الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: تعريف الاضطرار
وفيه فرعان:
الفرع الأول: تعريف الاضطرار لغة:
وهو افتعال من الضرورة وتقديره: أنه نالته الضرورة فطاوعها، والمضطر مفتعل من الضر، وأصله مضترر فأدغمت الراء وقلبت التاء طاء لأجل الضاد، والضَّرُّ ضد النفع، ورجل ذو ضَرُورةٍ أي: ذو حاجة، وقد اضْطرَّ إلى الشيء أي: أُلجىء إليه، والاضطِرارُ: الاحتياج إِلى الشيء (1)، ومنه قوله تعالى:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} (2)، قال ابن عباس:(هو ذو الضرورة المجهود). وقال السدي: "الذي لا حول له ولا قوة"(3).
الفرع الثاني: تعريف الاضطرار اصطلاحًا:
تنوعت عبارات الفقهاء في تعريف المضطر، فمنهم من عرفه بشديد الاحْتِيَاجِ وأنه أَخَصُّ من الفقير (4)؛ لكون الغِنَى لا يُنافي الاضْطِرَارَ إذ قد لا يتمكن من ماله حالة اضطراره (5).
(1) انظر: لسان العرب، ومختار الصحاح، مادة:(ضرر).
(2)
سورة النمل، الآية [62].
(3)
الجامع لأحكام القرآن، 13/ 223.
(4)
انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عوفة الدسوقي، مصر: دار إحياء الكتب العربية، ط 1، د. ت، 1/ 6، ومنح الجليل شرح مختصر خليل، محمد أمين بن عمر، بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، د. ت، 1/ 12.
(5)
انظر: تحفة المحتاج في شَرْح المِنْهَاج، أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي، بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط 1، د. ت، 39/ 413.
ومنهم من عرف الاضطرار بأنه: "الضرر الذي يصيب الإنسان من جوع أو غيره ولا يمكنه الامتناع منه"(1). "واضطره بمعنى ألجأه إليه وليس له منه بد، والضرورة اسم من الاضطرار"(2)، فالاضطرار هو الوقوع في الضرورة. ومن الفقهاء من عرف المضطر بأنه المكره (3)، أو المكلف بالشيء، الملجأ إليه المكره عليه (4)، ويوضح ابن رشد رحمه الله (5) سبب هذا بقوله: وذلك أن المكره يشبه من جهة المختار، ويشبه من جهة المضطر المغلوب (6).
جاء في شرح مجلة الأحكام: "معنى الاضطرار هنا الإجبار على فعل الممنوع، والاضطرار على قسمين:
أحدهما: ينشأ عن سبب داخلي، يقال له:(سماوي) كالجوع مثلا.
(1) أحكام القرآن للجصاص، 2/ 442
(2)
المصباح المنير، ص 361.
(3)
قال ابن حزم في المحلى: "أَمَّا المُكْرَهُ - فَإِنَّهُ مُضْطَرٌّ"، 11/ 372، وقال في عون المعبود:"وَالمُرَاد مِنْ المُضْطَرّ: المُكْرَه"، 9/ 168.
(4)
لباب التأويل في معاني التنزيل (تفسير الخازن)، علي محمد البغدادي المعروف بالخازن، ضبطه: عبد السلام محمد شاهين، بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، 1415 هـ، 1/ 135.
(5)
محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الأندلسي القرطبي، أبو الوليد، ولد سنة 520 هـ قبل موت جده بشهر، العلامة الفيلسوف عني بكلام أرسطو وترجمه إلى العربية، صنف نحو خمسين كتابًا، منها: التحصيل، والحيوان، وتهافت التهافت، يلقب بابن رشد الحفيد تمييزًا له عن جده، توفي جده رحمه الله سنة 595 هـ، انظر ترجمته: سير أعلام النبلاء، 21/ 307 - 310، والأعلام، 5/ 318.
(6)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد، محمد بن أحمد بن محمد بن رشد، بيروت: دار الفكر، ط 1، د. ت، 2/ 297.
أما القسم الثاني: هو الاضطرار الناشىء عن سبب خارجي ويقال له: (اضطراري غير سماوي) وهو نوعان الإكراه الملجىء والإكراه غير الملجىء" (1).
كما يتضح أن حالة الإكراه تتفق مع حالة الاضطرار في الحكم، ولكنهما تختلفان في سبب الفعل، ففي الإكراه يدفع المكره إلى إتيان الفعل المحرّم شخصٌ آخر ويجبره على العمل، أمّا في حالة الاضطرار فقد يكون الاضطرار بسبب الإكراه أو من داخل الإنسان كالجوع والمرض، فيوجد الفاعل في ظروفٍ تقتضي الخروج منها، أن يرتكب الفعل المحرّم ليدفع الضرر عن نفسه (2).
كما أن حالة الضرورة تعتبر أعم وأشد من حالة الإكراه، فالإكراه صورة من صور الضرورة، فإذا ثبتت الإباحة في حال الإكراه دل هذا على تحقق الاضطرار (3)؛ ولذلك فإن المكره يقاس على المضطر في جواز أكل الميتة للضرورة؛ لأنه في معنى المضطر إلى التغذي بها بجامع استبقاء النفس (4).
يتضح مما سبق أن المضطر هو من وقعت عليه الضرورة، والضرورة اسم مصدر لاضطره، والفقهاء يستعملون الضرورة والاضطرار بمعنى واحد (5).
(1) درر الحكام، 1/ 43 - 44.
(2)
الموسوعة الفقهية، 5/ 216 - 217، ونظرية الضرورة حدودها وضوابطها، جميل محمد مبارك، المنصورة: دار الوفاء، ط 1، 1408 هـ، ص 22.
(3)
انظر: كشف الأسرار، 4/ 387، والإكراه وأثره في التصرفات ص 35.
(4)
المدخل، عبد القادر بن بدران الدمشقي، تحقيق: د. عبد اللَّه التركي، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط 2، 1401 هـ، 1/ 315.
(5)
انظر: نظرية الضرورة، ص 22 - 23.