الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث حصول المستضعف على جنسية الدولة الكافرة
(1)
إن كان بقاء المسلم في الدولة الكافرة يترتب عليه مصلحة للمسلمين فإن الراجح جواز إقامته في دار الكفر، أما في حال الاستضعاف فإن المسلم المستضعف يكون أشد حاجة للإقامة في دار الكفر، وأما الحصول على الجنسية فإنها تبع لتلك الإقامة، والجنسية ما هي إلا لتنظيم تلك الإقامة في دار الكفر (2)، وأما الفصل بين الجنسية والإقامة فلا يترتب عليه إلا أن يكون المستضعف منقوص الحقوق، وربما تم إخراجه من الدولة وإنهاء إقامته فيها؛ لكونه لم يحصل على الجنسية، بينما قد يترتب على حصوله على الجنسية نوع من الحماية والحصانة تمكنه من العودة إلى بلده دون خوف مما كان يتهدده قبل حصوله عليها.
وبالنظر في أراء الفقهاء في مسألة إقامة المسلم في دار الكفر مع القدرة على إظهار الإيمان والشعائر يتضح لي رجحان الرأي الأول وهو جواز هجرة وإقامة المستضعف في بلاد الكفار وحصوله على جنسيتها، ويشهد لهذا الرأي هجرة الصحابة رضي الله عنهم إلى الحبشة، بل وأمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بذلك، كما يشهد له (أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أذن لقوم
(1) ليس المقصد من هذا المطلب بحث مسألة الحصول على الجنسية من الدولة الكافرة بل المراد المستضعف الذي يجوز له الإقامة والهجرة إلى دار الكفر ما حكم حصوله على جنسية البلد الكافر الذي هاجر إليه، وللمزيد حول أحكام الجنسية، انظر: الجنسية والتجنس وأحكامها في الفقه الإسلامي، د. سميح عواد الحسن، دار النوادر: دمشق - بيروت، ط 1، 1429 هـ.
(2)
انظر: فقه الأقليات المسلمة، ص 608.
بمكة أن يقيموا بها بعد إسلامهم، منهم العباس ابن عبد المطلب) (1) وغيره، إذا لم يخافوا الفتنة.
وكان عليه الصلاة والسلام يأمر جيوشه أن يقولوا لمن أسلم: (إن هاجرتم فلكم ما للمهاجرين وإن أقمتم فأنتم كأعراب، وليس يخيرهم إلا فيما يحل لهم)(2).
إلا أنه يشترط لهذا الجواز ما يلي:
1 -
تحقق الاستضعاف في البلد المسلم الذي سوف يفارقه.
2 -
أن يتعذر عليه الهجرة إلى بلد إسلامي، أو أن تكون نتيجة هجرته للبلد الإسلامي مساوية لبقائه في بلده من حيث الاستضعاف الواقع عليه، قال ابن العربي رحمه الله: "فإذا لم يوجد بلد إلا كذلك؟ قلنا: يختار المرء أقلها إثمًا، مثل أن يكون بلد به كفر، فبلد فيه جور
(1) العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي عم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبو الفضل، ولد قبل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بسنتين وضاع وهو صغير فنذرت أمه إن وجدته أن تكسو البيت الحرير، فوجدته فكست البيت الحرير، فهي أول من كساه ذلك، وكان إليه في الجاهلية السقاية والعمارة، حضر بيعة العقبة مع الأنصار قبل أن يسلم، وشهد بدرا مع المشركين مكرها وكان يكتم إسلامه، فأسر فافتدى نفسه، وافتدى ابن أخيه عقيل بن أبي طالب، ورجع إلى مكة وصار يكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالأخبار، ثم هاجر قبل الفتح بقليل، وشهد الفتح، وثبت يوم حنين، كما شهد الطائف وتبوك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(من آذى العباس لقد آذاني، فإنما عم الرجل صنو أبيه)، أخرجه الترمذي، مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين، وكان طويلًا جميلًا أبيض، انظر: المستدرك على الصحيحين، 3/ 366، والإصابة في تمييز الصحابة، 3/ 631، والاستيعاب في معرفة الأصحاب، 2/ 812، والطبقات الكبرى، 4/ 15، وشرح مشكل الآثار، 8/ 244، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 10/ 49، وتفسير القرآن العظيم، 2/ 328.
(2)
الأم، 4/ 161.
خير منه، أو بلد فيه عدل وحرام، فبلد فيه جور وحلال خير منه للمقام، أو بلد فيه معاصٍ في حقوق اللَّه فهو أولى من بلد فيه معاصٍ في مظالم العباد" (1).
3 -
إن أمكن المستضعف الحصول على حق اللجوء فإنه يكتفي به بدلًا من الحصول على الجنسية؛ إلا إن رأى أن المصلحة تقتضي حصوله على الجنسية وأنه سيحصل على المزيد من الحقوق.
4 -
أن تكون أنظمة البلاد المراد الهجرة إليها عادلة، تسمح للمسلم بإظهار إسلامه وممارسة عباداته، ويكون فيها آمنًا هو وأهله وأمواله، كما كان حال المسلمين بالحبشة في زمن النجاشي رحمه الله.
5 -
أن يأخذ المستضعف بكل الأسباب التي تعينه وأسرته على المحافظة على الدين وإقامة العبادات.
6 -
أن يعود المستضعف إلى بلده متى ما زالت الأسباب التي أدت إلى خروجه منه، أو إلى أي بلد مسلم متى ما تيسر ذلك.
7 -
ألا يشارك في أي عمل ضد المسلمين.
قال ابن حزم رحمه الله: "وأما من فرَّ إلى أرض الحرب لظلم خافه ولم يحارب المسلمين ولا أعانهم عليهم ولم يجد في المسلمين من يجيره، فهذا لا شيء عليه؛ لأنه مضطر مكره، وقد ذكرنا أن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب كان عازما على أنه إن مات هشام بن عبد الملك لحق بأرض الروم؛ لأن الوليد بن يزيد كان نذر دمه إن قدر عليه وهو كان الوالي بعد هشام، فمن كان هكذا فهو معذور"(2).
(1) انظر: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي، أبو بكر بن العربي المالكي، دار الكتب العلمية: مصر، ط 1، د. ت، 7/ 88 - 90.
(2)
المحلى، 11/ 200.