المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفرع الأول: المعاريض: - الاستضعاف وأحكامه في الفقه الإسلامي

[زياد بن عابد المشوخي]

فهرس الكتاب

- ‌تقريظ

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول تعريف الاستضعاف وأنواعه ومظاهره

- ‌الفصل الأول: تعريف الاستضعاف

- ‌المبحث الأول: تعريف الاستضعاف

- ‌المطلب الأول: تعريف الاستضعاف لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الاستضعاف اصطلاحًا

- ‌المبحث الثاني: مفهوم الاستضعاف في القرآن الكريم

- ‌المبحث الثالث: مفهوم الاستضعاف في الأحاديث النبوية

- ‌المبحث الرابع: بيان الألفاظ ذات الصلة

- ‌المطلب الأول: تعريف الإكراه

- ‌الفرع الأول: تعريف الإكراه لغة:

- ‌الفرع الثاني: تعريف الإكراه اصطلاحًا:

- ‌الفرع الثالث: استخدام الفقهاء لكلمة الإكراه:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الاضطرار

- ‌الفرع الأول: تعريف الاضطرار لغة:

- ‌الفرع الثاني: تعريف الاضطرار اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثالث: الفرق بين الضرورة والحاجة

- ‌المطلب الرابع: تعريف الاضطهاد

- ‌المبحث الخامس: المقارنة بين الاستضعاف والألفاظ ذات الصلة

- ‌الفصل الثاني: أنواع الاستضعاف ومظاهره

- ‌المبحث الأول: أنواع الاستضعاف

- ‌المطلب الأول: تقسيم الاستضعاف باعتبار درجته

- ‌المطلب الثاني: تقسيم الاستضعاف باعتبار من يقع عليه

- ‌المطلب الثالث: تقسيم الاستضعاف باعتبار الاعتذار به

- ‌المبحث الثاني: العلاقة بين مرحلة الاستضعاف والمرحلة المكية

- ‌المبحث الثالث: مظاهر الاستضعاف

- ‌المبحث الرابع: استحكام الاستضعاف فى الأرض

- ‌الباب الثاني أسباب الاستضعاف ووسائل دفعه وضوابطها

- ‌الفصل الأول أسباب الاستضعاف

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول أسباب الاستضعاف الداخلية

- ‌المطلب الأول انشقاق المسلمين وتفرقهم

- ‌المطلب الثانى العصبية والعنصرية بين المسلمين

- ‌المطلب الثالث عدم الأخذ بأسباب القوة

- ‌المبحث الثاني أسباب الاستضعاف الخارجية

- ‌المطلب الأول الاحتلال والاستعمار وما خلفه من آثار

- ‌المطلب الثانى الغزو الفكري والثقافي

- ‌المطلب الثالث الحصار بمختلف أشكاله وصوره

- ‌الفصل الثاني وسائل دفع الاستضعاف

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول الأخد بأسباب القوة

- ‌المطلب الأول قوة العقيدة

- ‌المطلب الثانى القوة العسكرية

- ‌المطلب الثالث القوة الاقتصادية

- ‌المطلب الرايع القوة السياسية

- ‌المطلب الخامس القوة الإعلامية

- ‌المطلب السادس القوة المعنوية

- ‌المبحث الثانى الوحدة الإسلامية

- ‌المبحث الثالث الدخول في الجوار

- ‌المطلب الأول تعريف الجوار لغة واصطلاحًا

- ‌المطلب الثاني الأدلة على مشروعية الجوار

- ‌المبحث الرابع المعاهدات والتحالفات

- ‌المطلب الأول تعريف المعاهدة والحلف

- ‌الفرع الأول: تعريف المعاهدات لغة:

- ‌الفرع الثاني: تعريف المعاهدات اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثانى الأدلة على مشروعية المعاهدات والتحالفات

- ‌المطلب الثالث الحلف في الإسلام

- ‌المطلب الرابع التقاء مصالح المستضعفين مع الكفار

- ‌المبحث الخامس الجهاد

- ‌المبحث السادس الهجرة

- ‌المطلب الأول تعريف الهجرة لغة واصطلاحًا

- ‌الفرع الأول: تعريف الهجرة في اللغة:

- ‌الفرع الثاني: تعرف الهجرة اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثانى الأدلة على مشروعية الهجرة

- ‌المطلب الثالث أهمية الهجرة ومكانتها وبقائها

- ‌الفصل الثالث الأمور والضوابط التي ينبغي على المستضعفين الأخذ بها ومراعاتها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول تفاوت قدرات المستضعفين

- ‌المبحث الثانى التفريق بين استضعاف العَالِم واستضعاف غيره

- ‌المبحث الثالث تقدير الضرورة والحاجة يكون بالرجوع إلى أهل العلم

- ‌المبحث الرابع عدم الركون للاستضعاف

- ‌المبحث الخامس الأخذ بضوابط العمل بالضرورة والحاجة

- ‌المبحث السادس العمل بشروط الإكراه المعتبر

- ‌المبحث السابع مراعاة الفرق بين فقه الاستضعاف وفقه التمكين

- ‌المبحث الثامن العمل بآيات الصبر والصفح والعفو

- ‌الباب الثالث أحكام الاستضعاف

- ‌الفصل الأول المسائل المتعلقة بالاستضعاف

- ‌المبحث الأول الاستعانة بالكفار في القتال حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الاستعانة

- ‌المطلب الثاني حكم الاستعانة بالكفار

- ‌الفرع الأول: حكم الاستعانة بالكفار على الكفار:

- ‌الفرع الثانى: حكم الاستعانة بالكفار على البغاة من المسلمين:

- ‌المطلب الثالث حكم الاستعانة بأهل البدع

- ‌الفرع الأول: تعريف البدعة لغة واصطلاحًا:

- ‌الفرع الثاني: أقوال الفقهاء في حكم الاستعانة بأهل البدع:

- ‌المطلب الرابع حكم الاستعانة بالكفار في الجوانب الأخرى

- ‌المبحث الثاني دفع المال للكفار حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الحدود

- ‌الفرع الأول: تعريف الحدود لغة:

- ‌الفرع الثاني: تعريف الحدود اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثاني الحكمة من الحدود وأهميتها

- ‌المطلب الثالث التمهيد إقامة الحدود

- ‌المطلب الرابع استبدال الحدود

- ‌المطلب الخامس الفرق بين تعطيل الحدود وتعطيل التعازير

- ‌المطلب السادس الحدود عام الرمادة

- ‌المطلب السابع حالات جواز تعطيل الحدود

- ‌المبحث الرابع الاعتراف بالاحتلال حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الاعتراف وأشكاله

- ‌الفرع الأول: الاعتراف في اللغة:

- ‌الفرع الثانى: الاعتراف اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثاني آثار الاعتراف ونتائجه

- ‌المطلب الثالث حكم الاعتراف بالاحتلال (الاحتلال الصهيونى نموذجًا)

- ‌المطلب الرابع بدائل الاعتراف بالكيان الصهيونى

- ‌المطلب الخامس الاعتراف الواقعي فى الفقه الإسلامي

- ‌المبحث الخامس بيع الأراضي للاحتلال حال الاستضعاف

- ‌المبحث السادس تسليم المطلوبين المسلمين ونحوهم (الذميين) فى حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف تسليم المطلوبين

- ‌المطلب الثانى أقوال الفقهاء في مسألة رد المسلم

- ‌المطلب الثالث بيان الفرق بين التسليم والرد

- ‌المطلب الرابع تسليم المطلوبين للدولة الكافرة حال الاستضعاف

- ‌الفرع الأول: الأدلة من القرآن الكريم:

- ‌الفرع الثانى: الأدلة من السنة النبوية:

- ‌الفرع الثالث: الأدلة من عمل الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفرع الرابع: الأدلة من المعقول:

- ‌المبحث السابع التجنس بجنسية دولة غير إسلامية حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الجنسية

- ‌المطلب الثانى الإقامة في دار الكفر

- ‌المطلب الثالث حصول المستضعف على جنسية الدولة الكافرة

- ‌المطلب الرابع التجنس الجماعي للمستضعفين

- ‌المبحث الثامن المشاركة فى الحكم حال الاستضعاف

- ‌المبحث التاسع نزع الحجاب حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الحجاب والنقاب

- ‌المطلب الثاني الأدلة على وجوب الحجاب

- ‌المطلب الثالث نزع الحجاب حال الاستضعاف

- ‌الفرع الأول: شروط نزع الحجاب حال الاستضعاف:

- ‌الفرع الثانى: شروط نزع النقاب حال الاستضعاف:

- ‌الفصل الثالث ما يُرخص به حال الاستضعاف

- ‌المبحث الأول كتمان الإسلام وشعائره حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الشعائر ومكانتها

- ‌الفرع الأول: الشعائر لغة:

- ‌الفرع الثانى: الشعائر اصطلاحًا:

- ‌الفرع الثالث: مكانة شعائر الإسلام وأهمية إظهارها:

- ‌المطلب الثاني كتمان الإسلام وإخفاء شعائره

- ‌المطلب الثالث المفاضلة بين إظهار الشعائر وإخفائها حال الاستضعاف

- ‌المطلب الرابع متى يجب كتمان الإسلام وشعائره

- ‌المطلب الخامس كتمان الجماعة للإسلام وإخفاء شعائره

- ‌المبحث الثانى استخدام المستضعف للحيلة ونحوها

- ‌المطلب الأول تعريف الحيلة وأنواعها

- ‌الفرع الأول: تعريف الحيلة في اللغة:

- ‌الفرع الثانى تعريف الحيلة اصطلاحًا:

- ‌الفرع الثالث: أنواع الحيلة:

- ‌المطلب الثاني الأدلة على مشروعية الحيلة للمستضعف

- ‌المطلب الثالث ما يلحق بالحيلة المشروعة

- ‌الفرع الأول: المعاريض:

- ‌الفرع الثانى: الكيد:

- ‌الفرع الثالث: التورية:

- ‌الفرع الرابع: النطق بكلمة الكفر:

- ‌المسألة الأولى: شروط النطق بكلمة الكفر:

- ‌المسألة الثانية: هل الأفضل النطق بكلمة الكفر أم الصبر

- ‌المسألة الثالثة: هل الأفضل في كل الأحوال عدم النطق بكلمة الكفر

- ‌المسألة الرابعة: النطق بكلمة الكفر لمجرد التهديد أو الخوف على المال:

- ‌المسألة الخامسة: هل الرخصة في القول أم القول والفعل

- ‌المسألة السادسة: هل يقاس على جواز النطق بكلمة الكفر ما دونها من الأفعال

- ‌المبحث الثالث استخدام المستضعف للتَقِيَّة

- ‌المطلب الأول تعريف التَقِيَّةُ

- ‌الفرع الأول: تعريف التَقِيَّةُ فى اللغة:

- ‌الفرع الثانى: تعريف التقية اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثانى أدلة مشروعية التقية

- ‌المطلب الثالث متى تكون التَّقِيَّةِ وشروط جوازها

- ‌المبحث الرابع استخدام المستضعف للمدارة والمداهنة

- ‌المطلب الأول تعريف المداراة وحكمها

- ‌الفرع الأول: تعريف المدارة لغة واصطلاحًا:

- ‌الفرع الثانى: حكم المداراة للمستضعف:

- ‌المطلب الثانى حكم المداهنة للمستضعف

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المراجع

الفصل: ‌الفرع الأول: المعاريض:

‌المطلب الثاني الأدلة على مشروعية الحيلة للمستضعف

لقد حث اللَّه عز وجل المستضعفين على الاحتيال للخلاص من الكفار والهجرة إلى المسلمين، وعذر من لم يكن لديه القدرة على ذلك، فقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} (1)، والآية نص في جواز الحيلة للمستضعفين.

قال ابن تيمية رحمه الله: "فَلَوْ احْتَالَ الْمُؤْمِنُ المُسْتَضْعَفُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ بَيْنِ الْكُفَّارِ لَكَانَ مَحْمُودًا فِي ذَلِكَ وَلَوْ احْتَالَ مُسْلِمٌ عَلَى هَزِيمَةِ الْكَافِرِ، كَمَا فَعَلَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، أَوْ عَلَى أَخْذِ مَالِهِ مِنْهُمْ، كَمَا فَعَلَ الْحَجَّاجُ بْنُ علاطة وَعَلَى قَتْلِ عَدُوٍّ للَّه وَلِرَسُولِهِ كَمَا فَعَلَ النَّفَرُ الَّذِينَ احْتَالُوا عَلَى ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ الْيَهُودِيِّ وَعَلَى قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَكَانَ مَحْمُودًا"(2).

* * *

‌المطلب الثالث ما يلحق بالحيلة المشروعة

ذكر العلماء أمثلة على الحيل المشروعة وما يلحق بها، ومن ذلك ما يلي:

‌الفرع الأول: المعاريض:

وهي في اللغة من التورية بالشيء عن الشيء، وأصله الستر، يقال: عرفته في معراض كلامه، وفي لحن كلامه، وفحوى كلامه، والتعريض خلاف التصريح (3).

(1) سورة النساء، الآيتان [97 - 98].

(2)

الفتاوى الكبرى، 3/ 190، وانظر: إعلام الموقعين، 3/ 240.

(3)

انظر: لسان العرب، والمصباح المنير، مادة: عرض.

ص: 376

والمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن المعنى اللغوي، قال ابن القيم رحمه الله:"المعاريض وهي: أن يتكلم الرجل بكلام جائز يقصد به معنى صحيحًا ويوهم غيره أنه يقصد به معنى آخر"(1)، وعرفت بأنها:" إضمار أمر وراء ما دل الظاهر عليه إما بزيادة أو نقصان أو تقييد مطلق أو تخصيص عام مع أنه لا ينبه السامع على أنه نوى ذلك لأنه لو نبهه عليه لما حصل المقصود"(2).

وقد اعتبرها ابن تيمية وابن القيم -رحمهما اللَّه- نوعًا من الحيل في الخطاب (3)، وصرح ابن القيم أن معاريض الفعل هى الحيل، وذهب الحافظ ابن حجر إلى أن المعاريض بالفعل أولى بالجواز (4).

ودليل مشروعيتها ما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنه قال: (ما في المعاريض ما يغني الرجل عن الكذب)(5)، وفي رواية: (إن في المعاريض ما يكف، أو يعف الرجل

(1) إعلام الموقعين، 3/ 234، وبقية كلامه:"فيكون سبب ذلك الوهم كون اللفظ مشتركًا بين حقيقتين لغويتين أو عرفيتين أو شرعيتين أو لغوية مع إحداهما أو عرفية مع إحداهما أو شرعية مع أحداهما فيعنى أحد معنييه ويوهم السامع له أنه إنا عنى الآخر، إما لكونه لم يعرف إلا ذلك، وإما لكون دلالة الحال تقتضيه، وإما لقرينة حالية، أو مقالية يضمها إلى اللفظ، أو يكون سبب التوهم كون اللفظ ظاهرًا في معنى، فيعنى به معنى يحتمله باطنًا، بأن ينوى مجاز اللفظ دون حقيقته، أو ينوي بالعام الخاص أو بالمطلق المقيد، أو يكون سبب التوهم كون المخاطب إنما يفهم من اللفظ غير حقيقته لعرف خاص به، أو غفلة منه أو جهل أو غير ذلك من الأسباب، مع كون المتكلم إنما قصد حقيقته"، وانظر: الفتاوى الكبرى، 3/ 205.

(2)

المحصول، 1/ 179.

(3)

انظر: الفتاوى الكبرى، 3/ 205، وإعلام الموقعين، 3/ 190.

(4)

انظر: فتح الباري، 3/ 470.

(5)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، باب المعاريض فيها مندوحة عن الكذب، رقم: 20630، 10/ 199.

ص: 377

عن الكذب) (1).

وقد بوب البخاري "باب المَعارِيضُ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الكَذِبِ"(2)، أي: سعة وفسحة، من الندح وهو الأرض الواسعة، يقال: ندحت الشيء إذا وسعته، وإنك لفي ندحة ومندوحة من كذا أي سعة، يعني أن في التعريض بالقول من الاتساع ما يغني الرجل عن تعمد الكذب (3)، "وفي ذلك طريقان أحدهما أن يتكلم بكلمة ويريد بها غير ما وضعت له الكلمة من حيث الظاهر إلا أن ما أراده يكون من محتملات لفظه الطريق الثاني أن يقيد الكلام بلعل وعسى وذلك بمنزلة الاستثناء يخرج الكلام به من أن يكون عزيمة"(4).

كما دل على جواز المعاريض، ما رواه أَبو هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لم يَكْذِبْ إبراهيم النَّبِيُّ عليه السلام قَطُّ إلا ثلاث كَذَبَاتٍ، ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ اللَّهِ (5) قوله:{إِنِّي سَقِيمٌ} (6)، وقوله:{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} (7)، وواحدة في شأن سارة، فإنه قَدِمَ أرض جَبَّارٍ ومعه سارة وكانت أَحْسَنَ الناس، فقال لها: إن هذا الجبار إن يعلم إنك امراتي يَغْلِبْنِى عليك، فإن سَألَكِ فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِي، فَإِنَّكِ أُخْتِي في الإسلام، فإني لا أعلم في الأرض

(1) أخرجه ابن أبى شيبة في المصنف، 5/ 282، رقم:26095.

(2)

قال ابن حجر رحمه الله في تغليق التعليق، 5/ 118:"هذا طرف من حديث أسنده المؤلف في الجنائز من حديث ابن عيينة عن إسحاق".

(3)

انظر: النهاية في غريب الأثر، 5/ 34، وفيض القدير، 2/ 472.

(4)

الفتاوى الهندية، لجنة علماء برئاسة نظام الدين البلخي، دار الفكر: بيروت، ط 1، 1411 هـ، 6/ 436.

(5)

"خصهما بذلك؛ لأن قصة سارة وإن كانت أيضًا في ذات اللَّه، لكن تضمنت حظا لنفسه ونفعا له"، فتح الباري، 6/ 392.

(6)

سورة الصافات، الآية [89].

(7)

سورة الأنبياء، الآية [63].

ص: 378

مسلما غَيْرِي وَغَيْرَكِ، فلما دخل أرضه رَآهَا بعض أهل الجبار أتاهُ، فقال له: لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغي لها أن تكون إلا لك، فأرسل إليها فأتى بها، فقام إبراهيم عليه السلام إلى الصلاة، فلما دخلت عليه لم يَتَمَالَكْ أن بَسَطَ يَدَهُ إليها، فَقُبِضَتْ يَدُهُ قَبْضَةً شَدِيدَةً، فقال لها: ادْعِي اللَّه أن يُطْلِقَ يَدِي ولا أَضُرُّكِ، فَفَعَلَتْ، فَعَادَ، فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنْ الْقَبْضَةِ الْأُولَى، فقال لها مثل ذلك، ففعلت، فعاد، فقبضت أشد من الْقَبْضَتَيْنِ الْأُولَيَبْنِ، فقال: ادْعِي اللَّه أن يطلق يُطْلِقَ فلك اللَّه أن لا أَضُرَّكِ، ففعلت، وأطلقت يده، ودعا الذي جاء بها، فقال له: إنك إنما أتَيْتَنِي بِشَيْطَانٍ، ولم تَأْتِني بإنسان، فَأَخْرِجْهَا من أرضي وَأَعْطِهَا هاجر، قال: فأقبلت تمشي فلما رآها إبراهيم عليه السلام انْصَرَفَ، فقال لها: مَهْيَمْ، قالت: خَيْرًا كَفَّ اللَّه يَدَ الْفَاجِرِ وَأَخْدَمَ خَادِمًا، قال أَبو هريرة: فتلك أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ) (1).

ومن فوائد الحديث: "مشروعية أخوة الإسلام، وإباحة المعاريض، والرخصة في الانقياد للظالم والغاصب، وقبول صلة الملك الظالم، وقبول هدية المشرك، وإجابة الدعاء بإخلاص النية، وكفاية الرب لمن أخلص في الدعاء بعمله الصالح"(2)، قال النووي رحمه الله:"وهذا كذب جائز بل واجب؛ لكونه في دفع الظالم فنبه النبي صلى الله عليه وسلم على أن هذه الكذبات ليست داخلة في مطلق الكذب المذموم"(3).

وحكمها للمستضعف أنها جائزة عند الحاجة، أما لغيره فالضابط أن كل ما وجب بيانه حرم التعريض فيه؛ لكونه كتمان للحق وتدليس كالإقرار والشهادة والعقود ووصفها والفتوى والقضاء ونحوه، وكل ما حرم بيانه فالتعريض فيه جائز، بل واجب بالنسبة

(1) أخرجه البخاري، كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى:{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [لنساء: 125]، رقم: 3179، ومسلم، كتاب الفضائل، باب من فضائل إبراهيم الخليل عليه السلام، رقم:2371.

(2)

فتح الباري، 6/ 394.

(3)

شرح النووي على صحيح مسلم، 15/ 124.

ص: 379

للمستضعف حتى وإن كان التعريض في اليمين (1)، قال ابن حجر رحمه الله:"ومحل الجواز فيما يخلص من الظلم، أو يحصل الحق، وأما استعمالها في عكس ذلك من إبطال الحق أو تحصيل الباطل فلا يجوز"(2)، وقال أيضًا:"ومشروعية المعاريض الموهمة إذا دعت الضرورة إليها، وشرط جوازها أن لا تبطل حقا لمسلم"(3).

ولذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من استعمال المعاريض ونحوها من غير حاجة أو ضرورة بل وعدها من الخيانة، فقال عليه الصلاة والسلام:(كَبُرَتْ خِيَانَةً أن تُحَدِّثَ أَخَاكَ حَدِيثًا هُوَ لَكَ بِهِ مُصَدِّقٌ وَأَنْتَ لَهُ بِهِ كَاذِبٌ)(4)؛ وسبب اعتباره خيانة "لأنه ائتمنك فيما تحدثه به، فإذا كذبته فقد خنت أمانته، وخنت أمانة الإيمان، فيما أوجب من نصيحة الإخوان"(5).

ومتى ما أمكن المستضعف التخلص من الظلم أو العذاب بالمعاريض فهو أولى من الكذب، فإن لم يقدر أو لم يعرف جاز له صريح الكذب (6)، قال ابن حجر رحمه الله:"اتفقوا -أي العلماء- على جواز الكذب عند الاضطرار، كما لو قصد ظالم قتل رجل وهو مختف عنده فله أن ينفي كونه عنده ويحلف على ذلك ولا يأثم واللَّه أعلم"(7).

(1) انظر: الفتاوى الكبرى، 3/ 206.

(2)

فتح الباري، 10/ 595.

(3)

المرجع السابق، 3/ 171، وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 14/ 124.

(4)

أخرجه أَبو داود، كتاب الأدب، باب في المعاريض، رقم: 4971، وأحمد في المسند، 4/ 183، رقم: 17672، قال في مجمع الزوائد، 1/ 142:"رواه أحمد عن شيخه عمر بن هرون، وقد وثقه قتيبة وغيره، وضعفه ابن معين وغيره، وبقية رجاله ثقات".

(5)

التيسير بشرح الجامع الصغير، 2/ 205.

(6)

انظر: الفروع، 6/ 486.

(7)

فتح الباري، 5/ 300.

ص: 380