الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
وردت النصوص الشرعية في بيان بعض الوسائل التي من شأنها أن تدفع الاستضعاف، كالهجرة، والدخول في الجوار، والمعاهدات والتحالفات، والأمر بالأخذ بأسباب القوة، وهي ما سوف يستعرضه هذا الفصل من خلال ستة مباحث، وهي:
المبحث الأول الأخد بأسباب القوة
أمرنا اللَّه عز وجل بالإعداد والأخذ بأسباب القوة، وحذرنا سبحانه من الترف والركون إلى الكفار، كما أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالأخذ بأسباب القوة في شتى المجالات، إلا أن هنالك مجالات لا يمكن إهمالها، وإلا فلن يدفع الاستضعاف، ولن تتغير الأحوال، وهذه المجالات ستتطرق لها المطالب التالية:
المطلب الأول قوة العقيدة
إن كانت الوحدة من أهم أسباب قوة المسلمين، فإنها لا يمكن أن تتم بلا رابطة العقيدة، فهي رابطة التجمع الأساسية في المجتمع الإسلامي، والذي تعتبر فيه العقيدة هي الجنسية (1)، وهي سر الثبات والصبر ومنبع القوة المعنوية رغم الضعف المادي، وعندما كان بنو مخزوم يعذبون عمار بن ياسر وأبوه وأمه، ما كان يملك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلا أن يقول لهم:(صبرا يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة)(2)، وعن خباب ابن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر
(1) انظر: معالم في الطريق، ص 109.
(2)
أخرجه الحاكم في المستدرك، 3/ 432، رقم: 5646، وقال:"صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وقال في مجمع الزوائد 9/ 293:"رواه الطبراني ورجاله ثقات".
لنا ألا تدعو اللَّه لنا، فاحمر لونه أو تغير، فقال:(كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه، واللَّه ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا اللَّه أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون)(1).
ولما توعّد فرعون بني إسرائيل جزعوا وتضجّروا فسكنهم موسى عليه السلام وأمرهم (بالاستعانة باللَّه وبالصبر وسلاهم ووعدهم النصر وذكرهم بوعد اللَّه لهم بإهلاك القبط وتوريثهم أرضهم وديارهم)(2)، قال تعالى:{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (3)، فكانت العاقبة كما قال سبحانه:{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} (4).
إن العقيدة هي الأساس والمنطلق لدعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام، وبقدر قوتها يكون عطاء المسلم وبذله وتضحيته وصبره، والإيمان باللَّه عز وجل يكسب قوة الإرادة
(1) أخرجه البخاري، كتاب، باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر، رقم: 3416، وابن حبان، 7/ 156، رقم: 2897، والإمام أحمد في مسنده، 5/ 109، رقم:21095.
(2)
انظر: البحر المحيط، محمد بن يوسف أبو حيان الأندلسي، بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، 1422 هـ، 4/ 367.
(3)
سورة الأعراف، الآية [128].
(4)
سورة الأعراف، الآية [137].