الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
إن مسائل الاستضعاف وأحكامه لم يبحثها الفقهاء في أبواب مستقلة، وإنما جاءت ضمن مباحث متنوعة متفرقة في أبواب الفقه، ولا يمكن حصر مسائل الاستضعاف، أو وضع ضوابط تنطبق على كل حالات الاستضعاف أو على كل المستضعفين، أو على جميع أحوالهم، إذ أن فقه الاستضعاف يخضع لفقه السياسة الشرعية، الذي يعتمد على فقه المقاصد (1) والمصالح والمفاسد، وفقه المآلات (2)، وفقه الأولويات (3)، وكذلك فقه
(1) المراد بمقاصد الشريعة: الغايات والحكم التي وضعت الشريعة لتحقيقها في جميع أحوال التشريع أو معظمها لتحقيق مصلحة العباد، انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، محمد الطاهر بن عاشور، تحقيق: محمد الميساوي، دار النفائس: الأردن، ط 1، 1420 هـ، ص 183، ونظرية المقاصد عند الشاطبي، أحمد الريسوني، المعهد العالمي للفكر الإسلامي: الدار العالمية للكتاب الإسلامي بالسعودية، ط 4، 1416 هـ، ص 19.
(2)
قال الشاطبي رحمه الله: "تحقيق المناط الخاص مما فيه هذا المعنى حيث يكون العمل في الأصل مشروعا لكن ينهى عنه لما يؤول إليه من المفسدة، أو ممنوعا لكن يترك النهي عنه لما في ذلك من المصلحة، وكذلك الأدلة الدالة على سد الذرائع كلها فإن غالبها تذرع بفعل جائز إلى عمل غير جائز، فالأصل على المشروعية لكن مآله غير مشروع، والأدلة الدالة على التوسعة ورفع الحرج كلها، فإن غالبها سماح في عمل غير مشروع في الأصل لما يؤول إليه من الرفق المشروع، ولا معنى للإطناب بذكرها لكثرتها واشتهارها"، الموافقات، 4/ 198، وجاء موضع آخر:"النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعًا كانت الأفعال موافقة، أو مخالفة"، 4/ 552.
(3)
المراد بفقه الأولويات: "وضع كل شيء في مرتبته. فلا يُؤخر ما حقه التقديم أو يُقدم ما حقه التأخير، ولا يَصغُر الأمر الكبير، ولا يَكبُر الأمر الصغير"، أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة: مصر، ط 1، 1411 هـ، ص 34، كما عُرف بأنه:"العلم بالأحكام الشرعية التي لها حق التقديم على غيرها، بناء على العلم بمراتبها وبالواقع الذي يتطلبها"، فقه الأولويات - دراسة في الضوابط، ص 16.
الموازنات (1)، إلا أن الأمور التي لم يحدد ضابطها في الشرع لا يجوز تعطيلها، بل الواجب التقريب، فمسائل الاستضعاف تخضع بالجملة للضوابط التي وضعها الفقهاء لمسائل الضرورة والحاجة والإكراه، وهي موضوعة على وجه التقريب بالجملة (2).
ولتجنب الاجتهاد التسويغي، أو الاعتماد على الضرورات الوهمية، أو على المصلحة الملغاة عند النظر في مسائل الاستضعاف فيمكن وضع بعض الضوابط التي ينبغي الأخذ بها عند الوقوع في الاستضعاف، وهو ما ستتناوله المباحث الثمانية التالية:
(1) المراد بفقه الموازنات: "مجموعة الأسس والمعايير التي تضبط عملية الموازنة بين المصالح المتعارضة أو المفاسد المتعارضة مع المصالح، ليتبين بذلك أيُّ المصلحتين أرجح فتقدم على غيرها، وأيُّ المفسدتين أعظم خطرًا فيقدم درءُها"، فقه الموازنات في الشريعة الاسلامية، د. عبد المجيد محمد السوسوة، دار القلم: دبي، ط 1، 1425 هـ، ص 13. وهو أخص من فقه الأولويات لكونه للترجيح بين المتعارضات، أما الأولويات فهو للترتيب بين المصالح، وهذا الترتيب قد ينبني على فقه الموازنات عند التعارض، انظر: أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة، ص 35.
(2)
قال العز بن عبد السلام رحمه الله: "فكيف تعرف المشاق المتوسطة المبيحة التي لا ضابط لها، مع أن الشرع قد ربط التخفيفات بالشديد والأشد والشاق والأشق، مع أن معرفة الشديد والشاق متعذرة؛ لعدم الضابط. قلنا: لا وجه لضبط هذا وأمثاله إلا بالتقريب، فإن ما لا يحد ضابطه، لا يجوز تعطيله ويجب تقريبه"، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، عز الدين بن عبد العزيز بن عبد السلام، دار الكتب العلمية: بيروت، ط 1، د. ت، 2/ 12.