المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الرابع استبدال الحدود - الاستضعاف وأحكامه في الفقه الإسلامي

[زياد بن عابد المشوخي]

فهرس الكتاب

- ‌تقريظ

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول تعريف الاستضعاف وأنواعه ومظاهره

- ‌الفصل الأول: تعريف الاستضعاف

- ‌المبحث الأول: تعريف الاستضعاف

- ‌المطلب الأول: تعريف الاستضعاف لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الاستضعاف اصطلاحًا

- ‌المبحث الثاني: مفهوم الاستضعاف في القرآن الكريم

- ‌المبحث الثالث: مفهوم الاستضعاف في الأحاديث النبوية

- ‌المبحث الرابع: بيان الألفاظ ذات الصلة

- ‌المطلب الأول: تعريف الإكراه

- ‌الفرع الأول: تعريف الإكراه لغة:

- ‌الفرع الثاني: تعريف الإكراه اصطلاحًا:

- ‌الفرع الثالث: استخدام الفقهاء لكلمة الإكراه:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الاضطرار

- ‌الفرع الأول: تعريف الاضطرار لغة:

- ‌الفرع الثاني: تعريف الاضطرار اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثالث: الفرق بين الضرورة والحاجة

- ‌المطلب الرابع: تعريف الاضطهاد

- ‌المبحث الخامس: المقارنة بين الاستضعاف والألفاظ ذات الصلة

- ‌الفصل الثاني: أنواع الاستضعاف ومظاهره

- ‌المبحث الأول: أنواع الاستضعاف

- ‌المطلب الأول: تقسيم الاستضعاف باعتبار درجته

- ‌المطلب الثاني: تقسيم الاستضعاف باعتبار من يقع عليه

- ‌المطلب الثالث: تقسيم الاستضعاف باعتبار الاعتذار به

- ‌المبحث الثاني: العلاقة بين مرحلة الاستضعاف والمرحلة المكية

- ‌المبحث الثالث: مظاهر الاستضعاف

- ‌المبحث الرابع: استحكام الاستضعاف فى الأرض

- ‌الباب الثاني أسباب الاستضعاف ووسائل دفعه وضوابطها

- ‌الفصل الأول أسباب الاستضعاف

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول أسباب الاستضعاف الداخلية

- ‌المطلب الأول انشقاق المسلمين وتفرقهم

- ‌المطلب الثانى العصبية والعنصرية بين المسلمين

- ‌المطلب الثالث عدم الأخذ بأسباب القوة

- ‌المبحث الثاني أسباب الاستضعاف الخارجية

- ‌المطلب الأول الاحتلال والاستعمار وما خلفه من آثار

- ‌المطلب الثانى الغزو الفكري والثقافي

- ‌المطلب الثالث الحصار بمختلف أشكاله وصوره

- ‌الفصل الثاني وسائل دفع الاستضعاف

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول الأخد بأسباب القوة

- ‌المطلب الأول قوة العقيدة

- ‌المطلب الثانى القوة العسكرية

- ‌المطلب الثالث القوة الاقتصادية

- ‌المطلب الرايع القوة السياسية

- ‌المطلب الخامس القوة الإعلامية

- ‌المطلب السادس القوة المعنوية

- ‌المبحث الثانى الوحدة الإسلامية

- ‌المبحث الثالث الدخول في الجوار

- ‌المطلب الأول تعريف الجوار لغة واصطلاحًا

- ‌المطلب الثاني الأدلة على مشروعية الجوار

- ‌المبحث الرابع المعاهدات والتحالفات

- ‌المطلب الأول تعريف المعاهدة والحلف

- ‌الفرع الأول: تعريف المعاهدات لغة:

- ‌الفرع الثاني: تعريف المعاهدات اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثانى الأدلة على مشروعية المعاهدات والتحالفات

- ‌المطلب الثالث الحلف في الإسلام

- ‌المطلب الرابع التقاء مصالح المستضعفين مع الكفار

- ‌المبحث الخامس الجهاد

- ‌المبحث السادس الهجرة

- ‌المطلب الأول تعريف الهجرة لغة واصطلاحًا

- ‌الفرع الأول: تعريف الهجرة في اللغة:

- ‌الفرع الثاني: تعرف الهجرة اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثانى الأدلة على مشروعية الهجرة

- ‌المطلب الثالث أهمية الهجرة ومكانتها وبقائها

- ‌الفصل الثالث الأمور والضوابط التي ينبغي على المستضعفين الأخذ بها ومراعاتها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول تفاوت قدرات المستضعفين

- ‌المبحث الثانى التفريق بين استضعاف العَالِم واستضعاف غيره

- ‌المبحث الثالث تقدير الضرورة والحاجة يكون بالرجوع إلى أهل العلم

- ‌المبحث الرابع عدم الركون للاستضعاف

- ‌المبحث الخامس الأخذ بضوابط العمل بالضرورة والحاجة

- ‌المبحث السادس العمل بشروط الإكراه المعتبر

- ‌المبحث السابع مراعاة الفرق بين فقه الاستضعاف وفقه التمكين

- ‌المبحث الثامن العمل بآيات الصبر والصفح والعفو

- ‌الباب الثالث أحكام الاستضعاف

- ‌الفصل الأول المسائل المتعلقة بالاستضعاف

- ‌المبحث الأول الاستعانة بالكفار في القتال حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الاستعانة

- ‌المطلب الثاني حكم الاستعانة بالكفار

- ‌الفرع الأول: حكم الاستعانة بالكفار على الكفار:

- ‌الفرع الثانى: حكم الاستعانة بالكفار على البغاة من المسلمين:

- ‌المطلب الثالث حكم الاستعانة بأهل البدع

- ‌الفرع الأول: تعريف البدعة لغة واصطلاحًا:

- ‌الفرع الثاني: أقوال الفقهاء في حكم الاستعانة بأهل البدع:

- ‌المطلب الرابع حكم الاستعانة بالكفار في الجوانب الأخرى

- ‌المبحث الثاني دفع المال للكفار حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الحدود

- ‌الفرع الأول: تعريف الحدود لغة:

- ‌الفرع الثاني: تعريف الحدود اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثاني الحكمة من الحدود وأهميتها

- ‌المطلب الثالث التمهيد إقامة الحدود

- ‌المطلب الرابع استبدال الحدود

- ‌المطلب الخامس الفرق بين تعطيل الحدود وتعطيل التعازير

- ‌المطلب السادس الحدود عام الرمادة

- ‌المطلب السابع حالات جواز تعطيل الحدود

- ‌المبحث الرابع الاعتراف بالاحتلال حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الاعتراف وأشكاله

- ‌الفرع الأول: الاعتراف في اللغة:

- ‌الفرع الثانى: الاعتراف اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثاني آثار الاعتراف ونتائجه

- ‌المطلب الثالث حكم الاعتراف بالاحتلال (الاحتلال الصهيونى نموذجًا)

- ‌المطلب الرابع بدائل الاعتراف بالكيان الصهيونى

- ‌المطلب الخامس الاعتراف الواقعي فى الفقه الإسلامي

- ‌المبحث الخامس بيع الأراضي للاحتلال حال الاستضعاف

- ‌المبحث السادس تسليم المطلوبين المسلمين ونحوهم (الذميين) فى حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف تسليم المطلوبين

- ‌المطلب الثانى أقوال الفقهاء في مسألة رد المسلم

- ‌المطلب الثالث بيان الفرق بين التسليم والرد

- ‌المطلب الرابع تسليم المطلوبين للدولة الكافرة حال الاستضعاف

- ‌الفرع الأول: الأدلة من القرآن الكريم:

- ‌الفرع الثانى: الأدلة من السنة النبوية:

- ‌الفرع الثالث: الأدلة من عمل الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفرع الرابع: الأدلة من المعقول:

- ‌المبحث السابع التجنس بجنسية دولة غير إسلامية حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الجنسية

- ‌المطلب الثانى الإقامة في دار الكفر

- ‌المطلب الثالث حصول المستضعف على جنسية الدولة الكافرة

- ‌المطلب الرابع التجنس الجماعي للمستضعفين

- ‌المبحث الثامن المشاركة فى الحكم حال الاستضعاف

- ‌المبحث التاسع نزع الحجاب حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الحجاب والنقاب

- ‌المطلب الثاني الأدلة على وجوب الحجاب

- ‌المطلب الثالث نزع الحجاب حال الاستضعاف

- ‌الفرع الأول: شروط نزع الحجاب حال الاستضعاف:

- ‌الفرع الثانى: شروط نزع النقاب حال الاستضعاف:

- ‌الفصل الثالث ما يُرخص به حال الاستضعاف

- ‌المبحث الأول كتمان الإسلام وشعائره حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الشعائر ومكانتها

- ‌الفرع الأول: الشعائر لغة:

- ‌الفرع الثانى: الشعائر اصطلاحًا:

- ‌الفرع الثالث: مكانة شعائر الإسلام وأهمية إظهارها:

- ‌المطلب الثاني كتمان الإسلام وإخفاء شعائره

- ‌المطلب الثالث المفاضلة بين إظهار الشعائر وإخفائها حال الاستضعاف

- ‌المطلب الرابع متى يجب كتمان الإسلام وشعائره

- ‌المطلب الخامس كتمان الجماعة للإسلام وإخفاء شعائره

- ‌المبحث الثانى استخدام المستضعف للحيلة ونحوها

- ‌المطلب الأول تعريف الحيلة وأنواعها

- ‌الفرع الأول: تعريف الحيلة في اللغة:

- ‌الفرع الثانى تعريف الحيلة اصطلاحًا:

- ‌الفرع الثالث: أنواع الحيلة:

- ‌المطلب الثاني الأدلة على مشروعية الحيلة للمستضعف

- ‌المطلب الثالث ما يلحق بالحيلة المشروعة

- ‌الفرع الأول: المعاريض:

- ‌الفرع الثانى: الكيد:

- ‌الفرع الثالث: التورية:

- ‌الفرع الرابع: النطق بكلمة الكفر:

- ‌المسألة الأولى: شروط النطق بكلمة الكفر:

- ‌المسألة الثانية: هل الأفضل النطق بكلمة الكفر أم الصبر

- ‌المسألة الثالثة: هل الأفضل في كل الأحوال عدم النطق بكلمة الكفر

- ‌المسألة الرابعة: النطق بكلمة الكفر لمجرد التهديد أو الخوف على المال:

- ‌المسألة الخامسة: هل الرخصة في القول أم القول والفعل

- ‌المسألة السادسة: هل يقاس على جواز النطق بكلمة الكفر ما دونها من الأفعال

- ‌المبحث الثالث استخدام المستضعف للتَقِيَّة

- ‌المطلب الأول تعريف التَقِيَّةُ

- ‌الفرع الأول: تعريف التَقِيَّةُ فى اللغة:

- ‌الفرع الثانى: تعريف التقية اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثانى أدلة مشروعية التقية

- ‌المطلب الثالث متى تكون التَّقِيَّةِ وشروط جوازها

- ‌المبحث الرابع استخدام المستضعف للمدارة والمداهنة

- ‌المطلب الأول تعريف المداراة وحكمها

- ‌الفرع الأول: تعريف المدارة لغة واصطلاحًا:

- ‌الفرع الثانى: حكم المداراة للمستضعف:

- ‌المطلب الثانى حكم المداهنة للمستضعف

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المراجع

الفصل: ‌المطلب الرابع استبدال الحدود

وقد أشكلت هذه الشروط على بعض التابعين فسأل جابر رضي الله عنه عن شأن ثقيف إذ بايعت، قال: اشترطت على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها، ولا جهاد، وأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقول:(سَيَتَصَدَّقُونَ وَيُجَاهِدُونَ إِذَا أَسْلَمُوا)(1)، وفي هذا الحديث دليل على جواز مبايعة الكافر وقبول الإسلام منه، وإن شرط شرطًا باطلًا (2)، وقد قبل الرسول عليه الصلاة والسلام هذا التدرج في حال قوة الإسلام، فالحاجة إلى التدرج في حال الاستضعاف أولى، وإن كان هذا الاشتراط مقبولًا ممن دخل في الإسلام حديثًا، ويُرجى منه صلاح حاله وتعرفه على شرائعه، فإنه مع هذا لم يقبل منهم ترك الصلاة، ومثل هذا الاشتراط لا يصح من المسلمين، ولهذا قاتل الصحابة رضي الله عنهم المرتدين على ترك الزكاة، ودل على الحديث على جواز التفريق بين المجتمعات التي دخلها الإسلام حديثًا وتلك التي تطبق الأحكام الشرعية.

* * *

‌المطلب الرابع استبدال الحدود

عند وقوع الاستضعاف قد يُطالب البعض استبدال الحدود بوسائل أخرى من العقوبات وذلك بحسب الزمان والمكان، ولربما استدل هؤلاء لرأيهم بالمصلحة أو غيرها، وقد رد الجويني رحمه الله على ذلك بقوله:"لسنا نرى أولًا إقامة السياط مقام الأحجار، فإن الحدود لا تتغير كيفياتها ولا تبدل آلاتها"(3).

(1) أخرجه أبو داود، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في خبر الطائف، رقم: 3025، قال في عون المعبود، 8/ 185:"سكت عنه المنذري".

(2)

نيل الأوطار، محمد بن علي الشوكاني، دار الحديث: مصر، ط 1، د. ت، 8/ 13.

(3)

غِياث الأُمم، ص 240.

ص: 265

قال ابن القيم رحمه الله: "الأحكام نوعان:

نوع: لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك، فهذا لا يتطرق إليه تغيير، ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه.

والنوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانًا ومكانًا وحالًا كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها، فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة، فشرع التعزير بالقتل لمدمن الخمر في المرة الرابعة، وعزم على التعزير بتحريق البيوت على المتخلف عن حضور الجماعة، لولا ما منعه من تعدي العقوبة إلى غير من يستحقها من النساء والذرية، وعزر بحرمان النصيب المستحق من السلب، وأخبر عن تعزير مانع الزكاة بأخذ شطر ماله" (1).

وقال ابن تيمية رحمه الله: "وللشريعة أسرار في سد الفساد وحسم مادة الشر؛ لعلم الشارع بما جُبلت عليه النفوس، وبما يخفي على الناس من خفى هداها الذي لا يزال يسري فيها حتى يقودها إلى الهلكة، فمن تحذلق على الشارع واعتقد في بعض المحرمات أنه إنما حرم لعلة كذا وتلك العلة مقصودة فيه فاستباحه بهذا التأويل، فهو ظلوم لنفسه جهول بأمر ربه، وهو إن نجا من الكفر لم ينج غالبا من بدعة أو فسق أو قلة فقه في الدين وعدم بصيرة، أما شواهد هذه القاعدة فأكثر من أن تحصر. . . إن اللَّه سبحانه أوجب إقامة الحدود سدا للتذرع إلى المعاصي، إذا لم يكن عليها زاجر، وإن كانت العقوبات من جنس الشر، ولهذا لم تشرع الحدود إلا في معصية تتقاضاها الطباع، كالزنا والشرب والسرقة والقذف، دون أكل الميتة والرمي بالكفر ونحو ذلك، فإنه اكتفى فيه بالتعزير، ثم إنه أوجب على السلطان إقامة الحدود إذا رُفعت إليه الجريمة وإن تاب العاصي عند ذلك وإن

(1) إغاثة اللهفان، 1/ 330 - 331.

ص: 266

غلب على ظنه أنه لا يعود إليها؛ لئلا يُفضي ترك الحد بهذا السبب إلى تعطيل الحدود مع العلم بأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له" (1).

ولهذا فإن مثل هذا الاستبدال في الحدود أو المطالبة به مع اعتقاد عدم صلاحية أحكام اللَّه عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم لكل زمان قد يخرج صاحبه من الملة، وإن تأجيل إقامة الحد أقل ضررًا من التحاكم إلى الطاغوت، "فكل من خرج عن سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وشريعته فقد أقسم اللَّه بنفسه المقدسة أنه لا يؤمن حتى يرضى بحكم رسول اللَّه في جميع ما يشجر بينهم من أمور الدين والدنيا، وحتى لا يبقى في قلوبهم حرج من حكمه، ودلائل القرآن على هذا الأصل كثيرة، وبذلك جاءت سنة رسول اللَّه وسنة خلفائه الراشدين"(2)، قال تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (3)، "وهذا نص في تكفير من لم يرض بحكم الرسول عليه الصلاة والسلام. . قوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4)، وهذا يدل على أن مخالفته معصية عظيمة وفي هذه الآيات دلائل على أن من رد شيئا من أوامر اللَّه أو أوامر الرسول عليه الصلاة والسلام فهو خارج عن الإسلام سواء رده من جهة الشك أو من جهة التمرد وذلك يوجب صحة ما ذهبت الصحابة إليه من الحكم بارتداد مانعي الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم" (5).

(1) الفتاوى الكبرى، 3/ 258 - 263.

(2)

الفتاوى، 28/ 471.

(3)

سورة النساء، الآية [65].

(4)

سورة النور، من الآية [63].

(5)

مفاتيح الغيب، 10/ 124.

ص: 267

وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (1)، وقال تعالى:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (2)، "فعلى جميع الخلق أن يحكموا رسول اللَّه خاتم النبيين وأفضل المرسلين وأكرم الخلق على اللَّه، ليس لأحد أن يخرج عن حكمه في شيء سواء كان من العلماء أو الملوك أو الشيوخ أو غيرهم"(3).

فإن قيل: إن الحدود تدرأ بالشبهات (4) وذلك في حال القوة، فالقول باستبدالها في حال الضعف أيسر من درئها.

والجواب عن هذا بأنه قياس فاسد؛ لأن درء الحدود بالشبهات مما جاءت به الشريعة، فهو جزء من تطبيق الشريعة وأحكامها، أما تعطيل الحدود فقد منعت منه الشريعة، كما أن الدرء ليس كاستبدال الحدود بأحكام جديدة بعد اكتمال الدين، كما أنه ليس كإضعاف الغرم الذي قال به الفقهاء، قال الإمام أحمد رحمه الله:"وكل من درأنا عنه الحد والقود، أضعفنا عليه الغرم"(5).

ودرء الحدود بالشبهات مما خُولف فيه الدليل بالتأويل، أما استبدال الحد فهو مخالفة للدليل بلا تأويل سائغ شرعًا (6).

(1) سورة الأحزاب، من الآية [36].

(2)

سورة النور، الآية [51].

(3)

الفتاوى، 35/ 363.

(4)

والشبهة هي: "ما يشبه الثابت وليس بثابت"، البحر الرائق، 5/ 12، أو "الشُّبْهَةُ التَّعَارُضُ بَيْنَ أَدِلَّةِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ"، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، 2/ 162، والمراد بدرء العقوبات أو الحدود: دفعها وعدم تطبيقها على الجاني لوجود اللبس لدى الجاني أو الشك في الفعل في كونه جريمة أصلًا، أو في كونه حدًا كاملًا، أو حتى في وقوعه.

(5)

إعلام الموقعين، 3/ 11.

(6)

انظر: الفروق، 1/ 303.

ص: 268

كما أن درء الحدود بالشبهات على فرض صحته، لا يثبت به مثل هذا الأمر العظيم الذي يفضي إلى التحاكم لغير حكم اللَّه عز وجل (1)، وليس هذا مجال العمل به.

وليست كل الشبهات تدرأ الحد، بل "الشبهة إذا كانت محتملة فهي التي توجب ذلك، أما لو لم تكن محتملة فليست شبهة، بل هي دلسة وقع بها التذرع إلى إسقاط ما شرعه اللَّه من الحدود"(2).

قال ابن القيم رحمه الله: "الحدود جعلها اللَّه تعالى زواجر للنفوس وعقوبة ونكالًا وتطهيرًا، فشرعها من أعظم مصالح العباد في المعاش والمعاد، بل لا تتم سياسة ملك من ملوك الأرض إلا بزواجر وعقوبات لأرباب الجرائم، ومعلوم ما في التحيل لإسقاطها من منافاة هذا الغرض وإبطاله، وتسليط النفوس الشريرة على تلك الجنايات، إذا علمت أن لها طريقًا إلى إبطال عقوباتها فيها، وأنها تسقط تلك العقوبات بأدنى الحيل، فإنه لا فرق عندها البتة بين أن تعلم أنه لا عقوبة عليها فيها وبين أن تعلم أن لها عقوبة وأن لها إسقاطها بأدنى الحيل"(3).

وإن استبدال الحدود والعقوبات الشرعية بأي عقوبات وضعية لن يحقق المراد، ولن يفي بالغرض، وإنما سيؤدي إلى نتائج عكسية، قال ابن تيمية رحمه الله: "وقد أجمع المسلمون على أن تعطيل الحد بمال يؤخذ أو غيره لا يجوز، وأجمعوا على أن المال المأخوذ من الزاني والسارق والشارب والمحارب وقاطع الطريق ونحو ذلك لتعطيل الحد مال سحت خبيث كثير مما يوجد من فساد أمور الناس، إنما هو لتعطيل الحد بمال أو جاه، وهذا من

(1) انظر: نيل الأوطار، 7/ 273.

(2)

السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، محمد بن علي الشوكاني، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الكتب العلمية: بيروت، ط 1، 1405 هـ، 4/ 336.

(3)

إعلام الموقعين، 3/ 184 - 185.

ص: 269