الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع استخدام المستضعف للمدارة والمداهنة
وفيه مطلبان:
المطلب الأول تعريف المداراة وحكمها
وفيه فرعان
الفرع الأول: تعريف المدارة لغة واصطلاحًا:
وهي في اللغة: الملاطفة والملاينة، يقال: داريته مداراة ودارأته مدارأة إذا اتقيته ولاينته (1).
ومعنى المداراة الاصطلاحي: لا يخرج عن المعنى اللغوي، إلا أنهم خصوها ببذل وترك الأمور الدنيوية، قال ابن حجر رحمه الله:"الفرق بين المدارة والمداهنة، أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا، وهي مباحة، وربما استحبت، والمداهنة ترك الدين لصلاح الدنيا"(2).
الفرع الثانى: حكم المداراة للمستضعف:
إن المداراة يجوز للمسلم أن يقوم بها حتى إن يكن في حالة الاستضعاف أو الإكراه، فهي "من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة. . . هي: الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه، حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولاسيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك"(3).
(1) انظر: لسان العرب، مادة: درأ، والمصباح المنير، مادة: دره.
(2)
فتح الباري، 10/ 454.
(3)
فتح الباري، 10/ 528 - 529.
وقد سبق بيان جواز الحيلة للمستضعف، فإن جواز المداراة من باب أولى، بل إن تمكن المستضعف من تخليص نفسه بالمداراة ولم يحتج إلى الحيلة فهو أولى، والأمر هنا متعلق بقدرته على المداراة وتقديره لإمكانية الاكتفاء بها من عدمه، واستعمالها يختلف بحسب الأزمان والأحوال وبحسب المستضعِف؛ لأن المصلحة تتغير و"تختلف المصلحة باختلاف الأزمان، حتى أن مصلحة بعض أهل الأزمان في المداراة والمساهلة، ومصلحة أهل زمان آخر في الشدة والغلظة عليهم، إلى غير ذلك من الأحوال"(1).
وقد دل على مشروعية المداراة حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا قالت: استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال:(ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة -أو- بِئْسَ أخو الْعَشِيرةِ)، فلما دخل أَلَانَ له الكلام، فقلت له: يا رسول اللَّه، قلت ما قلت، ثم أَلَنْتَ له في القول، فقال:(أي عائشة إن شر الناس منزلة عند اللَّه من ترَكَهُ النَّاسُ أَوْ وَدَعَهُ الناس اتِّقَاءَ فُحْشِهِ)(2)، "والنبي صلى الله عليه وسلم إنما بذل له من دنياه حسن عشرته والرفق في مكالمته، ومع ذلك فلم يمدحه بقول فلم يناقض قوله فيه فعله، فإن قوله فيه قول حق وفعله معه حسن عشرة، فيزول مع هذا التقرير الإشكال بحمد اللَّه تعالى"(3).
و"في الحديث جواز غيبة المعلن بالفسق أو الفحش ونحو ذلك من الجور في الحكم والدعاء إلى البدعة، مع جواز مداراتهم اتقاء شرهم، ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين اللَّه تعالى"(4).
(1) الإحكام في أصول الأحكام، علي بن محمد الآمدي، تحقيق: د. سيد الجميلي، دار الكتاب العربي: بيروت، ط 1، 1404 هـ، 3/ 127.
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب المداراة مع الناس، رقم: 5780، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب مداراة من يتقى فحشه، رقم:2591.
(3)
فتح الباري، 10/ 454.
(4)
عون المعبود، 13/ 103.