الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحاجة بالمعنى الأعم يشمل الضرورة، وإطلاق الضرورة على الحاجة لا يضر لوجود المشقة والضرر فيهما، وإنما المحظور هو الحكم بمقتضى الضرورة في موضع الحاجة (1).
والحاجة أعم من الضرورة (2)، وهي تُعد ميزانًا لقدر ما يُباح لأجل الضرورة (3)؛ والأحكام الثابتة بالضرورة أحكام مؤقتة تزول بزوالها، وكذلك الحاجة الخاصة، وبالتالي لا بد من تحققها في كل شخص، أما الحاجة العامة فأحكامها مستمرة، ولا يؤثر فيها بقاء الحاجة أو زوالها، ولا يشترط تحققها في كل شخص (4).
* * *
المطلب الرابع: تعريف الاضطهاد
ومن الألفاظ ذات الصلة بالاستضعاف الاضطهاد، والمضطهد مفتعل من الضرورة، يقال ضهد ضَهَدَه يَضْهَدُه ضَهْدًا واضْطَهَدَه ظَلَمه وقَهرَه وأَضْهَدَ به جارَ عليه، وأَكْرَهه كأَضْهَدَهُ واضْطهَدَه، ويقال: اضْطَهَدَ، فلانٌ فلانًا، إِذا اضْطَعَفَه وقَسَرَه، وهي الضُّهْدَة، يقال: رجلٌ مَضْهُودٌ ومُضْطَهَد مَقْهُور ذليل مضطر (5).
(1) انظر: نظرية الضرورة، ص 28 - 29.
(2)
"لا يَخْفَى أَنَّ الضَّرُورَةَ أَخَصُّ مِنْ الْحَاجَةِ"، شرح مختصر خليل، محمد بن عبد اللَّه الخرشي، بيروت: دار الفكر، ط 1، د. ت، 2/ 228.
(3)
قال السرخسي رحمه الله: "لأن الضرورة تبيح التناول من مال الغير بقدر الحاجة"، المبسوط، 9/ 140، وانظر: الحاجة وأثرها في الأحكام، د. أحمد الرشيد، الرياض: كنوز إشبيليا، ط 1، 1429 هـ، 1/ 85.
(4)
قال ابن قدامة رحمه الله: "الحاجة العامة إذا وجدت أثبتت الحكم في حق من ليست له حاجة"، المغني، عبد اللَّه بن أحمد بن قدامة المقدسي، بيروت: دار الفكر، ط 1، 1405 هـ، 2/ 59.
(5)
تاج العروس، السيد محمد مرتضى الزبيدي، بنغازي: دار ليبيا، ط 1، د. ت، 1/ 2089، مادة: ضهد.
إذن فمعاني الاضطهاد في اللغة تدور حول: القهر والظلم والجور والغلبة والاضطرار، والمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن هذه الدلالات اللغوية.
وفي حديث ابن سيرين عن شريح (1)، قال:(سمعته يقول في رجل يضع من حقه طائفة ثم يرجع فيه، سمعته يقول للذي ترك له الحق: بينتك أنه تركه وهو يقدر على أن يأخذه، ولا يجيز الاضطهاد، ولا الضغطة)(2).
والضغطة العَصْرَةُ من الغريم، والمراد: أن يَمْطُل الغَريم بما عليه من الدَّين حتى يُضْجرِ صاحِبَ الحقِّ ثم يقول له: أَتَدَعُ منه كذا وتأخذ الباقِي مُعجَّلا؟ فيرْضى بذلك (3)، وهذا
(1) شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي، أبو أمية، من كبار التابعين وهو ممن أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وانتقل من اليمن زمن الصديق، وهو من أشهر القضاة الفقهاء في صدر الإسلام، أصله من اليمن، ولي قضاء الكوفة، في زمن عمر وعثمان وعلي ومعاوية، واستعفى في أيام الحجاج، فأعفاه سنة 77 هـ، وكان ثقة في الحديث، مأمونا في القضاء، له باع في الأدب والشعر. وعمر طويلا فعاش مئة وثمان سنين، ومات بالكوفة سنة ثمان وسبعين. انظر: الأعلام، 3/ 161، وسير أعلام النبلاء، 4/ 100، ووفيات الأعيان، 2/ 460، وابن سيرين هو التابعي محمد بن سيرين البصري الأنصاري بالولاء كان أبوه مولى لأنس بن مالك، كنيته أبو بكر، ولد سنة 33 هـ إمام وقته في علوم الدين بالبصرة، كان لا يرى الرواية بالمعنى، واشتهر بالورع وتعبير الرؤيا، كان قد جعل على نفسه كلما اغتاب أحدا أن يتصدق بدينار، توفي رحمه الله سنة 110 هـ، انظر: تهذيب التهذيب، 9/ 214، الاعلام، 6/ 154.
(2)
مصنف عبد الرزاق، عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، بيروت: المكتب الإسلامي، ط 2، 1403 هـ، باب الرجل يضع من حقه ثم يعود فيه وبيع المكره، رقم: 14311، 8/ 61.
(3)
غريب الحديث، عبد الرحمن، ابن الجوزي، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، 1985 م، 2/ 12.
المطل إكراه وظلمُ وقهر، لا يجيز البَيع واليمين وغيرهما (1).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ليس لِسَكْرَان ولا لِمُضْطَهَدِ طلاق)(2). قال ابن حجر رحمه الله المُضْطَهَد: "هو المغلوب المقهور، وقوله: ليس بجائز، أي: بواقع؛ إذ لا يُعقل للسكران المغلوب على عقله، ولا اختيار لِلْمُسْتكْرَهِ"(3).
وقد بين ابن القيم أن المضطهد هو من يدفع عن حقه حتى يسقط حقًا آخر، ولا يُعد هذا من الإكراه (4).
* * *
(1) انظر: النهاية في غريب الأثر، 3/ 230.
(2)
تغليق التعليق، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق سعيد عبد الرحمن القزقي، بيروت، عمان: المكتب الإسلامي، دار عمار، ط 1، 1405 هـ، 4/ 455، وفي السنن، سعيد بن منصور الخرساني، الهند: الدار السلفية، 1982 م، ط 1، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، باب ما جاء في طلاق المكره، 1/ 317، ومصنف ابن أبي شيبة، باب من لم ير طلاق المكره، 4/ 82 بلفظ:(ليس لمكره ولا لمضطهد طلاق).
(3)
فتح الباري، 9/ 392.
(4)
إعلام الموقعين عن رب العالمين، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، تحقيق: طه عبد الرءوف، بيروت: دار الجيل، ط 1، 1973 م، 4/ 31.