المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس بيع الأراضي للاحتلال حال الاستضعاف - الاستضعاف وأحكامه في الفقه الإسلامي

[زياد بن عابد المشوخي]

فهرس الكتاب

- ‌تقريظ

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول تعريف الاستضعاف وأنواعه ومظاهره

- ‌الفصل الأول: تعريف الاستضعاف

- ‌المبحث الأول: تعريف الاستضعاف

- ‌المطلب الأول: تعريف الاستضعاف لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الاستضعاف اصطلاحًا

- ‌المبحث الثاني: مفهوم الاستضعاف في القرآن الكريم

- ‌المبحث الثالث: مفهوم الاستضعاف في الأحاديث النبوية

- ‌المبحث الرابع: بيان الألفاظ ذات الصلة

- ‌المطلب الأول: تعريف الإكراه

- ‌الفرع الأول: تعريف الإكراه لغة:

- ‌الفرع الثاني: تعريف الإكراه اصطلاحًا:

- ‌الفرع الثالث: استخدام الفقهاء لكلمة الإكراه:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الاضطرار

- ‌الفرع الأول: تعريف الاضطرار لغة:

- ‌الفرع الثاني: تعريف الاضطرار اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثالث: الفرق بين الضرورة والحاجة

- ‌المطلب الرابع: تعريف الاضطهاد

- ‌المبحث الخامس: المقارنة بين الاستضعاف والألفاظ ذات الصلة

- ‌الفصل الثاني: أنواع الاستضعاف ومظاهره

- ‌المبحث الأول: أنواع الاستضعاف

- ‌المطلب الأول: تقسيم الاستضعاف باعتبار درجته

- ‌المطلب الثاني: تقسيم الاستضعاف باعتبار من يقع عليه

- ‌المطلب الثالث: تقسيم الاستضعاف باعتبار الاعتذار به

- ‌المبحث الثاني: العلاقة بين مرحلة الاستضعاف والمرحلة المكية

- ‌المبحث الثالث: مظاهر الاستضعاف

- ‌المبحث الرابع: استحكام الاستضعاف فى الأرض

- ‌الباب الثاني أسباب الاستضعاف ووسائل دفعه وضوابطها

- ‌الفصل الأول أسباب الاستضعاف

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول أسباب الاستضعاف الداخلية

- ‌المطلب الأول انشقاق المسلمين وتفرقهم

- ‌المطلب الثانى العصبية والعنصرية بين المسلمين

- ‌المطلب الثالث عدم الأخذ بأسباب القوة

- ‌المبحث الثاني أسباب الاستضعاف الخارجية

- ‌المطلب الأول الاحتلال والاستعمار وما خلفه من آثار

- ‌المطلب الثانى الغزو الفكري والثقافي

- ‌المطلب الثالث الحصار بمختلف أشكاله وصوره

- ‌الفصل الثاني وسائل دفع الاستضعاف

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول الأخد بأسباب القوة

- ‌المطلب الأول قوة العقيدة

- ‌المطلب الثانى القوة العسكرية

- ‌المطلب الثالث القوة الاقتصادية

- ‌المطلب الرايع القوة السياسية

- ‌المطلب الخامس القوة الإعلامية

- ‌المطلب السادس القوة المعنوية

- ‌المبحث الثانى الوحدة الإسلامية

- ‌المبحث الثالث الدخول في الجوار

- ‌المطلب الأول تعريف الجوار لغة واصطلاحًا

- ‌المطلب الثاني الأدلة على مشروعية الجوار

- ‌المبحث الرابع المعاهدات والتحالفات

- ‌المطلب الأول تعريف المعاهدة والحلف

- ‌الفرع الأول: تعريف المعاهدات لغة:

- ‌الفرع الثاني: تعريف المعاهدات اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثانى الأدلة على مشروعية المعاهدات والتحالفات

- ‌المطلب الثالث الحلف في الإسلام

- ‌المطلب الرابع التقاء مصالح المستضعفين مع الكفار

- ‌المبحث الخامس الجهاد

- ‌المبحث السادس الهجرة

- ‌المطلب الأول تعريف الهجرة لغة واصطلاحًا

- ‌الفرع الأول: تعريف الهجرة في اللغة:

- ‌الفرع الثاني: تعرف الهجرة اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثانى الأدلة على مشروعية الهجرة

- ‌المطلب الثالث أهمية الهجرة ومكانتها وبقائها

- ‌الفصل الثالث الأمور والضوابط التي ينبغي على المستضعفين الأخذ بها ومراعاتها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول تفاوت قدرات المستضعفين

- ‌المبحث الثانى التفريق بين استضعاف العَالِم واستضعاف غيره

- ‌المبحث الثالث تقدير الضرورة والحاجة يكون بالرجوع إلى أهل العلم

- ‌المبحث الرابع عدم الركون للاستضعاف

- ‌المبحث الخامس الأخذ بضوابط العمل بالضرورة والحاجة

- ‌المبحث السادس العمل بشروط الإكراه المعتبر

- ‌المبحث السابع مراعاة الفرق بين فقه الاستضعاف وفقه التمكين

- ‌المبحث الثامن العمل بآيات الصبر والصفح والعفو

- ‌الباب الثالث أحكام الاستضعاف

- ‌الفصل الأول المسائل المتعلقة بالاستضعاف

- ‌المبحث الأول الاستعانة بالكفار في القتال حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الاستعانة

- ‌المطلب الثاني حكم الاستعانة بالكفار

- ‌الفرع الأول: حكم الاستعانة بالكفار على الكفار:

- ‌الفرع الثانى: حكم الاستعانة بالكفار على البغاة من المسلمين:

- ‌المطلب الثالث حكم الاستعانة بأهل البدع

- ‌الفرع الأول: تعريف البدعة لغة واصطلاحًا:

- ‌الفرع الثاني: أقوال الفقهاء في حكم الاستعانة بأهل البدع:

- ‌المطلب الرابع حكم الاستعانة بالكفار في الجوانب الأخرى

- ‌المبحث الثاني دفع المال للكفار حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الحدود

- ‌الفرع الأول: تعريف الحدود لغة:

- ‌الفرع الثاني: تعريف الحدود اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثاني الحكمة من الحدود وأهميتها

- ‌المطلب الثالث التمهيد إقامة الحدود

- ‌المطلب الرابع استبدال الحدود

- ‌المطلب الخامس الفرق بين تعطيل الحدود وتعطيل التعازير

- ‌المطلب السادس الحدود عام الرمادة

- ‌المطلب السابع حالات جواز تعطيل الحدود

- ‌المبحث الرابع الاعتراف بالاحتلال حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الاعتراف وأشكاله

- ‌الفرع الأول: الاعتراف في اللغة:

- ‌الفرع الثانى: الاعتراف اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثاني آثار الاعتراف ونتائجه

- ‌المطلب الثالث حكم الاعتراف بالاحتلال (الاحتلال الصهيونى نموذجًا)

- ‌المطلب الرابع بدائل الاعتراف بالكيان الصهيونى

- ‌المطلب الخامس الاعتراف الواقعي فى الفقه الإسلامي

- ‌المبحث الخامس بيع الأراضي للاحتلال حال الاستضعاف

- ‌المبحث السادس تسليم المطلوبين المسلمين ونحوهم (الذميين) فى حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف تسليم المطلوبين

- ‌المطلب الثانى أقوال الفقهاء في مسألة رد المسلم

- ‌المطلب الثالث بيان الفرق بين التسليم والرد

- ‌المطلب الرابع تسليم المطلوبين للدولة الكافرة حال الاستضعاف

- ‌الفرع الأول: الأدلة من القرآن الكريم:

- ‌الفرع الثانى: الأدلة من السنة النبوية:

- ‌الفرع الثالث: الأدلة من عمل الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفرع الرابع: الأدلة من المعقول:

- ‌المبحث السابع التجنس بجنسية دولة غير إسلامية حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الجنسية

- ‌المطلب الثانى الإقامة في دار الكفر

- ‌المطلب الثالث حصول المستضعف على جنسية الدولة الكافرة

- ‌المطلب الرابع التجنس الجماعي للمستضعفين

- ‌المبحث الثامن المشاركة فى الحكم حال الاستضعاف

- ‌المبحث التاسع نزع الحجاب حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الحجاب والنقاب

- ‌المطلب الثاني الأدلة على وجوب الحجاب

- ‌المطلب الثالث نزع الحجاب حال الاستضعاف

- ‌الفرع الأول: شروط نزع الحجاب حال الاستضعاف:

- ‌الفرع الثانى: شروط نزع النقاب حال الاستضعاف:

- ‌الفصل الثالث ما يُرخص به حال الاستضعاف

- ‌المبحث الأول كتمان الإسلام وشعائره حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الشعائر ومكانتها

- ‌الفرع الأول: الشعائر لغة:

- ‌الفرع الثانى: الشعائر اصطلاحًا:

- ‌الفرع الثالث: مكانة شعائر الإسلام وأهمية إظهارها:

- ‌المطلب الثاني كتمان الإسلام وإخفاء شعائره

- ‌المطلب الثالث المفاضلة بين إظهار الشعائر وإخفائها حال الاستضعاف

- ‌المطلب الرابع متى يجب كتمان الإسلام وشعائره

- ‌المطلب الخامس كتمان الجماعة للإسلام وإخفاء شعائره

- ‌المبحث الثانى استخدام المستضعف للحيلة ونحوها

- ‌المطلب الأول تعريف الحيلة وأنواعها

- ‌الفرع الأول: تعريف الحيلة في اللغة:

- ‌الفرع الثانى تعريف الحيلة اصطلاحًا:

- ‌الفرع الثالث: أنواع الحيلة:

- ‌المطلب الثاني الأدلة على مشروعية الحيلة للمستضعف

- ‌المطلب الثالث ما يلحق بالحيلة المشروعة

- ‌الفرع الأول: المعاريض:

- ‌الفرع الثانى: الكيد:

- ‌الفرع الثالث: التورية:

- ‌الفرع الرابع: النطق بكلمة الكفر:

- ‌المسألة الأولى: شروط النطق بكلمة الكفر:

- ‌المسألة الثانية: هل الأفضل النطق بكلمة الكفر أم الصبر

- ‌المسألة الثالثة: هل الأفضل في كل الأحوال عدم النطق بكلمة الكفر

- ‌المسألة الرابعة: النطق بكلمة الكفر لمجرد التهديد أو الخوف على المال:

- ‌المسألة الخامسة: هل الرخصة في القول أم القول والفعل

- ‌المسألة السادسة: هل يقاس على جواز النطق بكلمة الكفر ما دونها من الأفعال

- ‌المبحث الثالث استخدام المستضعف للتَقِيَّة

- ‌المطلب الأول تعريف التَقِيَّةُ

- ‌الفرع الأول: تعريف التَقِيَّةُ فى اللغة:

- ‌الفرع الثانى: تعريف التقية اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثانى أدلة مشروعية التقية

- ‌المطلب الثالث متى تكون التَّقِيَّةِ وشروط جوازها

- ‌المبحث الرابع استخدام المستضعف للمدارة والمداهنة

- ‌المطلب الأول تعريف المداراة وحكمها

- ‌الفرع الأول: تعريف المدارة لغة واصطلاحًا:

- ‌الفرع الثانى: حكم المداراة للمستضعف:

- ‌المطلب الثانى حكم المداهنة للمستضعف

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المراجع

الفصل: ‌المبحث الخامس بيع الأراضي للاحتلال حال الاستضعاف

‌المبحث الخامس بيع الأراضي للاحتلال حال الاستضعاف

الأصل في التعامل مع الكافر في البيع أو الشراء هو الحل والإباحة، إلا أنه عندما تتعرض دولة إسلامية للاحتلال، فإن قاعدة سد الذرائع تقتضي تحريم المباح إذا أفضى إلى حرام، فهل يجوز للمسلمين بيع الأراضي أو العقارات أو تأجيرها على الكافر المحارب؟

إن عموم الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول تدل بوضوح على حرمة التعامل مع الاحتلال في أي أمر من شأنه أن يزيدهم قوة وتسلطًا على المسلمين، ويُطيل من أمد بقائهم في ديار الإسلام، ومن جملة هذه الأدلة ما يلي:

1 -

قال تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1)، وفي بيع الأرض أو تأجير العقار للكافر المحارب فردًا أو جماعة إعانة لهم على العدوان ومحاربة المسلمين.

2 -

قال تعالى: {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (2)، قال ابن القيم رحمه الله:"ومن أعظم السبيل تسليط الكافر على انتزاع أملاك المسلمين منهم وإخراجهم منها قهرًا"(3)، فإن من يملك الأرض ملك كل شيء.

3 -

قال اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (4)، إن بيع الأرض أو العقارات وتأجيرها للمحاربين فيه خيانة عظيمة للمسلمين.

(1) سورة المائدة، من الآية [2].

(2)

سورة النساء، من الآية [141].

(3)

أحكام أهل الذمة، 1/ 593.

(4)

سورة الأنفال، الآيتان [27 - 28].

ص: 300

4 -

حرم الفقهاء بيع السلاح للكفار المحاربين وكل ما يُستعان به في القتال ضد المسلمين (1)، ونقل النووي رحمه الله الإجماع على ذلك، فقال:"وأما بيع السلاح لأهل الحرب فحرام بالإجماع"(2)، كما ذهب الفقهاء إلى تحريم بيع الطعام، أو بيع الدار أو تأجيرها لمن يتخذنها كنيسة أو معبدًا أو من يجعل فيها الخمر (3)، وبيع الأرض للكافر المحارب عون له على القتال ضد المسلمين، بل هو أعظم من بيع السلاح له، فهو إنما يشتري السلاح ليحتل الأرض، وببيعها له فإن يحصل على مراده دون الحاجة إلى السلاح.

5 -

قال صلى الله عليه وسلم: (المُسْلِمُ أَخو المُسْلِمِ لا يظلمه ولا يُسْلِمُهُ)(4)، وفي بيع السلاح للكافر المحارب خذلان للمسلم وإسلام وظلم له.

6 -

عن علي رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (لعن اللَّه من لعن والده، ولعن اللَّه من ذبح لغير اللَّه، ولعن اللَّه من آوى مُحدِثًا، ولعن اللَّه من غيَّرَ منار الأرض (5)) (6).

(1) فتح الباري، 4/ 410، ومرقاة المفاتيح، 6/ 93، والبحر الرائق، 5/ 86، والوسيط، محمد بن محمد الغزالي، تحقيق: أحمد محمود، دار السلام: القاهرة، ط 1، 1417 هـ، 3/ 69.

(2)

المجموع، 9/ 335.

(3)

انظر: مواهب الجليل، 4/ 254، والفروع، 2/ 336.

(4)

أخرجه البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، رقم: 2310، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم:2580.

(5)

منار الأرض: "بفتح الميم: علامات حدودها، جمع منارة، وهي العلامة التي تجعل بين حدين للجارين، وتغييرها أن يدخلها في أرضه فيكون في معنى الغاصب"، فيض القدير، 5/ 275.

(6)

أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب حرم المدينة، رقم: 1771، ومسلم، باب تحريم الذبح لغير اللَّه تعالى ولعن فاعله، رقم:1978.

ص: 301

والمراد بالمحدث هو من يأتي بفساد في الأرض بفعل جناية أو معصية توجب الْحَدَّ أو بدعة في الدين أو ظلم (1)، "ومن أَعظَمِ الحَدَثِ تَعطِيلُ كتابِ اللَّه وسُنَّةِ رسُولهِ، وإِحدَاثُ ما خَالفَهُمَا، وَنَصرُ من أَحدَثَ ذلك والذَّبُّ عنه"(2)، قال ابن تيمية رحمه الله:"ومن آوَى مُحَارِبًا، أَو سَارِقًا، أَو قَاتِلًا ونَحْوَهُم، ممَّن وجب عَلَيْهِ حَدٌّ أَو حَقٌّ للَّه تَعَالَى أَو لآدَمِيَّ، ومَنَعَهُ مِمَّن يَسْتَوْفِي منْهُ الوَاجِبَ بِلا عُدْوَانٍ، فَهُوَ شَرِيكُهُ في الجُرْمِ. ولقد لَعَنَهُ اللَّه ورَسُولُهُ"(3)، فمن آوى المحاربين فقد شاركهم في الإثم فاستحق اللعنة، وكذلك من غير منار الأرض وتلاعب بعلاماتها، ولا شك أن من باع الأرض للكافر المحارب أو أجرها له يكون أشد إثمًا، وأعظم ضررًا على المسلمين، فمن غير منار أرض سرق أمتارًا أو أقل له ولذريته وهو مسلم، أما من باعها للمحتل فقد سرق أرض الأمة، وأجيال المسلمين وتنازل عن تضحيات من حفظها وفتحها، وباع حق القادم من أبنائها، ولا عذر له بالاضطرار، لأن الاضطرار لا يسقط حق الغير كما هو مقرر لدى الفقهاء (4).

(1) والمحدث: "بضم أوله وسكون الحاء المهملة وبعد الدال مثلثة، أي" أحدث المعصية"، فتح الباري، 13/ 281، وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 13/ 141، وتبيين الحقائق، 4/ 135، وفتح الباري، 13/ 281، والمفهم لما أشكَل من تَلخِيصِ كتاب مُسلم، أحمد بن عمر القرطبي، تحقيق: محيي الدين ديب، ويوسف بديوي، وأحمد السيد، ومحمود بزال، دار ابن كثير، ودار الكلم الطيب: دمشق - بيروت، ط 1، 1417 هـ، 3/ 487.

(2)

إعلام الموقعين، 4/ 405.

(3)

السياسة الشرعية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد: المملكة العربية السعودية، ط 1، 1419 هـ، ص 119.

(4)

انظر: درر الحكام، 1/ 38، وقواعد الفقه، 1/ 60، وشرح القواعد الفقهية، 1/ 213، وحاشية ابن عابدين، 3/ 391.

ص: 302

7 -

أنه عليه الصلاة والسلام هم أن يُصالح غَطفان على شطر ثمار المدينة ليكفوا عن المدينة ويفرق الأحزاب وكتب بذلك صحيفة (1).

ووجه الدلالة: أن أقصى ما أراد أن يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم في حال الضرورة (2) هو أن يعطي الكفار جزءًا من الثمار، ومع هذا رفض الصحابة رضي الله عنهم هذا الأمر، فدل هذا على عدم جواز بيعهم الأرض حال الضرورة.

8 -

ما رواه عمران بن حصين (3) موقوفًا: (نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع السلاح في الفتنة)(4)، وهذا النهي مرتبط بالزمان، وإن كان الأصل جواز بيع السلاح للمسلمين، فإن منع بيع الأرض للمحتل أو لمن يبيعها له أشد ضررًا وخطرًا من بيع السلاح حال الفتنة.

(1) سبق تخريجه ص 61.

(2)

انظر: شرح السير الكبير، 5/ 1695.

(3)

عمران بن حصين بن عبيد بن خلف بن كعب بن عمرو الخزاعي، يكنى أبا نجيد بابنه نجيد، وكان إسلامه هو وأبو هريرة عام خيبر وغزا عدة غزوات، وكان صاحب راية خزاعة يوم الفتح، وقال الطبراني أسلم قديما هو وأبوه وأخته، وكان ينزل ببلاد قومه ثم بعثه عمر رضي الله عنه إلى البصرة ليفقه أهلها، اعتزل الفتنة فلم يقاتل فيها، مات بالبصرة سنة اثنتين وخمسين في خلافة معاوية رضي الله عنهما، انظر: الإصابة في تمييز الصحابة، 4/ 705، والاستيعاب في معرفة الأصحاب، 3/ 1208.

(4)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، 5/ 327، رقم: 10561، ومسند البزار، 9/ 63، رقم: 3589، قال في شرح فتح القدير، 5/ 461:"وأخرجه ابن عدي في الكامل عن محمد بن مصعب القرقساني، وقد اختلف فيه، ضعفه ابن معين، وقال ابن عدي: وهو عندي لا بأس به، ونقل عن أحمد نحو ذلك"، وفى نصب الراية، 3/ 391:"والصواب موقوف"، وفي مجمع الزوائد، 4/ 87:"فيه بحر بن كنيز السقاء، وهو متروك"، وفي تلخيص الحبير، 3/ 18:"رواه بن عدي والبزار والبيهقي مرفوعًا وهو ضعيف، والصواب وقفه وكذلك ذكره البخاري تعليقًا".

ص: 303

9 -

ومن المعقول أن بيع الأراضي للاحتلال قد يؤدي إلى تحول الدار من دار إسلام إلى دار حرب مع مرور السنين، وقد منع الفقهاء المسلم في حال قدرته على الامتناع في دار الحرب أن يهاجر منها لئلا يصير موضعه دار حرب، قال النووي رحمه الله:"إن قدر -أي: المسلم- على الامتناع في دار الحرب والاعتزال، وجب عليه المقام بها؛ لأن موضعه دار إسلام، فلو هاجر لصار دار حرب، فيحرم ذلك"(1)، وبالتالي فإن بيع الأرض للكافر المحارب أشد حرمة وضررًا؛ "لأن حفظ الموجود أولى من تحصيل المفقود، ودفع الضرر أولى من جلب النفع"(2).

10 -

إن من أركان الدولة الأساسية في النظم الوضعية المعاصرة هي: السكان (الشعب)، الأرض، السلطة الحاكمة (3)، فإن تم بيع الأرض للمحتل تبعه مع مرور الوقت خروج السكان، لاسيما مع فرض الاحتلال للقوانين التي ترتبط بتملك الأرض والعقار، واستغلاله للقوانين والأنظمة حتى إذا تمكن من الأرض وضيق على السكان وأخرجهم، تذرع بالاستفتاء أو الانتخابات ونحوها من الأنظمة لاكتساب القانونية وإضفاء الشرعية على وجوده.

11 -

ذهب الحنابلة إلى عدم جواز الشفعة للذمي على المسلم خلافًا للجمهور (4)، واستدلوا لهذا المنع بأن الشفعة من حقوق المسلمين بعضهم على بعض فلا حق للذمي

(1) روضة الطالبين، 10/ 282.

(2)

انظر: قواعد الأحكام في مصالح الأنام، 1/ 81.

(3)

انظر: مبادىء القانون الدولي العام، محمد حافظ غانم، مطبعة النهضة الجديدة: القاهرة، ط 1، 1967 م، ص 146، ومعالم الدولة الإسلامية، محمد سلام مدكور، مكتبة الفلاح: الكويت، ط 1، 1983 م، ص 57، والدولة الإسلامية المعاصرة الفكرة والتطبيق، جمال الدين محمد محمود، دار الكتاب المصري: القاهرة، ودار الكتاب اللبناني: بيروت، ط 1، 1413 هـ، ص 19.

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي، 14/ 93، والأم، 4/ 213، ومواهب الجليل، 5/ 311.

ص: 304

فيها، وبالأمر الوارد باضطرارهم إلى أضيق الطريق (1)، ولم يجعل لهم حقًا في الطريق المشترك عند تزاحمهم مع المسلمين، فكيف يجعل لهم حقًا إلى انتزاع ملك المسلم منه قهرًا، بل هذا تنبيه على المنع من انتزاع الأرض من يد المسلم وإخراجه منها لحق الكافر لنفي ضرر الشركة عنه، وضرر الشركة على الكافر أهون عند اللَّه من تسليطه على إزالة ملك المسلم عنه قهرًا، ولأن حق الشفعة للذمي يتضمن مع إضراره بالمسلم إضرارًا بالدين، وتملك دار المسلمين منهم قهرًا وشغلها بما يُسخط اللَّه بدل ما يرضيه وهذا خلاف قواعد الشرع، كما أن الذمي تبع لنا في الدار وليس بأصل من أهل الدار، وتملكه فيها من باب الضرورة (2). فإن كان هذا الأمر في شأن الذمي الذي هو من رعايا الدولة الإسلامية وتبع لها ويدفع الجزية مع الصغار، واختلاف الفقهاء في مسألة حق الشفعة للذمي فيه إشارة لعدالة الإسلام معهم، وذلك الخلاف في حال الأمن من شرهم وخضوعهم لأحكام المسلمين، فكيف الحال ببيع الأرض أو الدار للكافر المحارب؟.

(1) لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقه)، أخرجه الترمذي، كتاب السير، باب ما جاء في التسليم على أهل الذمة، رقم: 2700، وقال:"حديث حسن صحيح"، وابن حبان في صحيحه، 2/ 253، رقم: 500، قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري، 11/ 40:"معناه لا تتنحوا لهم عن الطريق الضيق إكراما لهم واحتراما، وعلى هذا فتكون هذه الجملة مناسبة للجملة الأولى في المعنى، وليس المعنى إذا لقيتموهم في طريق واسع فألجئوهم إلى حرفه حتى يضيق عليهم؛ لأن ذلك أذى لهم وقد نهينا عن أذاهم بغير سبب".

(2)

انظر: اقتضاء الصراط، 1/ 242 - 243، وأحكام أهل الذمة، 1/ 591 - 593، والمغني، 5/ 224.

ص: 305

وخلاصة هذه المسألة: عدم جواز بيع الأرض أو تأجيرها على الكافر المحارب، وقد أصدر مؤتمر علماء فلسطين الأول في 25 يناير 1935 م فتوى بالإجماع تحرِّم بيع أي شبر من أراضي فلسطين لليهود، ويعدُّ البائع والسمسار والوسيط المستحل للبيع مارقين من الدين، خارجين من زمرة المسلمين، وحرمانهم من الدفن في مقابر المسلمين، ومقاطعتهم في كل شيء والتشهير بهم (1)، وإن كان لفلسطين خصوصية وأهمية، إلا أن الأدلة التي وردت كفيلة للدلالة على أن هذا الحكم يشمل كل بلاد الإسلام.

* * *

(1) انظر: موسوعة الأسئلة الفلسطينية، ص 220 - 269.

ص: 306