الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني أسباب الاستضعاف الخارجية
الأسباب الخارجية التي أدت إلى استضعاف المسلمين متعددة ونعرض فى هذا المبحث لأبرز الأسباب من خلال المطالب التالية:
المطلب الأول الاحتلال والاستعمار وما خلفه من آثار
لقد تسابقت الدول الأوروبية إلى احتلال العالم الإسلامي أثناء وبعد سقوط الخلافة العثمانية، ومن أبرز هذه القوى الاستعمارية بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، فاستولت بريطانيا على مناطق، وفرنسا على أخرى، وإيطاليا على ثالثة، وروسيا وألمانيا وهولندا وبلجيكا وأسبانيا والبرتغال على مناطق أخرى، وكان من أخطر نتائج هذا الاحتلال تفتيت العالم الإسلامي إلى دويلات (1).
ولم تقتصر آثار الاستعمار على تقسيم العالم الإسلامي بل امتدت مخططاته للهدم لتطال كل شيء، وأول تلك الأمور العقيدة الإسلامية، فهو دائب على تخريج أجيال ملحدة، بإشاعة المنكر والفحشاء، وغايته القضاء على الإسلام في أوطانه، لقد التقت لديه الأحقاد الدينية مع الأطماع الدنيوية، وإن قسوة الاستعمار في الأماكن التي سيطر عليها كانت منسجمة مع قسوة الغربيين وجلافتهم وقرب عهدهم بالهمجية والتخلف، كما أن عقيدة الفداء ما تحدثه من آثار سلبية تزيد هذه الوحشية ضراوة عند النصارى عن غيرهم؛ لكونها تمنحهم الاعتقاد بالنجاة على الرغم من جرائمهم، إذ يكفي الإيمان بالمسيح لينجوا أو حتى الحصول على صك غفران، وعليه فهو لا يبالي بالوحشية والقسوة التي يتعامل بها مع الشعوب المستضعفة، ومع فقد النصرانية لوسائل الإقناع وعجز رجال الكنيسة عن
(1) حاضر العالم الإسلامي الواقع والتحديات، د. عفاف سيد صبرة، د. مصطفى محمد الحناوي، الرياض: مكتبة الرشد، ط 1، 1424 هـ، ص 127 - 151.
شرح العقائد النصرانية في ضوء المعطيات العقلية، فإن الاستعمار ومنطق القوة هو الوسيلة لنشر النصرانية (1).
عمل المستعمرون في البلاد التي احتلوها على فصل الدين عن الدولة وإلغاء الحكم الإسلامي، وإخضاع نظم البلاد للقوانين الوضعية، وإلغاء القضاء الإسلامي، والقضاء على اللغة العربية، ونشر لغة المستعمر والتعليم العلماني والضغط على التعليم الإسلامي، وإفساد أخلاق الشعوب المسلمة ونشر الإباحية، واستغلال خيرات البلاد الإسلامية، وربط الاقتصاديات والنقد بدولة الاستعمار، والسيطرة على وسائل الإعلام لتوجيه الرأي العام، والقضاء على حركات الجهاد الإسلامي، وتربية أجيال موالية للدول الاستعمارية (2).
وكان من أبرز نتائج الاحتلال والاستعمار إقامة الكيان الصهيوني في وسط العالم الإسلامي لتلتقي النصرانية مع اليهودية على محاربة الإسلام وأهله، ولا زال الغرب يمده بكل ما يحتاجه ليكون الأقوى في المنطقة في كل الجوانب، كما أوجد الفرق الضالة ورعاها، كالقاديانية والبهائية وغيرها، ولم يحل الاستعمار في بلد إلا وأثار الفتن الداخلية فيه والدعوات الشعوبية أو القبلية أو المذهبية بغية تمزيق الأمة وإضعاف وحدة الشعوب المغلوبة، ولتحقيق أكبر المكاسب الممكنة فإنه لا يخرج إلا وقد شكل الحكومات التي تخلفه ممن أعدهم في جامعاته أو في كنائسه لأنهم وحدهم موضع الثقة ومناط الكفاية بل ومصدر التشريع لديه، حتى أصبح الاستقلال أسوأ من الاستعمار وأشد وطأة منه (3).
(1) انظر: الاستعمار أحقاد وأطماع، د. محمد الغزالي، القاهرة: نهضة مصر، ط 2، د. ت، ص 11 - 18.
(2)
انظر: أجنحة المكر الثلاثة، عبد الرحمن حبنكة الميداني، دمشق: دار القلم، ط 5، 1407 هـ، ص 176 - 179.
(3)
انظر: الاستعمار أحقاد وأطماع، ص 58 - 59، وأجنحة المكر الثلاثة، ص 273 - 280، والفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار، محمد البهي، القاهرة: مكتبة وهبه، ط 11، 1985 م، 41 - 42، 49، 63 - 65، الغزو الثقافي - الأجنبي للأمة العربية ماضيه وحاضره، حسين عبد اللَّه بانبيلة، الرياض: الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ط 1، 1409 هـ، 133 - 168.
لم يكتف الاستعمار بتقسيم العالم الإسلامي بل حرص على تقسيم كل بلد تقسيمًا داخليًا، وأضاف إلى تلك التقسيمات تقسيم العالم إلى دول كبرى وعظمى تملك حق النقض (1) وغيره من الامتيازات، ودول نامية أو دول العالم الثالث، مع أن تلك الدول الكبرى تعتمد في كل شؤونها عما تصدره لها ما سُميت بالدول النامية من خيراتها الطبيعية، وتلك السياسة مارسها الكفار مع الأنبياء عليهم السلام، ومارسها المشركون مع المسلمين كما في حصار الشعب، واستخدمها اليهود للتفريق بين المسلمين في المدينة وكذلك المنافقين، الأمر ذاته لا زال قائمًا اليوم من خلال تقسيم العالم الإسلامي، حيث عمل الاحتلال على صنع مشاكل حدودية بين بعض البلدان والبعض الآخر قبل انسحابه منها لتجزئة العالم الإسلامي وتقسيمه، وأدرك الاحتلال خطورة وحدة الأمة عليه، لذا فقد ركز على قضية رسم الحدود بين الدول الإسلامية، وجعل من تراب الأرض فاصلًا بين أبناء الإسلام (2).
إن الخلافات السياسية بين الدول الإسلامية هي نتيجة من نتائج الاحتلال والاستعمار، إلا أن هذا لا يُعفي الأمة من مسؤولياتها وواجباتها، إذ أن العوامل السياسية لا تنفك عن العوامل الدينية، فالدين بمفهومه الشمولي يتضمن الجانب السياسي حتى يقف الدارس أمام العوامل المؤثرة في موقف سياسي فيحسبها عوامل دينية والعكس بالعكس، لأن السياسة جزء من الإسلام لا ينفك عنه، ولا يفهم الإسلام بعمومه إلا بهذا الجزء (3).
(1)"حق الاعتراض (فيتو) veto حق يتقرر لدولة أو دول معينة في أحد أجهزة (فروع) منظمة دولية يخولها الحق في الحيلولة دون صدور قرار لا توافق عليه، ومثاله الحق المقرر للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن" - معجم القانون، ص 625.
(2)
انظر: حاضر العالم الاسلامي الواقع والتحديات، ص 151 - 161.
(3)
انظر: أسباب الضعف في الأمة الإسلامية، د. محمد السيد الوكيل، مصر: دار الأرقم، ط 1، 1409 هـ، ص 27.