الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحكمها الجواز للمستضعف، ولذا نص الفقهاء على أنها لا تجوز إلا لمظلوم (1)، وأنها تجب إن كان المسلم يريد أن يخلص نفسه من القتل (2)، أو أن يحفظ مالًا أو وديعة عنده، فإن لم يعرف التورية أو لم يتمكن منها حلف باللَّه (3)، قال ابن قدامة رحمه الله:"وإذا حلف فتأول في يمينه فله تأويله إذا كان مظلوما، وإن كان ظالما لم ينفعه تأويله"(4).
الفرع الرابع: النطق بكلمة الكفر:
وفيه ست مسائل:
المسألة الأولى: شروط النطق بكلمة الكفر:
إن النطق بكلمة الكفر نوع من أنواع الحيل التي تجوز للمستضعف وفق شروط محددة، قال الشاطبي رحمه الله:"واعتبر جواز النطق بكلمة الكفر عند الإكراه من الحيل التي لا خلاف في جوازها"(5)، وقد ذكرها العز بن عبد السلام رحمه الله من الأمثلة على الأفعال المشتملة على المصالح والمفاسد مع رجحان مصالحهما على مفاسدهما؛ وذلك "لأن حفظ المهج والأرواح أكمل مصلحة من مفسدة التلفظ بكلمة لا يعتقدها الجنان"(6).
وقد أجمع العلماء على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل، فكفر، وقلبه مطمئن بالإيمان، أنه لا يحكم عليه بالكفر (7)، ودل على هذا قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ
(1) انظر: الإنصاف، 11/ 253.
(2)
انظر: المبدع، 10/ 221.
(3)
انظر: إعانة الطالبين، 3/ 245.
(4)
المغني، 9/ 420 - 421، ودل على هذا قوله علبه الصلاة والسلام:(الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ المُسْتَخلِفِ)، أخرجه مسلم، كتاب الأيمان، باب يَمِينِ الْحَالِفِ عَلَى نِيَّةِ المُسْتَخْلِفِ، رقم:4374.
(5)
الموافقات، 2/ 387 - 388.
(6)
قواعد الأحكام في مصالح الأنام، 1/ 84.
(7)
انظر: فتح الباري، 12/ 314.
غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (1)، والآية تضمنت شرط الجواز وهو تحقق الإكراه، واطمئنان القلب بالإيمان.
وسبب نزولها أن المشركين أخذوا عمار بن ياس فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فلما أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"ما وراءك؟ " قال: شر يا رسول اللَّه، ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير، قال:"كيف تجد قلبك؟ " قال: مطمئنا بالإيمان، قال:(إن عادوا فعد)(2).
وورد أنها نزلت في "ناس من أهل مكة آمنوا، فكتب إليهم بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة: أن هاجروا، فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا، فخرجوا يريدون المدينة، فأدركتهم قريش بالطريق، ففتنوهم وكفروا مكرهين) (3).
والحكمة في جواز إجراء كلمة الكفر على اللسان للمستضعف والمكره، هو حفظ النفس، ولكون حق اللَّه عز وجل لا يفوت معنى؛ لاطمئنان القلب بالإيمان، والعزيمة أولى لما فيها من رعاية حق اللَّه صورة ومعنى، وإظهار الصلابة في الدين وإعزازه (4).
إلا أنه يشترط في حال إجراء كلمة الكفر باللسان استعمال المعاريض والتورية باللفظ إلى غير معنى الكفر، وإطمئنان القلب بالإيمان بأن ينوي بقلبه خلاف ما يظهر (5)، "قال
(1) سورة النحل، الآية [106].
(2)
سنن البيهقي الكبرى، 8/ 208، باب المكره على الردة، رقم: 16673، وانظر: مصنف ابن أبي شيبة، 6/ 386، رقم: 32256، وجامع البيان عن تأويل آي القرآن، 14/ 181.
(3)
جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 14/ 183.
(4)
انظر: التقرير والتحبير، 2/ 196.
(5)
انظر: المبسوط، 24/ 130، أحكام القرآن للجصاص، 3/ 286، وأحْكَام الْقُرْآن لابن الْعَرَبِيّ، 3/ 161.