المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: مظاهر الاستضعاف - الاستضعاف وأحكامه في الفقه الإسلامي

[زياد بن عابد المشوخي]

فهرس الكتاب

- ‌تقريظ

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول تعريف الاستضعاف وأنواعه ومظاهره

- ‌الفصل الأول: تعريف الاستضعاف

- ‌المبحث الأول: تعريف الاستضعاف

- ‌المطلب الأول: تعريف الاستضعاف لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الاستضعاف اصطلاحًا

- ‌المبحث الثاني: مفهوم الاستضعاف في القرآن الكريم

- ‌المبحث الثالث: مفهوم الاستضعاف في الأحاديث النبوية

- ‌المبحث الرابع: بيان الألفاظ ذات الصلة

- ‌المطلب الأول: تعريف الإكراه

- ‌الفرع الأول: تعريف الإكراه لغة:

- ‌الفرع الثاني: تعريف الإكراه اصطلاحًا:

- ‌الفرع الثالث: استخدام الفقهاء لكلمة الإكراه:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الاضطرار

- ‌الفرع الأول: تعريف الاضطرار لغة:

- ‌الفرع الثاني: تعريف الاضطرار اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثالث: الفرق بين الضرورة والحاجة

- ‌المطلب الرابع: تعريف الاضطهاد

- ‌المبحث الخامس: المقارنة بين الاستضعاف والألفاظ ذات الصلة

- ‌الفصل الثاني: أنواع الاستضعاف ومظاهره

- ‌المبحث الأول: أنواع الاستضعاف

- ‌المطلب الأول: تقسيم الاستضعاف باعتبار درجته

- ‌المطلب الثاني: تقسيم الاستضعاف باعتبار من يقع عليه

- ‌المطلب الثالث: تقسيم الاستضعاف باعتبار الاعتذار به

- ‌المبحث الثاني: العلاقة بين مرحلة الاستضعاف والمرحلة المكية

- ‌المبحث الثالث: مظاهر الاستضعاف

- ‌المبحث الرابع: استحكام الاستضعاف فى الأرض

- ‌الباب الثاني أسباب الاستضعاف ووسائل دفعه وضوابطها

- ‌الفصل الأول أسباب الاستضعاف

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول أسباب الاستضعاف الداخلية

- ‌المطلب الأول انشقاق المسلمين وتفرقهم

- ‌المطلب الثانى العصبية والعنصرية بين المسلمين

- ‌المطلب الثالث عدم الأخذ بأسباب القوة

- ‌المبحث الثاني أسباب الاستضعاف الخارجية

- ‌المطلب الأول الاحتلال والاستعمار وما خلفه من آثار

- ‌المطلب الثانى الغزو الفكري والثقافي

- ‌المطلب الثالث الحصار بمختلف أشكاله وصوره

- ‌الفصل الثاني وسائل دفع الاستضعاف

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول الأخد بأسباب القوة

- ‌المطلب الأول قوة العقيدة

- ‌المطلب الثانى القوة العسكرية

- ‌المطلب الثالث القوة الاقتصادية

- ‌المطلب الرايع القوة السياسية

- ‌المطلب الخامس القوة الإعلامية

- ‌المطلب السادس القوة المعنوية

- ‌المبحث الثانى الوحدة الإسلامية

- ‌المبحث الثالث الدخول في الجوار

- ‌المطلب الأول تعريف الجوار لغة واصطلاحًا

- ‌المطلب الثاني الأدلة على مشروعية الجوار

- ‌المبحث الرابع المعاهدات والتحالفات

- ‌المطلب الأول تعريف المعاهدة والحلف

- ‌الفرع الأول: تعريف المعاهدات لغة:

- ‌الفرع الثاني: تعريف المعاهدات اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثانى الأدلة على مشروعية المعاهدات والتحالفات

- ‌المطلب الثالث الحلف في الإسلام

- ‌المطلب الرابع التقاء مصالح المستضعفين مع الكفار

- ‌المبحث الخامس الجهاد

- ‌المبحث السادس الهجرة

- ‌المطلب الأول تعريف الهجرة لغة واصطلاحًا

- ‌الفرع الأول: تعريف الهجرة في اللغة:

- ‌الفرع الثاني: تعرف الهجرة اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثانى الأدلة على مشروعية الهجرة

- ‌المطلب الثالث أهمية الهجرة ومكانتها وبقائها

- ‌الفصل الثالث الأمور والضوابط التي ينبغي على المستضعفين الأخذ بها ومراعاتها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول تفاوت قدرات المستضعفين

- ‌المبحث الثانى التفريق بين استضعاف العَالِم واستضعاف غيره

- ‌المبحث الثالث تقدير الضرورة والحاجة يكون بالرجوع إلى أهل العلم

- ‌المبحث الرابع عدم الركون للاستضعاف

- ‌المبحث الخامس الأخذ بضوابط العمل بالضرورة والحاجة

- ‌المبحث السادس العمل بشروط الإكراه المعتبر

- ‌المبحث السابع مراعاة الفرق بين فقه الاستضعاف وفقه التمكين

- ‌المبحث الثامن العمل بآيات الصبر والصفح والعفو

- ‌الباب الثالث أحكام الاستضعاف

- ‌الفصل الأول المسائل المتعلقة بالاستضعاف

- ‌المبحث الأول الاستعانة بالكفار في القتال حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الاستعانة

- ‌المطلب الثاني حكم الاستعانة بالكفار

- ‌الفرع الأول: حكم الاستعانة بالكفار على الكفار:

- ‌الفرع الثانى: حكم الاستعانة بالكفار على البغاة من المسلمين:

- ‌المطلب الثالث حكم الاستعانة بأهل البدع

- ‌الفرع الأول: تعريف البدعة لغة واصطلاحًا:

- ‌الفرع الثاني: أقوال الفقهاء في حكم الاستعانة بأهل البدع:

- ‌المطلب الرابع حكم الاستعانة بالكفار في الجوانب الأخرى

- ‌المبحث الثاني دفع المال للكفار حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الحدود

- ‌الفرع الأول: تعريف الحدود لغة:

- ‌الفرع الثاني: تعريف الحدود اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثاني الحكمة من الحدود وأهميتها

- ‌المطلب الثالث التمهيد إقامة الحدود

- ‌المطلب الرابع استبدال الحدود

- ‌المطلب الخامس الفرق بين تعطيل الحدود وتعطيل التعازير

- ‌المطلب السادس الحدود عام الرمادة

- ‌المطلب السابع حالات جواز تعطيل الحدود

- ‌المبحث الرابع الاعتراف بالاحتلال حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الاعتراف وأشكاله

- ‌الفرع الأول: الاعتراف في اللغة:

- ‌الفرع الثانى: الاعتراف اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثاني آثار الاعتراف ونتائجه

- ‌المطلب الثالث حكم الاعتراف بالاحتلال (الاحتلال الصهيونى نموذجًا)

- ‌المطلب الرابع بدائل الاعتراف بالكيان الصهيونى

- ‌المطلب الخامس الاعتراف الواقعي فى الفقه الإسلامي

- ‌المبحث الخامس بيع الأراضي للاحتلال حال الاستضعاف

- ‌المبحث السادس تسليم المطلوبين المسلمين ونحوهم (الذميين) فى حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف تسليم المطلوبين

- ‌المطلب الثانى أقوال الفقهاء في مسألة رد المسلم

- ‌المطلب الثالث بيان الفرق بين التسليم والرد

- ‌المطلب الرابع تسليم المطلوبين للدولة الكافرة حال الاستضعاف

- ‌الفرع الأول: الأدلة من القرآن الكريم:

- ‌الفرع الثانى: الأدلة من السنة النبوية:

- ‌الفرع الثالث: الأدلة من عمل الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفرع الرابع: الأدلة من المعقول:

- ‌المبحث السابع التجنس بجنسية دولة غير إسلامية حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الجنسية

- ‌المطلب الثانى الإقامة في دار الكفر

- ‌المطلب الثالث حصول المستضعف على جنسية الدولة الكافرة

- ‌المطلب الرابع التجنس الجماعي للمستضعفين

- ‌المبحث الثامن المشاركة فى الحكم حال الاستضعاف

- ‌المبحث التاسع نزع الحجاب حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الحجاب والنقاب

- ‌المطلب الثاني الأدلة على وجوب الحجاب

- ‌المطلب الثالث نزع الحجاب حال الاستضعاف

- ‌الفرع الأول: شروط نزع الحجاب حال الاستضعاف:

- ‌الفرع الثانى: شروط نزع النقاب حال الاستضعاف:

- ‌الفصل الثالث ما يُرخص به حال الاستضعاف

- ‌المبحث الأول كتمان الإسلام وشعائره حال الاستضعاف

- ‌المطلب الأول تعريف الشعائر ومكانتها

- ‌الفرع الأول: الشعائر لغة:

- ‌الفرع الثانى: الشعائر اصطلاحًا:

- ‌الفرع الثالث: مكانة شعائر الإسلام وأهمية إظهارها:

- ‌المطلب الثاني كتمان الإسلام وإخفاء شعائره

- ‌المطلب الثالث المفاضلة بين إظهار الشعائر وإخفائها حال الاستضعاف

- ‌المطلب الرابع متى يجب كتمان الإسلام وشعائره

- ‌المطلب الخامس كتمان الجماعة للإسلام وإخفاء شعائره

- ‌المبحث الثانى استخدام المستضعف للحيلة ونحوها

- ‌المطلب الأول تعريف الحيلة وأنواعها

- ‌الفرع الأول: تعريف الحيلة في اللغة:

- ‌الفرع الثانى تعريف الحيلة اصطلاحًا:

- ‌الفرع الثالث: أنواع الحيلة:

- ‌المطلب الثاني الأدلة على مشروعية الحيلة للمستضعف

- ‌المطلب الثالث ما يلحق بالحيلة المشروعة

- ‌الفرع الأول: المعاريض:

- ‌الفرع الثانى: الكيد:

- ‌الفرع الثالث: التورية:

- ‌الفرع الرابع: النطق بكلمة الكفر:

- ‌المسألة الأولى: شروط النطق بكلمة الكفر:

- ‌المسألة الثانية: هل الأفضل النطق بكلمة الكفر أم الصبر

- ‌المسألة الثالثة: هل الأفضل في كل الأحوال عدم النطق بكلمة الكفر

- ‌المسألة الرابعة: النطق بكلمة الكفر لمجرد التهديد أو الخوف على المال:

- ‌المسألة الخامسة: هل الرخصة في القول أم القول والفعل

- ‌المسألة السادسة: هل يقاس على جواز النطق بكلمة الكفر ما دونها من الأفعال

- ‌المبحث الثالث استخدام المستضعف للتَقِيَّة

- ‌المطلب الأول تعريف التَقِيَّةُ

- ‌الفرع الأول: تعريف التَقِيَّةُ فى اللغة:

- ‌الفرع الثانى: تعريف التقية اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثانى أدلة مشروعية التقية

- ‌المطلب الثالث متى تكون التَّقِيَّةِ وشروط جوازها

- ‌المبحث الرابع استخدام المستضعف للمدارة والمداهنة

- ‌المطلب الأول تعريف المداراة وحكمها

- ‌الفرع الأول: تعريف المدارة لغة واصطلاحًا:

- ‌الفرع الثانى: حكم المداراة للمستضعف:

- ‌المطلب الثانى حكم المداهنة للمستضعف

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المراجع

الفصل: ‌المبحث الثالث: مظاهر الاستضعاف

‌المبحث الثالث: مظاهر الاستضعاف

المراد بمظاهر الاستضعاف الصورة التي يبدو عليها (1)، وهذه المظاهر تختلف بحسب أحوال المستضعفين، وبحسب نوع الاستضعاف الواقع عليهم، ومن أبرز هذه المظاهر ما يلي:

المظهر الأول: وقوع القتل والتعذيب والسجن والإبعاد على المستضعفين:

وهذا ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم بمكة، قال تعالى:{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ} (2)، وقال عز وجل:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (3)، {لِيُثْبِتُوكَ} ليحبسوك ويسجنوك ويوثقوك (4)، إن الطرد والإبعاد سياسة ماضية مارسها أعداء الأنبياء والرسل، قال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} (5)،

(1) الظاء والهاء والراء أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدلُّ على قوّةٍ وبروز. والظَّهْرُ من الأرض ما غَلُظَ وارْتَفَعَ، والظُّهُوْرُ: بُدُوُّ الشيء الخَفيِّ إذا ظَهَرَ. يقال: ظَهَرَ الشيءُ يظهرُ ظهورًا فهو ظاهر، إذا انكشفَ وبرزَ. ولذلك سمِّيَ وقت الظُّهرِ والظَّهيرة، وهو أظهر أوقات النّهار وأَضْوَؤُها. والأصل فيه كلّه ظهر الإنسان، وهو خلافُ بطنه، وهو يجمع البُروزَ والقوّة. انظر: مقاييس اللغة، والقاموس المحيط، مجد الدين بن محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، بيروت: المؤسسة العربية للطباعة، ط 1، د. ت، مادة: ظهر، والمعجم الوسيط، 2/ 60.

(2)

سورة محمد، الآية [13].

(3)

سورة الأنفال، الآية [30].

(4)

انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 13/ 491 - 492، وتفسير القرآن العظيم، 4/ 43، ومعالم التنزيل، 3/ 350.

(5)

سورة إبراهيم، الآية [13].

ص: 85

فقد أخبر اللَّه "تعالى عما توعدت به الأمم الكافرة رسلهم، من الإخراج من أرضهم، والنفي من بين أظهرهم"(1)، فـ "هم لا يقبلون من الرسل والذين آمنوا معهم، أن يتميزوا وينفصلوا بعقيدتهم وبقيادتهم وبتجمعهم الخاص. إنما يطلبون إليهم أن يعودوا في ملتهم، ويندمجوا في تجمعهم، ويذوبوا في هذا التجمع. أو أن يطردوهم بعيدًا وينفوهم من أرضهم. . ولم يقبل الرسل الكرام أن يندمجوا في التجمع الجاهلي، ولا أن يذوبوا فيه، ولا أن يفقدوا شخصية تجمعهم الخاص. . هذا التجمع الذي يقوم على قاعدة أخرى غير القاعدة التي يقوم عليها التجمع الجاهلي"(2).

وفي قصة شعيب عليه السلام، قال تعالى:{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} (3)، "وهذا خطاب مع الرسول والمراد أتباعه الذين كانوا معه على الملة"(4). وفي قصة لوط عليه السلام، قال عز وجل:{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} (5)، وأخبر سبحانه عما جرى للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام، فقال تعالى:{وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} (6) "وكان من صنعه تعالى: أنه أظهر رسوله ونصره، وجعل له بسبب خروجه من مكة أنصارًا وأعوانًا وجندا، يقاتلون في سبيل اللَّه، ولم يزل يرقيه اللَّه تعالى من شيء إلى

(1) تفسير القرآن العظيم، 4/ 483.

(2)

في ظلال القرآن، سيد قطب، بيروت: دار الشروق، ط 7، 1978 م، 4/ 2101.

(3)

سورة الأعراف، الآية [88].

(4)

تفسير القرآن العظيم، 3/ 448.

(5)

سورة النمل، الآية [56].

(6)

سورة الإسراء، الآية [76].

ص: 86

شيء، حتى فتح له مكة التي أخرجته، ومكن له فيها، وأرغم آناف أعدائه منهم، ومن سائر أهل الأرض، حتى دخل الناس في دين اللَّه أفواجا، وظهرت كلمة اللَّه ودينه على سائر الأديان، في مشارق الأرض ومغاربها في أيسر زمان؛ ولهذا قال تعالى:{فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ} (1) " (2).

ولهذا لما انطلقت خديجة رضي الله عنها برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى ورقة بن نوفل (3) أدرك في الحال ما الذي سيقع للرسول الكريم، فقال:(هذا الناموس الذي نزله اللَّه به على موسى يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حيًا إذ يخرجك قومك، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (أو مخرجي هم!). قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي) (4)، وإن الخروج من الديار ليس بالأمر الهين ولهذا فقد قارنه اللَّه عز وجل بقتل النفس فقال سبحانه:{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} (5).

(1) سورة إبراهيم، الآيتان [13 - 14].

(2)

تفسير القرآن العظيم، 4/ 483.

(3)

ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي ابن عم خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره الطبري والبغوي وابن قانع وابن السكن وغيرهم في الصحابة، قال ابن حجر رحمه الله:"وفي إثبات الصحبة له نظر"، كان حكيمًا وممن اعتزل الأوثان قبل الإسلام، وامتنع من أكل ذبائحها، وتنصر وقرأ كتب الأديان، وكان يكتب اللغة العربية بالحرف العبراني. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة، 6/ 607 - 609، والأعلام، 8/ 114.

(4)

أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، رقم: 3، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، رقم:160.

(5)

سورة النساء، الآية [66].

ص: 87

المظهر الثانى: إخفاء المسلمين للشعائر التى أصلها الإظهار:

وذلك كالآذان والصلاة والجمع والأعياد والأضاحي ونحوها، بل وحتى أصل الإيمان كحال مؤمن آل فرعون، قال تعالى:{وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} (1).

وكحال الصحابة رضي الله عنهم بمكة التي أخبر اللَّه عز وجل عنهم بقوله سبحانه: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (2)، "أي: بين أظهرهم ممن يكتم إيمانه ويخفيه منهم خيفة على أنفسهم من قومهم" (3).

ولقد اقتضت المرحلة المكية لاسيما في بداية الدعوة السرية إخفاء الشعائر والعبادات، ولذا فقد اجتهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى دعوة ألصق الناس به، وألا يدعو إلا من غلب على ظنه أنه سيدخل في الإسلام ويكتم أمره، وهذا من باب السياسة الشرعية وما تقتضيه مصلحة الإسلام والمسلمين في تلك الفترة، فكان بيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المحضن الأول للدعوة، وأما المحضن الثاني فبيوت الصحابة رضي الله عنهم وفي مقدمتها بيت الأرقم ابن أبي الأرقم،

(1) سورة غافر، الآية [28].

(2)

سورة الفتح، الآية [25].

(3)

تفسير القرآن العظيم، 7/ 344.

ص: 88

والمحضن الثالث شعاب مكة (1)، وقد كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا صلوا، ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم (2).

ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم في حالة من الانضباط الأمني حتى لا يعلم بعضهم من أسلم أو كم عدد المسلمين يومئذ، ولم يكن الأمر مقتصرًا على الانضباط الأمني والسرية بل حتى الانضباط الاجتماعي، وهو جانب مهم من الانضباط الذي كانت الدعوة تنتهجه كإجراء وقائي يوفر لها بعض الحماية اللازمة للاستمرار في عملية بناء قدراتها الذاتية، بعيدًا عن أجواء القهر والملاحقات المرهقة، فكانوا ملتزمين بدرجة من الانضباط الاجتماعي، بحيث يصعب ملاحظة مظاهر الخروج عن المقررات والعادات والضوابط الاجتماعية التي درج المجتمع المكي عليها، فمصلحة الدعوة يومئذ اقتضت ذلك الانضباط الذي جنبهم الدخول في مواجهات جدالية سافرة، تضرهم ولا تنفعهم في تلك الفترة (3).

وهذا الانضباط الاجتماعي استمر حتى فترة متقدمة من مسيرة الإسلام قال ابن حجر رحمه الله معلقًا على تسمية صلح الحديبية فتحًا: "ولما كانت قصة الحديبية مقدمة للفتح

(1) انظر: وقفات تربوية مع السيرة النبوية، أحمد فريد، القاهرة: المكتبة التوفيقية، ط 1، 1421 هـ، ص 68، والسيرة الحلبية، 1/ 437، ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم في حماية الدعوة والمحافظة على منجزاتها خلال الفترة المكية، الطيب برغوث، الولايات المتحدة الأمريكية: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط 1، 1416 هـ، ص 301 - 302.

(2)

السيرة النبوية لابن هشام، 1/ 263. وانظر: السيرة النبوية لابن كثير، 1/ 454، والاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول اللَّه، 1/ 161.

(3)

انظر: منهج النبي صلى الله عليه وسلم في حماية الدعوة، ص 310 - 312، وقراءة لجوانب الحذر والحماية، إبراهيم علي محمد أحمد، الدوحة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ط 1، 1996 م.

ص: 89

سميت فتحا. . . فإن الفتح في اللغة فتح المغلق، والصلح كان مغلقا حتى فتحه اللَّه، وكان فتحه صد المسلمين عن البيت، وكان في الصورة الظاهرة ضيمًا للمسلمين وفي الصورة الباطنة عِزًّا لهم، فإن الناس لأجل الأمن الذي وقع بينهم اختلط بعضهم ببعض مِنْ غَيْر نكير وأسمع المسلمون المشركين القرآن، وناظروهم على الإسلام جهرة آمنين وكانوا قبل ذلك لا يتكلمون عندهم بذلك إلا خفية، وظهر من كان يخفي إسلامه فذل المشركون من حيث أرادوا العزة وَأُقْهِرُوا من حيث أرادوا الغلبة" (1).

المظهر الثالث: عدم القدرة على تطبيق الأحكام الشرعية:

سواءً كلها أو بعضها، كالحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها، وإن كانت أحوال المستضعفين تمنعهم من إظهار الشعائر فإنه من باب أولى أن تمنعهم من تطبيق الأحكام الشرعية، ففي "طوال العهد المكي لم يتنزل حكم شرعي تنفيذي -وإن تنزلت الأوامر والنواهي عن أشياء وأعمال- ولكن الأحكام التنفيذية كالحدود والتعازير والكفارات لم تتنزل إلا بعد قيام الدولة المسلمة التي تتولى تنفيذ هذه الأحكام"(2).

ومن المعلوم أن أول حد أقيم في الإسلام كان في المدينة، قال عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه:(لقد علمت أول حد كان في الإسلام امرأة سرقت فقطعت يدها فتغير لذلك وجه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تغيرًا شديدًا ثم قال: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (3)) (4).

(1) فتح الباري، 5/ 348.

(2)

في ظلال القرآن، 2/ 444.

(3)

سورة النور، من الآية [22].

(4)

أخرجه أحمد، 1/ 391، قال في مجمع الزوائد 6/ 275:"رواه كله أحمد، وأبو يعلى باختصار المرأة، وأبو ماجد الحنفي ضعيف".

ص: 90

لم يكن المسلمون في المرحلة المكية أمة منفصلة عن المجتمع المكي، ولم تكن لهم أرض يمارسون عليها سيادتهم، أو يقيموا حكومة ترعى مصالحهم وتدافع عنهم وتنفذ شريعتهم، كما لم يكن لهم سلطان وقوة، وإنما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسعى لجمع الناس على الدين تمهيدًا لإقامة الدولة الإسلامية لاحقًا، ولذا لم ينزل اللَّه عز وجل في تلك الفترة تنظيمات وشرائع، وإنما عقيدة وخلقًا منبثقًا عنها، فلما أن صارت لهم الدولة بالمدينة، تنزلت الشرائع (1).

وقد يتسنى للمستضعفين إظهار الشعائر من الآذان والصلاة وبناء المساجد ولبس الحجاب ونحوها، إلا أنهم لا يقدرون أن يقيموا الحدود لعدم وجود القوة والسلطة الإسلامية كحال الكثير من الأقليات الإسلامية في الدول الغربية اليوم، وقد يتسنى لهم إقامة محاكم إسلامية في قضايا محددة كالزواج والطلاق دون غيرها من القضايا.

المظهر الرابع: عدم القدرة على الهجرة:

وهذا أمر ظاهر فقد أخبر اللَّه عز وجل عن حال المستضعفين في مكة، ووصف لنا أحوال المعذورين منهم، بقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} (2)، فالاستضعاف المعفو عمن اتصف به غير الاستضعاف المعتذر به في أول الآية

(1) انظر: الدولة الإسلامية بين التراث والمعاصرة، د. توفيق الواعي، بيروت: دار ابن حزم، ط 1، 1416 هـ، ص 27، ومعالم على الطريق، ص 34.

(2)

سورة النساء، الآيات [97 - 99].

ص: 91

وصدرها، فإن اللَّه تعالى لم يقبل قولهم في الاعتذار به، فدل على أنهم كانوا قادرين على الهجرة من وجه ما، وعفا عن الاستضعاف الذي لا يستطاع معه حيلة ولا يهتدى به سبيل، فالمستضعف المعاقب في صدر الآية هو القادر من وجه، والمستضعف المعفو عنه في عجزها هو العاجز من كل وجه (1). قال القرطبي رحمه الله:"الحيلة لفظ عام لأنواع أسباب التخلص. والسبيل سبيل المدينة، فيما ذكر مجاهد والسدى وغيرهما، والصواب أنه عام في جميع السبل"(2). و" {حِيلَةً} من الحيل فإنها نكرة في سياق النفي فتعم جميع أنواع الحيل"(3).

المظهر الخامس: قلة العدد:

قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ. .} (4)، أي: يستقلون، أو يستذلون (5)، قال تعالى:{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (6)، ولهذا فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قاتل المشركين في مكة قال لهم:(يا أعداء اللَّه! واللَّه لو قد بلغنا بثلاث مائة، لقد أخرجناكم منها)(7).

(1) انظر: أسنى المتاجر، 1/ 26.

(2)

الجامع لأحكام القرآن، 5/ 347.

(3)

الفتاوى، 5/ 575.

(4)

سورة الأعراف، الآية [137].

(5)

النكت والعيون (تفسير الماوردي)، علي بن محمد بن حبيب الماوردي، بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، د. ت، 2/ 12.

(6)

سورة الأنفال، الآية [26].

(7)

أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب معرفة الصحابة، باب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رقم: 4493، 3/ 91، وقال:"هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.

ص: 92

وإن كان قلة العدد ليس شرطًا لوقوع الاستضعاف فقد يقع الاستضعاف والهزيمة مع الكثرة، والكثرة لا تغني شيئًا مع الفرقة والخذلان، قال تعالى:{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} (1)، ولذلك جاء في الصحيح عن حذيفة رضي الله عنه قال:(كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: (حصوا لي كم يلفظ الإسلام؟) قال: فقلنا: يا رسول اللَّه، أتخاف علينا ونحن ما بين الست مئة إلى السبع مئة؟! قال:(إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا) قال: فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرًّا) (2).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "يشبه أن يكون أشار بذلك إلى ما وقع في أواخر خلافة عثمان رضي الله عنه من ولاية بعض أمراء الكوفة؛ كالوليد بن عقبة؛ حيث كان يؤخر الصلاة أو لا يقيمها على وجهها، وكان بعض الورعين يصلي وحده سرًا، ثم يصلي معه خشية من وقوع الفتنة. وقيل: كان ذلك حين أتم عثمان الصلاة في السفر، وكان بعضهم يقصر سرًا وحده خشية الإنكار عليه. ووهم من قال: إن ذلك كان أيام قتل عثمان؛ لأن حذيفة لم يحضر ذلك. وفي ذلك علم من أعلام النبوة؛ لما فيه من الإخبار بالشيء قبل وقوعه، وقد وقع أشد من ذلك بعد حذيفة في زمن الحجاج وغيره"(3). قال النووي رحمه الله: "فلعله كان في بعض الفتن التي جرت بعد النبي صلى الله عليه وسلم فكان بعضهم يخفي نفسه ويصلي سرًا مخافة من الظهور والمشاركة في الدخول في الفتنة والحروب، واللَّه أعلم"(4).

(1) سورة التوبة، الآية [25].

(2)

أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب كتابة الإمام الناس، رقم: 2895، وفيه:(ونحن ألف وخمس مئة)، وفي رواية:(ما بين ست مئة إلى سبع مئة). ومسلم، كتاب الإيمان، باب الاستسرار بالإيمان للخائف، رقم: 149، واللفظ له.

(3)

فتح الباري، 6/ 178.

(4)

شرح النووي على صحيح مسلم، 2/ 179 - 180.

ص: 93

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام رضي الله عنهم عن تداعي الأمم فقال صلى الله عليه وسلم: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)، فقال ثوبان: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: (لا، بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن اللَّه من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن اللَّه في قلوبكم الوهن)، قالوا: وما الوهن يا رسول اللَّه؟ قال: (حب الدنيا وكراهية الموت)، وفي رواية:(وكراهية القتال)(1). والمراد أن الكفار وأمم الضلالة تقرب أن يدعو بعضهم بعضًا إلى الاجتماع لقتال المسلمين وكسر شوكتهم ليغلبوا على ما ملكوه من الديار، وحالهم كحال الفئة الآكِلَة عندما تتداعى إلى قصعة الطعام للأكل من غير مانع فيأكلونها صفوًا من غير تعب، ونفى عليه الصلاة والسلام أن يكون هذا التداعي بسبب قلة العدد، بل بين أن السبب هو الغثاء الذي يصيب الأمة، والغثاء هو ما يحمله السيل من زبد ووسخ وشبههم به لقلة الشجاعة ودناءة القدر، والوهن هو الضعف (2). ففي الحديث:"التحذير من الكثرة التي سببت فشل الأمة الإسلامية وجرأة أعدائها عليها، ليس لمجرد الكثرة بل لكراهية كل فرد الموت، باندماج الأعداء والمرجفين فيهم، واتحادهم مع الجبناء، فيصعب التحري، ويتكل كل فاقد العزيمة على غيره لتسلم له حياة قصيرة وإن كانت تعسة، فنزع اللَّه من قلوب العدو المهابة من المسلمين، وهي أقوى دواعي النصر وسبب سرعة انتشار الدين في بادىء أمره"(3).

(1) أخرجه أبو داود، كتاب الملاحم، باب في تداعي الأمم على الإسلام، رقم: 4297، وأحمد، 2/ 278، وابن أبي شبية، 7/ 463، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 7/ 563:"رواه أحمد والطبراني في الأوسط بنحوه وإسناد أحمد جيد، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة"، 2/ 647.

(2)

انظر: عون المعبود، 11/ 273 - 274.

(3)

سر انحلال الأمة العربية ووهن المسلمين، محمد سعيد العرفي، دمشق: مؤسسة الرسالة، ط 2، 1966 م، ص 152.

ص: 94

وخلاصة هذا المبحث أن للاستضعاف مظاهر من أبرزها: وقوع القتل والتعذيب والسجن والإبعاد على المستضعفين، وعدم القدرة على إظهار الشعار كلها أو بعضها، وعدم القدرة على تطبيق الحدود والأحكام الشرعية، وعدم القدرة على الهجرة وترك البلد الذي يقع فيه الاستضعاف، وقلة العدد.

* * *

ص: 95