الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: مفهوم الاستضعاف في القرآن الكريم
ورد الاستضعاف في القرآن الكريم (1) بلفظ اسْتُضْعِفُوا، ومُسْتَضْعَفِينَ، ومُسْتَضْعَفُونَ، واستضعفوني، ويستضعف، وكذلك المسْتَضْعَفِينَ، وذلك في ثلاث عشرة آية وفي خمس سور هي كالتالي:
1 -
{إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي} : استذلوني وعدوني ضعيفًا، وكادوا أي: قاربوا يقتلونني" (3)، ودلت الآية: "على أن لمن خشي القتل عند تغيير المنكر أن يسكت عنه" (4).
ولقد حاول هارون عليه السلام منع بني إسرائيل من اتخاذ العجل وعبادته، قال تعالى:{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي} (5)،
(1) وقد ورد الاستضعاف في القرآن الكريم بالفأظ أخرى ومن ذلك قوله تعالى في قصة لوط عليه السلام: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} ، سورة هود، الآية [80]، وفي قصة شعب عليه السلام:{قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} سورة هود، الآية [91] ، وغيرها.
(2)
سورة الأعراف، الآية [150].
(3)
الجامع لأحكام القرآن، محمد بن أحمد القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني، القاهرة: دار الشعب، ط 2، 1372 هـ، 7/ 290.
(4)
أَحْكَام القُرآن لابن الْعَرَبِي، محمد بن عبد اللَّه ابن العربي، تحقيق: محمَّد عبد القادر عطا، لبنان: دار الفكر، ط 1، د. ت، 2/ 325.
(5)
سورة طه، الآية [90].
فرد القوم عليه بقولهم: {قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} (1) أي: لا نترك عبادته حتى نسمع كلام موسى فيه، وخالفوا هارون في ذلك وحاربوه وكادوا أن يقتلوه، ولما رجع موسى عليه السلام غضب على هارون عليه السلام، وقال له: هلا قاتلتهم وقد علمت أني لو كنت فيهم لقاتلتهم على كفرهم، وقيل: أن لا تتبعني، أي ما منعك من اللحوق بي وإخباري بضلالتهم فتكون مفارقتك إياهم تقريعا وزجرا لهم عما أتوه، فاعتذر هارون عليه السلام بأنه خشي لو أنكر عليهم أن يصيروا حزبين يقتل بعضهم بعضا، فتقول أنت فرقت بين بني إسرائيل ولم تحفظ وصيتي حين قلت لك اخلفني في قومي وأصلح أي: ارفق بهم، وكان الإصلاح في حفظ الدماء والمدارة لهم (2)، قال تعالى {قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} (3).
2 -
قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (4). " {إِنَّ فِرْعَوْنَ} : استكبر وتجبر وتعظم، {فِي الْأَرْضِ}: أرض مصر، {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا}: فرقا وأصنافا في
(1) سورة طه، الآية [91].
(2)
انظر: تفسير القرآن العظيم، إسماعيل بن كثير، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، الرياض: دار طيبة، ط 2، 1420 هـ - 1999 م، 3/ 164، ومعالم التنزيل، الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق: خالد العك، بيروت: دار المعرفة، ط 1، د. ت، 3/ 229، وأنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي)، عبد اللَّه البيضاوي، بيروت: دار الفكر، ط 1، د. ت، 4/ 67.
(3)
سورة طه، الآيات [92 - 94].
(4)
سورة القصص، الآية [4].
الخدمة والتسخير، {يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ}: أراد بالطائفة: بني إسرائيل، ثم فسر الاستضعاف فقال:{يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} : سمى هذا استضعافا لأنهم عجزوا وضعفوا عن دفعه عن أنفسهم" (1).
"وقد سلط عليهم هذا الملك الجبار العنيد يستعملهم في أخس الأعمال ويكُدُّهُم ليلًا ونهارًا في أشغاله وأشغال رعيته، ويقتل مع هذا أبناءهم ويستحيي نساءهم إهانة لهم واحتقارًا، وخوفًا من أن يوجد منهم الغلام الذي كان قد تخوف هو وأهل مملكته من أن يوجد منهم غلام يكون سبب هلاكه وذهاب دولته على يديه"(2).
3 -
قال تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} (3) أي: قال الجماعة الذين استكبروا من قوم صالح من الأشراف والقادة للذين استضعفوا يعني لأهل المسكنة من أتباع صالح والمؤمنين به منهم دون ذوي شرفهم وأهل السؤدد منهم (4). "والاستفهام في قوله جل شأنه: {أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ}: للاستهزاء؛ لأنهم يعلمون أنهم عالمون بذلك، ولذلك لم يجيبوهم على مقتضى الظاهر كما حكى سبحانه عنهم بقوله: {قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ}: فإن الجواب الموافق لسؤالهم نعم أو نعلم أنه مرسل منه تعالى"(5).
(1) معالم التنزيل، 6/ 185.
(2)
تفسير القرآن العظيم: 6/ 221.
(3)
سورة الأعرف، الآية [75].
(4)
انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)، محمد بن جرير الطبري، بيروت: دار الفكر، ط 1، 1405 هـ، 8/ 232، ومعالم التنزيل، 3/ 247.
(5)
روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، محمود الألوسي، بيروت: دار إحياء التراث، ط 4، 1405 هـ، 8/ 164.
"وكون المؤمنين مستضعفين معناه: أن غيرهم يستضعفهم ويستحقرهم، وهذا ليس فعلًا صادرًا عنهم، بل عن غيرهم، فهو لا يكون صفة ذم في حقهم، بل الذم عائد إلى الذين يستحقرونهم ويستضعفونهم"(1).
4 -
قال تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} (2)، "أي: ننعم على الذين استضعفوا وهم بنو إسرائيل، ونجعلهم أئمة يُقتدى بهم في الخير، وقال قتادة: ولاة وملوكا ونجعلهم الوارثين لملك فرعون بعد غرقه" (3) ، "وهذه سنته تعالى فيمن يريد رفعه من خلقه، أن يمن عليه بعد استضعافه وذله وانكساره" (4).
5 -
6 -
وقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ} (6).
7 -
وقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي
(1) مفاتيح الغيب (التفسير الكبير)، محمد عمر الرازى الشافعي، بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، 1421 هـ، 7/ 175.
(2)
سورة القصص، الآية [15].
(3)
زاد المسير في علم التفسير، عبد الرحمن بن علي الجوزي، بيروت: المكتب الإِسلامي، ط 3، 1404 هـ، 6/ 201.
(4)
زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن القيم، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط 3، 1416 هـ، 1/ 75.
(5)
سورة سبأ، الآية [31].
(6)
سورة سبأ، الآية [32].
أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1)، وفي هذه الآيات وصف لحال الأشراف والقادة مع الأتباع يوم القيامة، وفيه تنبيه للكفار على أن طاعة بعضهم لبعض في الدنيا تصير سببا للعداوة في الآخرة (2).
فلم يقبل اللَّه عز وجل عذر المستضعفين في إتباعهم للمستكبرين، بل وصفهم سبحانه بذات الوصف وهو الظلم، أما المستكبرين أنفسهم فقد وصفوا أتباعهم من المستضعفين بأنهم مجرمين.
8 -
قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} (3)، أخبر تعالى أنه أورث بني إسرائيل الذين كان يستضعفهم فرعون وملأه مشارق الأرض ومغاربها (4). قال ابن كثير رحمه الله:"فإن اللَّه تعالى لما أهلك فرعون وجنوده استقرت يد الدولة الموسوية على بلاد مصر بكمالها"(5).
9 -
قال تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (6)، ينبه تعالى عباده المؤمنين على نعمه عليهم وإحسانه إليهم، حيث كانوا قليلين فكثرهم، ومستضعفين خائفين فقداهم ونصرهم، وفقراء عالة فرزقهم من الطيبات، واستشكرهم فأطاعوه، وامتثلوا جميع ما أمرهم. وهذا كان حال المؤمنين حال مقامهم بمكة قليلين
(1) سورة سبأ، الآية [33].
(2)
انظر: زاد المسير، 6/ 457.
(3)
سورة الأعراف، الآية [137].
(4)
انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 17/ 105.
(5)
تفسير القرآن العظيم، 4/ 294.
(6)
سورة الأنفال، الآية [26].
مستخفين مضطهدين يخافون أن يتخطفهم الناس من سائر بلاد اللَّه، من مشرك ومجوسي ورومي، كلهم أعداء لهم لقلتهم وعدم قوتهم، فلم يزل ذلك دأبهم حتى أذن اللَّه لهم في الهجرة إلى المدينة، فآواهم إليها، وقيض لهم أهلها، آووا ونصروا يوم بدر وغيره وواسوا بأموالهم، وبذلوا مهجهم في طاعة اللَّه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم (1).
وصيغة الأمر في الآية: {اذْكُرُوا} تدل على تحتم ذكر النعمة بذلك، وإذًا فلا مانع من كون الحكمة في بقاء حكم الرمل (2) هي تذكر نعمة اللَّه بالقوة بعد الضعف، والكثرة بعد القلة، ومما يؤيده أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رمل في حجة الوداع بعد زوال العلة المذكورة (3).
10 -
قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} (4)، أي: ما لكم لا تسعون في خلاص هؤلاء الضعفاء المساكين حتى يسلم اللَّه هؤلاء ودينهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما:(وهم ناس مسلمون كانوا بمكة لا يستطيعون أن يخرجوا، والقرية: مكة في قول الجماعة)(5)، وذكر
(1) تفسير القرآن العظيم، 4/ 40.
(2)
يُقال: رمل يرمل رملا ورملانا إذا أسرع في المشي وهز منكبيه، فالرمل وثب في المشي ليس بالشديد مع هزة المنكبين، انظر: النهاية في غريب الأثر، المبارك بن محمد الجزري، تحقيق: طاهر الزاوي، ومحمود الطناحي، بيروت: المكتبة العلمية، 1399 هـ، مادة: رمل، 2/ 265، ومشارق الأنوار، للقاضي عياض اليحصبي المالكي، تونس، عمر: المكتبة العتيقة ودار التراث، ط 1، د. ت، مادة: رمل، 1/ 291.
(3)
انظر: أضواء البيان، محمد الأمين الشنقيطي، بيروت: دار الفكر، ط 1، 1415 هـ، 4/ 392.
(4)
سورة النساء، الآية [75].
(5)
انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 5/ 168، وزاد المسير، 2/ 132.
الولدان في الآية يشير إلى ظلم قريش للمستضعفين، حتى بلغ أذاهم الولدان غير المكلفين؛ إرغاما لآبائهم وأمهاتهم (1).
والآية فيها حث من اللَّه لعباده المؤمنين وتهييج لهم على القتال في سبيله، وأن ذلك قد تعين عليهم، لتخليص المستضعفين، بل وتوجه اللوم العظيم عليهم بترك نصرتهم، وقد استجاب اللَّه دعاء المستضعفين بأن يسر لبعضهم الخروج إلى المدينة، ويسر لبعضهم الخروج مع أبي بصير (2) وأبي جندل (3) رضي الله عنهما بعد صلح الحديبية، وجعل لمن بقي منهم
(1) انظر: مفاتيح الغيب، 5/ 284.
(2)
هو عتبة بن أسيد بن جارية بن أسيد بن عبد اللَّه بن غِيَرة بن عوف بن ثقيف حليف بني زهرة، مشهور بكنيته أبو بصير، فر من قريش وانضم إليه جماعة من المستضعفين بمكة وكان أميرهم ويؤمهم بالصلاة، وكان يكثر أن يقول:
الحمد للَّه العلي الأكبر
…
من ينصر اللَّه فسوف ينصر
وكتب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم له لكي يقدم بمن معه -بعد مناشدة قريش له وقف الهجمات على قوافلها- فورد الكتاب وهو يموت فمات وكتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيده فدفنه أبو جندل وصلى عليه. انظر ترجمته: الإصابة في تمييز الصحابة، أحمد بن علي بن حجر، اعتنى به: حسان عبد المنان، الأردن: بيت الأفكار الدولية، ط 1، 2002 م، ص 880.
(3)
اسمه أبو جندل بن سهيل بن عمرو القرشي العامري واسمه العاص. أسلم بمكة فطرحه أبوه في حديد فلما كان يوم الحديبية جاء يرسف في الحديد وكان أبو سهيل قد كتب في كتاب الصلح: إن من جاءك منا ترده علينا فخلاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لذلك، ثم إنه أفلت بعد ذلك فلحق بأبي بصير وكان معه في سبعين رجلًا من المسلمين بالعيص يقطعون على من مر بهم من عير قريش وتجارتهم فكتبوا فيهم إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يضمهم إليه فضمهم إليه فقدم أبو جندل ومن معه للمدينة فلم يزل يغزو مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى قبض فخرج إلى الشام في أول من خرج إليها من المسلمين فلم يزل يغزو في سبيل اللَّه حتى مات بالشام في طاعون عمواس بالأردن سنة ثمان عشرة في خلافة عمر ولم يترك أبو جندل عقبا. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة، 4/ 433، وسير أعلام النبلاء، محمد بن أحمد الذهبي، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط 1، 1405 هـ، 1/ 192.
خير ولي وناصر بفتح مكة على نبيه صلى الله عليه وسلم فتولاهم ونصرهم ثم استعمل عليهم عتاب بن أسيد رضي الله عنه (1) فحماهم ونصرهم حتى صاروا أعز أهلها (2).
11 -
قال تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا} (3)، المستضعفين من الولدان! الذين لا أب لهم، أكد اللَّه سبحانه أمرهم كما أكد أمر اليتامى، ويحتمل أن يريد بالمستضعفين من كان هو وأبوه ضعيفًا، واليتيم المنفرد بالضعف، ويحتمل أن يريد بالمستضعفين من رماه أهله ودفعه أبوه عن نفسه لعجزه عن
(1) هو عتاب بالشديد ابن أسيد بفتح أوله ابن أبي العيص ابن أمية بن محمد شمس الأموي أبو محمد الرحمن ويقال: أبو محمد، أسلم يوم الفتح، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مكة لما صار إلى حنين واستمر، وكان عمره حين استعمل نيفا وعشرين سنة، وأقره أبو بكر على مكة إلى أن مات، ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم ألا يتزوج علي رضي الله عنه بنت أبي جهل على فاطمة بادر عتاب فتزوجها فولدت له ابنه عبد الرحمن، وكان شديدا على المريب لينا على المؤمنين، قيل: أنه مات في نفس يوم وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة، 4/ 429 - 430، والاستيعاب في معرفة الأصحاب، يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر، تحقيق: علي البجاوي، بيروت: دار الجيل، ط 1، 1412 هـ، 3/ 1023 - 1024، والطبقات "الكبرى" محمد بن سعد البصري، تحقيق: إحسان عباس، بيروت: دار صادر، ط 1، د. ت، 5/ 446.
(2)
انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي، تحقيق: عبد الرحمن اللويحق، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط 1، 1420 هـ - 2000 م، 1/ 187، وتفسير البيضاوي، 2/ 219.
(3)
سورة النساء، الآية [127].
أمره (1)، ولقد كانوا في الجاهلية لا يورثون الصغار ولا البنات (2).
12 -
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (3)، قال ابن كثير:"إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم أي بترك الهجرة قالوا: فيم كنتم؟ أي: لم مكثتم هاهنا وتركتم الهجرة، قالوا: كنا مستضعفين في الأرض، أي: لا نقدر على الخروج من البلد ولا الذهاب في الأرض"(4).
13 -
قال تعالى: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} (5)، قال الطبري (6):"حيلة في المال والسبيل الطريق"(7)، وقال
(1) انظر: أَحْكَام القُرْآن لابن العَرَبِي، 1/ 634.
(2)
انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 9/ 266، وتفسير القرآن العظيم، 2/ 425.
(3)
سورة النساء، الآية [97].
(4)
تفسير القرآن العظيم: 2/ 389.
(5)
سورة النساء، الآية [98].
(6)
محمد بن جرير بن يزيد الطبري، ولد في آمل طبرستان سنة 224 هـ الإِمام المؤرخ الفقيه المجتهد شيخ المفسرين، قال عنه الذهبي:"كان من أفراد الدَّهر علمًا، وذكاءً، وكثرةَ تصانيف، قلَّ أن ترى العيونُ مثلَه". استوطن بغداد وتوفيها سنة 310 هـ، من مآثره: أخبار الرسل والملوك، وجامع البيان في تفسير القرآن، واختلاف الفقهاء وغيرها، انظر ترجمته: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، أحمد بن محمد بن خلّكان، تحقيق: يوسف علي طويل، مريم قاسم طويل، بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، 1419 هـ، 4/ 43، وسير أعلام النبلاء، 14/ 267 - 282، والأعلام قاموس تراجم، خير الدين الزِرِكلي، بيروت: دار العلم للملايين، ط 6، 1984 م، 6/ 69.
(7)
جامع البيان عن تأويل آي القرآن 5/ 235.
القرطبي (1): "الحيلة لفظ عام لأنواع أسباب التخلص، والسبيل سبيل المدينة"(2).
والآيات الكريمة السابقة دلت على الكثير من الأحكام، ولكي نصل إلى تعريف الاستضعاف نقتصر على بيان جزء من دلالاتها، فيما يلي:
1 -
وقوع الاستضعاف على الأنبياء وأتباعهم.
2 -
أن المستضعف يرخص له في بعض الأمور لا سيما إن هدد بالقتل كما جرى مع هارون عليه السلام.
3 -
مقابلة الاستضعاف في القرآن الكريم بالاستكبار والإفساد، والظلم والعلو.
4 -
أن الاستضعاف الواقع على المؤمنين لا يكون صفة ذم في حقهم، وإنما الذم يعود إلى المستكبرين.
5 -
من وسائل استضعاف الجماعة التفريق بينها.
6 -
الاستضعاف يعتبر من الأعذار الشرعية إذا تحققت الشروط.
7 -
عدم قبول عذر الاستضعاف على إطلاقه سواء في الدنيا أو الآخرة.
8 -
من وصايا القرآن للمستضعفين الصبر وأن التمكين يأتي بعد الاستضعاف.
9 -
من صفات المستضعفين القلة والخوف.
10 -
وجوب نصرة المستضعفين والقتال من أجلهم.
(1) محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فَرْح الأنصاري الخزرجي الأندلسي، أبو عبد اللَّه، من كبار المفسرين من أهل قرطبة رحل إلى الرق واستقر بمنية شمال أسيوط بمصر، وتوفي رحمه الله بها سنة 671 هـ، من مآثره: التذكرة بأحوال الموتى وأحوال الأخرة، انظر ترجمته: سير أعلام النبلاء، 4/ 563 - 588، والأعلام، 5/ 322.
(2)
الجامع لأحكام القرآن، 5/ 347.
11 -
أن الاستضعاف يقع على الفرد كما في قصة هارون عليه السلام، ويقع على الجماعة كما في قصة بني إسرائيل مع فرعون.
12 -
من وسائل دفع الاستضعاف الهجرة في سبيل اللَّه.
13 -
من وسائل دفع الاستضعاف الجهاد في سبيل اللَّه.
14 -
من صفات المستضعفين قلة الحيلة وعدم معرفة السبيل.
* * *