الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
إن الحمد للَّه نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (1).
وقال عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (3). . . أما بعد:
لقد شاء اللَّه عز وجل وقدر أن يكون الصراع بين الحق والباطل قائمًا، وأن تكون الغلبة للباطل أحيانًا وإن كانت العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة، قال تعالى:{وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (4)، وقال سبحانه:{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (5).
والمتأمل في السيرة النبوية يجد الفرق واضحًا بين الأحكام في المرحلة المكية والأحكام في المرحلة المدنية، ولقد شاءت حكمة اللَّه عز وجل أن تمر الدولة الإِسلامية الأولى
(1) سورة آل عمران، الآية [102].
(2)
سورة النساء، الآية [1].
(3)
سورة الأحزاب، الآيتان [70 - 71].
(4)
سورة آل عمران، الآية [140].
(5)
سورة المجادلة، الآية [21].
بظروف متنوعة لتستلهم الأجيال منها العبر والدروس وكذلك الأحكام، بحسب اختلاف تلك الظروف والأحوال.
ولم يغفل الفقهاء رحمهم الله في كتبهم دراسة أحكام مرحلة الاستضعاف، وإن كان بحثهم لمسائل وأحكام استضعاف الأفراد أكثر استفاضة من أحكام استضعاف الأمة والدولة الإِسلامية، وذلك تحت مباحث عوارض الأهلية ومنها: الإكراه والإلجاء.
والأمة الإِسلامية تمر بمرحلة الاستضعاف، وقد تكون أسباب الاستضعاف من الخارج أو الداخل، وربما تجتمع عليها لتكون من الخارج ومن الداخل، لذا فإن هذا الموضوع بحاجة إلى الدراسة وجمع مسائله وأقوال الفقهاء فيه مع بيان أدلتها وتحليلها وموازنتها والتخريج عليها، مع يقيننا بتغير الأحوال مستقبلًا وعودة الأمة الإِسلامية لقيادة البشرية وانقاذها من جحيم وويلات البعد عن شريعة اللَّه عز وجل.
والبشائر بعودة المسلمين للريادة والقيادة ظاهرة ولله الحمد، ولكن التمكين لهذه الأمة لن يكون دون ثمن وتضحية وتمحيص في مرحلة الاستضعاف، قال تعالى:{الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (1).
فمن رحم الظلام يولد الصباح، وتكون مرحلة التمكين بإذن اللَّه {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (2)، فمرحلة الاستضعاف هي مقدمة لمرحلة التمكين للأمة بإذن اللَّه.
(1) سورة العنكبوت، الآيات [1 - 3].
(2)
سورة الروم، الآيتان [4 - 5].
أهمية البحث:
تظهر أهمية البحث من خلال النقاط التالية:
1 -
إيضاح مفهوم الاستضعاف ومظاهره وكيفية التعامل معه.
2 -
الحاجة إلى جمع المسائل وبيان الأحكام المتصلة بهذا الموضوع.
3 -
ارتباط الموضوع بالحياة العملية للشعوب الإِسلامية في مناطق شتى.
4 -
ارتباط هذا الموضع بالعلاقات الدولية بين الدولة الإِسلامية والدول غير الإسلامية.
5 -
وجود نوازل معاصرة مرتبطة بالموضوع مما يتطلب بحثها ودراستها.
أهداف البحث:
يهدف هذا البحث إلى أمور منها:
1 -
محاولة حصر حالات الاستضعاف ومظاهرها.
2 -
دراسة مسائل استضعاف الأمة الإِسلامية دراسة فقهية مفردة وبيان أحكامها.
3 -
وضع الضوابط التي تحدد مواقف وتصرفات الأمة الإِسلامية وولاة أمرها في مرحلة الاستضعاف.
4 -
الاستفادة من تجربة الدولة الإِسلامية الأولى وتنزيل أحكامها على بعض القضايا المعاصرة، مع مراعاة المتغيرات.
5 -
الاستفادة من مبادىء سد الذرائع والمصالح المرسلة ونحوها تجاه ما يمر به المسلمون حاليًا.
أسئلة البحث:
يجيب البحث عن عدد من الأسئلة ومنها:
1.
ما مفهوم الاستضعاف؟ وما مظاهره؟
2.
ما الفرق بين الاستضعاف وغيره من المصطلحات المشابهة له؟
3.
هل هناك أحكام خاصة بمرحلة الاستضعاف؟ وما ضوابطها؟
4.
ما الموقف الشرعي تجاه ما يعرض من مشكلات للأمة في مرحلة الاستضعاف؟
الدراسات السابقة:
إن موضوع استضعاف الأمة لم تتم دراسته دراسة فقهية مفردة فيما اطلعت عليه في المكتبات والمراكز البحثية، وبعد عرض الفكرة على عدد من الأساتذة والباحثين واستشارتهم أشاروا إلى جدته وعدم وجوده في دراسة فقهية مستقلة وحبذوا دراسته والبحث فيه.
وينبغي الإشارة هنا إلى وجود عناوين عديدة لمؤلفات أو مقالات تتعلق بمواضيع ذات صلة بمرحلة الاستضعاف، أو بدراسة بعض حالات الاستضعاف، كحالة استضعاف الفرد الذي غالبًا ما يتم علاجه وبحثه تحت مسمى الإكراه، وبعض هذه الدراسات والمقالات يغلب عليها الطابع الفكري لا الفقهي أو التأصيلي (1).
وهناك العديد من الكتب والأبحاث والمقالات التي عالجت جانبًا من جوانب الاستضعاف وتطرقت لبعض حالاتة وذلك في الكتابات والدراسات التي عُنيت بفقه
(1) منها على سبيل المثال:
(أ) من وسائل دفع الغربة، سلمان بن فهد العودة، المملكة العربية السعودية: دار ابن الجوزي، ط 1، 1412 هـ. وهو ضمن سلسلة رسائل الغرباء.
(ب) الإكراه وأثره في الأحكام الشرعية، عبد الفتاح حسيني الشيخ، د. م: د. ن، ط 1، 1399 هـ.
(جـ) نظرية الإكراه المدني بين الشريعة والقانون، هائل حزام العامري، القاهرة: المكتب الجامعي الحديث، ط 1، 2005 م.
الأقليات، وكذلك تلك التي عُنيت بأحكام الأسرى (1).
لذلك عزمت على البحث في هذا الموضوع لأهميته والحاجة إليه في الحياة العملية للشعوب والدول الإِسلامية.
منهج الدراسة:
اتبعت في دراسة هذا الموضوع المنهج الاستقرائي الوصفي عبر الرجوع ما أمكنني إلى كتب التفسير والحديث والفقه والسيرة النبوية وكتب السياسة الشرعية والمقاصد مقارنًا ذلك بالمنهج التحليلي الاستنباطي، حيث أقف على النصوص وأحاول أن أسبر أغوارها وأقارن بينها واختار منها ما أرى وجاهة دليله من الأقوال.
حدود الدراسة:
اقتصرت هذه الدراسة على أقوال المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وربما أذكر أقوال فقهاء آخرين.
كما وضعت قواعد وضوابط للأحكام من خلال دراسة أبرز الأمثلة على تلك الحالات المتنوعة للاستضعاف وخاصة المتصلة بالفقه السياسي.
إجراءات الدراسة:
1 -
عزوت الآيات بذكر اسم السورة ورقم الآية.
(1) منها على سبيل المثال:
(أ) فقه الأقليات المسلمة، خالد عبد القادر، لبنان: دار الإيمان، ط 1، 1419 هـ.
(ب) الأقليات المسلمة في العالم، مؤتمر الندوة العالمية السادس، المملكة العربية السعودية: دار الندوة العالمية، ط 1، 1420 هـ.
(ب) أحكام الأصل في الفقه الإِسلامي والقانون الوضعي، علي أحمد جواد، بيروت: دار المعرفة، ط 1، 1426 هـ.
2 -
قمت بتخريج الأحاديث والآثار من مصادرها، وبيان درجتها من الصحة أو الضعف بحسب كلام العلماء، وما كان في الصحيحين أو أحدهما فاكتفيت بالعزو إليه.
3 -
عزوت أقوال المذاهب إلى أصحابها من المصادر الأصلية المعتمدة.
4 -
رجعت إلى كتب فقهاء المذاهب الأربعة، وجمعت أدلتهم وناقشتها، واخترت القول الراجح مع ذكر سبب الترجيح، واستفدت مما كتبه المعاصرون من حيث الأفكار والتبويب والتقسيم والترتيب.
5 -
ذكرت عنوان المرجع والموضع -الصفحة والجزء إن وجد- دون اسم المؤلف، إلا في حالة تكرار العنوان لمؤلف آخر فإني أذكر اسم المؤلف.
6 -
أتبعت قول كل فريق بأدلته من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو المعقول أو غيرها من الأدلة مع بيان وجه الاستدلال.
7 -
أتبعت أدلة كل قول بما وجه إليه من مناقشة أو اعتراض من قبل الفريق الآخر، أو من عندي إن ظهر لي ضعف الاستدلال، فإن كان ما وجه إلى الدليل منصوصًا عليه فإني أُحيل إلى المرجع.
8 -
أنهيت كل مسألة بذكر ما يترجح لدي من أقوال العلماء ذاكرًا سبب الترجيح، وخلاصة ما بعثت فيها.
9 -
رجعت إلى كتب التفسير وشروح الأحاديث ومواضع السيرة النبوية ذات الصلة بالموضوع.
10 -
ترجمت للأعلام الواردة في البحث باختصار ما عدا المشهورين منهم.
11 -
قمت بشرح الألفاظ الغريبة والمصطلحات العلمية الواردة في البحث.
12 -
وضعت خاتمة للبحث متضمنة أهم النتائج والتوصيات.
وضعت فهارس للآيات والأحاديث النبوية والتراجم والمراجع والموضوعات.
وإني إذ أكتب عن أحكام الاستضعاف، فما هذا إلا للانطلاق نحو التمكين بإذن اللَّه، وليس المراد التأصيل للاستثناء بل للحث على العودة إلى الأصل.
هذا، وأحمد اللَّه عز وجل على عونه وتوفيقه وتيسيره ومنه وفضله وكرمه، وأسأله التوفيق لشكره، وأن يجعل ما كتبت من العلم الذي ينتفع به، وأن يتقبله بقبول حسن، وأن ينصر المسلمين المستضعفين في كل مكان، وأن يمكن لهم في الأرض.
الشكر والتقدير:
يطيب لي أن أتقدم بالشكر والتقدير لوالدي الكريمين اللذين شجعاني على طلب العلم منذ طفولتي، وزوجتي التي وقفت إلى جانبي وهيئت لي أسباب البحث، وكذلك كل من ساهم معي في هذا البحث برأي أو نصيحة أو مراجعة من مشايخي وزملائي، فجزاهم اللَّه خير الجزاء وكتب لهم الأجر والثواب.
* * *