الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن التجنس والإقامة بين أظهر الكفار لا يستلزم الموالاة بالضرورة، فقد يقيم الرجل بين ألد أعدائه، ويتعامل معه وهو يبغضه أشد البغض، وهذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم معه كانوا يقيمون بمكة وفيها المشركون ويتعاملون معهم، وكذلك بالمدينة وفيها ذميون من أهل الكتاب، ولم يستلزم ذلك حبهم ولا موالاتهم (1).
* * *
المطلب الرابع التجنس الجماعي للمستضعفين
مضى الحديث عن تجنس الأفراد في حال استضعافهم، أما في حالة استضعاف الجماعة، فهل يجوز التجنس بجنسية دولة كافرة؟
بداية أشير إلى أن هذه الحالة تقع عندما يداهم العدو بلاد المسلمين ويحتلها ولا يبقى أمامهم إلا خيار القتل أو التشريد أو الحصول على جنسية المحتل؛ ليصبحوا من مواطنيه، ويراهن الاحتلال على ذوبانهم وانسلاخهم من هويتهم الإسلامية، وهذا ما جرى لمسلمي الاتحاد السوفيتي السابق، والمسلمين في فلسطين المحتلة سنة 1948 م (2)، فالحكم في هذه الحالة أن بقاءهم في بلادهم مع حصولهم على الجنسية هو الأولى، ويشهد لهذا ما يلي:
1 -
أن بقاءهم في بلادهم يحفظ بلاد الإسلام من أن تصير دار حرب، فيحرم عليهم الخروج، لاسيما مع قدرتهم على إظهار شعائر الإسلام والعبادات (3).
(1) انظر: الهجرة إلى بلاد غير المسلمين، عماد بن عامر، دار ابن حزم: بيروت، ط 1، 1425 هـ، ص 155.
(2)
انظر: مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، منظمة المؤتمر الإسلامي: جدة، العدد الرابع، ط 1، 1988 م، ص 225.
(3)
انظر: روضة الطالبين، 10/ 282.
2 -
أن خروجهم من بلدهم فيه تقوية للأعداء وإضعاف للمسلمين.
3 -
أن بلاد الإسلام لا تصير دار كفر بمجرد استيلاء الكفار عليها، طالما بقي المسلمون قادرين على إظهار الإيمان والشعائر وهو قول الجمهور (1).
4 -
أن خروجهم يؤدي إلى ضعف المقاومة؛ لاعتمادها عليهم في الدعم والمساندة والتأييد والضغط والتأثير على الاحتلال ومعرفة نقاط ضعفه وأسراره.
5 -
أن الحصول على الجنسية وإن كان فيه مفسدة، إلا أن عدم الحصول عليها يترتب عليه مفاسد أعظم.
ولذا فقد قال العز بن عبد السلام رحمه الله: "ولو استولى الكفار على إقليم عظيم، فولوا القضاء لمن يقوم بمصالح المسلمين العامة، فالذي يظهر إنفاذ ذلك كله، جلبًا للمصالح العامة، ودفعًا للمفاسد الشاملة؛ إذ يبعد عن رحمة الشارع ورعايته لمصالح عبادة تعطيل المصالح العامة وتحمل المفاسد"(2).
وخلاصة هذا المبحث: جواز التجنس الجماعي للمستضعفين متى ما تحققت الشروط وكانت المصلحة تقتضي ذلك.
* * *
(1) انظر: حاشية الدسوقي، 2/ 188، وبلغة السالك، 2/ 187، وفيه:"لأن بلاد الإسلام لا تصير دار حرب بأخذ الكفار لها بالقهر ما دامت شعائر الإسلام قائمة".
(2)
قواعد الأحكام في مصالح الأنام، 1/ 73.