الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس القوة الإعلامية
أقسم اللَّه عز وجل بالقلم فقال سبحانه: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} (1)، وهو القلم المعروف عند الناس على أحد أوجه التفسير، وأقسم اللَّه به لما فيه من المنافع والحكم (2)، وإن الجهاد يكون بالسنان وكذلك بالبيان، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)(3).
قال ابن تيمية: "من المعلوم أن القتال إنما شرع للضرورة ولو أن الناس آمنوا بالبرهان والآيات لما احتيج إلى القتال فبيان آيات الإسلام وبراهينه واجب مطلقا وجوبا أصليًا، وأما الجهاد فمشروع للضرورة. . . ومعلوم أن ظهور الإسلام بالعلم والبيان قبل ظهوره باليد والقتال، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مكث بمكة ثلاث عشرة سنة يظهر الإسلام بالعلم والبيان والآيات والبراهين فآمنت به المهاجرون والأنصار طوعًا واختيارًا بغير سيف، لما بان لهم من الآيات البينات والبراهين والمعجزات، ثم أظهره بالسيف، فإذا وجب علينا جهاد الكفار بالسيف ابتداء ودفعًا فلأن يجب علينا بيان الإسلام وإعلامه ابتداء ودفعًا لمن يطعن فيه بطريق الأولى والأحرى، فإن وجوب هذا قبل وجوب ذاك ومنفعته قبل منفعته، ومعلوم أنه يحتاج كل وقت إلى السيف، فكذلك هو محتاج إلى العلم والبيان
(1) سورة القلم، الآية [1].
(2)
انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، محمد بن أحمد الغرناطي الكلبي، لبنان: دار الكتاب العربي، ط 4، 1403 هـ، 4/ 137.
(3)
أخرجه أبو داود، كتاب، باب كراهية ترك الغزو، رقم: 2502، والنسائي، رقم: 3096، مسند الإمام أحمد، 3/ 124، رقم: 12268، والحاكم في المستدرك، 2/ 91 ، رقم: 2427، وقال:"صحيح على شرط مسلم"، ووافقه الذهبي.
وإظهاره بالعلم والبيان من جنس إظهاره بالسيف" (1)، وقال أيضًا: "الجهاد المكي بالعلم والبيان، والجهاد المدني مع المكي باليد والحديد، قال تعالى:{فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} (2)، وسورة الفرقان مكية، وإنما جاهدهم باللسان والبيان" (3). وقال ابن القيم رحمه الله:"الدعوة إلى اللَّه ورسوله جهاد بالقلب وباللسان، وقد يكون أفضل من الجهاد باليد"(4)، "فلا ينبغي أن يقتصر على جهاد أعداء اللَّه بالسنان، بل يُضم إليه الجهاد باللسان"(5)، وهذه النصوص تظهر أهمية الإعلام وأنه من الجهاد في سبيل اللَّه.
كما أن من وسائل الجهاد باللسان الشعر، ولأهميته في المعركة مع الكفار أثنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على حسان بن ثابت وأمره بهجائهم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرا في المسجد فيقوم عليه يهجو من قال في رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(إن روح القدس مع حسان ما نافح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم)(6)، لقد كان
(1) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق: د. علي ناصر، د. عبد العزيز العسكر، د. حمدان محمد، الرياض: دار العاصمة، ط 1، 1414 هـ، 1/ 238 - 239.
(2)
سورة الفرقان، الآية [52].
(3)
الفتاوى، 28/ 38.
(4)
أحكام أهل الذمة، محمد بن أبي بكر ابن القيم، تحقيق: يوسف أحمد البكري، شاكر توفيق العاروري، الدمام، بيروت: رمادى للنشر، دار ابن حزم، ط 1، 1418 هـ - 1997 م، 3/ 1254.
(5)
فيض القدير، 2/ 387.
(6)
أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب ما جاء في الشعر، رقم:5015. وفي رواية مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل حسان بن ثابت، رقم: 2490، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: (إن روح الْقُدُسِ لا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ ما نَافَحْتَ عن اللَّه ورسوله)، وقالت: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (هَجَاهُمْ حسان فَشَفَى وَاشْتَفَى).
الشعر جزءًا مما يسمى اليوم الحرب الإعلامية، ولكل عصر وسائله ومزاياه، ونحن نرى اليوم قدرة وسائل الإعلام وتأثيرها على القرار السياسي وعلى الرأي العام، لقدرتها على نقل الصورة وما يشكله ذلك من أهمية وتأثير، ولذا أخبرنا الرسول الكريم بأن السماع ليس كالمشاهدة والرؤية، بقوله صلى الله عليه وسلم:(لَيْسَ الخُبَرُ كَالمُعَايَنَةِ إن اللَّه عز وجل أَخْبَرَ مُوسَى بِمَا صَنَعَ قَوْمُهُ في الْعِجْلِ فَلَمْ يُلْقِ الْأَلْوَاحَ فَلَمَّا عَايَنَ مَا صَنَعُوا أَلْقَى الْأَلْوَاحَ فَانْكَسَرَتْ)(1)، ومن فوائد هذا الحديث الإشارة إلى أثر الرؤية والمشاهدة على الإنسان وعلى تصرفاته، وقد قيل: إن بين الحق والباطل أربعة أصابع، إشارة إلى المسافة بين العين والأذن، وقد وقع لرسولنا صلى الله عليه وسلم مثل ما وقع مع أخيه موسى عليه السلام، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال:(أَرْسَلَتْ ابْنَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ فَأْتِنَا، فَأَرْسَلَ يُقْرِىءُ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: (إِنَّ للَّه مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ)، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ، فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ، قَالَ: حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ: (كَأَنَّهَا شَنٌّ)، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّه مَا هَذَا؟ فَقَالَ: (هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّه فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّه مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ)(2)، فحبيبنا صلى الله عليه وسلم لم يبك عندما أرسلت له ابنته زينب رضي الله عنها أن ابنها يحتضر، ولكنه صلى الله عليه وسلم سرعان ما فاضت عيناه بالدمع وبكى لما رآه، فليس من سمع كمن رأى.
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك، 2/ 351، رقم: 3250، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، وصحيح ابن حبان، 14/ 96، رقم: 6213، والإمام أحمد في مسنده، 1/ 271، رقم: 2447، قال الهيثمي في مجمع الزوائد، 1/ 153:"رجاله رجال الصحيح".
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:(يعذب اللَّه)، رقم: 1224، ومسلم، كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، رقم:923.