الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الدولة الإسلامية هو: الإسلام فكل مسلم يتمتع بجنسية دار الإسلام لتوافر هذه الصفة فيه فالإسلام عقيدة وجنسية (1).
* * *
المطلب الثانى الإقامة في دار الكفر
لم يتطرق الفقهاء لمسألة التجنس بجنسية دولة غير إسلامية وفقًا لمفهوم الجنسية المعاصر، إلا أنهم تطرقوا لمسألة إقامة المسلم في دار الكفر، ومسألة الهجرة والتي سبق بيانها، ومن هنا يمكننا بعد استعراض أراء الفقهاء في مسألة الإقامة في دار الحرب بيان حكم التجنس بجنسية دولة غير إسلامية.
إن المسلم إذا أراد الإقامة في دار الكفر لا يخلو من الحالات التالية:
أولًا: حالة العجز عن إظهار الشعائر والعبادات مع القدرة على الهجرة:
وفي هذه الحالة اتفق الفقهاء على وجوب الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام إن كان المسلم لا يستطيع أن يُقيم الشعائر أو أن يقوم بالواجبات أو خاف الفتنة في دينه، بل نقل
(1) ويرى البعض أن الإسلام وحده لا يكفي لمنح الجنسية الإسلامية إذ يجب معه الإقامة في دار الإسلام، لقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا. .} (الأنفال، من الآية 72)، فالآية تبين أساسين للمواطنة هما: الإيمان، وسكنى دار الإسلام أو الانتقال إليها، أما الذمي فأساس الجنسية بالنسبة له خضوعه لأحكام الإسلام، وقيل: إقامته في دار الإسلام، والراجح هو عقد الذمة؛ لأنه سبب الخضوع والإقامة. انظر: تدوين الدستور الإسلامي، أبو الأعلى المودودي، دار الفكر: دمشق، ط 2، د. ت، ص 18، وأحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام، ص 63 - 66.
الونشريسي (1) وغيره (2) الإجماع على هذا، فقال:"الهجرة باقية لازمة إلى يوم القيامة، واجب بإجماع المسلمين على من أسلم بدار الحرب، أن لا يقيم بها حيث تجرى عليه أحكام المشركين، وأن يهجرها ويلحق بدار المسلمين حيث تجرى عليه أحكامهم"(3)، وقال في موضع آخر:"الهجرة من أرض الكفر إلى أرض الإسلام فريضة إلى يوم القيامة وكذلك الهجرة من أرض الحرام والباطل بظلم أو فتنة"(4).
وقد استدل الفقهاء لعدم جواز الإقامة في دار الحرب بما يلي:
1 -
عموم الآيات الواردة في وجوب الهجرة ومنها قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} (5)، وقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (6)، قال ابن كثير رحمه الله:"هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكنا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراما بالإجماع وبنص هذه الآية"(7).
(1) أحمد بن يحيى بن محمد الونشريسي التلمساني، أبو العباس، ولد سنة 834 هـ، فقيه مالكي من علماء تلمسان إلا أن حكومتها نقمت عليه فصادرت داره وفر إلى فاس سنة 874 هـ حتى مات بها سنة 914 هـ، ومن أبرز مؤلفاته: إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، والمعيار المعرب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس وبلاد المغرب. انظر: الأعلام، 1/ 269، ومعجم المؤلفين، 2/ 205.
(2)
انظر: تفسير القرآن العظيم، 1/ 543.
(3)
أسنى المتاجر، 1/ 30.
(4)
1/ 25.
(5)
سورة الأنفال، من الآية [72].
(6)
سورة النساء، الآية [97].
(7)
تفسير القرآن العظيم، 1/ 543.
2 -
عموم الأحاديث الواردة في وجوب الهجرة والتحذير من الإقامة عند الكفار، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم:(أَنَا بَرِيءٌ من كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ المُشْرِكِينَ)، قَالُوا: يا رسُول اللَّهِ لِمَ؟ قال: (لا تَرَاءَى نَارَاهُمَا)(1).
3 -
عن جرير رضي الله عنه قال: "بَايَعْتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم، وعلى فِرَاقِ المُشْرِكِ) (2).
4 -
ومن المعقول أن الإقامة تؤدي إلى تخلق الولد بأخلاق الكفار في حال الزواج منهم، وكذلك الفتنة والمخاطرة بالنفس والدين بسبب المخالطة، وتكثير سواد وعدد الكفار، لاسيما إن كانت هذه الإقامة بغرض التجارة وكسب المال (3).
ثانيًا: حالة العجز عن إظهار الشعائر والعبادات مع عدم القدرة على الهجرة:
ويعذر الإنسان في هذه الحالة لعجزة عن الهجرة، لقوله تعالى:{إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} (4).
ثالثًا: حالة القدرة على إظهار الشعائر والعبادات:
وللفقهاء في هذا الحالة رأيان:
الرأي الأول: استحباب الهجرة وهو رأي جمهور الفقهاء عدا المالكية، واستدلوا لعدم وجوبها، بكون الآيات الواردة في الهجرة إنما دلت على وجوبها في حق المستضعف العاجز
(1) سبق تخريجه ص 310.
(2)
أخرجه النسائي، كتاب البيعة، باب البيعة على فراق المشرك، رقم: 4175، وأحمد في المسند، رقم:19185.
(3)
انظر: المبسوط، 5/ 50، البحر الرائق، 7/ 89، وحاشية ابن عابدين، 7/ 115، والفواكه الدواني، 1/ 397، وشرح منتهى الإرادات، 1/ 620.
(4)
سورة النساء، الآية [98].
عن إظهار دينه، ويفهم من هذا أن غيره لا تجب عليه، وعللوا للاستحباب بما علل به أصحاب القول الأول وهو ألا يكثر سواد الكفار، وخشية الميل لهم أو أن يكيدوا له (1)، وأما الأحاديث الواردة في النهي عن المقام بين أظهر المشركين فحملوها على من لم يأمن دينه عندهم (2).
الرأي الثاني: عدم جواز الإقامة في دار الكفر، وهو رأي المالكية، ونقل عن الإمام مالك أنه كره السفر إلى بلاد الحرب للتجارة كراهية شديدة، وقال:"لا يخرج إلى بلادهم حيث تجري أحكام الشرك عليه"(3)، بل ومنع من بيع كل ما هو قوة على أهل الإسلام مما يتقوون به في حروبهم مما يعلم أنه قوة في الحرب، واستثنوا من هذا الدخول إليها لمصلحة المسلمين كمفاداة أسير عندهم، أو من دخلها من دون قصد كمن ضل عن الطريق أو أدخلته الريح غلبة (4).
قال ابن قدامة رحمه الله: "فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب:
أحدها: من تجب عليه، وهو من يقدر عليها، ولا يمكنه إظهار دينه، ولا يمكنه إقامة واجبات دينه، مع المقام بين الكفار، فهذا تجب عليه الهجرة. . .؛ لأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
(1) انظر: المهذب، 2/ 226، وروضة الطالبين، 10/ 282، ومغني المحتاج، 4/ 239، وكشاف القناع، 3/ 110.
(2)
انظر: فتح الباري، 6/ 39.
(3)
المدونة الكبرى، 10/ 270.
(4)
انظر: شرح مختصر خليل، 7/ 194، ومواهب الجليل، 2/ 518.
الثاني: من لا هجرة عليه، وهو من يعجز عنها إما لمرض، أو إكراه على الإقامة، أو ضعف من النساء والولدان وشبههم، فهذا لا هجرة عليه.
والثالث: من تستحب له ولا تجب عليه، وهو من يقدر عليها، لكنه يتمكن من إظهار دينه، وإقامته في دار الكفر، فتستحب له ليتمكن من جهادهم، وتكثير المسلمين ومعونتهم، ويتخلص من تكثير الكفار ومخالطتهم ورؤية المنكر بينهم، ولا تجب عليه لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة" (1).
وبعد استعراض الحالات الثلاث، فإن الحالة الثالثة هي محل البحث في هذه المسألة، مع التنبيه على أن عموم الأدلة تدل على أن الأصل في إقامة المسلم في دار الكفر هو التحريم، ويستثنى من هذا الحكم الحالات التالية:
1 -
من لم يقدر على الهجرة أو لم يجد مأوى له.
2 -
من كان قادرًا على الاعتزال.
3 -
كل من كان في إقامته مصلحة للمسلمين كالتجار والرسل والسفراء والدعاة والطلاب ونحوهم.
ولذا فقد ذهب فقهاء الشافعية إلى أن إقامة المسلم في دار الكفر هي الأفضل إن كان يرجو ظهور الإسلام فيها، أو قدر على الامتناع في دار الكفر والاعتزال؛ لأن موضعه فيها صار دار إسلام، وكذلك إن قدر على دعائهم إلى الإسلام أو قتالهم (2)، كما استثنى المالكية من تحريم الإقامة من كان في إقامته مصلحة المسلمين كمفاداة أسير عندهم (3).
(1) المغني، 9/ 236.
(2)
انظر: الحاوى الكبير، 14/ 222، وروضة الطالبين، 10/ 282.
(3)
انظر: شرح مختصر خليل، 7/ 194، ومواهب الجليل، 2/ 518.