الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيء واحد: أريده وأكرهه بمعنى أريده من حيث الطبع، وأكرهه من حيث العقل أو الشرع" (1).
فنلاحظ مما سبق، أن معاني الإكراه في اللغة تدور حول المشقة والقهر والإجبار، ومنافاة الرضا والمحبة والاختيار.
الفرع الثاني: تعريف الإكراه اصطلاحًا:
وأما اصطلاحًا فقد عد فقهاء الحنفية الإكراه من عوارض الأهلية، وهي: أحوال تطرأ على الإنسان بعد كمال أهلية الأداء، مما يؤثر فيها بإزالتها أو نقصانها، وفي الأحكام المترتبة عليها بالتغيير أو النقص (2).
وتنقسم عوارض الأهلية إلى قسمين هما:
القسم الأول: عوارض سماوية أي: ليس للعبد فيها اختيار، ولذلك نسبت إلى السماء وهي: الجنون، والعته، والنسيان، والنوم، والغماء، والمرض، والرق، والحيض، والنفاس، والموت.
القسم الثاني: عوارض مكتسبة وهي: التي يكون لكسب العباد مدخل فيها بمباشرة الأسباب، وهي نوعان إما مكتسبة (3) من نفسه كالجهل، والسكر، والهزل، والسفه،
(1) التوقيف على مهمات التعاريف، محمد عبد الرؤوف المناوي، بيروت - دمشق: دار الفكر المعاصر ودار الفكر، ط 1، 1410 هـ، 1/ 603.
(2)
انظر: الإكراه وأثره في التصرفات، ص 27، والموسوعة الفقهية الكويتية، الكويت: وزارة الأوقاف والشئون الإِسلامية، ط 2، 1408 هـ، 7/ 162.
(3)
وسميت مكتسبة؛ لأن سبب حصولها يرجع سببه إلى ذات المكلف، ومنها ما يرجع سببه إلى قوة وقدرة من خارج نفسه لا دخل له في حصولها ولا إرادة له في وقوعها وذلك كالإكراه، انظر: عوارض الأهلية عند الأصوليين، د. حسين خلف الجبوري، مكة المكرمة: مركز بحوث الدراسات الإِسلامية بجامعة أم القرى، ط 1، 1408 هـ، ص 332.
والإفلاس، والسفر، والخطأ. أو من غيره وهو الإكراه (1)، وهو الذي يعنينا من هذه العوارض.
وبالنظر إلى هذه العوارض نجد أنها لا تختلف عما ذكره الفقهاء في قواعدهم الكلية كقاعدة: "المشقة تجلب التيسير" من أسباب التخفيفات، ورفع الحرج، إلا أن الفرق أنهم لما كتبوا في قاعدة المشقة ذكروا أسباب التخفيف العائدة إلى المأمور وهو ما بحث في العوارض، وبين ما هو عائد إلى المأمور به كالعسر وعموم البلوى مثلا (2)، بل صرح الأصوليون أن مسائل العوارض مبنية على رفع الحرج، قال الأنصاري رحمه الله (3):"هذا ولما كانت مسائل الإكراه بل سائر العوارض مبنية على انتفاء الحرج في الدين أورد مسألته عقيب الإكراه متخللة بين العوارض"(4).
عرف الفقهاء الإكراه بتعريفات متنوعة واختلفت بحسب شروطهم في الإكراه ومن تلك التعريفات: (حَملُ الغَيْرِ على أَمرٍ يَكْرَهُهُ ولا يُرِيدُ مُباشَرَتَهُ لولا الحَمْل عليه" (5). وقال
(1) انظر: شرح التلويح على التوضيح، عبيد اللَّه بن مسعود التفتازاني، عمر: مكتبة صبيح، ط 1، د. ت، 2/ 334 - 391، والتقرير والتحبير في شرح التحرير، محمد ابن أمير الحاج، بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، 1417 هـ، 2/ 173 - 207.
(2)
انظر: رفع الحرج في الشريعة الإِسلامية، يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين، الرياض: مكتبة الرشد، ط 1، 1411 هـ، ص 233.
(3)
عبد العلي بن محمد بن نظام الدين اللكنوى الأنصاري الملقب ببحر العلوم من علماء الهند فقبه حنفي أصولي منطقي من علماء الهند، من مؤلفاته: تنوير المنار وهو شرح على منار الأنوار للنسفى، توفي سنة 1180 هـ. انظر: الأعلام، 7/ 71.
(4)
فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت، عمر: المطبعة الأميرية ببولاق، ط 1، 1322 هـ، 1/ 168.
(5)
كشف الأسرار، عبد العزيز بن أحمد البخاري، القاهرة: دار الكتاب الإِسلامي، ط 1، د. ت، 4/ 383.
السرخسي رحمه الله (1): "اسم لفعل يفعله المرء بغيره، فينتفي به رضاه، أو يفسد به اختياره من غير أن تنعدم به الأهلية في حق المكره أو يسقط عنه الخطاب؛ لأن المكره مبتلى، والابتلاء يقرر الخطاب"(2).
كما عرف بأنه "حمل الغير على ما لا يرضاه"(3). وعرف أيضًا بأنه: "إجبار أحد على أن يعمل عملا بغير حق من دون رضاه بالإخافة"(4). كما عرف الإكراه بأنه: "الإجبار وهو العمل على فعل الشيء كارها"(5).
قال الشافعي رحمه الله: "والإكراه أن يصير الرجل في يدي من لا يقدر على الامتناع منه من سلطان أو لص أو متغلب على واحد من هؤلاء، ويكون المكره يخاف خوفا عليه دلالة أنه إن امتنع من قول ما أمر به يبلغ به الضرب المؤلم أو أكثر منه أو إتلاف نفسه"(6).
قال ابن حجر رحمه الله: "الإكراه إلزام الغير بما لا يريده"(7)، وقال ابن حزم رحمه الله:
(1) محمد بن أحمد بن سهل، أبو بكر، السرخسي نسبة إلى سرخس في خراسان، شمس الأئمة، قاض من كبار علماء الأحناف، سجن بسبب كلمة نصح بها الخاقان وألف أكثر كتبه وهو سجين ومنها المبسوط، ثم سكن فرغانة وتوفي رحمه الله سنة 483 هـ، انظر ترجمته: الفوائد البهية في تراجم الحنفية، محمد عبد الحي اللكنوي، مصر: د. ن، ط 1، 1324 هـ، ص 158، والفتح المبين في طبقات الأصوليين، عبد اللَّه مصطفى المراغي، مصر: مطبعة عبد الحميد حنفي، ط 1، د. ت، 1/ 264، والأعلام، 5/ 315.
(2)
المبسوط، محمد بن أحمد السرخسي، بيروت: دار المعرفة، ط 1، 1993 م، 24/ 38 - 39، وانظر: الْبَحْر الرَّائِق شَرْح كَنْز الدَّقَائِق، زين الدين ابن نجيم، بيروت: دار المعرفة، ط 2، د. ت، 8/ 80.
(3)
البحر الرائق، 4/ 249.
(4)
درر الحكام في شرح مجلة الأحكام، علي حيدر، بيروت: دار الجبل، ط 1، د. ت، 2/ 659.
(5)
طلبة الطلبة، عمر بن محمد النسفي، تحقيق: خالد العك، عمان: دار النفائس، ط 1، 1416 هـ، ص 162.
(6)
الأم، محمد بن إدريس الشافعي، بيروت: دار المعرفة، ط 2، 1393 هـ، 3/ 236.
(7)
فتح الباري، 12/ 311.