الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أكبر الأسباب التي هي فساد أهل البوادي والقرى والأمصار من الأعراب والتركمان والأكراد والفلاحين وأهل الأهواء كقيس ويمن وأهل الحاضرة من رؤساء الناس وأغنيائهم وفقرائهم وأمراء الناس ومقدميهم وجندهم، وهو سبب سقوط حرمة المتولي، وسقوط قدره من القلوب وانحلال أمره" (1).
وخلاصة ما سبق عدم جواز استبدال الحدود، وأن درء الحدود بالشبهات أمر مختلف عن استبدال الحدود، وكذلك التدرج في التطبيق مختلف عن الاستبدال.
* * *
المطلب الخامس الفرق بين تعطيل الحدود وتعطيل التعازير
إن للحدود الشرعية خصوصيتها فهي ليست كسائر العقوبات، ويتضح الفرق بكون العقوبات والتعازير يحق للإمام تعطيلها إذا رأى الإمام المصلحة في ذلك، بخلاف الحدود، وهذه جملة من نصوص الفقهاء تبين هذا الفرق بينهما.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: "إن العقوبات غير الحدود، فأما الحدود فلا تعطل بحال، وأما العقوبات فللإمام تركها على الاجتهاد"(2).
وقال القرافي رحمه الله: "الحد مُقدر شرعًا، والتعزير غير مقدر شرعًا، بل قد اتفقوا على عدم تحديد أقله، واختلفوا في تحديد أكثره، فعندنا هو غير محدود، بل بحسب الجناية والجاني والمجني عليه"(3).
(1) الفتاوى، 28/ 303.
(2)
الأم، 4/ 250.
(3)
الفروق، 4/ 319، وقد أورد القرافي رحمه الله الفروق بينهما، تحت عنوان:"الفرق السادس والأربعون والمائتان بين قاعدة الحدود وقاعدة التعازير من وجوه".
ويوضح السرخسي سبب التفريق بينهما بقوله: "لأن الحدود زواجر، والزواجر مشروعة حقًا للَّه تعالى، فأما ما يكون حقًا للعبد فهو في الأصل جائز، فما أوجب من العقوبات حقًا للعبد وجب باسم القصاص الذي ينبىء عن المساواة؛ ليكون إشارة إلى معنى الجبر، وما أوجب باسم الحد فهو حق اللَّه تعالى، وفي هذا الاسم إشارة إلى معنى الزجر"(1).
وقال ابن حزم رحمه الله: "إن الحدود ليست موكولة إلى اختيار أحد إن شاء أقامها وإن شاء عطلها، بل هي واجبة للَّه تعالى وحده، لا خيار فيها لأحد، ولا حكم، وأما الدماء فهي موكولة إلى اختيار الولي إن شاء استقاد، وإن شاء عفا، فبطل أن تكون من الحدود وصح أنها من حقوق الناس"(2).
قال ابن قدامة رحمه الله: "القتل لو وجب لحق اللَّه تعالى لم يخير الإمام فيه كقطع السارق وكما لو انفرد بأخذ المال، ولأن الحدود للَّه تعالى إذا كان فيها قتل سقط ما دونه كما لو سرق وزنى وهو محصن"(3).
قال الجصاص رحمه الله: "لا يجوز تعطيل الحدود بعد ثبوتها عند من يقيمها، وقد يجوز ترك التعزير على حسب ما يرى الإمام فيه من المصلحة"(4).
ولعل في هذه العبارات ما يكفي لإيضاح الفرق بين العقوبات والحدود من جهة التعطيل أو عدمه. وخلاصة هذا المطلب أن الدولة الإسلامية إذا وقعت في حالة استضعاف -وفق الشروط المعتبرة لذلك- جاز للحاكم تعطيل العقوبات والتعازير.
(1) المبسوط، 9/ 109.
(2)
المحلى، 11/ 77.
(3)
المغني، 9/ 126.
(4)
أحكام القرآن للجصاص، 5/ 133.