الرّسول) أي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقد كره بعض العلماء إطلاق الرسول من غير الإضافة إلى الله سبحانه لتوهم معناه اللغوي (باسم الله وسلام) أي تمام (على رسول الله السّلام) وفي نسخة عليه الصلاة والسلام (السلام علينا) أي وعلى عباد الله الصالحين (من ربّنا) أي من جانبه ومن لطفه وكرمه (وصلى الله وملائكته) الأولى زيادة وسلم (عَلَى مُحَمَّدٍ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لي أبواب رحمتك وجنّتك) أي بتوفيق اكتساب طاعتك واجتناب معصيتك
(واحفظني من الشّيطان الرّجيم) أي من وساوسه وهو اجسه (ثمّ اقصد) فيه التفات أي ثم توجه (إلى الرّوضة) أي الشريفة المطهرة (وَهِيَ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ فَارْكَعْ فِيهَا) أي صل (ركعتين) أي قياما بحق الربوبية كما اقتضته العبودية (قبل وقوفك بالقبر) أي الشريف للزيارة المصطفوية وأداء التحية النبوية (تحمد الله تعالى) أي حال كونك تثني على الله سبحانه (فيهما) أي في الركعتين وفي نسخة فيهما أي في الصلاة أو في الروضة (وتسأله) أي الله فيهما أو بعد الفراغ منها (تمام ما خرجت إليه) أي من المقاصد (والعون عليه) أي في جميع المراصد (وإن كانت ركعتاك) وهما تحية المسجد (في غير الرّوضة أجز أتاك) أي كفتاك عن السنة (وفي الرّوضة) وكذا في المواضع الفاضلة في المسجد (أفضل) أي لورود الأحاديث في فضلها (وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم ما بين بيتي) أي المختص بعائشة المعبر عنه في رواية ما بين قبري (ومنبري روضة من رياض الجنّة) إما حقيقة بأن ينتقل إليها حال وصولها وإما وسيلة بأن تكون العبادة فيها سببا لدخولها وباعثة لوصولها فقد قال القتيبي معناه أن الصلاة والذكر في هذا الموضع يورثان الجنة فكأنه قطعة منها أقول ولا منع من الجمع والله أعلم (ومنبري على ترعة) بضم فوقية فسكون راء فعين مهملة أي عتبة أو روضة مرتفعة (من ترع الجنّة) رواه أحمد بتمامه عن جابر والبزار عن أبي بكر والدارقطني عن عمر بلفظ قبري بدل بيتي ورواه بدون الجملة الأخيرة البيهقي عن أبي هريرة والطبراني في الأوسط عن ابن عمر ورواه فقط أحمد وأبو عوانة عن سهل بن سعد والترعة في الأصل الروضة على مكان مرتفع خاصة فإن كانت في مطمئن فهي روضة وورد ارتعوا في رياض الجنة يعني مجالس الذكر وفي رواية إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا وفسر الرياض بالمساجد والرتع بقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ونحو ذلك (ثمّ تقف) خبر معناه أمر أي قف أيها الزائر (بالقبر) أي قريبا منه ومقبلا عليه (متواضعا) أي مذللا في نفسه (متوقّرا) أي معظما لمن في حضرته (فتصلّي عليه وتثني بما يحضرك) أي لديه (وَتُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَتَدْعُو لَهُمَا) أي بالغفران والرضوان (وأكثر من الصّلاة) أي الطاعة والعبادة أو الصلاة على صاحب السعادة والسيادة (في مسجد النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم باللّيل والنّهار) أي في ساعاتهما (ولا تدع أن تأتي مسجد قبا) أي ولا تترك إتيان ذلك المسجد وزيارة ذلك المشهد فإنه كان صلى الله تعالى عليه وسلم يأتيها كل يوم سبت راكبا وماشيا وقباء يمد ويقصر ويؤنث ويذكر ويصرف ويمنع والأشهر الأكثر مده وتذكيره وصرفه (وقبور الشّهداء) أي شهداء أحد وغيرهم أي ولا تترك إتيان زيارتهم واستدعاء شفاعتهم (قال مالك في كتاب محمد) يعني واحدا من أصحابه ولعله محمد بن الحسن من أصحاب أبي حنيفة فإنه روى عنه الموطأ (ويسلّم على النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم إذا دخل) أي سلام القدوم والزيارة (وخرج) أي وإذا أراد أن يخرج سلام الموادعة (يعني) أي يريد بذلك وهو (في المدينة) أولا وآخرا (وفيما بين ذلك) أي أحيانا (قال محمد وإذا خرج) أي أراد
الزائر أن يخرج من المدينة (جعل آخر عهده الوقوف بالقبر) أي للزيارة قياسا على طواف الوداع (وكذلك من خرج) ولو من أهل المدينة (مسافرا) أي حال كونه مريدا للسفر وهذا كله بطريق الاستحباب واستحسان الآداب الموجب لمزيد الثواب (وروى ابن وهب عن فاطمة) أي البتول الزهراء رضي الله تعالى عنها (بنت النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم أنّ النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «إذا دخلت المسجد) قال الدلجي بفتح تاء الخطاب ولا أعلم من رواه قلت بل الصواب أن المراد به عموم الخطاب وقد سبق روايته مع مخرجها في الكتاب (فصلّ على النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) وفي نسخة ضبط دخلت بكسر التاء وفصلي بياء المخاطبة (وقل) وفي نسخة وقولى فيه وفيما بعده (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَإِذَا خَرَجْتَ فَصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُلِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى) أي لأبي داود عن أبي حميد وأسيد (فليسلّم مكان فليصلّ فيه) أي في هذا المروي (وَيَقُولُ إِذَا خَرَجَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فضلك وفي أخرى اللهمّ احفظني) أي احرسني واعذني واعصمني (من الشّيطان الرّجيم) أي المطرود المبعود (وعن محمد بن سيرين) أحد أعلام التابعين (كان النّاس) أي الصحابة (يقولون إذا دخلوا المسجد) أي المسجد النبوي أو جنس المسجد الإلهي (صلّى الله وملائكة على محمد) جملة خبرية مبنى إنشائية معنى (السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ باسم الله دخلنا) أي لا باسم غيره (وباسم الله خرجنا) والمعنى دخلنا مستعينين باسمه وخرجنا مستمسكين باسمه ففي الحالين باسمه تعلقنا (وعلى الله توكّلنا) أي في جميع أحوالنا عليه اعتمدنا وجميع أمورنا إليه فوضنا (وكانوا يقولون إذا خرجوا) أي حين خروجهم من هنالك (مثل ذلك، وعن فاطمة رضي الله تعالى عنها أيضا) أي كما تقدم عنها (كان النبيّ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى محمد وسلم) وفي نسخة صلى الله تعالى عليه وسلم أخرجه أحمد والبيهقي في الدعوات (ثمّ ذكر) أي ابن سيرين (مِثْلَ حَدِيثِ فَاطِمَةَ قَبْلَ هَذَا وَفِي رِوَايَةٍ حَمِدَ اللَّهَ وَسَمَّى وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم وذكر مثله) وهذا نقل بالمعنى وقد ثبت باختلاف المبنى فلا عبرة بقول الدلجي لا أدري من رواها (وفي رواية) أي للترمذي وابن ماجه (باسم الله والسلام) وفي نسخة والصلاة (على رسول الله وعن غيرها) أي وروي عن غير فاطمة من الصحابة من طرق متعددة فلا يضر قول الدلجي لم أقف عليه لأن من حفظ حجة على غيره وكذا لا التفات إلى قول الحلبي لا أعرفه بعينه لأنه يكفي أن المصنف رواه وهو حافظ ثقة حجة (كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا دخل المسجد) أي حقيقة أو إذا أراد دخوله (قال اللهمّ افتح لي أبواب رحمتك) أي الدينية والأخروية (ويسّر لي أبواب رزقك) أي الحسية والمعنوية (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فليصلّ على النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وليقل اللهمّ افتح لي) أي أبواب رحمتك رواه ابن ماجه والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن حبان وابن خزيمة (وقال مالك
فِي الْمَبْسُوطِ وَلَيْسَ يَلْزَمُ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وخرج منه من أهل المدينة) أي كلما دخل به وخرج منه (الوقوف بالقبر) أي للزيارة (وإنّما ذلك) أي لازم (للغرباء) أي من الزائرين دون المقيمين وهذا كما قاله العلماء من أن الصلاة النافلة في مكة أفضل لأهل الإقامة والطواف أفضل للغرباء النازلة (وقال) أي مالك رحمه الله تعالى (فيه) أي في المبسوط (أيضا لا بأس لمن قدم) بكسر الدال أي نزل (من سفر) أي من أهل المدينة وغيرهم (أو خرج إلى سَفَرٍ أَنْ يَقِفَ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم فيصلّي عليه ويدعو له) أي بالسلام (ولأبي بكر وعمر فقيل له) أي لمالك (إنّ ناسا من أهل المدينة لا يقدمون) بفتح الدال أي لا يجيئون (من سفر ولا يريدونه) أي ولا يقصدون السفر غالبا وهم مع ذلك (يفعلون ذلك) أي الوقوف على القبر للزيارة (فِي الْيَوْمِ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ وَرُبَّمَا وَقَفُوا) أي تأخروا (في الجمعة) بضم الجيم والميم ويسكن أي في الأسبوع (أو في الأيّام) أي ولو أكثر من الجمعة (المرّة) أي تارة (أو أكثر) أي أخرى (عِنْدَ الْقَبْرِ فَيُسَلِّمُونَ وَيَدْعُونَ سَاعَةً فَقَالَ لَمْ يَبْلُغْنِي هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ) أي من المتقدمين (ببلدنا) يعني المدينة (وتركه واسع) أي جائز يعني ولو فعله فسائغ لأنه كما قال ابن مسعود ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن والقياس بوقت الوفاة على حال الحياة صحيح ولا شك أن الصحابة كانوا يكثرون السلام عليه في حال حياته ويتشرفون بتكرار ملاقاته ويتبركون بأخذ الفيض من أنوار بركاته فأي مانع من التردد على بابه والتوسل إلى جنابه على أنه قد ثبت من صلى عليه نائيا بلغه ومن صلى عليه عند قبره سمعه نعم إن كانت الكثرة توجب الملالة فلا شك أن يقال في حقها الكراهة كما يشير إليه حديث زرغبا تزدد حبا وأما عند كثرة الشوق ومزية الذوق فلا سبيل إلى المنع من تلك الحضرة ولو على سبيل المداومة كما يدل عليه حديث أبي بن كعب في تكثير الصلاة والسلام عليه والحاصل أن تكثيرها مستحب بالإجماع فايقاعها أولى في أفضل البقاع ولعل السلف الصالح كان عندهم أمور أهم من ذلك فكانت تشغلهم عن كثرة الوقوف هنالك وكذا نقول إن طلب العلم وتحصيله وتدريسه وتصنيفه إذا كان خالصا في طريقه أفضل من كثرة الطواف والزيادة بل أكمل من حج النافلة وقصد العمرة فاندفع بما قررنا وارتفع بما حررنا ما يفهم من ظاهر قوله (وَلَا يُصْلِحُ آخِرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا وَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَوَّلِ هَذِهِ الأمّة وصدرها أنّهم كانوا يفعلون ذلك) وقدمنا عذرهم أنهم كانوا يشتغلون بأمور كانت أهم هنالك (ويكره) أي الوقوف للزيارة من أهل المدينة (إِلَّا لِمَنْ جَاءَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ أَرَادَهُ) أي السفر (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ إِذَا خَرَجُوا مِنْهَا أَوْ دَخَلُوهَا أَتَوُا الْقَبْرَ فَسَلَّمُوا) لا شك أن الزيارة في تينك الحالتين أكثر استحبابا وأظهر آدابا لكن لا يلزم منه أنهم لم يكونوا فيما بين ذلك من الواقفين هنالك وقد سبق عن نافع أن ابن عمر كان يسلم على القبر رأيته مائة مرة أو أكثر ولا شك أنه كان من أهل المدينة فتدبر (قال) أي ابن القاسم (وذلك رأي) أي المختار المطابق لظاهر قول مالك (قال الباجيّ) وهو بالموحدة والجيم (ففرق) أي مالك