الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الظَّالِمِينَ} (1)، وورد في سبب نزولها عن سَعْدِ قال: كُنَّا مع النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ نَفَرٍ، فقال المُشْرِكُونَ للنبي صلى الله عليه وسلم: اطْرُدْ هَؤُلَاءِ لا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا، قال: وَكُنْتُ أنا وابنُ مَسْعُودٍ وَرَجُلٌ من هُذَيْلٍ وَبِلَالٌ وَرَجُلَانِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا، فَوَقَعَ في نَفْسِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ما شاء اللَّه أن يَقَعَ فَحَدَّثَ نَفْسَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّه عز وجل:{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (2)، والطرد أقل ضررًا من التسليم.
الفرع الثانى: الأدلة من السنة النبوية:
1 -
طلبت قريش من الرسول صلى الله عليه وسلم رد من أسلم فرفض طلبهم، بل وغضب صلى الله عليه وسلم وأنكر على من طلب منه أن يستجيب لطلب المشركين، مما يدل على حرمة رد المسلمين إلى الكفار المحاربين، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:(خرج عَبدَان إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعني يوم الحديبية قبل الصلح فكتب إليه مَوَالِيهُمْ فقالوا: يا محمد واللَّه ما خرجوا إليك رَغْبَةً في دينك وإنما خرجوا هربا من الرق، فقال ناس: صدقوا يا رسول اللَّه ردهم إليهم، فغضب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال: (ما أراكم تَنْتَهُونَ يا معشر قريش حتى يَبْعَثَ اللَّه عليكم منَ ضْرِبُ رقابكم على هذا وأبى أن يَرُدَّهُمْ وقال هم عُتَقَاءُ اللَّهِ عز وجل (3)، وفي رواية: (لما كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين فيهم سُهَيْلُ بن عمرو وأُنَاس من رؤساء المشركين، فقالوا: يا رسول اللَّه خرج إليك ناس من أَبْنَائِنَا وإِخْوَانِنَا وأَرِقَّائِنَا وليس
(1) سورة الأنعام، الآية [52].
(2)
أخرجه مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، رقم:2413.
(3)
الحديث أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في عبيد المشركين يلحقون بالمسلمين فيسلمون، رقم: 2700، قال الألباني في صحيح سنن أبي دواد، 2/ 155:"صحيح"، والترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، رقم: 3715، وقال:"حديث حسن صحيح غريب".
لهم فِقْهٌ في الدِّينِ وإنما خرجوا فرارًا من أموالنا وضياعنا فَارْدُدْهُمْ إلينا، قال صلى الله عليه وسلم:(فإن لم يكن لهم فِقْهٌ في الدِّينِ سَنُفَقِّهُهُمْ. . .) الحديث) (1).
"وإنما غضب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأنهم عارضوا حكم الشرع فيهم بالظن والتَّخْمِين وشهدوا لأوليائهم المشركين بما ادَّعَوْهُ أنهم خرجوا هربا من الرق لا رغبة في الإسلام، وكان حكم الشرع فيهم أنهم صاروا بخروجهم من ديار الحرب مُسْتَعْصِمِينَ بعروة الإسلام أحرارًا، لا يجوز رَدّهمْ إليهم فكان معاونتهم لأوليائهم تعاونا على العدوَان"(2)، ودل هذا الحديث أن الشخص بمجرد دخوله في الإسلام ولجوئه للمسلمين ودولتهم يصبح من مواطني الدولة الإسلامية الذين لهم حق الرعاية والحماية، ودلت الرواية الثانية أن حكم عدم الرد لم يقتصر على الرقيق.
فإن قيل: هذا الدليل في الرد، وقد مضى التفريق بينه وبين التسليم فكيف تستدل به على منع التسليم؟
ويجاب: بأنه إذا ثبت حرمة الرد ومنعه فمن باب أولى أن يحرم التسليم.
2 -
ما رواه عبد اللَّه بن عمر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلِمُهُ ومن كان في حاجة أخيه كان اللَّه في حاجته ومن فَرَّجَ عن مسلم كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّه عنه كُرْبَةً من كُرُبَاتِ يوم القيامة ومن ستر مسلمًا ستره اللَّه يوم القيامة)(3).
(1) أخرجه الترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب علي رضي الله عنه، رقم: 3715، وقال:"حسن صحيح غريب"، وقال الألباني في ضعيف سنن الترمذي، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف: الرياض، ط 1، 1420 هـ، ص 424:"ضعيف الإسناد، لكن الجملة الأخيرة منه صحيحة متواترة". يعني قوله صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمدًا؛ فليتبوأ مقعده من النار).
(2)
عون المعبود، 7/ 263.
(3)
سبق تخريجه، ص 301.
"ولا يُسْلِمُهُ أي: لا يتركه مع من يُؤْذِيه ولا فِيمَا يُؤْذِيه، بل يَنْصُرُهُ وَيَدْفَعُ عنه، وهذا أخص من ترك الظلم، وقد يكون ذلك واجبًا وقد يكون مندوبًا بحسب اختلاف الأحوال"(1)، وتسليم المسلم للكفار ظلم وإسلام له.
3 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد اللَّه إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يَخْذُلُهُ ولا يحقره التقوى هاهنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)(2).
و"الْخَذْل: ترك الإعانة والنصر، ومعناه إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ولم يكن له عذر شرعي"(3)، وأي ظلم وخذلان أعظم من تسليم المسلم للعدو والتخلية بينه وبين طالبيه من الكفار.
4 -
قوله عليه الصلاة والسلام: (الإسلام يعلو ولا يعلى)(4)، وفي تسليم المسلم إلى الدولة الكافرة إذلال له لا محالة وعلو لأهل الكفر على المسلم.
5 -
ومن الأدلة أنه "إذا كان دم الحربي الكافر يَحُرُم بالأمان فما ظنك بالمؤمن الذي يصبح ويمسي في ذمة اللَّه! كيف ترى في الغدر به والقتل؟ وقد قال عليه الصلاة والسلام:
(1) فتح الباري، 5/ 97.
(2)
أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله، رقم:2564.
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم، 16/ 120.
(4)
أخرجه الدارقطني، باب المهر، رقم: 30، ورواه البخاري معلقًا، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه وهل يعرض على الصبي الإسلام، قال ابن حجر رحمه الله في الفتح: 9/ 421: "سنده صحيح"، وبمثله فى تغليق التعليق، 2/ 490.