الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
29 - باب في الاسْتِعْفاف
1644 -
حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثي، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري أَنَّ ناسًا مِنَ الأَنْصارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطاهُمْ حَتَّى إِذَا نَفِدَ ما عِنْدَهُ قَالَ:"ما يَكُونُ عِنْدي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ وَما أعْطَى اللهُ أَحَدًا مِنْ عَطاءٍ أَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ"(1).
1645 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ ح، حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ أَبُو مَرْوانَ، حَدَّثَنا ابن المُبارَكِ - وهذا حَدِيثُهُ - عَنْ بَشِيرِ بْنِ سَلْمانَ، عَنْ سَيّارٍ أَبي حَمْزَةَ، عَنْ طارِقٍ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَصابَتْهُ فاقَةٌ فَأَنْزَلَها بِالنّاسِ لَمْ تُسَدَّ فاقَتُهُ، وَمَنْ أَنْزَلَها باللهِ أَوْشَكَ اللهُ لَهُ بِالغِنَى إِمّا بِمَوْتٍ عاجِلٍ أَوْ غِنًى عاجِلٍ"(2).
1646 -
حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوادَةَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ مَخْشي، عَنِ ابن الفِراسي أَنَّ الفِراسي قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَسْأَلُ يا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم: "لا، وَإِنْ كُنْتَ سائِلًا لا بُدَّ فاسْأَلِ الصّالِحِينَ"(3).
1647 -
حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسي حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابن السّاعِدي قَالَ: اسْتَعْمَلَني عُمَرُ رضي الله عنه عَلَى الصَّدَقَةِ
(1) رواه البخاري (1469)، ومسلم (1053).
(2)
رواه الترمذي (2326)، وأحمد 1/ 389. بنحوه.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(1452). وانظر: "الصحيحة"(2787).
(3)
رواه النسائي 5/ 95، وأحمد 4/ 334.
وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(292).
فَلَمّا فَرَغْتُ مِنْها وَأَدَّيْتُها إِلَيْهِ أَمَرَ لي بِعُمالَةٍ فَقُلْتُ: إِنَّما عَمِلْتُ لله وَأَجْري عَلَى اللهِ. قَالَ: خُذْ ما أُعْطِيتَ فَإنّي قَدْ عَمِلْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَمَّلَني؛ فَقُلْتُ مِثْلَ قَوْلِكَ، فَقَالَ لي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِذا أُعْطِيتَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْأَلَهُ فَكُلْ وَتَصَدَّقْ"(1).
1648 -
حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ والتَّعَفُّفَ مِنْها والمَسْأَلةَ:"اليَدُ العُلْيا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، واليَدُ العُلْيا: المُنْفِقَةُ، والسُّفْلَى: السّائِلَةُ"(2).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: اخْتُلِفَ عَلَى أَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ في هذا الحَدِيثِ قَالَ عَبْد الوارِثِ:"اليَدُ العُلْيا المُتَعَفِّفَةُ". وقالَ أَكْثَرُهمْ عَنْ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ:"اليَدُ العُلْيا المُنْفِقَةُ". وقالَ واحِدٌ عَنْ حَمّادٍ: "المُتَعَفِّفَةُ".
1649 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ التَّيْمي حَدَّثَني أَبُو الزَّعْراءِ، عَنْ أَبي الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِيهِ مالِكِ بْنِ نَضْلَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الأَيْدي ثَلاثَةٌ: فَيَدُ اللهِ العُلْيا، وَيَدُ المُعْطي التي تَلِيها، وَيَدُ السّائِلِ السُّفْلَى، فَأَعْطِ الفَضْلَ وَلا تَعْجِزْ عَنْ نَفْسِكَ"(3).
* * *
باب الاستعفاف
[1644]
(حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن
(1) رواه مسلم (1045).
(2)
رواه البخاري (1429)، ومسلم (1033).
(3)
رواه أحمد 3/ 473، وابن خزيمة (2440).
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(1455).
عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه) ثانيًا (فأعطاهم، ثم سألوه) ثالثًا (فأعطاهم حتى إذا نفد)(1) بكسر الفاء وفتح الدال المهملة. أي: فني (ما (2) عنده قال: ما يكون عندي من خير) الخير اسم جامع للمال ولغيره، والخير يراد به المال في كثير من القرآن، كقوله تعالى:{وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ} (3){لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} (4).
(فلن أدخره) بالدال المشددة المهملة (عنكم) أي: لنفسي، فإنه كان لزوجاته قوت (5) سنة.
(ومن يستعفف يعفه) بنصب الفاء وضمها إتباعًا لضمة الهاء، وهو أرجح، وقيل (6) برفع الفاء المشددة إتباعًا لضمة الهاء التي بعدها (الله) أي: عن سؤال الخلق، ويجازه [أي: بصيانة] (7) وجهه ورفع فاقته.
(ومن يستغن) أي: يطلب من الله الغنى عن الناس (يغنه)[بحذف الياء التي بعد النون علامة الجزم](8)(الله) عنهم (ومن يتصبر) أي: يستعمل الصبر. أي (9): يتكلفه بقوة عزم ويمكنه من نفسه حتى ينقاد له
(1) في (م): أنفد.
(2)
سقط من (م).
(3)
البقرة: 272.
(4)
القصص: 24.
(5)
في (ر): فوق.
(6)
من (م).
(7)
من (م).
(8)
سقط من (م).
(9)
في (ر): و.
ويذعن لتحمل شدائده (يصبره الله) أي: يعينه على صبره و [يظفره بمطلوبه](1) ويوصله إلى مرغوبه (وما أعطي أحد من) هي زائدة؛ لأنها نكره بعد النفي، أي: ما [أعطاه الله](2)(عطاء أوسع)(3) بفتح العين (من الصبر) وفي هذا الحديث: أن (4) من اتصف بهذِه الصفات الجميلة، وحمل نفسه [على فعلها](5) أظفره الله تعالى بمطلوبه في الدنيا والآخرة.
[1645]
(حدثنا مسدد) قال: (ثنا عبد الله بن داود) بن عامر الخريبي من رجال البخاري، ومن كلامه: من أراد بالحديث الدنيا فالدنيا، ومن أراد به (6) الآخرة فالآخرة.
وقال: ما كذبت قط إلا مرة، قال لي أبي: قرأت على المعلم؟ قلت: نعم. قال: وكانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم بها زوجته ولا أولاده.
(وحدثنا عبد الملك بن حبيب) المصيصي (أبو مروان) الفقيه [صدوق يخطئ](7). قال: (حدثنا) عبد الله (ابن المبارك وهذا حديثه، عن بشير) بفتح الموحدة (ابن سلمان) بإسكان اللام، الكندي صالح الحديث.
(1) في (م): يعينه على مطلوبه.
(2)
في (ر): أعطي.
(3)
في (ر): أو ينفع.
(4)
من (م).
(5)
في (م): عليها.
(6)
من (م).
(7)
سقط من (م).
وفيه لين (عن سيار) بتقديم السين المهملة (أبي حمزة) بالحاء المهملة، الكوفي. ذكره ابن حبان في "الثقات"(1).
قال أبو داود: بشير يقول: سيار أبو الحكم وهو خطأ (2).
(عن طارق) بن شهاب بن عبد شمس، رأى النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه، وغزا في خلافة الصديق، وثقه ابن معين وغيره (3).
(قال ابن (4) مسعود رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته) بل يغضب الله على من أنزل حاجته بغيره العاجز وهو قادر على قضاء حوائج خلقه كلهم من غير أن ينقص من ملكه شيء. وقد (5) قال وهب بن منبه لمن (6) كان يأتي الملوك: ويحك (7) تأتي من يغلق عنك بابه ويواري عنك غناه، وتدع من يفتح لك (8) بابه بنصف الليل ونصف النهار، ويظهر لك غناه (9). فالعبد عاجز عن جلب مصالحه ودفع مضاره، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله.
(ومن أنزلها بالله أوشك) بفتح الهمزة والشين. أي: أسرع (الله تعالى [له] بالغنى) بالكسر والقصر (10).
(1)"الثقات" لابن حبان 6/ 421.
(2)
"تهذيب الكمال" 12/ 316.
(3)
"تهذيب الكمال" 13/ 341 - 342.
(4)
و (5) من (م).
(6)
سقط من (م).
(7)
في (م): و.
(8)
في (م): له.
(9)
في الموضعين في الأصول: (غناؤه)، والمثبت من "حلية الأولياء" 4/ 43.
(10)
في النسخ الخطية: والمد. ولعل المثبت الصواب، حيث لا يستقيم الكسر مع المد، أو كان يقصد: الغَناء. بالفتح والمد.
قال الله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} (1) وقال الله تعالى: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} (2) وفي الترمذي: [عن أبي هريرة](3): "من لا يسأل الله يغضب عليه"(4).
(إما بموت عاجل، أو غنى عاجل)(5) أي: رزق عاجل. رواية (6) الترمذي: "ويوشك الله [له] برزق عاجل [أو آجل"(7) ورواية: "أرسل الله له بالغنى إما بموت عاجل أو غنى عاجل"] (8).
[1646]
(حدثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدثنا الليث بن سعد، عن جعفر بن ربيعة) الكندي، توفي سنة 139.
(عن بكر بن سوادة) بتخفيف الواو، الخزامي الفقيه، ثقة روى له مسلم.
(عن مسلم بن مخشي) بفتح (9) الميم وسكون الخاء المعجمة وكسر الشين المعجمة أيضًا، ثم ياء النسب، أبي معاوية المدلجي، ذكره ابن حبان في "الثقات"(10).
(1) الأنعام: 17، يونس:107.
(2)
النساء: 32.
(3)
سقط من (م).
(4)
"سنن الترمذي"(3373)، و (له) ساقطة من الأصلين.
(5)
سقط من (م).
(6)
في (م): رواه.
(7)
"سنن الترمذي"(2326).
(8)
سقط من (م).
(9)
في (م): بضم.
(10)
"الثقات" 5/ 398.
قال عبد الحق: في "الأحكام": لم يرو عنه إلا بكر بن سوادة (عن ابن الفراسي) قال ابن الأثير: هكذا جاء ولم يسم (1). بل هو معروف بكنيته (أن) بفتح الهمزة وتشديد النون (الفراسي) بكسر الفاء، وتخفيف الراء، وبالسين المهملة. وعند النسائي: ابن الفراسي عن أبيه الفراسي. ويقال لأبيه: الفراسي، والفراس بحذف الياء وهو من بني فراس بن غنم بن كنانة. وابن فراس روى عن أبيه ولأبيه صحبة.
(قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أسأل) أصله: أأسأل أحدًا من الناس؟ فحذفت همزة الاستفهام (يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا) تسأل، (وإن كنت سائلًا لا بد) [لك منه] (2) (فاسأل الصالحين) قال ابن الرفعة: دلت الأحاديث الكثيرة على تحريم السؤال ممن له ما يغنيه، وصرح به (3) الماوردي: بأن ما يأخذه يكون حرامًا (4).
قال: وإن (5) كان محتاجًا فلا بأس بالتعريض بالسؤال، ويقصد (6) بسؤاله أهل الخير والصلاح.
واستدل بالحديث، وهل الأولى للمحتاج (7) أن يأخذ من الزكاة أو صدقة التطوع؟ اختلف فيه السلف (8)، وكان الجنيد والخواص وجماعة
(1)"جامع الأصول" 12/ 779.
(2)
من (م).
(3)
سقط من (م).
(4)
"الحاوي الكبير" للماوردي 8/ 490.
(5)
في (م): أما إذا.
(6)
بياض في (ر).
(7)
في (ر): بالمحتاج. والمثبت من (م).
(8)
سقط من (م).
يقولون: الأخذ من الصدقات أفضل؛ لئلا يضيق على الأصناف، ولئلا يخل بشرط من شروطها، وهو الأقرب إلى هذا الحديث.
[1647]
(حدثنا أبو الوليد) هشام (1) بن عبد الملك (الطيالسي) قال: (حدثنا الليث، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة (ابن سعيد، عن عبد الله بن (2) الساعدي) قال ابن الأثير: الساعدي نسبة إلى ساعدة بن كعب بن الخزرج الأكبر من بطون الأنصار، منهم جماعة كثيرة من الأنصار (3) الصحابة.
(قال: استعملني عمر رضي الله عنه على الصدقة، فلما فرغت منها) أي: من تحصيلها (وأديتها إليه أمر لي بعمالة) قال الجوهري: العمالة بالضم: رزق العامل (4). أي: على عمله (فقلت: إنما عملت) فيها (لله تعالى) وأجري فيها (على الله) تفضيلًا منه و [إكرامًا إذا](5) شاء.
(فقال: خذ ما أعطيت [فإني قد عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم] (6) فعَمَّلَني) بشد الميم. أي: جعل لي عمالة على عملي (فقلت مثل قولك) فيه أنه يجب على الإمام بعث السعاة لأخذ الصدقات ممن يرغب في دفعها، وإن كان يجوز له تفريقها بنفسه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم[يبعث السعاة](7)، وكذلك الخلفاء من بعده.
(1) في (م): مسلم.
(2)
سقط من (م).
(3)
زاد هنا في (ر): الأنصار. ولا وجه لها. انظر: "اللباب في تهذيب الأنساب" 2/ 92.
(4)
"الصحاح"(عمل).
(5)
في (م): كرمًا إن.
(6)
من (م).
(7)
في (م): يبعثهم.
وكان عمر رضي الله عنه ممن بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ساعيًا كما دل عليه الحديث. وفيه دليل على أن عمل الساعي سبب لاستحقاقه، كما أن وصف الفقر والمسكنة (1) هو سبب ذلك، وإذا كان العمل هو السبب اقتضى قياس قواعد الشرع أن المأخوذ في مقابلته أجرة، فلذلك لاحظ الأصحاب تبعًا لإمامهم فيه أجرة المثل، وقالوا: الإمام عند بعث العامل إن شاء استأجره بقدر معلوم على عمل معلوم بأجرة المثل، وجعل محلها سهم العاملين أو بيت المال، وإن شاء لم يعقد الإجارة، وجعل ذلك جعالة، فإذا عمل استحق المسمى من (2) الجهة التي عينت له، فإن كان قد سمى له أكثر من أجرة المثل فتفسد التّسمية من أصلها، أو يكون قدر أجرة المثل من الزكاة، وما زاد من خالص (3) مال الإمام، فيه وجهان: قال الماوردي وغيره: ولو أرسل الساعي من غير إجارة ولا جعالة واستعمله فله أجرة المثل (4) ولم [يخرج ذلك](5) الخلاف في الغسال ونحوه، لأجل جعل الله سبحانه للعاملين نصيبًا من ذلك آكد من جعل المخلوقين له ذلك.
نعم، ولو عمل على أنه لا يأخذ شيئًا فقاعدتنا تقتضي أنه لا يستحق شيئًا لتبرعه بعمله. وقد جاء في هذا الحديث في قوله:(فقال لي (6) رسول
(1) في (م): المسألة.
(2)
في (م): عن.
(3)
سقط من (م).
(4)
"الحاوي الكبير" للماوردي 8/ 496.
(5)
في (م): يحرم ذلك على.
(6)
سقط من (م).
الله صلى الله عليه وسلم: إذا أعطيت شيئًا من غير (1) أن تسأل فكل) أي: منه (وتصدق) يعني: منه قال في "المطلب": وطريق الجواب [يعني: عن](2) هذا الحديث أنه محمول على أن العطاء الذي أعطى لم يكن من الصدقات، بل من بيت المال، وللإمام أن يعطي من بيت المال لا على العمل، فلعل إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم وإعطاء عمر كان عند ذكر العمل لله من تلك الجهة لا على جهة العمل، ولو توفر نصيب العامل عليها (3) بجملته كما في هذِه الصورة كان نصيبه عائدًا على بقية الأصناف.
قال سليم في "المجرد"(4) وغيره: وأجرة المثل تختلف باختلاف قرب المسافة، وكثرة الصدقات وقلتها وبحسب حال الرجل في ظهور أمانته وكبر منزلته وغير ذلك. انتهى.
وظاهر هذا الحديث يقتضي أن من علم الأطفال أو غيرهم كتاب الله تعالى أو العلم الشريف، ونوى بتعليمهم الأجر من الله تعالى وثوابه، ثم أعطي شيئًا أنه (5) يجوز له أجره سواء قصد الدافع به (6) أجرة أو هدية، ونحو ذلك.
[1648]
(حدثنا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر
(1) في (م): دون.
(2)
في (م): على.
(3)
سقط من (م).
(4)
في (ر): المجرور. وسليم هو ابن أيوب الرازي الشافعي (ت 447 هـ) له "الكفاية"، و"رؤوس المسائل"، "التقريب"، "ضياء القلوب" في التفسير، "المجرد في الفروع" جردها من تعليقة شيخه أبي حامد. انظر:"طبقات الشافعية" لابن كثير 1/ 411، "سير أعلام النبلاء" 17/ 645، "هدية العارفين" 1/ 409.
(5)
من (م).
(6)
في (م): أنه.
- رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وهو) رواية النسائي: قدمنا المدينة فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قائم (1)(على المنبر) يخطب الناس (وهو يذكر الصدقة والتعفف عنها) أي: عن أخذ الصدقة. والمعنى: أنه كان يحض الغني على الصدقة والفقير على التعفف عن المسألة.
(والمسألة) بالنصب أي: ويذم على مسألة الناس بالتعفف عنها (اليد العليا خير من اليد السفلى) ثم فسر اليدين معًا فقال (واليد العليا هي المنفقة) والمراد به: الإنفاق حيث لا منع بالشرع كالمديون المحجور عليه ومن معه شيء لا يفضل عن كفايته وكفاية (2) من تلزمه نفقته، بحيث إذا أنفق حصل الضرر لعياله، وعموم هذا الإنفاق مخصوص بقوله صلى الله عليه وسلم:"لا صدقة إلا (3) عن ظهر غنى"(4).
(والسفلى) هي (السائلة) قال القرطبي: وهذا نص يدفع تعسف من تعسف في تأويله (5).
قال أبو العباس المدائني (6) في "أطراف الموطأ": إن التفسير المذكور مدرج في الحديث ولم يذكر مستنده (7) كذلك.
قال ابن حجر: وجدت في كتاب العسكري في الصحابة بإسناد له فيه
(1)"المجتبى" 5/ 61.
(2)
في (م): كفايته.
(3)
من (م).
(4)
رواه أحمد 2/ 230، ورواه البخاري تعليقًا 4/ 5.
(5)
"المفهم" 3/ 79.
(6)
في (م): العافي.
(7)
في (م): مسنده.
انقطاع: عن ابن عمر أنه كتب إلى بشر بن مروان: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اليد العليا خير من اليد السفلى" ولا أحسب السفلى (1) إلا السائلة، ولا العليا إلا المعطية. وهذا يشعر بأن التفسير بن كلام ابن عمر، ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن دينار، عن ابن عمر [قال: كنا نتحدث] (2) أن اليد العليا هي المنفقة (3).
قال أبو داود: لم يختلف على رواية حماد بن زيد (4)، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر في هذا الحديث.
(قال عبد الوارث)(5) بن سعيد بن ذكوان التيمي (6) الثبت (7) الصالح الحافظ (8) في تفسير (اليد العليا)[عن أيوب والذي رواه [عن](9) حماد مسدد في مسنده] (10) هي (المتعففة) بعين وفاءين. قال ابن حجر: لم أجد هذِه الرواية موصولة، وقد أخرجه أبو نعيم في "المستخرج" من طريق سليمان بن حرب، عن حماد بلفظ "اليد العليا: يد المعطي". وهذا يدل على أن من رواه عن نافع بلفظ: "المتعففة" فقد صحف.
(1) من (م).
(2)
في (م): كان يتحدث.
(3)
"المصنف" 2/ 427 (10692).
(4)
"فتح الباري" 3/ 297.
(5)
في (م): يزيد.
(6)
في (ر): عبد الرزاق.
(7)
في (م): التميمي.
(8)
من (ر).
(9)
زيادة يقتضيها السياق.
(10)
من (ر).
قال ابن عبد البر: ورواه موسى بن عقبة، عن نافع فاختلف عليه (1) أيضًا، قال [حفص بن مغيرة] (2) عنه:"المنفقة" كما قال مالك: قال، ورواية مالك أولى وأشبه بالأصول (3). وقال بعضهم: هي المنفقة [أي: المعطية](4) هذا قول الجمهور. وقيل: اليد السفلى: الآخذة سواء كان بسؤال أم بغير سؤال؟ ومنعه قوم. واستدلوا بأن الصدقة تقع في يد الله قبل يد المتصدق عليه ([قال أكثرهم عن حماد بن زيد، عن أيوب: اليد العليا المنفقة])(5).
[1649]
(حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبيدة) بفتح العين وكسر الباء الموحدة بعدها مثناة (ابن حميد) بالتصغير الضبي (التميمي) الكوفي النحوي. قال الأثرم: أحسن أبو عبد الله الثناء عليه جدًّا ورفع أمره، قال (حدثني أبو الزعراء) عمرو (6)[بن عمرو](7) بن أخي الأحوص (عن أبي الأحوص) عوف بن مالك.
([عن أبيه مالك] (8) بن نضلة) بالضاد المعجمة. ويقال: مالك بن
(1) سقط من (م).
(2)
في (ر): حفر بن ميسرة. والمثبت من (م).
(3)
"فتح الباري" 3/ 349.
(4)
في (ر): و.
(5)
سقط من (م).
(6)
في الأصول: عمر. والصواب المثبت.
(7)
سقط من (م). وانظر: "معالم السنن" 2/ 70، "شرح البخاري" لابن بطال 3/ 428، "الاستذكار" 8/ 604، "شرح مسلم" للنووي 7/ 124.
(8)
من (م).
عوف ابن نضلة، من بني (1) بكر بن هوازن الجشمي.
(قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأيدي ثلاثة) هكذا رواه ابن خزيمة من حديث أبي الأحوص عوف بن مالك، عن أبيه مرفوعًا:"الأيدي ثلاثة"(2)(يد الله العليا، ويد المعطي التي تليها) وللطبراني بإسناد صحيح عن حكيم بن حزام مرفوعًا: "يد الله فوق يد المعطي، ويد المعطي فوق يد المعطى، ويد المعطى أسفل الأيدي"(3) وللطبراني من حديث عدي الجذامي (4) مرفوعًا مثله (5)، ولأحمد والبزار من حديث عطية السعدي:"اليد المعطية هي العليا"(6)(و) السائلة (يد السائل السفلى) قال ابن العربي (7): التحقيق أن السفلى يد السائل وأما يد الآخذ فلا؛ لأن يد الله هي المعطية، ويد الله هي الآخذة وكلتاهما عليا (8). انتهى.
وفيه نظر؛ لأن البحث إنما هو في أيدي الآدميين، وأما يد الله باعتبار كونه مالك كل شيء فهي عليا بكل حال، وأما يد الآدميين فأربعة: يد المعطي، وقد تظافرت الأخبار بأنها عليا.
(1) سقط من (م).
(2)
"صحيح ابن خزيمة"(2440).
(3)
"المعجم الكبير" 3/ 189 (3081).
(4)
في (م): الحذافي.
(5)
"المعجم الكبير" 17/ 110 (269).
(6)
"مسند أحمد" 4/ 226، "مسند البزار" 12/ 79 (5530) من حديث ابن عمر.
(7)
في (م): المصري.
(8)
"أحكام القرآن" لابن العربي 2/ 482.
ثانيها: يد السائل، وقد تظافرت الأخبار بأنها سفلى سواء أخذت أم لا. وهذا موافق للعلو أو السفل المشتق منها.
ثالثها: يد المتعفف عن الأخذ ولو أن تمد إليه (1) يد المعطي مثلًا وهذِه توصف بأنها عليا علوًّا معنويًّا.
رابعها: يد الآخذ بغير سؤال. وهذِه قد اختلف فيها، فذهب جمع إلى أنها سفلى، وهذا بالنظر إلى أمر محسوس.
قال ابن حبان: اليد المتصدقة أفضل من السائلة لا الآخذة بغير سؤال (2).
وحكى ابن قتيبة في "غريب الحديث"(3) عن قوم أن (4) اليد الآخذة أفضل من المعطية، ثم قال:[وما أرى هؤلاء](5) إلا قومًا استطابوا السؤال فهم يحتجون إلى الدناءة.
قال: ولو صح هذا لكان (6) المولى من فوق هو الذي كان رقيقًا فأعتق. وذكر ابن نباته في "مطلع الفوائد" معنى آخر في تأويل الحديث فقال: اليد هنا هي النعمة، فكان المعنى أن العطية (7) الجزيلة خير من
(1) سقط من (م).
(2)
"صحيح ابن حبان"(3363).
(3)
لم أقف عليه في مطبوع "الغريب"، وعزاه أيضًا لابن قتيبة الشريف المرتضى في "الأمالي" 2/ 66 - 67.
(4)
في (م): لأن.
(5)
في (م): الإمام.
(6)
في (ر): لمكان.
(7)
في (م): المعطية.
العطية (1) القليلة. قال: وهذا حث على المكارم بأوجز لفظ ويشهد له أحد التأويلين في قوله: "ما أبقت (2) غنى"(3) أي: ما حصل به للسائل غنى عن سؤاله، كمن أراد أن يتصدق بألف، فلو أعطاها لمائة إنسان لم يظهر عليهم الغنى بخلاف ما لو أعطاها لرجل واحد.
قال (4): وهو أولى من حمل اليد على الجارحة؛ لأن ذلك لا (5) يستمر [إذ فيمن](6) يأخذ من هو خير عند الله ممن يعطي، ولا يلزم من التفضل بالإعطاء أن يكون أفضل منه على الإطلاق (7).
(فأعط) بفتح الهمزة (الفضل) أي: الفاضل عن نفسك وعن العيال.
(ولا تعجز) بفتح التاء وكسر الجيم، أي: ولا تعجز بعد عطيتك (عن) نفقة (نفسك) بأن تعطي مالك كله ثم تقعد تسأل الناس.
وقال ابن عباس في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} قال: العفو: ما يفضل عن نفسك وأهلك (8).
(1) في (م): المعطية.
(2)
في (م): أتيت، وفي (ر): أثبت. والمثبت الصواب كما في مصادر التخريج.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 41 (10693)، أحمد 3/ 434 (15577) من حديث حكيم بن حزام، والطبراني في "الأوسط" 9/ 103 (9251) من حديث أبي هريرة، وفي "الكبير" 12/ 149 (12726) من حديث ابن عباس. وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(3280).
(4)
من (م).
(5)
سقط من (م).
(6)
في (ر): أدنى من.
(7)
"فتح الباري" 3/ 350.
(8)
انظر: "تفسير الطبري" 4/ 337 [البقرة: 219].
وقال الوالبي: أعط من مالك ما لا يتبين العطاء فيه (1).
وكان أهل المكاسب يأخذ الرجل (2) من كسبه ما يكفيه في عامه وينفق باقيه.
وأخرج مسلم وغيره من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك، فإن فضل شيء عن قرابتك فهكذا وهكذا"(3).
وفي الحديث: "ابن آدم، إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه (4) شر لك ولا تلام على كفاف"(5).
(1) انظر: "الكشف والبيان" للثعلبي 2/ 152.
(2)
من (م).
(3)
"صحيح مسلم"(997).
(4)
في (م): تمسك.
(5)
رواه مسلم (1036).