الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: الفرق بين الضرورة والحاجة
عرَّف الفقهاء الضرورة ببعفض صورها وأمثلتها (1)، وعرفها الشاطبي رحمه الله (2) تعريفًا شاملًا، فقال:"الضرورية فمعناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين"(3).
(1) من ذلك قولهم الضرورة هي: "خوف الضرر على نفسه أو بعض أعضائه بتركه الأكل"، أحكام القرآن للجصاص، 1/ 159، وعُرفت بأنها:"الخوف على النفس من الهلاك علمًا أو ظنًا"، الشرح الكبير، سيدي أحمد الدردير، تحقيق: محمد عليش، بيروت: دار الفكر، ط 1، د. ت، 2/ 115، أو هي:"بلوغه حدا إن لم يتناول الممنوع هلك إذا قاربه، وهذا يبيح تناول الحرام"، غمز عيون البصائر، أحمد بن محمد الحموي، بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، د. ت، 1/ 277، قال الشافعي رحمه الله:"والمضطر الرجل يكون بالموضع لا طعام فيه معه، ولا شيء يسد فورة جوعه، من لبن وما أشبهه، ويبلغه الجوع ما يخاف منه الموت أو المرض، وإن لم يخف الموت أو يضعفه ويضره أو يعتل أو يكون ماشيا فيضعف عن بلوغ حيث يريد أو راكبًا فيضعف عن ركوب دابته، أو ما في هذا المعنى من الضرر البين"، الأم، 2/ 252، كما عُرفت بأنها:"العذر الذي يجوز بسببه إجراء الشيء الممنوع. . . الحالة الملجئة لتناول الممنوع شرعا"، درر الحكام، 1/ 33.
(2)
إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي، الغرناطي، المالكي الشهير بالشاطبي، كنيته أبو اسحاق، محدث وفقيه وأصولي ولغوي ومفسر، مات سنة 790 هـ، من مؤلفاته: عنوان التعريف بأسرار التكليف في الأصول، شرح على الخلاصة في النحو، والاعتصام، انظر ترجمته: معجم المؤلفين، 1/ 118.
(3)
الموافقات في أصول الفقه، إبراهيم بن موسى الشاطبي، بيروت: دار المعرفة، تحقيق: عبد اللَّه دراز، ط 1، د. ت، 2/ 8، وقال:"مجموع الضروريات خمسة وهي: حفظ الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، وقد قالوا إنها مراعاة في كل ملة" 2/ 10.
أما الحاجة فعُرفت بأنها: "دفع الضرار واستمرار الناس على ما يقيم قواهم"(1)، كما عُرفت بأنها:"حالة جهد ومشقة فهي دون الضرورة، ولا يتأتى معها الهلاك، فلذا لا يستباح بها الممنوع شرعًا"(2)، قال الشاطبي رحمه الله:"الحاجيات فمعناها أنها مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم تُراع دخل على المكلفين على الجملة الحرج والمشقة، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة"(3).
يتضح من هذه التعريفات أن الضرورة والحاجة يدلان على ما يُفتقر إليه مع تفاوت درجة الافتقار، وأن الحاجة أدنى رتبة من الضرورة (4)، والذي يراعى في حق الأفراد حقيقة الضرورة، أما فيما يعم الكافة فلا تراعى الضرورة بل يُكتفى بالحاجة الظاهرة (5)، وأن الضرورة هي الأصل، والحاجة مكملة لها، إلا أن المحافظة على الحاجة وسيلة لحفظ الضرورة، وتركها يؤدي في النهاية إلى ترك الضرورة، كما أن استمرار الحاجة يؤدي إلى الضرورة، فإطلاق الفقهاء الحاجة على الضرورة من هذا الباب باعتبار المآل (6)، فاستعمال
(1) غياث الأمم في التياث الظُّلَم، أبو المعالي الجويني، بيروت: المكتبة العصرية، ط 1، 2006 م، ص 346.
(2)
درر الحكام، 1/ 34.
(3)
الموافقات، 2/ 10 - 11.
(4)
"لأن الضَّرُورَةَ أَقْوَى من الحاجة؛ لأنها شِدَّةُ الاحْتِيَاجِ، وهو الاضْطِرَارُ"، حاشية البجيرمي على المنهج، سليمان بن محمد البجيرمي، القاهرة: دار الفكر العربي، ط 1، د. ت، 8/ 481.
(5)
انظر: غِياث الأُمم، ص 224.
(6)
ومن الأمثلة على ذلك: "وقد يكون المضطر المحتاج، ولكن الملجأ مضطر حقيقة والمحتاج مضطر مجازًا"، أَحْكَام الْقُرْآن لابن الْعَرَبِيّ، 1/ 81، "وندب إيثار المضطر، أي: المحتاج على غيره"، الشرح الكبير، 1/ 498.