الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الرابع: الأدلة من المعقول:
1 -
اتفق العلماء على عدم جواز قضاء القاضي غير المسلم على المسلم (1)، ومنعوا اشتراط حكمهم على مسلم (2)، وفي تسليم المطلوب المسلم إلى الدولة الكافرة تسليط للقضاة غير المسلمين وتمكين لهم للحكم عليه بغير ما أنزل اللَّه.
2 -
منع الفقهاء شرط بقاء الأسير المسلم لدى الكفار أو أن يمكنوا من مسلم كان أسيرًا في أيديهم ثم انفلت منهم، ولا يقضي لهم عليه بشيء (3)، والتسليم كالأسر وزيادة، ووجه كون التسليم يزيد على الأسر؛ أن الأسر كان من قِبَلِ الكفار، أما التسليم فهو من قبل المسلمين للكفار.
3 -
منع الفقهاء للرد مطلقًا والذين أجازوه اشترطوا في الرد أن يكون للعشيرة وقيدوها إن كانت تمنعه أو للضرورة وفي حال ضعف المسلمين، فمنع التسليم من باب أولى.
وبعد عرض هذه الأدلة فالراجح واللَّه أعلم عدم جواز تسليم المسلم للدولة الكافرة حال الاستضعاف، فإن قيل: إن مصلحة الجماعة مقدمة على مصلحة الفرد، وقد تتعرض الدولة للأضرار وللحصار وغيره من الأضرار فقد يستغل بعض المجرمين هذا النظام في الدول الإسلامية، وتصبح الدول الإسلامية مقر تجمع للمطلوبين من الجناة وغيرهم.
(1) انظر: فتح القدير، 7/ 253، ومجمع الأنهر، 2/ 151، وبداية المجتهد، 2/ 344، وتبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، محمد بن فرحون المالكي، تحقيق: جمال مرعشلي، دار عالم الكتب: الرياض، ط 1، 1423 هـ، 1/ 21، ونهاية المحتاج، 8/ 240، والأحكام السلطانية، ص 84، والمغني، 10/ 92.
(2)
انظر: حاشية الدسوقي، 2/ 206، والمحلى، 8/ 342.
(3)
انظر: الأم، 4/ 203.
فالجواب: بأنه لا ضمان في حال الاستضعاف أن الكفار الذين يطالبون بتسليم المسلم سيكفون عنا بمجرد التسليم، ثم إن المخرج من ذلك يكون من خلال بدائل التسليم لا التسليم، كما أن عدم تسليم المجرم لا يعني عدم المحاسبة والعقاب، ولهذا فإن رأي الجمهور في مسألة نفاذ الأحكام الإسلامية هو تنفيذ الأحكام الإسلامية على المسلمين والذميين على ما يرتكبونه من جرائم أينما وقعت، ومثل هذا القول يقطع دَابرَ المجرمين والمفسدين ويُفوت عليهم فرصة استغلال عدم تسليمهم للدول التي ارتكبوا فيها جرائهم بل قد يكون الحكم الشرعي أشد عليهم من الحكم القانوني مما يترتب عليه أن تكون الدول الإسلامية مكانًا غير آمن للمجرمين وخيارًا ليس مفضلًا للهرب إليها.
وأما بدائل التسليم فهي تختلف بحسب الغرض من طلب التسليم، والجهة الطالبة للتسليم، وحالة الدولة الإسلامية، ومنها ما يلي:
1 -
إن كان الغرض من طلب التسليم إكمال إجراءات التحقيق، فإنه من الممكن دعوة فريق من المحققين للتحقيق مع المطلوب المسلم أو الذمي داخل الدولة الإسلامية وبحضور محققين منها، إذ "لا يوجد نص قانوني (دولي) يجبر دولة على تسليم رعاياها للتحقيق معهم في دولة أخرى، ولا توجد قاعدة قانونية تنص على ضرورة التحقيق في مكان الحادث"(1).
ومثل هذا البديل لا يجوز إلا عند الضرورة والحاجة إليه، وفرق بين التحقيق مع المسلم أو الذمي وبين الحكم عليه، فالغرض من التحقيق أنه قد تكون للمطلوب المسلم أو الذمي صلة مع مجرمين غير مسلمين في الدولة الطالبة للتسليم.
2 -
ومن البدائل التعويض ولو بدفع مال، وقد سبق بحثه.
(1) المسؤولية الدولية في عالم متغير، نبيل بشر، د. ن، ط 1، 1415 هـ، ص 34.
3 -
ومن البدائل إمكانية إعادة الحقوق، فالدول لا تطلب التسليم عادة بقصد التسليم في حد ذاته، بل بهدف استعادة الحقوق (1)، وهذه الحقوق قد تكون مما يمكن استعادته أو التعويض عنه كالأموال والمجوهرات المسروقة والأمور العينية، فإن الدولة الإسلامية إن كان بينها وبين الدولة الطالبة عهد فهي تتكفل بإعادة المسروقات كما تتكفل بمعاقبة هذا السارق؛ لوجود العهد بينها وبين الدولة الإسلامية.
وأما الدولة المحاربة ففي حال الضرورة يجوز للدولة الإسلامية أن تعرض عليها هذا العرض مقابل عدم تسليم المطلوب المسلم، والحكم هنا أولى بالجواز من مسألة دفع المال؛ لأن الأمر لا يعدو أن يكون إعادة لأموالهم إن كانت للمسلمين مصلحة في ذلك وحاجة إليه، بخلاف تلك المسألة فهي دفع أموالنا لهم وكلاهما جائز في حال الضرورة والحاجة وتحقق المصلحة.
وينبغي أن يترتب على إعادة الأموال إلغاء طلب التسليم وإيقاف الحكم الصادر على المطلوب وإسقاط الدعوى المرفوعة ضده.
أما في تعامل الدولة الإسلامية مع دولة إسلامية تحكم مثلها بالأحكام الشرعية، فالأولى التسليم؛ لأنه من التعاون على البر والتقوى ومحاربة الفساد.
4 -
ومن البدائل محاكمة الشخص المطلوب في محاكم الدولة الإسلامية، وهو ما يسمى في القانون بمبدأ إما التسليم أو المحاكمة (2).
5 -
ومن البدائل أن نأمر المطلوب بالخروج في حالة عدم قدرة الدولة الإسلامية على توفير الملجأ للمطلوب، ومن الممكن مساعدته على هذا، وقد أشار لهذه المسألة السرخسي
(1) انظر: الأنتربول وملاحقة المجرمين، سراج الدين محمد الروبي، الدار المصرية اللبنانية: القاهرة، ط 1، 1998 م، ص 219.
(2)
انظر: النظرية العامة لتسليم المجرمين، ص 24 - 25.
عند كلامه عن المطلوب المستأمن حيث قال رحمه الله: "وإن قال المشركون للمسلمين ادْفَعُوهُ إلَيْنَا، وإلا قاتَلْنَاكُمْ وليس بالمسلمين عليهم قوة، فليس ينبغي للمسلمين أن يفعلوا ذلك؛ لأنه غدرٌ منا بأمانه وذلك لا رخصة فيه،. . . ولكن أن يقولوا له: اخْرُجْ من بلاد المسلمين فاذهبْ حيثُ شِئت من أرضِ اللَّه تعالى"(1).
ويمكننا أن نقيس المطلوب المسلم على المطلوب المستأمن عند الحاجة لذلك وعدم قدرة الدولة الإسلامية على حمايته ومنعه، فلو كان مقيمًا في دولة إسلامية ضعيفة أو لها مصالح مهمة مع الدولة الكافرة التي طلبت التسليم، فإنها تعرض عليه الخروج إلى دولة إسلامية قوية أو لا تربطها علاقات ومصالح مهمة مع تلك الدولة الكافرة.
* * *
(1) شرح السير الكبير، 4/ 1613.