الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثانى: حكم الاستعانة بالكفار على البغاة من المسلمين:
البغاة لغة: جمع مفرده باغٍ، والبغي أصله الحسد، ثم سُمي الظلم بغيًا؛ لأن الحاسد يظلم المحسود، والفئة الباغية هم البغاة، وأهل البغي والفساد (1).
وأما اصطلاحًا: فهم الخَارِجُون من المسلمين عن طاعة الإمام الحق بتأويل سائغ ولهم قوة ومنعة (2).
وقد اختلف الفقهاء في حكم الاستعانة بالكفار على قتال أهل البغي على قولين:
القول الأول: عدم جواز الاستعانة بالكفار على قتال البغاة مطلقًا وهو قول جمهور أهل العلم من المالكية (3) والشافعية (4) والحنابلة (5) والظاهرية (6).
(1) انظر: لسان العرب، والقاموس المحيط، مادة: بغا، وأساس البلاغة، محمود عمر الزمخشري، دار الفكر: بيروت، ط 1، 1399 هـ، مادة: بغي.
(2)
انظر: الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار في فروع الفقه الحنفي، محمد بن علي الحنفي الحصكفي، دار الفكر: بيروت، ط 2، 1386 هـ، 4/ 261، وروضة الطالبين، 10/ 50، والتَّاج وَالْإِكْلِيل لِمُخْتَصَرِ خَلِيل، محمد بن يوسف الحطاب المواق، دار الفكر: بيروت، ط 1، د. ت، 6/ 276، والمغني، 9/ 5، والمحلى، 11/ 97، والموسوعة الفقهية الكويتية، 8/ 131.
(3)
انظر: التاج والإكليل، 6/ 278، وحاشية الدسوقي، 4/ 299، وبُلغة السالك لأقرب المسالك (حاشية الصاوي)، أحمد ابن محمد الصاوي، دار المعارف: بيروت، ط 1، د. ت، 4/ 222، ومنح الجليل، 9/ 200.
(4)
انظر: الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، محمد الشربيني الخطيب، دار الفكر: بيروت، ط 1، 1415 هـ، 2/ 549، وحواشي الشرواني، عبد الحميد المكي الشرواني، دار الفكر: بيروت، ط 1، د. ت، 9/ 73، وروضة الطالبين، 10/ 60، ومغني المحتاج، محمد الخطيب الشربيني، دار الفكر: بيروت، ط 1، د. ت، 4/ 128.
(5)
انظر: المعني، 9/ 7، والكافي، 4/ 149، وشرح منتهى الإرادات، 3/ 390.
(6)
انظر: المحلى، 11/ 113.
واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (1)، وفي الاستعانة بالكفار تسليط لهم على المسلمين.
إلا أن المالكية رأوا أن المنع من الاستعانة بهم حتى في حال الضرورة، بينما أجازه أكثر الفقهاء عند الضرورة، ووضعوا شروطًا لذلك منها: أن تكون فيهم جرأة وحسن إقدام، وأن يتمكن الإمام من منعهم قتل أهل البغي بعد هزيمتهم (2)؛ وذلك لأن قتال البغاة أحكامه الخاصة والتي تختلف عن قتال الكفار، ومن تلك الأحكام عدم جواز رميهم بما يعم كنار ومنجنيق، ويُقاس عليه الأسلحة الحديثة كالطيران والمدفعية ونحوها، ولكن عند كثرتهم وإحاطتهم بالفئة العادلة يجوز ذلك للضرورة (3)، فإن لم يكن ذلك كافيًا أجاز الفقهاء حينئذ الاستعانة بالكفار؛ لأن "الضرر يدفع بقدر الإمكان"(4)، واستعمال ما يعم من السلاح ضد البغاة أقل ضررًا من الاستعانة بالكفار عليهم لأنهم يرون قتلهم مدبرين.
كما يمكن الاستدلال على منع الاستعانة بالكفار في القتال ضد البغاة بقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (5)، فهو سبحانه "قدم الإصلاح على القتال وهذا يقتضي أن يبدأ في
(1) سورة النساء، من الآية [141].
(2)
انظر: الأم، 4/ 219، روضة الطالبين، 10/ 60.
(3)
انظر: الإقناع، 2/ 549.
(4)
درر الحكام، 1/ 37.
(5)
سورة الحجرات، الآية [9].
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأرفق مترقيًا إلى الأغلظ فالأغلظ" (1)، وأمر سبحانه المؤمنين بالقتال في حال بغي إحدى الطائفتين، كما جعل غاية القتال رجوع الفئة الباغية للحق (2) وفي حال الاستعانة بالكفار فإنه يصعب وقف القتال تمامًا عند تلك الغاية حتى إن شرط عليهم الإمام ذلك.
القول الثاني: جواز الاستعانة بالكفار على قتال البغاة وهو قول الحنفية (3)، واشترطوا لذلك أن يكون حكم الإسلام هو الظاهر، وإلا فلا يجوز، وعللوا ذلك؛ "لأنهم يقاتلون لإعزاز الدين، والاستعانة عليهم بقوم منهم أو من أهل الذمة كالاستعانة عليهم بالكلاب"(4). وأجيب: بأن عزة الدين تتحقق بدون الاستعانة بالكفار، بل إن في الاستعانة بالكفار إذلال للمسلمين من أهل البغي.
يتضح مما مضى من أدلة الفريقين قوة أدلة الفريق الأول، ولذا فإن الراجح -واللَّه أعلم- عدم جواز الاستعانة بالكفار في قتال الفئة الباغية، وإن اضطر المسلمون في حال الاستضعاف ودعت الضرورة لذلك فيكتفى باستعمال ما يعم من السلاح، أو الاستعانة بسلاح الكفار، وقد دل على هذا قاعدة:"يُحتارُ أهون الشرين"(5)، وكذلك:"إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما"(6)، بل قال
(1) مفاتيح الغيب، 8/ 147.
(2)
الجامع لأحكام القرآن، 16/ 316، ومعالم التنزيل، 4/ 213.
(3)
انظر: المبسوط، 10/ 134، والبحر الرائق، 5/ 154، وشرح فتح القدير، محمد بن عبد الواحد السيواسي، دار الفكر: بيروت، ط 2، د. ت، 6/ 109.
(4)
المبسوط، 10/ 134.
(5)
درر الحكام، 1/ 37.
(6)
شرح القواعد الفقهية، 1/ 201.