الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
58 - باب صِفَةِ حَجَّةِ النَّبي صلى الله عليه وسلم
-
1905 -
حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفيْلي وَعُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ وَهِشامُ بْنُ عَمّارٍ وَسُليْمانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيّانِ - وَرُبَّما زادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ الكَلِمَةَ والشَّيء - قَالُوا: حَدَّثَنا حاتِمُ بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ دَخَلْنا عَلَى جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فَلَمّا انْتَهيْنا إِليْهِ سَأَلَ عَنِ القَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ فَقُلْتُ: أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلي بْنِ حُسيْنٍ. فَأَهْوى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسي فَنَزَعَ زِرّي الأَعْلَى، ثُمَّ نَزَعَ زِرّي الأَسْفَلَ ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بيْنَ ثَدْيَى وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلامٌ شابٌّ. فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ وَأَهْلًا يا ابن أَخي سَلْ عَمّا شِئْتَ، فَسَأَلْتُهُ وَهُوَ أَعْمَى وَجاءَ وَقْتُ الصَّلاةِ فَقَامَ في نِساجَةٍ مُلْتَحِفًا بِها يَعْني ثَوْبًا مُلَفَّقًا كُلَّما وَضَعَها عَلَى مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفاها إِليْهِ مِنْ صِغَرِها فَصَلَّى بِنا وَرِداؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى المِشْجَبِ. فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا، ثُمَّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ أُذِّنَ في النّاسِ في العاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حاجٌّ فَقَدِمَ المَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ويَعْمَلَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَخَرَجْنا مَعَهُ حَتَّى أَتيْنا ذا الحُليْفَةِ فَوَلَدَتْ أَسْماء بِنْتُ عُميْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبي بَكْرٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ أَصْنَعُ قَالَ:"اغْتَسِلي واستَذْفِري بِثَوْبٍ وَأَحْرِمي". فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في المَسْجِدِ ثُمَّ رَكِبَ القَصْواءَ حَتَّى إِذا اسْتَوَتْ بِهِ ناقَتُهُ عَلَى البيْداءِ. قَالَ جابِرٌ: نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَري مِنْ بيْنِ يَديْهِ مِنْ راكِبٍ وَماشٍ وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَعَنْ يَسارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنا وَعَليْهِ يَنْزِلُ القُرْآنُ وَهُوَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ، فَما عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيء عَمِلْنا بِهِ فَأَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالتَّوْحِيدِ:"لَبّيْكَ اللَّهُمَّ لَبّيْكَ لَبّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبّيْكَ إِنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لَكَ والمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ".
وَأَهَلَّ النّاسُ بهذا الذي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَليْهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شيْئًا مِنْهُ وَلَزِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تلْبِيَتَهُ. قَالَ جابِرٌ: لَسْنا نَنْوي إلَّا الحَجَّ لَسْنا نَعْرِفُ العُمْرَةَ حَتَّى إِذا
أَتيْنا البيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى مَقامِ إِبْراهِيمَ فَقَرَأَ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فَجَعَلَ المَقامَ بيْنَهُ وَبَيْنَ البيْتِ قَالَ: فَكَانَ أَبي يَقُولُ: قَالَ ابن نُفيْلٍ وَعُثْمانُ وَلا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا، عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم. قَالَ سُليْمانُ وَلا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ في الرَّكْعَتَيْنِ بِـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَبِـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ثُمَّ رَجَعَ إِلَى البَيْتِ فاسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ البابِ إِلَى الصَّفا فَلَمّا دَنا مِنَ الصَّفا قَرَأَ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} : "نَبْدَأُ بِما بَدَأَ اللهُ بِهِ". فَبَدَأَ بِالصَّفا فَرَقي عَليْهِ حَتَّى رَأى البيْتَ فَكَبَّرَ اللهَ وَوَحَّدَهُ وقَالَ: "لا إله إِلَّا الله، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيي ويُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ لا إله إلَّا اللهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزابَ وَحْدَهُ"، ثُمَّ دَعا بيْنَ ذَلِكَ وقالَ مِثْلَ هذا ثَلاثَ مَرّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى المَرْوَةِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَماهُ رَمَلَ في بَطْنِ الوادي حَتَّى إِذَا صَعِدَ مَشَى حَتَّى أَتَى المَرْوَةَ فَصَنَعَ عَلَى المَرْوَةِ مِثْلَ ما صَنَعَ عَلَى الصَّفا حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ الطَّوافِ عَلَى المَرْوَةِ قَالَ:"إِنّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْري ما اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الهَدي، وَلَجَعَلْتُها عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ ليْسَ مَعَهُ هَدي فَلْيَحْلِلْ وَلْيَجْعَلْها عُمْرَةً". فَحَلَّ النّاسُ كلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبي صلى الله عليه وسلم وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدي فَقَامَ سُراقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ أَلِعامِنا هذا أَمْ لِلأَبَدِ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَصابِعَهُ في الأُخْرى ثُمَّ قَالَ: "دَخَلَتِ العُمْرَةُ في الحَجِّ". هَكَذا مَرَّتَيْنِ: "لا بَلْ لأَبَدِ أَبَدٍ لا بَلْ لأَبَدِ أَبَدٍ". قَالَ: وَقَدِمَ عَلي رضي الله عنه مِنَ اليَمَنِ بِبُدْنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ فاطِمَةَ رضي الله عنها مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيابًا صَبِيغًا واكْتَحَلَتْ فَأَنْكرَ عَلي ذَلِكَ عَليْها وقَالَ مَنْ أَمَرَكِ بهذا فَقَالَتْ أَبِي. فَكَانَ عَلي يَقُولُ بِالعِراقِ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُحَرِّشًا عَلَى فاطِمَةَ في الأَمْرِ الذي صَنَعَتْهُ مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الذي ذَكَرَتْ عَنْهُ فَأَخْبَرْتُهُ أنّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَليْها فَقَالَتْ إِنَّ أَبي أَمَرَني بهذا. فَقَالَ: "صَدَقَتْ صَدَقَتْ ماذا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الحَجَّ". قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنّي أُهِلُّ بِما أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "فَإِنَّ مَعي الهَدي فَلا
تَحْلِلْ". قَالَ: وَكَانَ جَماعَةُ الهَدى الذي قَدِمَ بِهِ عَلي مِنَ اليَمَنِ والَّذي أَتَى بِهِ النَّبي صلى الله عليه وسلم مِنَ المَدِينَةِ مِائَةً فَحَلَّ النّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبي صلى الله عليه وسلم وَمَنْ كانَ مَعَهُ هَدي قَالَ: فَلَمّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَوَجَّهوا إِلَى مِنًى أَهَلُّوا بِالحَجِّ فَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى بِمِنًى الظُّهْرَ والعَصْرَ والمَغْرِبَ والعِشاءَ والصُّبْحَ ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ لَهُ مِنْ شَعَرٍ فَضُرِبَتْ بِنَمِرَةَ فَسارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلا تَشُكُّ قُريْشٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم واقِفٌ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرامِ بِالمُزْدَلِفَةِ كَما كَانَتْ قُريْشٌ تَصْنَعُ في الجاهِلِيَّةِ فَأَجازَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ القُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِها حَتَّى إِذَا زاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالقَصْواءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَرَكِبَ حَتَّى أَتَى بَطْنَ الوادي فَخَطَبَ النّاسَ فَقَالَ: "إِنَّ دِماءَكُمْ وَأَمْوالَكُمْ عَليْكُمْ حَرامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا في شَهْرِكُمْ هذا في بَلَدِكُمْ هذا أَلا إِنَّ كُلَّ شَيء مِنْ أَمْرِ الجاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَى مَوْضُوعٌ وَدِماءُ الجاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَأَوَّلُ دَمٍ أَضَعُهُ دِماؤُنا دَمُ". قَالَ عُثْمانُ: "دَمُ ابن رَبِيعَةَ". وقالَ سُليْمانُ: "دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الحارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ". وقَالَ بَعْضُ هؤلاء كَانَ مُسْتَرْضَعًا في بَني سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذيْلٌ: "وَرِبا الجاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبانا رِبا عَبّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ اتَّقُوا الله في النِّساءِ فإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمانَةِ الله واسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ الله وَإِنَّ لَكُمْ عَليْهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ فاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غيرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَليْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ وَإِنّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ ما لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتابَ اللهِ وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنّي فَما أَنْتُمْ قَائِلُونَ". قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدّيْتَ وَنَصَحْتَ. ثُمَّ قَالَ بِأُصْبُعِهِ السَّبّابَةِ يَرْفَعُها إِلَى السَّماءِ ويَنْكِبُها إِلَى النّاسِ: "اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ". ثُمَّ أَذَّنَ بِلالٌ ثُمَّ أَقامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثمَّ أَقامَ فَصَلَّى العَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بيْنَهُما شيْئًا ثُمَّ رَكِبَ القَصْواءَ حَتَّى أَتَى المَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ ناقَتِهِ القَصْواءَ إِلَى الصَّخَراتِ وَجَعَلَ حَبْلَ المُشاةِ بيْنَ يَديْهِ فاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ واقِفًا حَتَّى
غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حِينَ غابَ القُرْصُ وَأَرْدَفَ أُسامَةَ خَلْفَة فَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْواءِ الزِّمامَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَها ليُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ وَهُوَ يَقُولُ بِيَدِهِ اليُمْنَى: "السَّكِينَةَ أيُّها النّاسُ السَّكِينَةَ أيُّها النّاسُ" كُلَّما أَتَى حَبْلًا مِنَ الحِبالِ أَرْخَى لَها قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ حَتَّى أَتَى المُزْدَلِفَةَ فَجَمَعَ بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشاءِ بِأَذانٍ واحِدٍ وَإِقامَتيْنِ - قَالَ عُثْمانُ: وَلَمْ يُسَبِّحْ بيْنَهُما شيْئًا ثُمَّ اتَّفَقُوا - ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ فَصَلَّى الفَجْرَ حِينَ تَبيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ - قَالَ سُليْمانُ بِنِداءٍ وَإِقامَةٍ ثُمَّ اتَّفَقُوا - ثُمَّ رَكِبَ القَصْواءَ حَتَّى أَتَى المَشْعَرَ الحَرامَ فَرَقي عَليْهِ قَالَ عُثْمانُ وَسُليْمانُ فاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ فَحَمِدَ اللهَ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ زادَ عُثْمانُ وَوَحَّدَهُ فَلَمْ يَزَلْ واقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدّا ثُمَّ دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ الفَضْلَ بْنَ عَبّاسٍ وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا فَلَمّا دَفَعَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ الظُّعُنُ يَجْرِينَ فَطَفِقَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إِليْهِنَّ فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الفَضْلِ وَصَرَفَ الفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ وَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ وَصَرَفَ الفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ حَتَّى أَتَى مُحَسِّرًا فَحَرَّكَ قَلِيلًا ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الوُسْطَى الذي يُخْرِجُكَ إِلَى الجَمْرَةِ الكُبْرى حَتَّى أَتَى الجَمْرَةَ التي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَماها بِسَبْعِ حَصياتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصاةٍ مِنْها بِمِثْلِ حَصَى الخَذْفِ فَرَمَى مِنْ بَطْنِ الوادي ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى المَنْحَرِ فَنَحَرَ بِيَدِهِ ثَلاثًا وَسِتِّينَ وَأَمَرَ عَلِيّا فَنَحَرَ ما غَبَرَ - يَقُولُ ما بَقي - وَأَشْرَكَهُ في هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ في قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلا مِنْ لْحَمِها وَشَرِبا مِنْ مَرَقِها قَالَ سُليْمانُ ثُمَّ رَكِبَ ثُمَّ أَفاضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى البيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ ثُمَّ أَتَى بَني عَبْدِ المُطَّلِبِ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ: "انْزِعُوا بَني عَبْدِ المُطَّلِبِ فَلَوْلا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النّاسُ عَلَى سِقايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ". فَناوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ (1).
(1) رواه البخاري (1515، 1568)، ومسلم (1210، 1218، 1263). وانظر ما سلف برقم (1785، 1786، 1789، 1880، 1813)، وما سيأتي بالأرقام =
1906 -
حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا سُليْمانُ يَعْني ابن بِلالٍ ح وَحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ الثَّقَفي - المَعْنَى واحِدٌ - عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ والعَصْرَ بِأَذانٍ واحِدٍ بِعَرَفَةَ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُما وَإِقامَتيْنِ وَصَلَّى المَغْرِبَ والعِشاءَ بِجَمْعٍ بِأَذانٍ واحِدٍ وَإِقامَتيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بيْنَهُما.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هذا الحَدِيثُ أَسْنَدَهُ حاتِمُ بْنُ إِسْماعِيلَ في الحَدِيثِ الطَّوِيلِ، وَوافَقَ حاتِمَ بْنَ إِسْماعِيلَ عَلَى إِسْنادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلي الجُعْفيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جابِرٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَصَلَّى المَغْرِبَ والعَتَمَةَ بِأَذانٍ وَإِقامَةٍ (1).
1907 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا جَعْفَرٌ، حَدَّثَنا أَبي، عَنْ جابِرٍ قَالَ: ثُمَّ قَالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم: "قَدْ نَحَرْتُ ها هُنا وَمِنًى كُلُّها مَنْحَرٌ". وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَالَ: "قَدْ وَقَفْتُ ها هُنا، وَعَرَفَةُ كُلُّها مَوْقِفٌ". وَوَقَفَ في المُزْدَلِفَةِ فَقَالَ: "قَدْ وَقَفْتُ ها هُنا وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّها مَوْقِفٌ"(2).
1908 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ غِياثٍ، عَنْ جَعْفَرٍ بِإِسْنادِهِ زادَ:"فانْحَرُوا في رِحالِكُمْ"(3).
1909 -
حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطّانُ، عَنْ جَعْفَرٍ حَدَّثَني أَبي، عَنْ جابِرٍ فَذَكَرَ هذا الحَدِيثَ وَأَدْرَجَ في الحَدِيثِ عِنْدَ قَوْلِهِ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} قَالَ: فَقَرَأَ فِيها بِالتَّوْحِيدِ وَ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وقَالَ فِيهِ: قَالَ عَلي رضي الله عنه بِالكُوفَةِ. قَالَ أَبي: هذا الحَرْفُ لَمْ يَذْكُرْهُ جابِرٌ، فَذَهَبْتُ مُحَرِّشًا. وَذَكَرَ قِصَّةَ فاطِمَةَ رضي الله عنها (4).
* * *
= (1906، 1907، 1908، 1909، 1936، 1937، 1944، 3969).
(1)
انظر السابق.
(2)
انظر ما سلف برقم (1905)، وما سيأتي بالأرقام (1908، 1936، 1937).
(3)
انظر ما سلف برقم (1905، 1907)، وسيتكرر برقم (1936).
(4)
انظر ما سلف برقم (1905)، وما سيأتي برقم (3969).
باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم
حجة الوداع [بفتح الواو](1).
[1905]
([حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي وعثمان بن أبي شيبة وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقيان] (2) وربما زاد (3) بعضهم) أي: بعض الأربعة المذكورين (على بعض الكلمة والشيء قالوا: حدثنا حاتم بن إسماعيل، حدثنا] (4) جعفر بن محمد، عن أبيه) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بجعفر الصادق، مات سنة 148، وهو ابن (5) 74 (6) سنة.
(قال: دخلنا على جابر بن عبد الله، فلما انتهينا إليه سأل عن القوم) فيه: أن من ورد عليه زائرون أو ضيفان ونحوهم أن يسأل عنهم لينزلهم منازلهم كما في حديث عائشة: أمرنا رسول الله أن ننزل الناس منازلهم (7)(حتى انتهى إلي فقلت: أنا محمد بن علي (8) بن حسين) إنما لم يعرفه لأنه كان قد عمي.
(فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الأعلى ثم نزع زري الأسفل) فيه
(1) سقط من (م).
(2)
من المطبوع.
(3)
في (م): أراد.
(4)
من المطبوع.
(5)
من (م).
(6)
في (م): 64.
(7)
سيأتي بنحوه برقم (4842).
(8)
بعدها في (ر): بن علي.
مشروعية استعمال الأزرار للقميص والملوطة (1) ونحوهما، وتعدد الأزرار (2) وبعضها أسفل من بعض، وأن الصبي يشد إزاره بخلاف الرجل؛ لما ورد في الحديث عن معاوية بن قرة، عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في رهط من مزينة فبايعناه وإنه لمطلق الأزرار، فأدخلت يدي في جيب قميصه فمسست الخاتم (3).
وعن محمد بن قيس قال: رأيت ابن عمر معتمّا قد أرسلها من بين يديه ومن خلفه لا أدري أيهما أطول، قال: ورأيته محلل أزرار قميصه (4).
(ثم وضع كفه بين ثديي) فيه دليل على جواز تسمية الثدي للرجل، وفيه خلاف لأهل اللغة، ومن منعه قال: يختص الثدي بالمرأة، ويقال في الرجل: ثندوة، وفيه ملاطفة الزائر بما يليق به وتأنسه، وهذا سبب حل جابر زر محمد بن علي ووضع يده بين ثدييه.
وقوله: (وأنا يومئذٍ غلام شاب) تنبيه على أن سبب فعل جابر ذلك التأنيس؛ لكونه صغيرًا، وأما الرجل الكبير فلا يحسن إدخال اليد في جيبه (فقال: مرحبًا بك) أي: أتيت (5) مكانًا رحبًا أهلًا (6)(يا ابن أخي) فيه جواز قول هذا لابن صديقه؛ وأن الصديق أخ في الله،
(1) في (ر): الملوطية، وهو قباء واسع. "تاج العروس" 2/ 124.
(2)
في (ر): الإزار.
(3)
سيأتي برقم (4082).
(4)
رواه البغوي في "مسند ابن الجعد"(2228)، وفي "معجم الصحابة" 3/ 473 (1432).
(5)
و (6) من (م).
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (1) أي: في الدين والولاية، قال أبو (2) عثمان الجيزي: أخوة الدين أثبت من أخوة النسب؛ فإن أخوة (3) النسب تنقطع بالمخالفة في الدين، وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب. وسئل الجنيد عن الأخوة في الدين، فقال: هو أنت في الحقيقة، إلا أنه غيرك في الشخص.
(سل عما شئت، فسألته وهو أعمى) فيه جواز استفتاء الأعمى، قال ابن الصلاح: لا بأس أن يكون المفتي أعمى أو أخرس مفهوم الإشارة، أو كاتبًا (4) لكن البصير (5) أولى (وجاء (6) وقت الصلاة) فيه تجوز وأن الوقت لا يجيء حقيقة.
(فقام في نساجة) بكسر النون وتخفيف السين المهملة، وبعد الألف (7) جيم مفتوحة وتاء تأنيث، قال النووي: هذا هو المشهور في نسخ بلادنا ورواياتنا لـ "سنن أبي داود" و"صحيح مسلم"، ووقع في بعض النسخ: في ساجة (8). بحذف النون، ونقله القاضي عياض عن رواية الجمهور قال: وهو الصواب، قال: والساج والساجة ثوب كالطيلسان وشبهه، قال:
(1) الحجرات: 10.
(2)
كذا في (م)، وفي باقي النسخ: ابن.
(3)
من (م).
(4)
"أدب المفتي والمستفتي" 1/ 44.
(5)
في (ر): البصيرة.
(6)
بعدها في (ر): نسخة: وحان، وتأخرت في (م). عن هذا الموضع، فأتت بعد قوله: نسجت نساجة.
(7)
من (م).
(8)
وكذا وقع في "مستخرج أبي نعيم" 3/ 316 (2827).
ورواية النون معناه ثوب ملفق (1). قال النووي: وكلاهما صحيح، ويكون الجمع بينهما أن يكون ثوبًا ملفقًا على هيئة الطيلسان، وقيل: هي الخضر منها، وقيل: هو طيلسان مقور (2).
(ملتحفًا بها) يدل على ما قاله ابن الأثير: أن النساجة ضربٌ من الملاحف [المنسوجة (3). ثم فسر المصنف النساجة](4) كأنه سمي بالمصدر، يقال: نسجت (5) نساجة (6). فقال: (يعني: ثوبًا ملفقًا)[نسخة: ملففًا بفاءين](7) كما تقدم عن النووي.
(كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها) بفتح الراء (إليه من صغرها) بكسر الصاد، [لعل صوابه رجع طرفها](8) فيه دليل على أن الملحفة والرداء ونحوهما إذا ضاق عن ستر جميع البدن جعل على المنكبين وجعل النقص مما يلي الرجلين كما في كفن مصعب بن عمير؛ فإنه لم يوجد له ما يكفن فيه إلا نمرة إذا وضعناها (9) على رأسه خرجت رجلاه، وإذا وضعناها (10) على رجليه خرجت رأسه، فقال رسول الله
(1)"إكمال المعلم" 4/ 141.
(2)
"شرح النووي" 8/ 171.
(3)
"جامع الأصول" 3/ 459، "النهاية" لابن الأثير 2/ 432، 5/ 46.
(4)
تأخرت في (م). عن هذا الموضع، فأتت بعد قوله: نسجت نساجة.
(5)
في (ر): نسجه.
(6)
"النهاية"(نسج).
(7)
سقط من (م).
(8)
سقط من (م).
(9)
في (ر): وضعها.
(10)
في (ر): وضعها.
- صلى الله عليه وسلم: "ضعوها مما يلي رأسه"(1).
(فصلى بنا) فيه دلالة على جواز إمامة الأعمى للبصير؛ إذ لا خلاف في جواز ذلك إلا ما حكي عن أنس أنه قال: ما حاجتهم إليه؟ (2). وعن ابن عباس [أنه قال: أؤمهم](3) وهم يعدلونني إلى القبلة (4). لكن اختلفوا في الأفضل، وفيه ثلاثة أوجه، أصحها عن أصحابنا أنهما سواء، وهو نص الشافعي؛ لأنه أخشع؛ إذ لا يشتغل في الصلاة بالنظر إلى ما يلهيه فيقابل ذلك فضيلة النظر (5) وتوقي النجاسة، فيستويان (6)، وقد يستدل بهذا الحديث على أن الأعمى أولى؛ للحديث المتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى (7)، وعن الشعبي: أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا ثلاث عشرة غزوة كل ذلك (8) يقدم ابن أم مكتوم يؤم بالناس (9). ولأن العمى فقد حاسة لا تخل بأفعال الصلاة فأشبه فقد الشم، ولأن البصير لو أغمض عينيه لكان مكروهًا ولو كان ذلك فضيلة لكان مستحبًّا؛ لأنه يحصل بتغميضه ما يحصل للأعمى،
(1) رواه البخاري (3897)، ومسلم (940).
(2)
رواه ابن أبي شيبة (6133)، وابن المنذر في "الأوسط" 4/ 173 (1931).
(3)
في (م): أووبهم.
(4)
رواه عبد الرزاق 2/ 395 (3833)، وابن أبي شيبة (6132)، وابن المنذر في "الأوسط" 4/ 173 (1931).
(5)
في (م): البصر.
(6)
"المجموع" 4/ 286، "أسنى المطالب" 1/ 219.
(7)
برقم (595).
(8)
في (م): يوم.
(9)
رواه بنحوه عبد الرزاق 2/ 394 (3828).
وله فيه فضيلة وأجر؛ لأنه يترك المكروه مع إمكانه اختيارًا (1)، والأعمى يترك اضطرارًا (ورداؤه إلى جانبه) [نسخة: جنبه] (2)(على المشجب) بميم مكسورة ثم شين معجمة ساكنة ثم جيم مفتوحة ثم باء موحدة، وهي اسم لأعواد [يضم رأسها ويفرج بين قوائمها](3) مركبة يوضع عليها الثياب ومتاع البيت، وفيه دليل على جواز الصلاة في ثوب واحد مع التمكن من الزيادة عليه، وإن كان الأفضل أن يصلي في (4) الاثنين (فقلت: أخبرني عن حجة) بفتح الحاء وكسرها، والكسر أشهر (رسول الله صلى الله عليه وسلم) والمراد بها حجة الوداع (فقال بيده، فعقد تسعًا) فيه التعليم بالقول والإشارة (ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج) فيه التعليم بالقول، فقد جمع بين التعليم بالفعل (5) وبالقول، والمراد: لم يحج من مكة بل مكث بالمدينة بعد الهجرة وأما بمكة فحج واحدة بالاتفاق، واختلف في ثانية هل حجها أم لا؟ (ثم آذن)(6)[وآذن بالمد](7) بمعنى الإعلام، فهو ممدود الهمزة مفتوح الذال، كقوله تعالى:{قَالُوا آذَنَّاكَ} (8)، ومن قرأ:{فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ} (9)،
(1) من (م).
(2)
من (ر).
(3)
سقط من (م).
(4)
و (5) من (م).
(6)
بعدها في النسخ: إذا كان.
(7)
سقط من (م).
(8)
فصلت: 47.
(9)
قراءة عاصم في رواية أبي بكر وحمزة. "الحجة للقراء السبعة" 2/ 403.
بمد الهمزة فمعناه: أعلموا من وراءكم، فإذا كان بمعنى الصياح والآذان فهو أذن بالتشديد كقوله {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} (1)، والتشديد هو الأصح، ثم أذن في الناس بالحج (2)، وقوله: فأذن بالرحيل والحج، وقوله تعالى:{فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ} (3) أي: نادى منادٍ يسمع الفريقين (في) السنة (العاشرة أن) بفتح الهمزة وتشديد النون، ويجوز تخفيف النون الساكنة، ورفع (رسول) على أن تكون مفسرة أو مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف ورسول مبتدأ (4) و (حاج) خبره، والجملة خبر أن المخففة، كقوله تعالى:{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (5)، وقرئ بالوجهين في السبع في قوله تعالى:{فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ} (6)، وقوله تعالى في النور:{وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ} (7)، قال النووي:[أذن هنا](8) معناه: أعلم وأشاع بينهم الحج ليتأهبوا للحج معه ويتعلموا المناسك والأحكام ويشاهدوا أفعاله وأقواله، ويوصيهم ليبلغ الشاهد الغائب، ويشيع دعوة الإسلام، ويبلغ الرسالة للقريب والبعيد.
(1) الحج: 27.
(2)
سقط من (م).
(3)
الأعراف: 44.
(4)
في (ر): حاجا.
(5)
يونس: 10.
(6)
الأعراف: 44.
(7)
النور: 7.
(8)
في (ر): إذ كنا.
وفيه: أنه يستحب للإمام [إيذان الناس بالأمور المهمة ليتأهبوا لها (1)، وقد استدل بهذا الحديث على أن الحج واجب على](2) التراخي، وأنه يجوز تأخيره عن سنة الإمكان، ووجهه: أن فريضة الحج نزلت سنة خمس من الهجرة وأخره النبي صلى الله عليه وسلم من غير مانع؛ فإنه خرج إلى مكة سنة سبع لقضاء العمرة ولم يحج، وفتح مكة سنة ثمان، وبعث أبا بكر أميرًا على الحاج سنة تسع، وحج هو سنة عشر؛ وتأخره مع كونه هو (3) وعامة أصحابه قادرون على الحج غير مشتغلين بقتال ولا غيره، فدل على جواز تأخيره، قال أصحابنا: ونزلت قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (4)، [نزلت سنة خمس من الهجرة، وهي دالة على وجوب الحج، ونزل بعدها: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (5) توكيد](6) للوجوب، وأجمع المسلمون على أن الحديبية كانت (7) سنة ست، وثبتت الأحاديث على أن غزوة حنين بعد فتح مكة، وأنه صلى الله عليه وسلم قسم غنائمها واعتمر من سنته من (8) ذي القعدة وكان إحرامه بالعمرة من الجعرانة، ولم يكن بينه وبين الحج إلا أيامًا يسيرة، فلو كان على الفور لم يرجع من مكة حتى حج؛ مع أنه هو (9) وأصحابه كانوا موسرين قد غنموا الغنائم الكثيرة ولا لهم عذر ولا شغل، وإنما أخره بيانًا للجواز.
(1)"شرح النووي" 8/ 172.
(2)
من (م).
(3)
سقط من (م).
(4)
البقرة: 196.
(5)
آل عمران: 97.
(6)
و (7) و (8) و (9) سقط من (م).
(فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم) بتشديد الميم (برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله) حتى قال أبو زرعة الرازي: إنه حضر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مائة ألف وأربعة عشر ألفًا، كلهم رآه وسمع منه وأتمَّ به. هذا قول الإمام أبي زرعة الذي لم يحفظ أحد من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كحفظه ولا ما يقاربه (1).
(فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة) التي هي ميقات الحج (فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر) كما تقدم في باب الحائض تهل بالحج [فقال: "اغتسلي"](2) فيه دليل على استحباب غسل الإحرام للنفساء والمستحاضة (فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع؟ فقال: اغتسلي واستثفري بثوب) واستثفار الحائض والنفساء هو: أن تشد على فرجها بخرقة عريضة مشقوقة الطرفين تشدهما على جنبيها من قدام وخلف، بحيث يكون وسطها على الفرج مشدودًا، لتمنع الدم أن يجري أو يقطر، وأصله: من ثفر الدابة بفتح الثاء المثلثة والفاء، وهو ما يكون تحت ذنبها يغطي حياها، ويحتمل أن يكون من الثفر بسكون الفاء وهو الفرج فاستعير لغيره لملازمته له، والأول أظهر لقوله في رواية أخرى:"تلجمي بثوب"، وكذلك يفعل من به جرح يفور منه الدم، وفيه دليل على أمر الحائض بالاستثفار، وكذا النفساء والمستحاضة (وأحرمي) فيه دليل على صحة إحرام النفساء، وهو مجمع عليه.
(1)"المجموع" 7/ 104 - 105.
(2)
من (م).
وفي قوله (وصلى رسول الله في المسجد) أي: مسجد الشجرة، كما تقدم (ثم ركب القصواء) بفتح القاف والمد، وفي نسخة: بضم القاف مع القصر وهو أصوب، قال ابن الأعرابي: القصواء، التي قطع طرف أذنها، والجدع أكثر منه (1). وقال أبو عبيد: القصواء: المقطوعة الأذن عرضًا (2). ولم تسم بذلك لشيء أصابها (حتى إذا استوت به ناقته على البيداء [قال جابر] (3) نظرت إلى مد بصري) بتشديد الدال، هذا هو الصواب ومعناه: منتهى بصري، وأنكره بعض أهل اللغة، وقال: الصواب: مدى بتخفيف الدال وألف بعدها ترسم ياء، وليس بمنكر، بل هما لغتان ومدى أشهر (من بين يديه من راكب وماش) فيه جواز الحج راكبًا وماشيًا وهو مجمع عليه، واختلفوا في الأفضل منهما، فمال مالك والشافعي والجمهور إلى أن الركوب أفضل، لكن يستحب كما قال في "شرح المهذب" أن يركب على القتب والرحل دون المحمل والهودج، أقتداءً به عليه السلام.
والثاني: المشي أفضل، وصححه الرافعي، والثالث: هما سواء، قال ابن سريج: هذا قبل الإحرام، فإذا أحرم فالمشي أفضل (4)، قال الغزالي: إن سهل عليه المشي فهو أفضل، وإن ضعف وساء خلقه فالركوب (5). قال الإسنوي: والمتجه أن أداء النسك ماشيًا أفضل؛ لما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حج من مكة ماشيًا حتى
(1) انظر: "شرح النووي" 8/ 173.
(2)
انظر: "غريب الحديث" لابن سلام (عصا)، و"شرح النووي" 8/ 173
(3)
من المطبوع.
(4)
"مواهب الجليل" 3/ 514، و"المجموع" 7/ 91.
(5)
"إحياء علوم الدين" 1/ 263.
يرجع إليها كتب له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم، وحسنات الحرم الحسنة بمائة ألف حسنة" (1). وضعف البيهقي هذا الحديث، لكن قد رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. وسيأتي له مزيد إن شاء الله تعالى (وعن يمينه مثل ذلك) أي: من راكب وماشٍ، [ومن خلفه مثل ذلك، أي: من راكب وماشٍ](2)، وفي تقديم الركوب على المشي في هذا الحديث إشارة إلى تفضيله، ولعل تقديمه إلى أن الركاب (3) أكثر، وإلا فالله تعالى قدم الماشي على الراكب في قوله تعالى:{يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} (4)، قيل: ليزيل مشقة المشي والعناء، وقد رئي بعض الصالحين بمكة المشرفة فقيل له: جئت راكبًا أم ماشيًا؟ فقال: ما حق العبد العاصي الهارب من مولاه أن يرجع إليه (5) راكبًا ولو أمكنني لجئت على رأسي.
وأجاب من رجح المشي على (6) ركوب النبي في الحج [بأنه كافٍ في](7) القدوة فكانت الحاجة ماسة إلى ظهوره ليراه الناس، ويسأله من احتاج إلى سؤاله ويقتدي به من كان عن بعد ويقصده من له به
(1) رواه البيهقي في "الكبرى" 4/ 331، والحاكم في "المستدرك" 1/ 631.
(2)
من (م).
(3)
في (م): الراكب.
(4)
الحج: 27.
(5)
سقط من (م).
(6)
في (م): عن.
(7)
في (م): فإنه كان.
حاجة ومن خلفه مثل ذلك، وإنما أحاطوا به من الجهات الأربع ليسهل عليهم رؤيته للاقتداء بأفعاله وأقواله، وليتمتعوا بمشاهدته من كل الجهات (ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا) أي: بيننا، يقال: بين أظهرهم وظهورهم وظهرانيهم بفتح النون مثنى بمعنى الجمع (وعليه ينزل القرآن وهو يعلم تأويله) فيه الحث على التمسك بما أخبرهم به [عن فعل](1) رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته تلك، فإنه كان ينزل عليه بما يفعله الوحي في جميع حجه فيفهمه عن الله ويبينه للناس، فلذلك قال:"خذوا عني مناسككم"(2)، فكانوا كما قال جابر (فما عمل به من شيء عملنا به) أي: إذا عمل شيئًا اقتدوا به فيه وعملوا على نحو عمله (فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد) أي: بكلمة التوحيد النافية للشريك بقوله: لا شريك لك. بخلاف ما كانت تلبي الجاهلية إذ كانت تشرك بالله فتقول في تلبيته: إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك. ثم فسر كلمة التوحيد: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك) ولبيك كلمة (3) يجاب بها المنادي، والقصد بها ها هنا: الإجابة لقول إبراهيم حين أمره الله بقوله: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} الآية، وهي مشتقة من لب بالمكان وألب لغتان، ومعناها: أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة، ولفظها مثنى سقطت نونه للإضافة، ولكن المعنى على التكثير كما تقدم (إن) بكسر الهمزة على الأفصح للاستئناف، ويجوز الفتح على معنى لأن
(1) من (م).
(2)
رواه مسلم (1297).
(3)
في (م): لفظ.
(الحمد) بالنصب على المشهور، ويجوز الرفع على أن (1) أن بمعنى نعم (والنعمة لك والملك) يستحب أن يقف عند قوله والملك وقفة لطيفة (لا شريك لك) هذِه الكلمة مثبتة للوحدانية.
(وأهل الناس بهذا الذي يهلون) بضم الياء (به)(2) قال القرطبي: يعني: أنهم لم يلتزموا هذِه التلبية الخاصة التي لبى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ فهموا أنها ليست متعينة؛ فإنه قد ترك صلى الله عليه وسلم كل أحد على ما تيسر له من ألفاظها، ومع هذا فلا بد أن يأتي بهذِه التلبية ولا يجزئ منها التحميد (3) ولا التكبير ولا غيره عند مالك (4). وأنه يجب الدم بتركها جملة وإن كان ناسيًا، خلافًا للشافعية والحنابلة، قال الشافعي في "الأم": اتفق الأربعة على أن من لا يحسن التلبية بالعربية لبى بلسانه (5).
(فلم يرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا منه) أي: مما زادوه، قال القاضي عياض: فيه إشارة إلى ما روي من زيادة الناس في التلبية من الثناء والذكر، كما روي في ذلك عن عمر: لبيك ذا النعماء والفضل الحسن (6)، والنعماء بفتح النون والمد؛ لبيك مرهوبًا منك مرغوبًا إليك، وعن ابن عمر: لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك
(1) سقط من (م).
(2)
من (م).
(3)
في (ر): التوحيد.
(4)
"المفهم" 3/ 325.
(5)
"المجموع" 7/ 246.
(6)
رواه ابن أبي شيبة (13645).
والعمل (1)، وعن أنس: لبيك حقًّا، تعبدًا ورقًّا (2). وعن أبي هريرة:"لبيك إله الحق، لبيك"، رواه الشافعي وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وصححه على شرط الشيخين (3)(4).
وعن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بعرفات، فلما قال:"لبيك اللهم لبيك"، قال:"إن الخير خير الآخرة". رواه الحاكم وصححه (5) عن يونس عليه السلام: لبيك فراج الكرب لبيك (6)، وعن عيسى عليه السلام: لبيك (7) أنا عبدك ابن أمتك بنت عبديك لبيك، أخرجه الأزرقي (8)، وعن الأسود بن يزيد: لبيك غفار الذنوب (9)، وعن عبد الله بن مسعود: لبيك عدد الحصا والترب (ولزم رسول الله تلبيته) فيستحب أن يكرر التلبية ثلاثًا، ويستحب عند غير المالكية أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التلبية، ويسأل الله رضوانه (10) والجنة، ويستعيذ به من النار، وقال سند من المالكية:
(1) رواه مسلم (1184).
(2)
رواه البزار في "المسند" 13/ 266 (6804).
(3)
في (م): الصحيحين.
(4)
"مسند الشافعي" ص 122، "مسند أحمد" 2/ 341، 352، 476، 9/ 110 (3800)، "المستدرك" 1/ 449 مرفوعًا.
(5)
"المستدرك" 1/ 464، وصححه ابن الجارود في "المنتقى"(470)، وابن خزيمة (2831).
(6)
سقط من (م).
(7)
من (م).
(8)
"أخبار مكة" للأزرقي 1/ 73.
(9)
رواه أبو يوسف في "الآثار"(457) عن سعيد بن جبير.
(10)
في (ر): رضوانك.
ليس في التلبية صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا دعاء (1).
قال ابن المنذر: ويختم دعاءه بربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (قال جابر: لسنا ننوي) بفتح النون الأولى (إلا الحج) فيه دليل لمن قال بترجيح (2) الإفراد، وقد تقدم الكلام فيه (لسنا نعرف العمرة) قال القرطبي: يحتمل أن يخبر به عن حالهم الأول قبل الإحرام؛ فإنهم كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، فلما كان عند هذا الإحرام بين النبي صلى الله عليه وسلم لهم ذلك (3) فقال:"من أراد أن يهل بالحج فليفعل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليفعل"(4) فارتفع الوهم الواقع بهم (5)(حتى إذا أتينا البيت معه) فيه بيان (6) أن السنة للحاج أن يدخلوا مكة قبل الوقوف بعرفات ليطوفوا للقدوم وغير ذلك (استلم الركن) يعني الحجر الأسود كما تقدم قريبًا (فرمل) كما تقدم بيانه (7)(ثلاثًا) أي: ثلاث أطواف يستوعب الرمل فيهن كلهن كما تقدم على الصحيح، والمراد بالثلاث الأول، ولا يستحب الرمل إلا في طواف واحد في حج أو عمرة، فإن طاف في غير حج أو عمرة فلا رمل بلا خلاف، وإنما يشرع في طواف يعقبه سعي ويتصور ذلك في
(1)"الفواكه الدواني" 2/ 798.
(2)
في (م): مترجح.
(3)
سقط من (م).
(4)
رواه مسلم (1211/ 114) من حديث عائشة.
(5)
"المفهم" 3/ 323 - 324.
(6)
من (م).
(7)
في (م): في بابه.
طواف القدوم، ويتصور في طواف الإفاضة، ولا يتصور في طواف الوداع (ومشى أربعًا) على هيئته؛ فإن الإسراع ليس بتسمية للمشي، بل التأني فيه والسكينة (1)(ثم تقدم إلى مقام إبراهيم) هكذا الرواية في أبي داود، ورواية مسلم: ثم نفذ (2) بالفاء والذال المعجمة يعني: أنه صار إليه (3) بعد فراغه من طوافه (فقرأ: {وَاتَّخِذُوا}) قال القرطبي: الرواية هنا: {واتخِذوا} بكسر الخاء على الأمر (4) قطعوه من الأول وهي قراءة الجمهور (5)({مِنْ مَقَامِ}) هو في اللغة موضع القدمين، قال النحاس: مقام من قام يقوم، يكون مصدرًا واسمًا للموضع (6). ({إِبْرَاهِيمَ}) عليه الصلاة والسلام.
وقد [اختلف في تعيين](7) المقام على أقوال: قال القرطبي: أصحها أنه الحجر الذي يعرفه (8) الناس اليوم، ويصلون عنده ركعتي الطواف (9). وفي البخاري (10) أنه الحجر الذي ارتفع عليه إبراهيم حين ضعف عن رفع الحجارة التي كان إسماعيل يناولها إياه في بناء البيت وعرفت قدماه فيه.
(1) في (م): المسكنة.
(2)
مسلم (1218).
(3)
من (م).
(4)
"المفهم" 3/ 325.
(5)
"الحجة للقراء السبعة" 2/ 220.
(6)
"إعراب القرآن" 1/ 259.
(7)
كذا في (م)، وفي (ر): اختلفوا في نفس.
(8)
في النسخ: يعرفونه.
(9)
"الجامع لأحكام القرآن" 2/ 112.
(10)
(3365).
قال أنس: رأيت في المقام أثر أصابعه وعقبيه وأخمص قدميه، غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم، حكاه القشيري، قال السدي: المقام هو الذي وضعته زوجة إسماعيل تحت قدم إبراهيم حين غسلت رأسه (1) فغابت رجله فيه، فجعله الله من الشعائر، وقيل: إنه الذي وقف عليه إبراهيم فأذن في الناس بالحج، وذكر الأزرقي أنه لما فرغ من التأذين أمر بالمقام فوضعه قبله فكان يصلي إليه مستقبل الباب، والصحيح أنه كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ملصقًا بالبيت، ويدل عليه ما قاله مالك في "المدونة": كان (2) المقام في عهد إبراهيم في مكانه اليوم، وكان أهل الجاهلية ألصقوه بالبيت خيفة السيل، فكان كذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر، فلما ولي عمر [رده بعد أن](3) قاس موضعه بخيوط قديمة (4) قيس بها كانت محفوظة عند المطلب بن أبي وداعة (5). وعن مالك أن الذي حمل عمر على ذلك ما كان النبي يذكره من كراهة تغيير مراسم إبراهيم عليه السلام، كقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة (6):"لولا حدثان قومك بكفر"(7)، والمقام اليوم في صندوق من حديد، حوله شباك من حديد وخلف الشباك المصلى، وعليه عمودان من حجارة ({مُصَلًّى}).
(1)"الجامع لأحكام القرآن" 2/ 113.
(2)
في (ر): لأن.
(3)
من (م).
(4)
في (م): قدميه.
(5)
"المدونة" 1/ 456.
(6)
سقط من (م).
(7)
البخاري (1583، 3368)، ومسلم (1333).
عن ابن عباس: [مدعًى يدعى عنده أو فيه، وقيل](1): موضع صلاة يصلى فيه، وقيل: قبلة [يصلي الإمام عندها](2)(فجعل) بفتح الجيم والعين (المقام بينه وبين البيت) قال القرطبي: في هذا بيان دال على أن المقام هو الموضع المعروف هناك الذي يستقبل باب البيت (3)، وفيه دليل على أن الصلاة لا تصح فيه إلا إلى الكعبة، فلو صلى فيه إلى غيرها لم يصح.
(قال) جعفر بن محمد الراوي (وكان أبي) يعني: محمد بن علي بن حسين (يقول: قال) عبد الله بن محمد بن علي (بن نفيل) النفيلي (وعثمان) ابن محمد بن إبراهيم بن أبي شيبة الكوفي (فلا أعلمه) أي: أعلم أبي محمدًا (إلا ذكره (4) عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه كان يقرأ في الركعتين: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (قال هشام)(5) بن عمار بن نصير بن ميسرة خطيب دمشق (لا أعلمه) أي لا أعلم أبي (إلا كان (6) رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ) لا (7) عن قراءة جابر في صلاته بل رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر البيهقي بإسناد صحيح على شرط مسلم عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت فرمل من
(1) في (م): فدعا بدعاء عنده وفيه دليل.
(2)
في (م): يقف عندها الإمام.
(3)
"المفهم" 3/ 326.
(4)
في مطبوع أبي داود: ذكره إلا.
(5)
كذا في النسخ: هشام. وفي المطبوع: سليمان.
(6)
في النسخ: قال.
(7)
في (م): إلا.
الحجر الأسود ثلاثًا ثم صلى ركعتين قرأ فيهما: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1).
(فقرأ في الركعتين) قال القرطبي: هاتان الركعتان هما المسنونتان للطواف، وهما مؤكدتان يجب بتركهما دم عند مالك (2) (بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}) قال النووي: معناه قرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وفي الثانية بعد الفاتحة:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3)، ويدل على هذا الترتيب رواية البيهقي المتقدمة، وقراءة هاتين (4) السورتين في هاتين الركعتين مستحبة عند الأربعة، وقال الشافعية: يجهر بالقراءة إن صلاهما ليلًا، ويسر (5) نهارًا (6). وعند الشافعية والحنابلة: إذا صلى فريضة بعد الطواف أجزأته عن ركعتي الطواف تفريعًا على أنهما سنة كإجزاء الفريضة عن تحية المسجد (7)، وفي وجه ثان عندنا أن هاتين الركعتين واجبتان، وفي قول ثالث: إن كان الطواف واجبًا فواجبتان وإلا فسنتان.
(ثم رجع إلى البيت فاستلم الركن) يعني: الحجر الأسود بعد طوافه [بالبيت وركعتيه، فيكون آخر عهده بالاستلام كما افتتح الطواف به، قاله
(1)"السنن الكبرى" 5/ 91.
(2)
"المفهم" 3/ 326.
(3)
"شرح النووي" 8/ 176.
(4)
سقط من (م).
(5)
في (م): يسرهما.
(6)
"المجموع" 8/ 53.
(7)
انظر: "المجموع" 8/ 52.
الرافعي (1)، واقتصاره في الحديث على الاستلام يقتضي أنه لا يستحب التقبيل ولا السجود عليه، وعلى] (2) هذا فلعل سببه المبادرة إلى السعي، نبه عليه الإسنوي، لكن روى الحاكم في "مستدركه" عن جابر قال: دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه ففاضت عيناه بالبكاء، ثم رمل ثلاثًا ومشى أربعًا حتى فرغ، فلما فرغ (3) قبل الحجر، ووضع يديه عليه ومسح بهما وجهه، وقال في آخره: صحيح على شرط مسلم (4)، وروى الإمام أحمد من حديث جابر أيضًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف (5) ثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر، وصلى ركعتين ثم عاد إلى الحجر، ثم ذهب إلى زمزم فشرب منه وصب على رأسه، ثم رجع فاستلم الركن، ثم رجع إلى الصفا فقال " [أبدأ بما بدأ به الله"(6). فينبغي العمل بذلك، قال ابن المكفى: ولم أر من نص عليه، نعم وكره] (7) الكرماني في "مناسكه": أن يأتي زمزم بعد طواف القدوم وصلاته، ويشرب من مائها ويدعو. وفي "فضائل مكة" (8) من حديث جابر أيضًا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من طاف بالبيت سبعًا وصلى خلف المقام ركعتين وشرب من ماء زمزم
(1)"الشرح الكبير" 3/ 407.
(2)
و (3) سقط من (م).
(4)
"المستدرك" 1/ 625، "السنن الكبرى" للبيهقي 5/ 74.
(5)
في (م): رمل.
(6)
"مسند أحمد" 3/ 320، 388، 394.
(7)
من (م).
(8)
في (م): له.
غفرت له ذنوبه كلها بالغة ما بلغت" (1).
(ثم خرج) بعد الاستلام، وعد ابن الحاجب المالكي هذا الاستلام الذي قبل الخروج إلى الصفا من سنن السعي، وعلى هذا فتكون العلة في الاستلام أن (2) السعي لما كان تابعًا للطواف استحب أن يبتدئه بالاستلام كما بدأ (3) الطواف به (من الباب) أي: من باب الصفا اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي "الغاية" من كتب الحنفية: أن الصحيح استحباب الخروج من باب بني مخزوم (4).
وفي "المدونة" أن مالكًا ما كان يأمر بالخروج من باب مخصوص (5).
ويستحب في خروجه من المسجد أن يقدم رجله اليسرى باتفاقهم، ويقول ما قدمناه في دخول المسجد وهو:"أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم"(6) الحمد لله، اللهم صلِّ وسلم (7) على محمد، [وعلى آل محمد](8) باسم الله (9)، ويزيد عليه.
(1) انظر: "السلسلة الضعيفة"(6016).
(2)
في (م): في.
(3)
في (م): يبتدأ.
(4)
انظر: "اللباب في شرح الكتاب" 1/ 93، و"تبيين الحقائق" 2/ 20.
(5)
"المدونة" 1/ 433.
(6)
تقدم برقم (466).
(7)
من (م).
(8)
من (م).
(9)
تقدم برقم (466).
ولأبي عوانة: "وسهل لنا أبواب رزقك (1)، [اللهم إني أسألك من فضلك العظيم"] (2)، وفي "الشفا":["اللهم سهل](3) لنا أبواب رزقك (4). ولابن السني: وأعذني من الشيطان الرجيم" (إلى الصفا) جمع صفاة وهي الحجارة الملس، مشتق من صفا يصفو إذا خلص من التراب والطين، قال الشعبي: كان على الصفا صنم يقال له في الجاهلية إساف، قال الشافعية: السنة لمن خرج إلى الصفا للسعي أن يقطع عرض الوادي (5).
(فلما دنا من الصفا) أي بحيث أن يكون بينه وبين الصفا قريبًا من ثلاثة أذرع (قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}) أي: مواضع عباداته التي أشعرها الله أي: جعلها إعلامًا لخلقه، والشعار: العلامة، فجعل الله هذين الجبلين علامة على العبادة بالسعي بينهما والرقي عليهما وقراءة الآية قبل رقيهما ليتذكر أمر الله بالعبادة ليكون فعله (6) ممتثلًا لأمر الله، وهذا جار في العبادات التي ورد النص بها في الكتاب والسنة.
ومن هذا ما قال بعضهم: يستحب لمن توضأ أن يتذكر عند غسل وجهه قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} ، وعند غسل يديه:{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} ، وعند مسح رأسه:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} ، وعند غسل
(1)"مستخرج أبي عوانة" 1/ 345.
(2)
سقط من (م).
(3)
في (م): ويسر لنا.
(4)
"الشفا بتعريف حقوق المصطفى" 2/ 88.
(5)
"المجموع" 8/ 143. بمعناه.
(6)
في (م): فعلا.
رجليه: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (1)، وقد قال بعضهم: إن هذا أفضل الذكر، وهو أن يذكر الله بقلبه عند أمره ونهيه فيذكر الله عند امتثال أمره وانتهاء نهيه، وعند وقوفه عما أشكل عليه، وهذا الذكر أفضل من ذكر اللسان، ومن تمسك بهذا انتفع به (2) في أكثر عباداته (يبدأ) رواية أبي داود ومسلم على أنها فعل مضارع للمتكلم، ورواها النسائي بإسنادٍ صحيح على شرط مسلم: فابدؤا (3). بلفظ الأمر وصيغة الجمع (بما بدأ الله به) وفي رواية لمالك في "الموطأ": "نبدأ بما بدأ الله به" بنون المضارعة أوله على الخبر، فلو بدأ الساعي بالمروة وأكمل سبعًا بطلت المرة الأولى، ويأتي بأخرى بدلها كما في الوضوء يرتب الوضوء ويبدأ بما بدأ الله به.
(فرقي) بكسر القاف (4)[على الأفصح، أي: صعد](5) عليه قدر قامة (حتى رأى البيت) قال الإمام: ورؤية البيت تحصل إذا رقي عليه قدر قامة أي: قامة رجل معتدل الخلقة.
قال النووي: واعلم أن بعض الدرج مستحدث فالحذر؛ من تركها فلا يصح سعيه (6)، وقال غيره: قولهم: أنه يصعد قدر قامة [بحيث
(1) المائدة: 6.
(2)
من (م).
(3)
"سنن النسائي" 5/ 236.
(4)
في (ر): الكاف.
(5)
سقط من (م).
(6)
"المجموع" 8/ 69.
يرى البيت كان هذا أولًا، أما اليوم فإن البيت لا يرى من الصفا قدر صعود قدر قامة] (1)؛ لما حدث من الأبنية يعني حتى ارتفعت الأرض، وقيل: إن الكعبة كانت ترى من أعلى المروة فحالت الأبنية بينها وبين المروة، وهذا الرقي مخصوص بالرجل كما تقدم، بخلاف المرأة والخنثى.
والجمهور على أن هذا الارتقاء مستحب أو مسنون، وعن أبي حفص بن الوكيل من أصحابنا: أنه واجب، كما حكاه القاضي حسين وغيره، وطرده بعضهم في الارتقاء على المروة، ووجهه (2) بأنه لا يتم (3) سعيه إلا باستيفاء ما بينهما بلا خلاف عندنا، ولا يستوفيه إلا بذلك، فوجب كغسل جزء من الوجه (4) في الوضوء، قال الماوردي: وهو خلاف إجماع الصحابة؛ لأن الشافعي روى بسنده أن أبا النجيح قال: أخبرني من رأى عثمان يقوم في أسفل الصفا ولا يظهر عليه فلم ينكر ذلك أحد من الصحابة، فدل على أنه إجماع.
وأما قوله لا يمكن استيفاء ما بينهما إلا بالصعود عليهما فغلط؛ لأنه يلصق عقبيه بالصفا، ثم يسعى، فإذا انتهى إلى المروة ألصق أصابع قدميه بالمروة فيستوفي ما بينهما (5).
(1) سقط من (م).
(2)
في (م): موجهًا له.
(3)
في (م): يتمم.
(4)
في (م): الرأس.
(5)
"الحاوي الكبير" 4/ 159.
وفي الحديث دليل على أنه (1) يسن أن يقف على الصفا مستقبل الكعبة، وهكذا يستحب أن يستقبل القبلة (2) في الوضوء والذكر والدعاء وغيرهما من العبادات إذا أمكن، فقد قيل: إن استقبال القبلة ينور البصر (وكبر الله) أي قال: الله أكبر (ووحد) يعني: ثلاث مرات كما سيأتي.
(وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، [وله الحمد] (3)، يحيي ويميت) وقوله: يحيي ويميت. ليست في مسلم، بل في النسائي "ومسند أبي يعلى"، وزاد في "الشامل" لابن الصباغ بعد قوله (يحيي ويميت)"وهو حي لا يموت بيده الخير"(4)(وهو على كل شيء قدير، لا إلة إلا الله وحده) ورواه ابن المنذر وزاد فيه: "لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون".
(أنجز وعده، ونصر عبده) يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم (وهزم الأحزاب وحده) يعني (5): هزمهم بغير قتال من الآدميين ولا سبب من جهتهم، بل أرسل عليهم ريحًا وجنودًا، كما قال تعالى:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} (6)، والمراد بالأحزاب: الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
(1) زاد في (م): يستحب.
(2)
من (م).
(3)
من (م).
(4)
"مسند أبي يعلى" 4/ 23 (2027)، 12/ 105 (6739).
(5)
في (م): معناه.
(6)
الأحزاب: 9.
الخندق، وكان الخندق في شوال سنة 4 (1) من الهجرة (2).
(ودعا) زاد النسائي: بما قدر له. أي: من أمور الدنيا والآخرة، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ولنفسه بما شاء، زاد ابن عمر في رواية البيهقي على الصفا:"اللهم أحيني على سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، وتوفني على ملته، وأعذني من مضلات الفتن"(3)، وزاد ابن المنذر: "اللهم يسر لي اليسرى وجنبني العسرى، واغفر لي في الأخرى والأولى، واجعلني من أئمة المتقين، ومن ورثة جنة النعيم، واغفر لي خطيئتي يوم الدين، اللهم إنك قلت:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (4) وأنت (5) لا تخلف الميعاد، اللهم كما (6) هديتني للإسلام فلا (7) تنزعه مني ولا تنزعني منه حتى تتوفاني على الإسلام وقد رضيت عني، اللهم لا تعذبني (8) بعذاب، ولا تؤخرني لسيء الفتن. انتهى، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون رافعًا يديه وبطون كفيه كما في الدعاء (بين ذلك) أي: بين (9) الفراغ من
(1) في (م): أربع.
(2)
هذا قول موسى بن عقبة ذكره البخاري في "صحيحه" وقال كثير من أهل العلم: إنها كانت في شوال سنة خمس من الهجرة. وهو قول ابن إسحاق: وانظر "سيرة ابن هشام" 2/ 214، "دلائل النبوة" للبيهقي 3/ 395، "عيون الأثر" 2/ 83.
(3)
"السنن الكبرى" 5/ 95.
(4)
غافر: 60.
(5)
في (م): إنك.
(6)
في (م): إذ.
(7)
في (ر): أن لا.
(8)
في (م): تقدمني.
(9)
في (م): بعد.
التكبير ثلاثًا والتهليل، وبين التكبير والتهليل في المرة الثانية، وكذا [بين الفراغ من التكبير والتهليل في المرة الثالثة، ثم لا يدعو بعد الثالثة، (وقال) التكبير](1) الثلاث والتهليل (مثل هذا) الذي تقدم (ثلاث مرات) فيكون التكبير الثلاث في الثلاث مرات تسع (2) تكبيرات، ويكون التهليل ثلاث مرات، والدعاء [مرتان، هذا على ما جزم به الرافعي، ورد هذا النووي وقال: يكرر الذكر، والدعاء](3) ثلاث مرات، هذا هو المشهور عند أصحابنا، وقال جماعة (4) من أصحابنا: يكرر الذكر ثلاثًا والدعاء مرتين، والصواب الأول (5). لكن قوله (بين ذلك) يحتاج على هذا إلى تقدير، ورواية النسائي صريحة بأنه (6) يدعو بعد الثالثة فقط فيما رواه عن جابر أنه عليه السلام بدأ بالصفا، وقال ثلاث مرات:"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وكبر الله وحده ثم دعا بما قدر له (7)، لم يزل" ورواية أحمد عن ابن عمر: كان يخرج إلى الصفا من الباب الأعظم فيقوم عليه (8) فيكبر سبع مرات ثلاثًا ثلاثًا ثم يقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له. ." إلى آخره.
(1) سقط من (م).
(2)
في (ر): سبع.
(3)
و (4) من (م).
(5)
"شرح النووي" 8/ 177.
(6)
زاد في (م): إنما.
(7)
زاد في (م): ثم.
(8)
زاد في (م): ويكبر.
(ثم نزل إلى المروة) قيل: هي حجارة بيض براقة (1) يكون فيها النار، قال الشعبي: كان عليها في الجاهلية صنم يسمى نائلة، قيل: ذكر الصفا؛ لأن آدم وقف عليه (2) فسمي به، ووقفت حواء (3) على المروة فسميت باسم المروة، يمشي على هيئته (حتى إذا انصبت) (4) بتشديد الباء (قدماه) (5) أي: انحدرت قدماه (رمل) أي: سعى سعيًا شديدًا فوق الرمل إذا صار بينه وبين الميل الأخضر المعلق بركن المسجد نحو ستة أذرع، ويستمر سعيه حتى يحاذي الميلين الأخضرين أي: يتوسطهما فيترك السعي؛ لأن هذا القدر هو محل الانحدار (6) في بطن الوادي، والمراد بالميل: العمود، وهذان الميلان أحدهما متصل بركن المسجد، وكان موضوعًا على بناء على الأرض في الموضع الذي شرع فيه ابتداء السعي، وكان السيل يهدمه ويحطمه فرفعوه إلى أعلى ركن المسجد، والميل الآخر (7) في الموضع المعروف بدار العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم (في بطن الوادي، حتى إذا صعد) بالإفراد (8) بكسر العين يعني: قدماه حين حاذى الميلين الأخضرين (مشى) على عادته.
(1) في (ر): ترافه.
(2)
في (م): به.
(3)
من (م).
(4)
في (م): نصبت.
(5)
سقط من (م).
(6)
في (ر): الأعذار.
(7)
في (ر): الأخضر.
(8)
في (م): با.
(حتى أتى المروة) قال بعض المتأخرين: ما بين الصفا والمروة خمس (1) وعشرون خطوة، قال القاضي حسين: الأصل في السعي قصة إبراهيم عليه السلام، روي أنه أمر ابنيه إسماعيل وإسحاق بالمسابقة فاستبقا فسبق إسماعيل إسحاق؛ فأجلسه في حجره وإسحاق بين يديه، فدخلت زوجته سارة أم إسحاق فقالت: ولد أمتي تجلسه في حجرك وولدي على الأرض، فحلف إبراهيم أن يهاجر بإسماعيل وأمه هاجر، فهاجر بهما إلى مكة وحمل معهما جرابًا من الزاد وقربة من الماء، ومكة إذ ذاك ربوة حمراء (2) ليس فيها ديار ولا نافخ نار، فقالت هاجر: إلى من تكلنا؟ قال: إلى الله تعالى، قالت: إذًا لا يضيعنا، ففني الماء، فتحيرت هاجر فسمعت صوتًا من الصفا فرقتها بقدر قامة ثم خفي ذلك الصوت [فنزلت وهي تمشي، فلما بلغت الموضع الذي يبتدأ السعي منه سمعت ذلك الصوت](3) من المروة فأخذت في السعي الشديد، فلما بلغت المكان الذي يقطع فيه السعي خفي الصوت فرجعت إلى سجية المشي، وهكذا سبع مرات، فرأت على المروة الماء قد نبع من تحت عقب إسماعيل، قيل (4): إن جبريل ضرب بجناحه الأرض فنبع الماء وهو ماء زمزم، فصار هذا السعي سنة بعد زوال سببه.
(ففعل على المروة مثل ما فعل على الصفا) فيه أنه يسن (5) عليها من
(1) في (م): خمسمائة.
(2)
و (3) من (م).
(4)
في (ر): حتى.
(5)
في (م): ليس.
الذكر والدعاء والرقي مثل ما يسن (1) على الصفا، وهذا متفق عليه، (حتى إذا كان آخر طواف على المروة) فيه دلالة لمذهب الشافعي والجمهور أن الذهاب من الصفا إلى المروة يحسب مرّة والرجوع من المروة إلى الصفا ثانية، والرجوع إلى المروة ثالثة، وهكذا، فيكون ابتداء السبع (2) من الصفا وآخرها من المروة (3)، فإنه لو كان الذهاب والإياب مرّة واحدة قياسًا على مسحِ الرأس لكان الختم بالصفا.
قال الشيخ عز الدين ابن عبد السلام: المروة أفضل من الصفا؛ لأنه مروره أربع مرات، والصفا مروره ثلاثًا (4)، وما كانت العبادات فيه أكثر فهو أفضل، وتبعه على ذلك تلميذه الشيخ شهاب الدين القرافي المالكي (5)، و [قيل الصفا أفضل (6)](7) لأن الله تعالى بدأ به، والبدء (8) به ليعطف عليه في قوله تعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} (9)، [أوكد من الطواف وهذا كما فهم التفضيل في قوله تعالى {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} (10)] (11) وقيل: إن المروة أفضل؛ لاختصاصها باستحباب
(1) في (م): ليس.
(2)
في (م): السعي.
(3)
"المجموع" 8/ 71.
(4)
"فتح الباري" 3/ 88.
(5)
"الذخيرة" للقرافي 3/ 252.
(6)
"شرح الزرقاني" 2/ 419.
(7)
من (م).
(8)
في (م): المبدوء.
(9)
البقرة: 158.
(10)
الأحزاب: 35.
(11)
من (م).
النحر والذبح، وبالصلاة فيها عند الفراغ من السعي كما حكاه الجويني دون الصفا، (قال: إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة) أي: لو كان (1) ظهر لي من أمر النسك قبل إحرامي ما ظهر لي بعده لأحرمت بعمرة، قال ذلك تطييبًا لقلوب أصحابه وتسكينًا لنفرتهم من إيقاع العمرة في أشهر الحج، وفيه دليل على رد قول من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم متمتعًا ولما أمر أصحابه بالتحلل بعمل العمرة؛ لأنه لم يتحلل أخبرهم بسبب امتناعه وهو سوقه الهدي.
(فمن كان منكم ليس معه هدي فليتحلل) بفتح الياء وكسر اللام الأولى، أي (2): فليتحلل بعمل عمرة (وليجعلها عمرة) بعد فسخه من (3) الحج كما تقدم، ومن كان معه هدي فليستمر على إحرامه حتى ينحر هديه (فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم) هذا مما تقدم أيضًا، وإنما قصروا ولم يحلقوا مع أن الحلق أفضل؛ لأنهم أرادوا أن يبقى شعر يحلق في الحج، فكان التقصير هنا أحسن، ليحصل في النسكين إزالة شعر، والله أعلم، وقوله: فحل الناس كلهم، فيه إطلاق اللفظ العام وإرادة الخصوص؛ لأن عائشة لم تحل ولم تكن ممن ساق الهدي (ومن كان معه هدي) فإنه لم يحل حتى يبلغ الهدي محله.
(فقام سراقة بن مالك بن جعشم) بضم الجيم والعين (4) كما تقدم (فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد؟ ) يعني: هل الحل مخصوص
(1) من (م).
(2)
و (3) سقط من (م).
(4)
في (م): المعنى.
بنا أم هو باقٍ في كل الأعوام إلى الأبد؟ (فشبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه في الأخرى)[ببطن كف إلى كف](1) ليريهم دخول أصابعه بعضها في بعض [(ثم قال](2): دخلت العمرة في الحج) أي: في حق القارن بين الحج والعمرة (هكذا) أي: كدخول هذِه الأصابع في هذِه (3)، والذي حملهم على هذا التأويل أن الأصل وجوب إتمام الحج والعمرة؛ لقوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} (4)(مرتين، لا بل (5) لأبد أبد) [نسخة: بل لأبد أبدًا نفي لكلامه](6)، فيه روايتان حكاهما القاضي وغيره: إحداهما: تنكير الاثنين مع الإضافة. والرواية الثانية: تنكير الأول وتعريف الثاني مع الإضافة أولى، أي (7): إلى آخر الدهر، والأبد: الدهر (قال: وقدم علي بن أبي طالب من اليمن ببدن) بسكون الدال (النبي صلى الله عليه وسلم) تقدم عددها (فوجد فاطمة ممن أحل)[نسخة: حل](8)؛ لأنه لم يكن معها هدي (ولبست ثوبًا صبيغًا) أي: مصبوغًا فعيل بمعنى مفعول كخضيب [بمعنى مخضوب](9)، (واكتحلت) بما فيه زينة (فأنكر علي ذلك عليها) أي: أنكر تحللها؛ لأنه [لم يكن](10) يعلم أنها أحرمت بالحج.
(1) سقط من (م).
(2)
في (م): فقال.
(3)
في (ر): هذا.
(4)
البقرة: 196.
(5)
زاد في (م): للتأكيد.
(6)
و (7) و (8) سقط من (م).
(9)
من (م).
(10)
في (م): كان.
(فقال: من أمرك بهذا) الذي فعلتيه؟ (فقالت) أمرني (أبي، قال: فكان علي يقول بالعراق) لعله قال بعد الرجوع (ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشًا) التحريش: الإغراء والتسليط على الغير ووصف ما يوجب عتاب المنقول عنه ويوشحه (1)، قاله ابن الأثير (2) (على فاطمة) رضي الله عنها (في الأمر الذي صنعته) فاطمة (مستفتيًا) أي: طالبًا فتواه، وفي بعض النسخ: مستثبتًا من الثبوت يقال: استثبت فلانًا في الأمر وثبته بمعنى (لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المعنى (3) الذي ذكرته) [نسخة: ذكرت](4) بإسكان التاء المثناة فوق (عنه، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها) فيه أن الرجل إذا رأى على زوجته [شيئًا ينكره](5) عليها أن يذهب إلى أبيها فيذكره له، وإن كان لها عذر ذكره له وإلا أدبها وردعها.
(فقالت (6): أبي أمرني) [نسخة: إن أبي أمرني](7)(بهذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقت صدقت) هذا من التوكيد اللفظي وهو أن يكرر اللفظة المؤكدة بإعادة لفظه أو تقويته بمرادفة بقصد التقرير في النفس خوفًا من النسيان أو للاعتناء به، وكثيرًا ما تكرر الجملة بعاطف كقوله تعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} (8)،
(1) في (م): يوبخه.
(2)
"النهاية"(حرش).
(3)
في (م): الأمر.
(4)
و (5) سقط من (م).
(6)
في (ر): فقال.
(7)
سقط من (م).
(8)
الانفطار: 17 - 18.
[ويأتي بغير عاطف كقوله تعالى: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} (1)، (ماذا قلت حين فرضت الحج؟ ) فيه استفهام](2) السائل عن كيفية ما نطق به؛ فإن الأحكام تتغير بتغير الألفاظ.
(قال (3): قلت: اللهم إني أهل) بضم الهمزة وكسر الهاء (بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا يدل على أن عليّا لم يكن عنده خبر بما أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتقدم له فيه عهد، وأن عليّا هو الذي ابتدأ إحرامه محالًا به على إحرام النبي من غير تعيين حج ولا عمرة، وأنه صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك، فكان ذلك حجة على جواز الحوالة على إحرام الغير مطلقًا إذا تحقق أنه أحرم ولا بد، وبه قال الشافعي (4). والجمهور (5)، وعند المالكية: لا يصح الإحرام على الإبهام (6)، وهو قول الكوفيين، قال ابن المنذر (7): كأنه مذهب البخاري؛ لأنه أشار بالترجمة في قوله: باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلال [النبي صلى الله عليه وسلم](8) إلى أن ذلك خاص بذلك الزمن؛ لأن عليّا وأبا موسى لم يكن عندهما أصل يرجعان إليه في كيفية الإحرام فأحالاه على النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الآن فقد استقرت الأحكام، وعرفت مراتب الأحكام (9)، ولا يصح ذلك، والله أعلم.
(1) الطارق: 17.
(2)
سقط من (ر).
(3)
في (م): قالت.
(4)
"الأم": 3/ 313.
(5)
من (ر).
(6)
انظر "الفواكه الدواني" 2/ 231.
(7)
في (م): المنير.
(8)
سقط من (ر).
(9)
في (م): الإحرام.
وقد يستدل بهذا [الحديث على ما قاله أصحابنا](1) في باب صلاة المسافر بما لو اقتدى المسافر بمن علمه أو ظنه مسافر ولم يعرف نيته، فإن علق على نيته فنوى إن قصر قصرت وإن أتم أتممت، والأصح جواز التعليق (2)، ولم (3) يلحق بهذا ما لو اقتدى متطوع في صلاة لا تتعلق بسبب ولا وقت بمن علمه أو ظنه كذلك ولم يدر العدد الذي نواه، أو علم أنه نوى ركعتين ولم يدر هل هو في الأولى أو الثانية، فالظاهر أن له أن يعلق صلاته بصلاته في عدد ما يصلي به، ويتصور هذا كثيرًا في التراويح والمحيا في رمضان، ولم أره منقولًا، وفي الحديث دليل على أن [لفظه الذي] (4) يتقدم على النية في العبادات كالصلاة وغيرها فيقول مثلًا: اللهم إني أصلي فرض الصبح ركعتين لله تعالى.
(قال) يعني: النبي صلى الله عليه وسلم[لعلي رضي الله عنه](5): (فإن معي) يجوز في الياء الفتح والسكون (الهدي) بالنصب اسم إن ومعي خبره مقدم، (فلا تحلل) بفتح التاء وكسر اللام الأولى أي: من إحرامك، حتى يبلغ الهدي محله.
فإن قيل: إن عليّا وأبا موسى كليهما علقا (6) الإهلال بإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما الفرق بينهما حيث (7) أمر عليّا أن لا يحل وأن يدوم على
(1) في (م): أصحابنا على ما قاله.
(2)
"المجموع" 4/ 356.
(3)
في (م): قد.
(4)
في (م): لفظة اللهم.
(5)
من (ر).
(6)
في (م): عقلا.
(7)
في (م): حين.
إحرامه، وأمر أبا موسى بفسخه إلى العمرة؟ فالجواب: أن عليّا كان معه الهدي كما كان مع النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي، ولم يكن مع أبي موسى هدي، فجعل حكمه حكم من لم يكن معه الهدي وهو المتمتع (1) (فكان جماعة الهدي) أي: جميع الهدي (الذي قدم به [علي من اليمن، والذي قدم به النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة) النبوية] (2)(مائة) كما تقدم (فحل الناس كلهم) تقدم أن هذا من ذكر العام المراد به الخصوص (وقصروا؛ إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي) كما تقدم (فلما كان) هي التامة، أي وجد (يوم التروية) وهو الثامن من ذي الحجة، كما تقدم مرات: أنهم كانوا يتروون من الماء لقلة الماء، وأما الآن فقد كثرت المياه جدّا واستغنوا عن حمل المياه (وجهوا) رواية مسلم: توجهوا بزيادة التاء قبل الواو (إلى منى) فيه التذكير والتأنيث، واقتصر الجوهري: على التذكير والصرف (3).
قال الفراء: والأغلب غلب (4) التذكير (5)، واقتصر ابن قتيبة: على التأنيث وعدم الصرف، وجزم الحازمي: بتشديد النون.
وسميت بذلك لما يمنى فيها من الدماء أي يصب ويراق، وقيل: لما أراد مفارقة جبريل قال له: تمن، قال: أتمن الحجة، رواه الأزرقي وغيره، وقيل: لأن الله منَّ فيها على إبراهيم بأن فدى ابنه بكبش،
(1) في (م): التمتع.
(2)
في هذِه العبارة تقديم وتأخير في (م).
(3)
"الصحاح"(منا).
(4)
سقط من (ر).
(5)
"معجم ما استعجم" 4/ 118.
حكاه الماوردي (1) قيل: من مكة إلى منى ثلاثة أميال، وهو فرسخ عند الجمهور، وقال الرافعي: فرسخان (2). وذرع [من منى] من جمرة العقبة (3) إلى وادي محسر سبعة آلاف ومائتا ذراع، وهذا التوجه المذكور في الحديث يكون بعد صلاة الصبح بحيث يوافون الظهر بمنى على الصحيح.
(وأهلوا) أي: أحرموا من مكة (بالحج) قبل أن يتوجهوا إلى منى، قال الماوردي: إلا الإمام إذا كان بمكة فإنه يستحب له أن يحرم يوم السابع ويصعد المنبر محرمًا (4)، واستغرب في "شرح المهذب" هذا الاستثناء (5)، ويستثنى أيضًا المتمتع الذي لا يجد الهدي ويريد الصوم فيتعجل الإهلال ليصوم ثلاثة أيام بعد أن يحرم.
(فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال النووي: فيه بيان سن الركوب في تلك المواطن أفضل من المشي، كما أنه في جملة الطريق أفضل من المشي، هذا هو الصحيح في الصورتين:[أن الركوب أفضل، وللشافعي قول ضعيف](6): أن المشي أفضل، وقال بعض أصحابنا: الأفضل في جملة الحج الركوب؛ إلا في مواطن المناسك وهي: مكة ومنى ومزدلفة وعرفات والتردد بينهما (7)، ويرجح المشي في التردد ما رواه
(1)"الحاوي الكبير" 4/ 183.
(2)
"الشرح الكبير" 3/ 415.
(3)
من (م).
(4)
"الحاوي الكبير" 4/ 167.
(5)
"المجموع" 8/ 82.
(6)
سقط من (ر).
(7)
"شرح النووي" 8/ 180.
البيهقي عن مجاهد: أن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام حجّا ماشيين، وروي أيضًا: أن الحسن بن علي رضي الله عنهما حج خمسة وعشرين حجة ماشيًا، وإن النجائب لتقاد معه، وروى البيهقي أيضًا بسنده إلى عيسى بن سوادة، عن إسماعيل بن خالد بن (1) زاذان، قال: مرض ابن عباس فجمع إليه بنيه وأهله فقال لهم: يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حج من مكة ماشيًا حتى يرجع إليها كتب له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم"، قال بعضهم: وما حسنات الحرم؟ قال: "كل حسنة بمائة ألف حسنة"، قال البيهقي: تفرد به عيسى (2) بن سوادة، وهو مجهول؛ لكن رواه الحاكم من الوجه الذي رواه البيهقي وصحح إسناده، وروى الطبراني في معجمه بسنده إلى ابن عباس أنه قال لبنيه: يا بني اخرجوا من مكة حاجين ماشين، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن للحاج الراكب بكل خطوة تخطو راحلته سبعين حسنة، وللماشي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة".
قلت: رجال (3) إسناده ثقات، ويستحب أن يسيروا ذاكرين الله ملبين، كما قال الماوردي في "الأحكام السلطانية": أن يسيروا على طريق ضب (4)، بضاد معجمة وباء مشددة، قال الزمخشري: وهو اسم الجبل الذي في أصله مسجد الخيف (5)، وهو طريق موسى بن
(1) في (م): عن.
(2)
سقط من (م).
(3)
من (م).
(4)
"الأحكام السلطانية" ص 142.
(5)
"الجبال والأمكنة والمياه" باب ما في أوله الضاد (ضب).
عمران، قاله: الأزرقي، ورجعوا على طريق المأزمين [اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم قال الأزرقي في طريق ضب: طريق مختصر من المزدلفة إلى عرفة وهو في أصل المأزمين] (1) عن يمينك وأنت ذاهب إلى عرفة (2).
قال الشيخ محب الدين الطبري: عن يسار الطريق يعني: للذاهب إلى منى من مكة دون جمرة العقبة شعب فيه مسجد على نشز من الأرض مشهور عند أهل مكة أنه مسجد البيعة [فتكون النسبة إلي العقبة](3) لقربه منها أو يكون المراد بالعقبة النشز الذي عليه المسجد، ورجح الطبري ذلك بما وقع من الألفاظ في حديث بيعة العقبة، فمنها قولهم: فواعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوافيهم أسفل العقبة، ومنها قولهم: حتى اجتمعوا في الشعب عند العقبة، ومنها ما أتصفوا به من الاستخفاء بأمرهم، وكذلك اجتمعوا في الشعب، قال: وليس هناك موضع يناسب هذِه الألفاظ إلا ذلك الموضع فإنه صالح للاختفاء، وهو شعب فيه عقبه بني عليها مسجد فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، أي: يوم عرفة أي: يسن كما قال الشافعية إذا وصلوا إلى منى أن يصلوا الخمس بها (4).
كما روى ابن خزيمة والحاكم من طريق القاسم بن محمد، عن عبد الله بن الزبير قال: من سنة الحج أن يصلي الإمام الظهر وما
(1) من (م).
(2)
"أخبار مكة" للأزرقي 2/ 186.
(3)
من (م).
(4)
"المجموع" 8/ 79. بمعناه.
بعدها والفجر بمنى ثم [بعده يزول إلى](1) عرفة، وعند الحنفية أن الإقامة بها بعد الزوال أدب، وأنه يستحب النزول بها عند مسجد الخيف (2).
وفي الشائع (3) أنه يصلي بها الفجر بغلس، وحكى النووي عن الأزرقي وأصحابنا: أن حد (4) منى ما بين جمرة العقبة ووادي محسر، وليست الجمرة ولا وادي محسر من منى (5). وكيف الجمرة خارج منى، وقد اتفق الشافعية [على أن من](6) رمى منى تحية منى (7)، وقال محب الدين الطبري الشافعي: أن العقبة من منى، ومنى (8) من الحرم بلا خلاف، وما أقبل من الجبال على منى فهو منها، وما أدبر فليس منها، قال: كان عطاء يقول: كان منزل النبي صلى الله عليه وسلم من منى بالخيف، قال القرطبي: وإنما ذكر الصلوات الخمس ليعلم الوقت الذي وصل فيه إلى منى، والوقت الذي خرج فيه [من منى](9) إلى عرفة، ولذلك قال مالك: استحباب دخوله منى وخروجه منها؛ في هذين الوقتين المذكورين (10)، وإذا صلى الخمس فليصلها مع الإمام
(1) في (م): بعد الزوال.
(2)
انظر "البحر الرائق" 2/ 361، و"اللباب في شرح الكتاب" 1/ 91.
(3)
في (ر): السابع.
(4)
من (م).
(5)
"المجموع" 8/ 130.
(6)
في (م): أن.
(7)
انظر: "المجموع" 8/ 160.
(8)
من (م).
(9)
من (م).
(10)
"المفهم" 3/ 331.
فيصلي الظهر والعصر جمعًا، والمغرب والعشاء جمعًا، وإذا جمع الظهر والعصر فيسر فيهما بالقراءة خلافًا لأبي حنيفة، وحجة الشافعي أن الأصل الإسرار، ولم ينقل خلافه (1).
وهذا الجمع هل (2) هو سنة النسك أم السفر؟ وجهان (3) أصحهما الثاني، وينبني عليهما جوازه للمقيم، وأما القصر فلا يجوز إلا للمسافر بلا خلاف، قال الشافعي: وإذا خرج الحجاج يوم التروية ونووا (4) الذهاب إلى أوطانهم عند فراغ نسكهم كان لهم القصر من حين خروجهم (5)(ثم مكث) أي: بعد صلاة الصبح (قليلًا) ويعلم من قوله: فصلى بمنى العشاء والصبح، أنه بات بها ليلة التاسع (6) من ذي الحجة، وهذا المبيت سنة ليس بركن ولا واجب، فلو تركه فلا دم عليه بالإجماع (حتى طلعت الشمس) أي: على ثبير بفتح الثاء المثلثة وكسر الباء الموحدة، وهو جبل عظيم بالمزدلفة على يمين الذاهب إلى منى (7)، والأصح: أنه جبل بقرب مكة، قال المحب الطبري: إنه (8) مشرف على منى من جمرة العقبة إلى بلقاء مسجد الخيف
(1)"المبسوط" 4/ 62، ولكن وردت روايتان لأبي حنيفة مرة جعلها كالجمعة ومرة كالظهر والعصر، وانظر:"الأم" 2/ 327، و"المجموع" 8/ 87.
(2)
من (م).
(3)
من (م).
(4)
في (ر): يوم.
(5)
"المجموع" 8/ 88.
(6)
من (م).
(7)
في (م): عرفة.
(8)
في (م): هو جبل.
ويساره قليلًا على يسار الذاهب إلى عرفة.
(وأمر بقبة) أي: على هيئة قبة البناء (له) أي: لأجله (من شعر فضربت بنمرة) بفتح النون [وكسر الميم](1) وجوز إسكان الميم مع فتح النون وكسرها، كما في غيرها [وبفتح الميم وكسر الميم](2) عند الجبل الذي عليه أنصاب الحرم عن يمين الخارج من مأزمي (3) عرفات يريد الموقف، قال الماوردي: هي عند الصخرة الساقطة بأصل الجبل على يمين الذاهب إلى عرفات (4)، وتحت جبل نمرة غار أربعة أذرع أو خمسة أذرع، ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزله يوم عرفة حتى يروح إلى الموقف، قاله الأزرقي، ويروى: أن جبريل أنزل إبراهيم عليه السلام بنمرة حين حج به وعرفه المناسك.
(فسار رسول الله) إلى نمرة (ولا تشك قريش في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واقف عند المشعر الحرام) وهو جبل بالمزدلفة يقال له: قزح بضم القاف وفتح الزاي، غير منصرف للعلمية والعدل [عن قازح](5)، وقيل: إن المشعر الحرام كله المزدلفة، والمشعر بفتح الميم وبه جاء القرآن، وقيل بكسرها (بالمزدلفة) يحتمل أن تكون الباء بمعنى في كقوله تعالى:{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} ، وعلى هذا فيه دليل على أن
(1) سقط من (م).
(2)
من (م).
(3)
من (م).
(4)
"الحاوي الكبير" 4/ 168.
(5)
سقط من (م).
المشعر في المزدلفة فهي بعضها لا كلها، وذكر المزدلفة ليس في "صحيح مسلم"(كما كانت) الحمس من (قريش تصنع في الجاهلية) قبل الإسلام من وقوفها بالمشعر الحرام بدل وقوف الناس بعرفة، ويقولون: نحن أهل الحرم ولا نخرج منه إلى الحل.
(فأجاز) أي: جاوز (رسول الله صلى الله عليه وسلم المزدلفة حتى أتى عرفة) كما كانت غير (1) قريش من سائر العرب يتجاوزون المزدلفة إلى عرفات امتثالًا لأمر الله تعالى في قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} (2) أي: سائر العرب غير قريش، وقال الضحاك (3): كما أفاض الناس أي: إبراهيم عليه السلام، والمراد بالناس في الآية إبراهيم كما قال تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} (4) والمراد واحد وهو نعيم بن مسعود الأشجعي، فهو عام بمعنى الخاص كقوله تعالى:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} (5) يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم، وظنت قريش أن محمد صلى الله عليه وسلم يقف في المشعر الحرام على عادتهم ولا يتجاوز فخالفهم وتجاوز إلى عرفة، وكان وقوفهم بالمزدلفة من جملة ما ابتدعت، وغيرت من شريعة إبراهيم عليه السلام وسنته في الحج.
(فوجد القبة قد ضربت له) قبل أن يأتي (بنمرة) وهو موضع بعرفة،
(1) من (م).
(2)
البقرة: 199.
(3)
رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 354 (1861).
(4)
آل عمران: 173.
(5)
النساء: 54.
وفيه دليل على جواز استظلال المحرم في القباب لقوله (فنزلها) أي: في القبة، وكذا الأخبية، قال القرطبي: ولا خلاف فيه، أي: للنازل، واختلفوا في جوازه للراكب، فمذهب الشافعي: جوازه، وبه قال كثيرون (1). وكرهه مالك وأحمد بن حنبل وأهل المدينة، وعليه عند مالك الفدية إذا (2) انتفع به، وكذلك الاستظلال عنده في حال سيره (3) وستأتي المسألة، وفيه جواز اتخاذ القباب سواء كانت من شعر، أو صوف، أو قطن، وفيه جواز اتخاذها للرجال والنساء واستصحابها للحاج والغازي؛ لما جاء في فضل (4) ظل الفسطاط للمجاهد، وكذا المسافر عند الحاجة إليها، [ويستحب لكل ذي قبة أو خيمة أن يضربها بنمرة وأن يغتسل بها للوقوف](5).
(حتى إذا زاغت) أي: مالت (الشمس) عن حد الاعتدال لجهة الغرب، والمراد به وقت الزوال من يوم عرفة (أمر بالقصواء) بفتح القاف وسكون الصاد المهملة، والمد، يعني: ناقته كما تقدم، (فرحلت) بضم الراء وكسر الحاء المهملة المخففة، أي: وضع عليها الرحل له، فيه دليل على أن العالم والكبير يأمر من يدل عليه بخدمته (فركب) عليها وسار (حتى أتى بطن الوادي) يعني: وادي عرنة بضم العين المهملة، وفتح الراء بعدها نون، المعروف، والبطن هو
(1)"المجموع" 7/ 351، و"الحاوي الكبير" 4/ 128.
(2)
في (م): إذ لا.
(3)
"المفهم" 3/ 331، و"الاستذكار" 11/ 47، و"المغني" 5/ 129.
(4)
من (م).
(5)
سقط من (م).
المنخفض من الأرض. قال المحب الطبري: والمتعارف عند أهل مكة وتلك الأمكنة مسجد عرفة بالفاء، وليس هذا المسجد من عرفات كما نص عليه الشافعي، وبه قطع جمهور العراقيين كما قال النووي، وذهب جماعة من الخراسانيين منهم الرافعي إلى أن مقدم هذا المسجد في طرف وادي عرنة لا في عرفات، وآخره من عرفات، ويميز بينهما بصخرات كبار فرشت هناك (1) وهو تفهم نسبة المسجد إلى إبراهيم الخليل عليه السلام، وتبعه النووي في "الروضة"(2)، وزاد عليه فقال: مسجد إبراهيم صلى الله عليه وسلم، قال ابن جماعة في "منسكه": وليس لذلك أصل.
(فخطب الناس) أي: بمسجد إبراهيم بعد الزوال وقبل الأذان تأسيّا به صلى الله عليه وسلم (3)، كما رواه الشافعي من حديث جابر الطويل (4)، ويستحب أن يأخذ المؤذن في الأذان مع شروع الإمام في الخطبة الثانية، وأن يخفف هذِه الخطبة بحيث يفرغ منها مع فراغ المؤذن [من الأذان (5)](6)، وقيل: مع فراغه من الإقامة، ولا نظر (7) إلى تصحيح النووي في الروضة الثاني (8)، بل الصحيح ما صححه في "شرح
(1)"المجموع" 8/ 108.
(2)
"روضة الطالبين" 3/ 96.
(3)
أي: إبراهيم عليه السلام.
(4)
رواه الشافعي في "مسنده" 1/ 352 (911)، و"الأم" 2/ 190.
(5)
"المجموع" 8/ 86.
(6)
سقط من (م).
(7)
في (م): التفات.
(8)
سقط من (م).
المهذب" (1) وصححه الرافعي في "الشرح الصغير"، ولم يصحح في الكبير شيئًا (فقال) في خطبته (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) أي: متأكدة [الحرمة و](2) التحريم شديدته (3).
فإن قلت: من المعلوم [فيه حذف مضاف تقديره: فإن سفك دماءكم وغصب أموالكم، وكذا نكر أعراضكم أن](4) أموالنا ليست حرامًا علينا.
فالجواب: أن (5) العقل مبين للمقصود؛ وهو أن أموال كل واحد منكم حرام على غيره، وذلك عند فقدان شيء من أسباب الحل، ويؤيده ما جاء في رواية: وهو "بينكم" بدل (عليكم) وفي رواية للبخاري ذكرها في كتاب العلم: "وأعراضكم عليكم حرام". [وقيل: فيه حذف مضاف تقديره فإن سفك دمائكم وغصب أموالكم وكذا سلب أعراضكم عليكم](6)(كحرمة يومكم هذا) يوم النحر (في شهركم هذا في بلدكم هذا) فيه دليل لضرب الأمثال وإلحاق النظير بالنظير قياسًا (ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية) سموا بذلك لكثرة جهالاتهم (تحت قدمي) بفتح الميم وتشديد الياء مثنى، إشارة إلى احتقاره وإبطاله (موضوع) فيه إبطال أفعال الجاهلية وبيوعها التي [يفضل فيها](7) قبض، وكذا ما أحدثوه من الشرائع التي شرعوها في الحج وغيره، كما تقدم من الوقوف بالمشعر الحرام، وهذا كقوله عليه السلام: "من
(1)"المجموع" 8/ 86.
(2)
سقط من (م).
(3)
في (ر): شدته.
(4)
و (5) سقط من (م).
(6)
من (م).
(7)
في (م): لم يتصل بها.
أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد" (1).
(ودماء) جمع دم (الجاهلية موضوعة) أي: لا قصاص في قتلها ولا دية (وأول دم أضعه) جملة أضعه فعلية في موضع جر صفة لدم (دماؤنا) بالرفع خبر المبتدأ، فيه أن الإمام وغيره ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ينبغي له أن يبدأ بنفسه وأهله، فهو أقرب إلى قبول قوله وإلى طيب نفس سامعه، لا سيما من قرب عهده بالإسلام.
(وقال عثمان) بن أبي شيبة: (دم) إياس (بن ربيعة) بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي (وقال سليمان) بن عبد الرحمن (دم ربيعة) بإسقاط ابن (بن الحارث بن عبد المطلب) قال النووي والصواب ابن ربيعة؛ لأن ربيعة عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتأول هذِه الرواية الثانية أبو عبيد فقال: دم ربيعة؛ لأنه ولي الدم فنسب إليه (2)، قالوا (3): وكان هذا الابن المقتول طفلًا صغيرًا يحبو بين البيوت فأصابه حجر في حرب كان بين بني سعد وبني ليث بن بكر، قاله الزبير بن بكار (4)، وإلى هذا أشار بقوله:(وكان) يعني: الابن المقتول (مسترضعًا) بفتح الضاد أي: رضيعًا؛ فإن مستفعل (5) يأتي بمعنى فعل كقولك: قر واستقر (في بني سعد) أي: له فيهم من يرضعه، والذي استرضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم هم بنو سعد بن بكر
(1) رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718/ 17).
(2)
"غريب الحديث" للقاسم بن سلام 1/ 289.
(3)
من (م).
(4)
"شرح النووي" 8/ 183.
(5)
في (م): استفعل.
(فقتلته (1) هذيل) حي من مضر.
(وربا)(2) مقصور (الجاهلية موضوع) كله أي: الزائد عن (3) رأس المال، وهذا إيضاح وإلا فالمقصود مفهوم من نفس الحديث؛ لأن الربا هو الزيادة والكثرة لغة، فإذا وضع الربا فمعناه وضع الزيادة، والمراد بالوضع الرد والإبطال، ثم إنهم كانت لهم بيوعات يسمونها بيع الربا (4)، منها أنهم كانوا إذا حل الأجل الذي للدين يقول الغريم لرب الدين: أنظرني وأزيدك، فينظره إلى وقت آخر على زيادة مقدرة، فإذا حل ذلك الوقت الآخر قال له أيضًا: كذلك، وربما يؤدي (5) ذلك إلى استئصال مال الغريم في قدر يسير، فأبطل الله ذلك وحرمه وتوعد عليه، فوعظهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالغ في ذلك، فبدأ من (6) ذلك بما يتعلق بنفسه فقال (وأول ربا أضعه) من ذلك (ربانا) ثم فسره فقال:(ربا عباس بن عبد المطلب) لخصوصيته بالنبي صلى الله عليه وسلم ليقتدي به الناس قولًا وفعلًا فيضعون عن غرمائهم ما كان من ذلك (7). ثم أكد ذلك بقوله (فإنه موضوع) أي: عن من هو عليه (كله) لا يطلب شيء منه.
(اتقوا الله في النساء) فيه الحث على مراعاة حق النساء والوصية بهن وحسن معاشرتهن بالمعروف، ويدخل في عموم هذا كل معاشر زوجًا كان أو وَليّا، لكن سياق ما بعده والأمر في الأغلب للأزواج في توفية
(1) في (ر): فقتله.
(2)
في (م): دما.
(3)
في (م): على.
(4)
سقط من (م).
(5)
في (م): أدى.
(6)
في (م): في.
(7)
زاد بعدها في (ر): بقوله فإنه.
حقوقهن من المهر والنفقة وأن لا يعبس في وجوههن من غير ذنب، وأن يلين القول لهن (فإنكم أخذتموهن) وملكتم الانتفاع بهن (بأمانة الله) التي ائتمنكم عليهن، فيجب عليكم حق الأمانة وصيانتها والقيام بمصالحها الدنيوية والدينية (واستحللتم فروجهن) يدخل في عموم الحل القبل والدبر، إلا أن يخرج الدبر بدليل آخر، فإن أصحابنا قالوا: يطلق الفرج على القبل والدبر من الرجل والمرأة (بكلمة الله) قيل: هي قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (1)، وقيل: المراد كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ إذ لا تحل مسلمة لغير مسلم.
وقيل: المراد بإباحة الله والكلمة قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (2)، قال النووي: وهذا التأويل (3) هو الصحيح، وبالأول قال الخطابي والهروي وغيرهما، وقيل: المراد بالكلمة الإيجاب والقبول، ومعناه على هذا: بالكلمة التي أراد (4) الله بها (5).
قال القرطبي: وأشبه هذِه الأقوال أنها عبارة عن حكم الله بحلِّيَّة النكاح وجوازه وبيان شروطه، فإن حكم الله كلامه المتوجه للمحكوم عليه على جهة الاقتضاء والتخيير (6).
(1) البقرة: 229.
(2)
النساء: 3.
(3)
في "م، وشرح النووي": الثالث.
(4)
في (م): أمر.
(5)
"شرح النووي" 8/ 183.
(6)
"المفهم" 3/ 334.
(وإن لكم) واجبًا (عليهن أن لا يوطئن) بهمزة قبل النون أي (1): لا يدخلن (2) منازلكم (فرشكم) بضم الفاء (3) والراء (4) جمع فراش (أحدًا تكرهونه) أي: تكرهون دخوله، ويحتمل أن يراد من يكرهه الزوج وإن كان يرضى دخوله إليهن لكونه محرمًا لهن كالأب ونحوه، قال المازري (5): المراد أن لا يستخلين بالرجال، ولم يرد زناها؛ لأن ذلك يوجب حدها وهو حرام مع من يكرهه الزوج ومن لا يكرهه (6)،
وقال القاضي عياض: كانت عادة العرب حديث الرجال مع النساء، ولم يكن ذلك (7) عيبًا ولا ريبة عندهم، فلما نزلت آية الحجاب نهوا عن ذلك (8)، واختار النووي أن معناه: لا يأذنَّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم، والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجل أو امرأة أجنبية أو قريبة (9) أو أحد من محارم الزوجة، فالنهي يتناول جميع ذلك، وكذلك عند الفقهاء لا تأذن في دخول منزل الزوج إلا لمن (10) علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه؛ لأن الأصل تحريم دخول منزل
(1) في (م): أن.
(2)
في (ر): يدخل.
(3)
في (م): الراء.
(4)
في الأصول: والشين، والمثبت هو الصحيح.
(5)
في (ر): الماوردي.
(6)
"المعلم بفوائد مسلم" للمازري 1/ 344.
(7)
سقط من (م).
(8)
"إكمال المعلم" 4/ 277.
(9)
في (م): بعيدة.
(10)
في (ر) و"شرح النووي": من.
الإنسان حتى يوجد الإذن في ذلك، فإن حصل الشك في الرضى ولم توجد قرينة فلا يحل الدخول ولا الإذن (1).
(فإن فعلن فاضربوهن ضربًا غير مبرح) بضم الميم وفتح الموحدة وكسر الراء المشددة، والمبرح الشديد الشاق، ومعناه: اضربوهن تأديبًا ضربًا ليس بشديد ولا شاق، والبرح المشقة، وفيه تأديب الرجل زوجته على وجه الرفق، قال عطاء: قلت لابن عباس: ما الضرب [غير](2) المبرح؟ قال: بالسواك ونحوه، ويشترط في الضرب أن يظن أن الضرب يصلحها ولا [ينجعها غيره](3) وإلا فلا، وكلام الإمام يصرح (4) به (5)، وليس لنا موضع يضرب المستحق من منعه حقه (6) غير هذا، والعبد يمنع من حق سيده. ووجه استثنائهما أن الحاجة ماسة إلى ذلك لتعذر إتيانه (7) مع أنه لا اطلاع لأحد عليه، قاله ابن عبد السلام في "القواعد" (8) (ولهن عليكم) واجب (رزقهن) يعني: نفقتهن (وكسوتهن) فيه وجوب نفقة الزوجة (9) وكسوتها وهو واجب (10)
(1)"شرح النووي" 8/ 183 - 184.
(2)
سقطت من النسخ، والمثبت من "تفسير الطبري" 8/ 314، وهو الصواب.
(3)
في (م): ينجع سواه.
(4)
في (م): مصرح.
(5)
"نهاية المطلب" 13/ 278.
(6)
من (م).
(7)
في (م): إثباته.
(8)
"قواعد الأحكام" 2/ 197.
(9)
زاد في (ر) ونفقتها.
(10)
في (م): ثابت.
بالإجماع (بالمعروف) أي: بما يعرف من حاله وحالها، وهو حجة لمالك حيث يقول: إن النفقات على الأزواج غير مقدرات، وإنما ذلك بالنظر إلى أحوالهم وأحوالهن (1).
(وإني قد تركت فيكم) أي: بعدي (ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم) أي إن امتنعتم به حين علمتم (2) به وتبعتموه لن تضلوا بعده أبدًا، قال تعالى:{فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} (3)، ونظيره حديث:"إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي"(4) وكل نفيس ثقل، فقد سماهما ثقلين إعظامًا لقدرهما (كتاب الله) بالنصب بدل من ما بيان لما يعتصم به وهو القرآن الذي هو حبل الله كما قال تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} (5)، وفي رواية الحاكم:"إن هذا القرآن حبل الله عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه"(6)(وأنتم مسؤولون عني) أي: عن (7) تبليغي (فما أنتم قائلون؟ ) إذا سُئلتم (قالوا: نشهد أنك قد بلغت) الرسالة وأديت (8) الأمانة (ونصحت) الأمة.
(ثم قال بأصبعه السبابة) أي: مشيرًا بها (يرفعها إلى السماء) أما إشارته إلى السماء فلأنها قبلة الدعاء، أو لعلو الله تعالى المعنوي؛
(1) انظر "المدونة" 2/ 180.
(2)
في (ر): عملتم.
(3)
طه: 123.
(4)
رواه أحمد في "مسنده" 17/ 211، والطبراني في "الأوسط" 4/ 33.
(5)
آل عمران: 103.
(6)
"المستدرك" 1/ 554.
(7)
و (8) من (م).
لأن الله تعالى لا يحويه مكان ولا يختص بجهة، وقد بين ذلك بقوله تعالى:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (1)(وينكتها)[قال المنذري: بالباء الموحدة وهو الصواب، والرواية بالمثناة، وهو الرواية، وفيه بعد](2)(إلى الأرض) قال القرطبي: روايتي في هذِه اللفظة وتقييدي على من أعتمده من الأئمة بضم الياء وفتح النون وكسر الكاف مشددة وضم الباء الموحدة [وروي ينكبها بتخفيف](3) الباء، ساكنة النون وبضم الكاف (4). قال القاضي عياض: رويناه في "سنن أبي داود" بالتاء المثناة (5)، من طريق ابن الأعرابي أي: مع إسكان النون بعد الياء المفتوحة، وضم الكاف المخففة، قال: وبالموحدة من طريق التمار، أي: كما تقدم عن القرطبي، ومعنى: الباء الموحدة يعدلها ويعطفها (6)(إلى الناس) وعلى رواية الموحدة يقلبها، وعلى رواية المثناة كذلك أي: يقلبها ويردها، ومنه نكت كنانته أي: قلبها، وقال:(اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد) قال ذلك؛ لأنه كان فرضًا عليه أن يبلغ ما
(1) الحديد: 4.
(2)
سقط من (م).
(3)
في (ر): ورويت ينكتها مخففة.
(4)
"المفهم" 3/ 355.
(5)
قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" 4/ 277 - 278: بنصه: قوله بإصبعه السبابة ينكتها إلى الناس: "اللهم اشهد" كذا الرواية بالتاء باثنتين من فوقها وهو بعيد المعنى قيل: صوابه: "ينكبها" بباء واحدة، وكذا رويناه عن شيخنا الوليد هشام بن أحمد من طريق ابن الأعرابي عن أبي داود في تصنيفه بالباء بواحدة، وبالتاء اثنتين من طريق أبي بكر النجار عنه. ." وهذا ظاهره خلاف ما في "شرح النووي" 8/ 148.
(6)
في (ر): يقطفها.
أوحي إليه فأشهد الله عليه أنه أدى ما وجب عليه وكرر عليهم ذلك ليكون أبلغ ليسمع الحاضر ويبلغ الغائب، وكان صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا، لتفهم عنه ويبلغ إلى الغائب لتقوم حجة الله على عباده (ثم أذن بلال) استدل به مالك في أحد أقواله على أن الأذان بعد كمال الخطبة، فإنه روي عنه: أنه يؤذن بعد تمام الخطبة، فيجلس الإمام على المنبر ويؤذن المؤذن، وروي عنه: كمذهب الشافعي أنه يؤذن مع شروع (1) الإمام في الخطبة الثانية، بحيث يفرغ الإمام مع فراغ المؤذن، وقال أبو ثور: يؤذن المؤذنون والإمام (2) على المنبر قبل الخطبة كالجمعة، وروي مثله عن مالك (3).
(ثم أقام فصلى الظهر) فيه دليل على استحباب الإقامة للصلاة المجموعة (ثم أقام فصلى العصر) فيه دليل على أن الجمع بين الصلاتين يكتفي فيهما بأذان واحد للصلاتين، وعلى أن كل صلاة منهما لا بد لها من إقامة، وهذا مذهب أحمد (4) وابن الماجشون والطحاوي (5)، وقال مالك: يؤذن ويقيم لكل صلاة، قياسًا على سائر الصلوات (6)، وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أذان واحد وإقامة واحدة، والجمع بعرفة والمزدلفة كذلك (7) (لم يصل بينهما شيئًا) أي:
(1) في (م): شروط.
(2)
سقط من (م).
(3)
"الاستذكار" 13/ 136 - 137.
(4)
"مسائل الكوسج" 1/ 533 (م 1422)، وانظر:"المغني" 2/ 77 - 78.
(5)
"شرح معاني الآثار" 2/ 214.
(6)
"المدونة" 1/ 429.
(7)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 152.
لم يدخل بينهما صلاة أخرى، لا نفلًا ولا غيره، وبهذا قال الشافعي ومالك وغيره، وقال ابن حبيب: يجوز أن يفصل بينهما (1)، وكما أنه لا يفصل بينهما [بصلاة لا يفصل بينهما](2) بسكوت طويل، فإن طال الفصل بينهما ولو بعذر كالسهو والإغماء وجب تأخير الثانية [إلى وقتها](3)، ولا يضر فصل يسير؛ لأنه صلى الله عليه وسلم (أقام) بينهما ويعرف طوله بالعرف، وعن جماعة من أصحابنا: أن اليسير يقدر بالإقامة، وضبطه [القاضي حسين](4) بقدر ما يتخلل بين الإيجاب والقبول [وبين الخطبتين](5).
(ثم ركب القصواء) بالفتح والمد كما تقدم مرات، فيه دليل على أنه إذا فرغ من الصلاتين ذهب (حتى أتى (6) الموقف) في عرفة (فجعل بطن ناقته) القصواء إلى الصخرات الكبار المفروشة في طرق الروابي الصغار التي في ذيل الجبل الذي (7) بوسط عرفات، ويسمى جبل الرحمة، قال القرطبي: وجعل بطن ناقته إلى الصخرات، يدل - والله أعلم - أنه على الصخرات ناحية منها، حتى كانت الصخرات تحاذي بطن ناقته (8).
قال ابن جماعة: وقد تحرى والدي موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتهد فيه فقال: إنه الفجوة المستعلية المشرفة على الموقف، وهي من وراء الموقف صاعدًا في الرابية وهي التي عن يمينها ووراءها صخر ثاني
(1)"المفهم" 3/ 336.
(2)
و (3) و (4) و (5) سقط من (م).
(6)
في (م): الذي.
(7)
في (ر): التي.
(8)
"المفهم" 3/ 337.
متصل بصخر الجبل المسمى جبل الرحمة، وهذِه الفجوة بين الجبل المذكور والبناء المرتفع عن يساره وهي إلى (1) الجبل أقرب بقليل بحيث يكون الجبل قبالة الواقف بيمين إذا استقبل القبلة، ويكون طرف الجبل تلقاء وجهه والبناء المرتفع (2) عن يساره بقليل وراءه، ووافقه على ذلك من يعتمد عليه، فإن ظفر بموقف النبي صلى الله عليه وسلم فهو الغاية في الفضل، وإن خفي عليه وقف ما بين الجبل والبناء المرتفع على جميع الصخرات والأماكن بينهما، لعله أن يصادف الموقف الشريف، فإن كان راكبًا خالط الصخرات بدابته بحسب ما يمكنه ما لم يؤذ (3) أحدًا، قصة ما تقدم أن الصخرات ظاهرات.
وفي "الكافي" أنها كانت ظاهرة والآن سترها السيل بالتراب، وفي موقفه عليه السلام شبه المنارة وهو عن يسار جبل الرحمة إذا استقبلت منه مكة انتهى.
قال الزعفراني: والأفضل أن يقف في ظهر الإمام بعرفة، فإن ضاق عليه فعن يمينه مستقبلًا، قال الماوردي: المرأة تخالف الرجل في ثلاثة أشياء، يستحب لها أن تقف نازلة وهو راكب، وأن تجلس وهو قائم، وأن تقف في حاشية الموقف (4)، وهو عند الصخرات السود (5).
قال الأذرعي: وما قاله في وقوفها نازلة، هذا إن لم تكن مستورة في
(1) من (م).
(2)
سقط من (م).
(3)
في (ر): يرد.
(4)
سقط من (م).
(5)
"الحاوي الكبير" 4/ 94.
هودج، فإن كانت فهو أستر لها، قاله في "شرح المهذب"(1) ويرفع يديه في الدعاء ولا يجاوز بهما رأسه.
(وجعل حبل المشاة) بين يديه، وفيه روايتان: حبل المشاة بفتح الحاء المهملة، وإسكان الباء الموحدة، وروي جبل المشاة، بالجيم وفتح الباء، قال القاضي وتبعه النووي: والأول أشبه (2). واقتصر عليه ابن الأثير، قال: والحبل واحد حبال الرمل، وهو ما استطال منه مرتفعًا وضخم واجتمع رمله (3)، وأما بالجيم فمعناه: طريقهم، وحيث يسلك الرجالة، وحكى محب الدين الطبري: ترجيح الجيم؛ فإن الواقف بموقف (4) النبي صلى الله عليه وسلم يكون هذا الجبل يعني الأعلى وزن الهلال بين يديه وهو جبل المشاة، ثم قال: والمشهور بالحاء، وهو طريقهم الذي يسلكونه في الرمل، واحتفالهم بصعود الجبل وإيقادهم (5) الشموع (6) عليه ليلة عرفة حدث بعد انقراض السلف الصالح.
(واستقبل القبلة) أي: من سنة الوقوف استقبال القبلة وكمال الطهارة ويستحب كما قال الشافعية والمالكية: أن يتضحى الواقف للشمس، ولا يستظل إلا (7) لحاجة أو مشقة ظاهرة (8)، وقال الحنفية: لا يستظل
(1) انظر "المجموع" 7/ 67.
(2)
"شرح النووي" 8/ 186.
(3)
"النهاية"(حبل).
(4)
في (م): موقف.
(5)
في (ر): إيرادهم.
(6)
سقط من (م).
(7)
من (م).
(8)
"المجموع" 8/ 117، "مغني المحتاج" 1/ 497، وانظر "منح الجليل" 2/ 306، "مواهب الجليل" 4/ 209.
استحبابًا (1)(فلم يزل واقفًا) يعني: على ظهر ناقته القصواء (حتى غربت الشمس) استدل به الحنفية على أن استدامة الوقوف إلى الغروب واجبة، فلو خرج من عرفة قبل الغروب ولم يعد فعليه دم كدم مجاوزة الميقات (2) بخلاف الشافعية؛ فإن الدم مستحب (3)، وقد يستدل به المالكية على وجوب الجمع بين الليل والنهار (4)، وهو عند الشافعية مستحب.
(وذهبت الصفرة) أي: أواخرها الآنفة (5) للغروب، ووجه الدليل على الجمع بين الليل والنهار من الحديث أن المعلوم أن الوقوف (6) إذا استمر حتى غربت الشمس وذهبت صفرتها لزمت بالضرورة أن يدخل عليه جزء من الليل وهو بأرض عرفة ولو حين خروجه منها (قليلًا) أي: القليلة؛ لأنه منصوب على الحال وتقديره: ذهبت الصفرة في حال كونها أي: كون الصفرة قليلة؛ فإن الحال وصف في المعنى، ففيه دليل على الاحتياط بأخذ جزء من الليل زائد على مغيب الشمس (حين (7) غاب القرص) وفي بعض النسخ: حتى غاب [قال القاضي: صوابه حين، قال النووي: ويحتمل أن الكلام على ظاهره، ويكون قوله حتى غاب](8) القرص بيانًا لقوله (حتى غربت الشمس
(1) في (م): استحسانا.
(2)
"المبسوط" 4/ 64.
(3)
انظر: "المجموع" 8/ 119.
(4)
انظر: "الاستذكار" 13/ 33 - 35.
(5)
في (م): اللاحقة.
(6)
في (م): الوقت.
(7)
في (م): حتى.
(8)
من (م).
وذهبت الصفرة) فإن هذِه قد تطلق مجازًا على مغيب معظم القرص، فإذًا زال ذلك الاحتمال بقوله حتى غاب القرص (1).
(فأردف أسامة) بن زيد (خلفه) فيه الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة، وارتداف أهل الفضل، ويعد ذلك من إكرامهم للرديف لا من سوء أدبه (فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم) من عرفة ليلة العيد، فيه الركوب حال الدفع من عرفة والارتداف (وقد شنق) بفتح الشين المعجمة وتخفيف النون (للقصواء الزمام) أي: ضمه و [عطف عليه](2) بالشدة، كفَّا لها عن السرعة في المشي (حتى) [لانتهاء الغاية كما يقال: مرض حتى] (3)(إن)(4) بكسر الهمزة (رأسها ليصيب مورك) بفتح الميم وكسر الراء (رجله) والمورك هو الموضع إذا أراد الراكب أن يستريح ثنى رجله عليه قدام واسطة الرحل حين يمل من الركوب، وضبطه القاضي بفتح الراء (5)، قال: وهو قطعة أدم يتورك عليها الراكب يجعل في مقدم الرحل شبه المخدة، وفي هذا استحباب الرفق في السير من الراكب بالمشاة وبأصحاب الدواب الضعيفة (6).
(وهو يقول)[نسخة: ويقول](7)(بيده اليمنى) يوضحه رواية
(1)"شرح النووي" 8/ 186.
(2)
في (م): عطفه.
(3)
سقط من (م).
(4)
في (ر): إنه.
(5)
في (م): الواو.
(6)
"شرح النووي" 8/ 186.
(7)
سقط من (م).
البخاري: وأشار بسوطه إليهم (السكينة) منصوب بفعل محذوف على الإغراء تقديره: الزموا السكينة، وهو الرفق والطمأنينة في السير، والمراد عدم المزاحمة (أيها الناس) الزموا (السكينة) هكذا (1) مرتين حثّا على الرفق، وفيه أن السكينة في الدفع من عرفات سنة، فإذا وجد فرجة (2) أسرع كما سيأتي في الحديث.
(كلما أتى حبلًا) بفتح الحاء المهملة وإسكان الموحدة (من الحبال) بكسر المهملة جمع حبل، وهو التل اللطيف من الرمل الضخم (أرخى لها) الزمام (قليلًا حتى تصعد) بفتح التاء المثناة فوق وضمها، يقال: صعد بكسر العين في الجبل وأصعد لغتان، ومنه قوله تعالى:{إِذْ تُصْعِدُونَ} (3).
(حتى أتى المزدلفة) وهي جمع، بفتح الجيم وإسكان الميم لاجتماع الناس بها، أو لجمعهم بين المغرب والعشاء بها، أو لاجتماع آدم وحواء بها (4)، وهي المشعر الحرام كما تقدم، وسميت المزدلفة وأصلها مزتلفة بالتاء أي: مقتربة فأبدلت التاء دالًا مع الزاي كما قلبت في مزدجر ومزدرع، سميت مزدلفة من التزلف والازدلاف (5) وهو التقرب؛ لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا (6) إليها، أي: قربوا ومضوا
(1) في (م): هذا مكرر.
(2)
في (ر): سنة.
(3)
آل عمران: 153.
(4)
سقط من (م).
(5)
في (م): الإرداف.
(6)
في (م): أردفوا.
إليها، قاله الأزهري، وقال ثعلب: لأنها بمنزلة من الله وقربه، ومنه قوله تعالى:{فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً} (1)(2)، وقيل: سميت بذلك لمجيء الناس إليها في زلف من الليل أي: ساعات، واعلم أن المزدلفة كلها من الحرم، قاله الأزرقي والماوردي وغيرهما.
حد المزدلفة ما بين مأزمي عرفة ووادي محسر وليس الحدان منها، ويدخل في المزدلفة جميع تلك الشعاب والجبال الداخلة في الحد المذكور (3)، والمراد بالمأزمين الطريق التي بين الجبلين الفاصلين بين عرفات ومزدلفة، قال النووي: المأزمين ما بين العلمين الذين هما حد الحرم (4). قال ابن جماعة: وهذا الذي قاله غريب، وهو الذي يحمل الحاج (5) على الزحمة بين العلمين، وليس له أصل، والمحب الطبري أبعد منه، وقد قال: هما جبلان بين عرفة ومزدلفة بينهما طريق (6).
(فجمع بين المغرب والعشاء) فيه أن السنة للدافع من عرفات أن يؤخر المغرب إلى وقت العشاء ويكون هذا التأخير بنية (7) الجمع، ثم يجمع بينهما في المزدلفة قبل حط الرحال إن تيسر في وقت العشاء، وهذا مجمع عليه، لكن مذهب أبي حنيفة وطائفة أنه جمع بسبب
(1) الملك: 27.
(2)
"شرح صحيح البخاري" لابن بطال 4/ 353.
(3)
"شرح النووي" 8/ 187، وانظر:"أخبار مكة" للأزرقي 2/ 184 - 185.
(4)
"المجموع" 8/ 132.
(5)
في (م): العوام.
(6)
انظر: "حاشية الجمل" 4/ 770.
(7)
في (م): من.
النسك، ويجوز لأهل مكة ومزدلفة ومنى وغيرهم (1)، والصحيح عند أصحابنا أنه جمع بسبب السفر، ولا يجوز إلا [لمسافر يبلغ سفر](2) القصر وهو مرحلتان، وللشافعي قول ضعيف أنه يجوز الجمع في كل سفر وإن كان قصيرًا، وقال بعض أصحابنا: هذا الجمع بسبب النسك (3)[كقول أبي حنيفة](4)(بأذان واحد وإقامتين) فيه الجمع بين الصلاتين في وقت الثانية بأذان للأولى وإقامتين لكل واحدة منهما إقامة، وبه قال أحمد (5) وعبد الملك الماجشون المالكي والطحاوي الحنفي، وقال مالك: يؤذن ويقيم للأولى ويؤذن ويقيم للثانية (6) وقال أبو يوسف وأبو حنيفة: أذان وإقامة واحدة (7) وقال النووي (8): يصليهما جميعًا بإقامة واحدة (9)(قال عثمان) بن أبي شيبة (ولم يسبح [بينهما شيئًا])(10) أي: لم يصل بينهما شيئًا أي: نافلة والنافلة تسمى سبحة؛ لاشتمالها على التسبيح، وفيه الموالاة بين الصلاتين المجموعتين كما تقدم، والصحيح عندنا أنه سنة مستحبة لا شرط،
(1)"البحر الرائق" 2/ 366.
(2)
في (م): للمسافر سفرا يبلغ مسافة.
(3)
انظر: "المجموع" 8/ 87 - 88.
(4)
من (م).
(5)
انظر: "المغني" 2/ 77 - 78.
(6)
"المدونة" 1/ 429.
(7)
انظر "البحر الرائق" 1/ 152.
(8)
في "شرح النووي": الثوري.
(9)
"شرح النووي" 8/ 188.
(10)
من (م).
وأما لو جمع بينهما في وقت الأولى لكانت الموالاة شرطًا بلا خلاف.
(ثم اتفقوا) يعني: الأربع الرواة (ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي على شقه الأيمن (حتى طلع الفجر) فيه الاضطجاع على الأرض للمسافر لراحة البدن، فإن لجسدك عليك حقّا، وفيه المبيت بمزدلفة ليلة النحر وأنه بعد الدفع من عرفات نسك، وهذا مجمع عليه، ولكن اختلفوا: هل هو واجب أو ركن أو سنة، والمذهب أنه واجب من تركه فعليه دم وهو مذهب الشافعي وأحمد، وعند مالك سنة (1).
(فصلى الفجر) بها (حتى (2) تبين له الصبح) فيه أن السنة أن [يبقى بالمزدلفة إلى أن](3) يصلي الصبح بها بغلس في أول الوقت، وهذا مذهب المالكية (4) ومقتضى قول الحنفية (5).
(قال سليمان) بن عبد الرحمن المعروف بابن بنت شرحبيل: (بأذان وإقامة)[رواية: بنداء](6) لهذِه الصلاة كما في غيرها من صلوات المسافر، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة (7) بالأذان في السفر كما في الحضر خلافًا لمن قال: يقتصر المسافر على الإقامة وهو ضعيف مردود بهذا الحديث وغيره.
(1) انظر: "المجموع" 8/ 247، و"شرح النووي" 8/ 188، و"المغني" 5/ 394، و"التاج والإكليل" 3/ 119.
(2)
في (م): حين.
(3)
سقط من (م).
(4)
انظر: "الكافي في فقه أهل المدينة" 1/ 374.
(5)
"المبسوط" 4/ 22.
(6)
سقط من (م).
(7)
من (م).
(ثم اتفقوا) أي على ما يأتي (ثم ركب القصواء) فيه أن السنة الركوب وأنه أفضل من المشي (حتى أتى المشعر الحرام) أما المشعر فبفتح الميم وحكى الجوهري الكسر، وبها قرأ أبو السمال، قال النووي في "الدقائق": الحرام معناه المحرم؛ لأنه من الحرم (1)[وقيل: لحرمته](2) لا من الحل، وسمي مشعرًا لما فيه من الشعائر يعني معالم الدين (3). وكل علامات الحج مشاعر، والصحيح عند أصحابنا أن المشعر الحرام قزح - بضم القاف وفتح الزاي غير منصرف - معدول عن قازح وهو الجبل المعروف بالمزدلفة يقف الحجيج عليه للدعاء بعد الصبح يوم النحر.
قال الأزرقي: وعلى قزح أسطوانة من حجارة مدورة تدويرها أربع وعشرون ذراعًا وطولها في السماء اثنتا عشر ذراعًا، وفيها خمس وعشرون درجة وهي على خشبة مرتفعة كان توقد عليها في خلافة هارون الرشيد بالشمع ليلة المزدلفة ويجتمعون عليها (4)(فرقي) بكسر القاف على اللغة الفصحى، أي: صعد (عليه) فيه أن الحاج إذا وصل إلى المشعر الحرام صعده إن أمكن وإلا وقف عنده، وهل تتأدى السنة بالوقوف في البناء المستحدث في وسط مزدلفة وغيره من مزدلفة أم لا يحصل إلا في قزح؟ وجهان أصحهما الأول (5).
(1)"المجموع" 8/ 130.
(2)
سقط من (م).
(3)
"دقائق المنهاج" ص 57.
(4)
"أخبار مكة" 2/ 180.
(5)
انظر: "المجموع" 8/ 141 - 142.
وفيه دليل على أن الوقوف بالمشعر الحرام من النسك، وقد ذكره الله في قوله:{فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} (1)، وليس المبيت بالمزدلفة ركنًا [في الحج](2) عند الجمهور، وقال علقمة والشعبي والنخعي والحسن البصري: هو فرض، ومن فاته جمع ولم يقف فيه (3) فقد فاته الحج وجعل إحرامه عمرة (4)، قال القرطبي: الأصح أن الوقوف بها سنة مؤكدة (5). واحتج على قول الجمهور بأن الآية لا دليل (6) فيها على الوجوب في الوقوف ولا المبيت؛ إذ ليس مذكورًا فيها، وإنما فيها مجرد الذكر وكل قد أجمع أنه لو وقف بعرفة ولم يذكر الله أن حجه تام، فإذا لم يكن (7) الذكر المأمور به من صلب الحج فشهود الموطن أولى بأن لا يكون كذلك.
(قال سليمان وعثمان: فاستقبل القبلة)[يعني: الكعبة](8)، فيه دليل على ما قاله أصحابنا أن السنة أن يقفوا مستقبلي القبلة، وكذا قال جماعة من الحنفية وابن الحاج المالكي (9)(فحمد الله وكبره وهلله)(10)
(1) البقرة: 198.
(2)
سقط من (م).
(3)
من (م).
(4)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 152 - 153، "المجموع" 8/ 150، "المغني" 3/ 376.
(5)
"الجامع لأحكام القرآن" 2/ 425.
(6)
في (م): حجة.
(7)
في (م): يذكر.
(8)
سقط من (م).
(9)
في (م): المكي.
(10)
من (م).
فيه أنه يستحب أن يحمد الله (وكبره)(1) وأنه يكبره فيقول: الله أكبر (وهلله) أي: وأن يقول لا إله إلا الله (زاد عثمان: ووحده) أي: من الضد والشريك وغيرهما، وكذا يستحب الدعاء، وقال صاحب "الغاية" الحنفي أنه يقف وهو مستقبل القبلة فيدعو ويحمد الله ويكبره ويهلله ويوحده ويلبي ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويسأل الله حاجته، وقال ابن الحاجب أنه يكبر ويدعو، ويستحب الإكثار من التلبية والاستغفار خلافًا للمالكية في التلبية.
(فلم يزل واقفًا حتى أسفر) فيه أن الوقوف إلى الإسفار من المناسك، والضمير في أسفر يعود إلى الفجر، قال النووي: اختلفوا في وقت الوقوف، فقال أبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء: لا يزال واقفًا يدعو ويذكر الله حتى يسفر كما في الحديث، وقال مالك: يدفع له (2) قبل الإسفار (3) واحتج له بعض أصحابه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعجل الصلاة مغلسًا إلا ليدفع قبل الشمس (4)، وكلما بَعُدَ دفعه من طلوع الشمس كان أولى (جدّا) بكسر الجيم، أي: إسفارًا بليغًا.
(ثم دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تطلع الشمس) والدفع والإفاضة (5) بمعنى واحد، قال الأصمعي: مخالفة للكفار، فقد روى ابن خزيمة
(1) من (م).
(2)
في (م) و"شرح النووي": فيه.
(3)
"شرح النووي" 8/ 189.
(4)
في (م): الشروق.
(5)
في (ر): الإقامة.
والطبري من حديث عكرمة عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يقفون بالمزدلفة حتى إذا طلعت الشمس فكانت على رؤوس الجبال كأنها العمائم على رؤوس الرجال دفعوا فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسفر كل شيء قبل أن تطلع الشمس (1)(وأردف الفضل بن عباس) بن عبد المطلب أي: حين أصبح خلف النبي صلى الله عليه وسلم، زاد شعيب: على عجز راحلته، وفي "صحيح البخاري" من حديث ابن عباس أن أسامة كان ردف النبي من عرفة إلى مزدلفة ثم أردف الفضل من مزدلفة إلى منى (2).
(وكان) يعني: الفضل (رجل حسن الشعر أبيض وسيمًا) أي: حسنًا، قال الجوهري: فلان وسيم أي: حسن الوجه (3).
قال الطبري: كان الفضل أجمل الناس وجهًا قال: وفي بعض الطرق، فقال العباس (4): لويت عنق ابن عمك يا رسول الله، فقال:"رأيت شابًا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما"(فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظعن) بضم الظاء والعين ويجوز إسكان العين جمع ظعينة كسفينة وسفن، وأصل الظعين البعير الذي عليه المرأة في الهودج، ثم سمى به المرأة (5) مجازًا لملابستها البعير كما أن الراوية هو الجمل [الذي يحمل الماء ثم تسمي به القربة](6)(يجرين) بفتح الياء وإسكان الجيم،
(1)"تهذيب الآثار" مسند عمر 2/ 885 (1242)، "صحيح ابن خزيمة"(2838).
(2)
"صحيح البخاري"(1544)، ورواه مسلم (1281).
(3)
"الصحاح"(وسم).
(4)
في (ر): ابن عباس.
(5)
سقط من (م).
(6)
سقط من (م).
قال القرطبي: هو بضم الياء وفتحها، وكلاهما واضح (1).
(فطفق الفضل) بن عباس أخو عبد الله بن عباس، وكان أكبر أولاد العباس، وبه كان يكنى (ينظر إليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل) فيه الحث على غض البصر عن الأجنبيات، وفيه تغيير المنكر بالفعل وهو مقدم على النهي باللسان إذا أمكنه ذلك، وإنما فعل ذلك؛ لأن الفضل كان ممن يفتن النساء والظعن ممن يفتن الرجال (2) (وصرف الفضل وجهه إلى الشق) [بكسر الشين قال ابن مالك وغيره: هو الجانب] (3)(الآخر)[ينظر كما في مسلم (وحول رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده) وفي بعض النسخ: يده (إلى الشق الآخر) رواية مسلم](4): فحول رسول الله يده من الشق الآخر على وجه الفضل (وصرف الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر) وفي رواية للطبري من حديث علي: وكان الفضل غلامًا جميلًا، فإذا جاءت الجارية من هذا الشق صرف رسول الله وجه الفضل إلى الشق فإذا جاءت إلى الشق الآخر صرف وجهه عنه، وقال في آخره:"رأيت غلامًا حدثًا وجارية حدثة فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان".
(حتى إذا أتى) زاد مسلم: بطن (5)(محسرًا) بضم الميم وفتح الحاء وكسر السين المشددة المهملتين؛ سمي بذلك قيل: لأن أصحاب الفيل
(1)"المفهم" 3/ 339.
(2)
في (م): بالرجال.
(3)
ساقط من (ر).
(4)
سقط من (م).
(5)
"صحيح مسلم"(1282).
حسر فيه، أي: أعيى وكَلَّ، ومنه قوله تعالى:{يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} ، وهو سيل ماء فاصل بين مزدلفة ومنى، كذا نقله النووي عن الشافعي وجزم بأنه ليس بمنى (1). وهو قول الثلاثة، وفي رواية مسلم: أن محسرًا من منى، قال الأزرقي: إنه خمسمائة ذراع وخمسة وأربعون ذراعًا (2) ويسمى وادي النار؛ لأن رجلًا صاد فيه صيدًا فنزلت عليه نار فأحرقته، وهو وادٍ بين منى والمزدلفة.
(فحرك) دابته (قليلًا) أي: قدر رمية بحجر، وهذا التحريك مستحب عند الأربعة، ونص عليه الشافعي في "الأم"، فإن ترك الإسراع فيه كره ولا شيء عليه (3).
وفي "الموطأ" أن ابن عمر كان يحرك دابته (4) في محسر قدر رمية حجر (5)، وجاء في بعض الأحاديث ما يقتضي خلاف ذلك، ولكن أحاديث الإسراع أكثر فقدمت، واستحب الثلاثة أيضًا للماشي الإسراع قدر رمية حجر، وأغرب ابن الحاج المالكي في "مناسكه" فذكر أن تحريك الدابة والإسراع في المشي ليس بشيء، وسبب الإسراع في وادي محسر أنه كان موقفًا للنصارى أو للجاهلية في العرب، قاله في "الوسيط"(6) فاستحب مخالفتهم، ولأنه مكان نزل فيه العذاب على
(1)"المجموع" 8/ 143.
(2)
"أخبار مكة" 2/ 182.
(3)
"الأم" 2/ 329.
(4)
في (م): راحلته.
(5)
"الموطأ" 1/ 392 (177).
(6)
"الوسيط" للغزالي 2/ 660.
أصحاب الفيل القاصدين هدم الكعبة (1) فاستحب فيه الإسراع كما ثبت في الحديث الصحيح في الإسراع للمار (2) على ديار ثمود (3)، ويستحب أن [يقول في حال سيره] (4): الرجز المروي عن عمر:
إليك تغدو قلقًا وَضِينُها
…
معترضًا في بطنها جنينها
مخالفًا دين النصارى دينها (5)
زاد البكري في "معجمه" عن ابن عمر:
[قد ذهب](6) الشحم الذي يزينها (7)
وزيد:
إن تغفر اللهم اغفر جمّا
…
وإني عبد لك ما ألما
وفي الطبراني "الكبير" من حديث أبي الربيع السمان، عن عاصم بن عبيد الله (8)، عن سالم، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض من عرفات وهو يقول:
إليك يغدوا قلقًا وضينها
…
مخالفًا دين النصارى دينها
(1) في (م): البيت.
(2)
من (م).
(3)
رواه البخاري (3381) ومسلم (2980).
(4)
في (ر): يقال.
(5)
رواه ابن أبي شيبة 8/ 741 - 742 (15889).
(6)
في (م): فذهب.
(7)
"معجم ما استعجم" 4/ 67.
(8)
في النسخ: عبد الله، والمثبت من "المعجم الكبير" 12/ 308 (13201)، وهو الصواب.
قال الطبراني: وهم عندي أبو الربيع في رفعه (1) لأن المشهور في الرواية عن ابن عمر أنه أفاضها من عرفات وهو يقول ذلك (2) والموضعين بكسر الضاد المعجمة قال القتيبي: هو بطان منسوج بعضه على بعض، ومنه قوله تعالى:{عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15)} أي: بالذهب،
قال الأزهري: منسوجة نسج الدرع الذي جعل (3) بعضه في بعض (4)(ثم سلك الطريق الوسطى) أي: في الرجوع من عرفات التي تخرجك على [نسخ: إلى](5)(الجمرة الكبرى و) هي جمرة العقبة (حتى أتى الجمرة) الكبرى جمرة العقبة (التي عند الشجرة) التي كانت هناك، فيه أن سلوك هذِه الطريق سنة عند الشافعية والحنابلة إن أمكنه ذلك (6) من غير أذى تأسيًا به صلى الله عليه وسلم، وهذِه الطريق غير الطريق التي ذهب فيها إلى (7) عرفات، وهذا معنى قول أصحابنا: فذهب إلى عرفات في طريق ضب ويرجع في طريق المأزمين (8) ليخالف الطريق تفاؤلًا بتغير الحال كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في دخول مكة حين دخلها من الثنية العليا وخرج من الثنية السفلى، وخرج إلى العيد في طريق ورجع في
(1) في "المعجم الكبير": رفع هذا الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2)
"المعجم الكبير" 12/ 308.
(3)
في (م): دخل.
(4)
"تهذيب اللغة"(وضن).
(5)
سقط من (م).
(6)
سقط من (م).
(7)
في (م): من.
(8)
انظر: "الحاوي الكبير" 4/ 168.
طريق آخر، وحول رداءه في الاستسقاء.
وفي "صحيح البخاري": حدثني عبد الرحمن بن يزيد أنه كان مع ابن مسعود حين رمى جمرة العقبة فاستبطن الوادي، حتى إذا حاذى، - يعني: بالحاء المهملة والذال المعجمة - بالشجرة اعترضها (1)[أي: الشجرة](2)، وهذا أيضًا يدل على أنه كان هناك شجرة عند الجمرة، [وقد روى ابن أبي شيبة عن الثقفي عن أيوب قال: رأيت القاسم، وسالمًا، ونافعًا يرمون من الشجرة] (3)(4) ومن طريق عبد الرحمن ابن (5) الأسود أنه كان إذا جاوز الشجرة رمى جمرة (6) العقبة من تحت غصن من أغصانها (7).
(فرماها) يعني الجمرة الكبرى جمرة العقبة، وليست من منى بل هي حد منى من جهة مكة، وهي التي بايع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار عندها على الهجرة، والجمرة اسم لمجتمع الحصا، [سميت بذلك لاجتماع الناس بها، يقال: تجمر بنو فلان إذا تجمعوا، وقيل: إن العرب تسمي الحصا](8) الصغار جمارًا، ويستجمر بها بعد قضاء الحاجة فسميت به تسمية للشيء بما يلازمه.
(1)"صحيح البخاري"(1750).
(2)
سقط من (م).
(3)
من (م).
(4)
"المصنف" 8/ 201 (13593).
(5)
سقط من (م).
(6)
سقط من (م).
(7)
رواه ابن أبي شيبة 8/ 202 (13597).
(8)
سقط من (م).
وقيل: إن آدم وإبراهيم لما عرض له إبليس فحصبه جمر بين يديه، أي: أسرع فسميت بذلك (بسبع حصيات) قيل (1): إن السنة للحاج إذا دفع من مزدلفة فوصل منى أن يبدأ بجمرة العقبة ولا يفعل شيئًا قبل رميها، ويكون ذلك [قبل نزوله وأن الرمي يكون](2) بسبع حصيات، وهذا الرمي هو تحية منى، وسبب الرمي هو قصة الخليل في ذبح ولده.
(يكبر مع كل حصاة منها) أي: يسن التكبير مع كل حصاة وصفته (3): "الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر [والله أكبر] (4) ولله الحمد" هكذا نقله الماوردي عن الشافعي (5)، وفيه أنه يجب التفريق بين الحصيات فيرميهن واحدة واحدة؛ لقوله: يكبر مع كل حصاة، وكذلك كل عبادة يشرع فيها التكبير فإنه يتكرر محله كالانتقال من ركن إلى ركن، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"خذوا عني مناسككم"، وخالف في ذلك عطاء وصاحبه أبو حنيفة فقالا: لو رمى السبع دفعة واحدة أجزأه، وأجمعوا على أن من لم يكبر فلا شيء عليه (6). واعلم أن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد النخعي زاد عن أبيه عن ابن مسعود: أن ابن عمر لما فرغ من رمي جمرة العقبة قال: اللهم اجعله حجّا مبرورًا وذنبًا مغفورًا (7).
(1) في (م): فيه.
(2)
من (م).
(3)
سقط من (م).
(4)
من (م).
(5)
"الحاوي الكبير" 4/ 184.
(6)
"فتح الباري" 3/ 681.
(7)
رواه ابن أبي شيبة 8/ 352 - 353 (14213).
(بمثل)[ورواه ابن عبد البر: مثل بحذف الباء](1)(حصى الخذف) بالخاء والذال المعجمتين، وعند العابسي بالمهملة، والأول أصوب، قال الجوهري في فصل الحاء المهملة: حذفته بالعصا أي رميته بها (2) وفي فصل الخاء المعجمة: الخذف بالحصا الدفع (3) به بالأصابع، والمخذفة المقلاع (4) وقوله: حصى هو مجرور بكسرة مقدرة لأنه بدل من حصيات أو من حصاة المجرورة بالإضافة في قوله قبله: كل حصاة، هكذا صحت الرواية في مسلم وأبي داود، وقد جاء في كل حصاة منها مثل حصى الخذف، والخذف رميك حصاة أو نواة نحو حبة الباقلاء كما سيأتي، وأخرج الإمام أحمد:"ارموا بمثل حصى الخذف"(5)(فرمى من بطن الوادي) أي: السنة أن يقف للرمي في بطن الوادي وهو الموضع المنحدر من العقبة بحيث يكون منى والمزدلفة وعرفات عن يمينه ومكة عن يساره، قال النووي: هذا هو الصحيح الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة (6) والمراد ببطن الوادي أسفله كما في حديث ابن مسعود، ولو رمى في أي مكان كان صح رميه.
(ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنحر) أي: إلى الموضع الذي ينحر فيه، فهو أولى من غيره على أن منى كلها منحر، فمذهب مالك أنه لا
(1) سقط من (م).
(2)
"الصحاح في اللغة"(حذف).
(3)
في (م): الرمي، وفي "الصحاح": الرمي به.
(4)
"الصحاح"(خذف).
(5)
"المسند" 3/ 503.
(6)
"شرح النووي" 8/ 191.
فضل لموضع من منى على غيره (1) وذكر الأزرقي أن منحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى عن يسار منحر (2) الإمام (فنحر منها) أي من [بدن الهدي](3)(بيده) فيه أن الأولى للمهدي أو المضحي أن يتولى الذبح بيده إن أمكن وكان عارفًا، وأن المنحر الذي نحر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أفضل، قال ابن التين: منحر النبي صلى الله عليه وسلم هو عند الجمرة الأولى التي تلي المسجد، وكأنه أخذه من أثر أخرجه الفاكهي (4)(ثلاثًا وستين) فيه استحباب تكثر الهدي، وكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تلك السنة مائة، وقيل: إنما نحر بيده ثلاثًا وستين لأنه التي أتى بها من المدينة، وعلى هذا فلا يكون فيه حجة على الاستنابة، وتقدم أنه قيل: إنما أهدى (5) النبي صلى الله عليه وسلم ذلك العدد (6) لأنه منتهى عمره على ما هو الأصح في ذلك، فكأنه أهدى عن كل سنة من عمره بدنة (7).
(وأمر عليّا فنحر ما غبر) بفتح الغين المعجمة والباء الموحدة، أي ما بقي منها، قال الله تعالى:{إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} (8) أي من الباقين في الموضع الذي عذبوا فيه، فيه استحباب تعجيل الهدايا [في يوم واحد](9) وإن كانت كثيرة، ولا يؤخر بعضها إلى أيام التشريق،
(1) انظر: "الاستذكار" 13/ 76.
(2)
في (م): مصلى.
(3)
في (ر): البدن.
(4)
"أخبار مكة" 4/ 287.
(5)
في (م): خص.
(6)
من (م).
(7)
في (م): سنة.
(8)
الأعراف: 83.
(9)
تأخرت هذِه العبارة في (م).
واحتج به على جواز الاستنابة في ذبح (1) الهدي والأضحية (بشرطه (2) وأشركه في هديه) بفتح الهاء وإسكان الدال على المشهور.
قال النووي: ظاهره أنه شاركه في نفس الهدي (3) فيه دليل على جواز الشركة في الهدايا.
قال القاضي عياض (4): وعندي أنه لم يكن شريكًا حقيقة، بل أعطاه قدرًا يذبحه (5).
(وأمر من كل بدنة) وفي رواية: [ثم أمر](6) من كل بدنة (ببضعة) بفتح الباء لا غير وهي القطعة من اللحم (فجعلت في قدر، فطبخت فأكلا منها) فيه استحباب الأكل من هدي التطوع وأضحيته لامتثال قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا} الآية، وهما وإن لم يأكلا من كل بدنة فقد شربا من مرقها (7) وخصوصية علي بالمؤاكلة دليل على أنه أشركه في الهدي، وفيه دليل على أن من حلف أن لا يأكل لحمًا فشرب مرقه أنه يحنث، وفيه دليل على استحباب أكل الأول (8) من الهدايا والضحايا، وفيه دليل على جواز أكل المهدي من الهدي وإن كان قارنًا فقد تقدم
(1) من (م).
(2)
من (م).
(3)
"شرح النووي" 8/ 192.
(4)
من (م).
(5)
"إكمال المعلم" 4/ 285 - 286.
(6)
سقط من (م).
(7)
في (م): مرق كل ذلك.
(8)
في (م): الأقل.
أنه كان قارنًا (وشربا من مرقها) فيه دليل على أن الآكلين من الهدي وغيره يجمعون بين الأكل من اللحم والشرب من المرق، وفيه دليل على أن أكل اللحم مقدم على شرب المرق، وكذا على الثريد، وفيه دليل على ترك التأنق في المأكل؛ لأنهما اقتصرا على وضع الماء على اللحم دون إدام (1) آخر.
(قال هشام) بن عمار بن نصير بضم النون مصغر خطيب دمشق، مات سنة 245 (وسليمان: ثم ركب) القصواء (فأفاض) أي: اندفع بسرعة، وكالإفاضة دفعة (إلى البيت) أي: بطواف الإفاضة (فصلى بمكة الظهر) قال النووي: فيه حذف تقديره فأفاض فطاف بالبيت طواف الإفاضة [ثم صلى الظهر فحذف ذكر الطواف لدلالة الكلام عليه (2)، والأصل في طواف الإفاضة](3) قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ، فالتفث (4): الرمي، والنذور: الذبائح، والطواف: طواف الركن، ويسمى طواف الزيارة، ولا خلاف أن إيقاعه يوم النحر أولى وأفضل، والأفضل أن يصلي الظهر إذا عاد إلى منى كما قاله (5) أصحابنا الشافعية (6) واستدلوا بما رواه مسلم في "صحيحه" عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم
(1) في (ر): أدم.
(2)
"شرح النووي" 8/ 193.
(3)
من (م).
(4)
في (م): هنا هو.
(5)
في (ر): قالوا.
(6)
"المجموع" 8/ 220.
رجع فصلى الظهر بمنى (1).
وروى أبو داود عن عائشة وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر طواف النحر إلى الليل.
وقال الترمذي فيه: حديث حسن (2)، وطريق الجمع بين هذِه الأحاديث كما قاله في "شرح المهذب" لأنه عليه السلام أفاض قبل الزوال فطاف وصلى الظهر بمكة في أول وقتها ثم رجع إلى منى فصلى به الظهر مرة أخرى بأصحابه إمامًا كما صلى بهم في بطن نخل مرتين، فروى [ابن عمر](3) صلاته بمنى وجابر صلاته بمكة (4).
وأما حديث عائشة وابن عباس فمحمول على أنه أخر طواف نسائه وذهب معهم، نعم في البيهقي عن القاسم، عن عائشة أنه عليه السلام زار مع نسائه، فيحمل على الإعادة، وأن ذلك وقع مرتين: مرة ليلًا ومرة نهارًا، وبذا جمع ابن حبان في "صحيحه" ولا يقال أن أحد الأحاديث وهم كما قال ابن حزم (ثم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون) لأن عبد المطلب أول من حفرها حين أمر بذلك في المنام بعدما كانت جرهم دفنتها حين ظعنوا بمكة (5) واستولى عليها غيرهم، ولم تزل داثرة لا يعرف موضعها حتى رأى عبد المطلب المنام المعروف بدفنها (على
(1) رواه مسلم (1308).
(2)
"سنن أبي داود"(2000)، والترمذي (920).
(3)
من (م).
(4)
"المجموع" 8/ 222.
(5)
في (م): عن مكة.
زمزم) بينها وبين الكعبة ثمانية وثلاثون ذراعًا، قال أبو عبيد البكري: سميت بذلك؛ لأن عبد المطلب أري في منامه: احفر زمزم إن حفرتها لم تندم (1) قال ابن معن في "تعيينه": لها ثلاث عيون، إحداها محاذية الحجر الأسود، والثانية محاذية لأبي قبيس، والثالثة محاذية للمروة.
(فقال: انزعوا) بوصل الهمزة وكسر الزاي لا غير وبالكسر، قوله تعالى:{يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} (2)(بني عبد المطلب) قال القرطبي: وإن كان الأصل فيها الفتح في المضارع؛ لأن ما كان على فعل وعينه أو لامه حرف جر فالأصل في مضارعه أن يأتي على يفعل بفتح العين أو ضمها، والنزع الاستقاء بالرشا، والنزح بالحاء الاستقاء بالدلو (3). قال الجوهري: الرشاء الحبل (4).
قال النووي: معناه استقوا بالدلاء وانزعوها بالرشاء، ومعنى يسقون على زمزم: يغرفون بالدلاء ويصبونه في الحياض ويسقونه للناس (5).
(فلولا أن يغلبكم) بالتحتانية (6)(الناس) أي: لولا خوفي إذا سقيت بيدي معكم أن يقتدي الناس بي ويعتقدون أن ذلك من مناسك الحج فيزدحمون عليه بحيث يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاء وتزول خصوصية بني عبد المطلب الثابتة لهم لاستقيت معكم؛ لكثرة فضيلة
(1)"معجم ما استعجم" 2/ 286.
(2)
الأعراف: 27.
(3)
"المفهم" 3/ 342.
(4)
"الصحاح"(رشأ).
(5)
"شرح النووي" 8/ 194.
(6)
سقط من (م).
هذا الاستقاء.
وفيه فضيلة العمل في هذا الاستقاء على غيره، وفيه إعانة من يراه من أقاربه في عمل شاق متعب (1)، وفي الاعتذار عن العمل إذا خاف حصول (2) الضرر بهم بزوال اختصاصهم عما هو ثابت لهم (على أخذ سقايتكم) المختص عملكم بها، ويحتمل أن يكون التقدير على سقيكم الحاج؛ فإن السقاية مصدر كالسقي (لنزعت) بفتح الزاي (معكم) قال أبو سليمان: ترك الفعل مع الرغبة في الفضل خيفة (3) أن تتخذ سنة واجبة اقتداء بفعله (4).
(فناولوه) زاد (5) أبو علي بن السكن في روايته: فناوله العباس (دلوًا) استدل بهذا على أن [سقاية الحاج خاصة ببني العباس بن عبد المطلب (فشرب منه) استدل به على أن](6) الذي أرصد (7) للمصالح العامة لا يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم[ولا على آله؛ لأن العباس أرصد سقاية زمزم لذلك، وقد شرب منها النبي صلى الله عليه وسلم](8) قال ابن التين (9) في الحاشية:
(1) في (ر): شعت. والمثبت من (ر).
(2)
من (م).
(3)
في (م): تفقه.
(4)
"أعلام الحديث" 2/ 883.
(5)
سقط من (م).
(6)
من (م).
(7)
في (م): أزيد.
(8)
سقط من (م).
(9)
في (م) و"الفتح": المنير.
يحمل الأمر في هذا على أنها مرصدة للنفع العام، [فيكون للنبي](1) في معنى الهدية، وفيه أنه لا يكره طلب السقي من الغير ولا رد ما يعرض على المرء من الإكرام إذا عارضه مصلحة أولى (2) منه.
وفيه الترغيب في السقي خصوصًا من ماء زمزم (3). وفيه فضيلة الشرب منه.
قال ابن التين: لا يستعمل ماء زمزم في مرحاض ولا يخلط بنجس، ولا تزال به نجاسة، ويتوضأ به ويتطهر من ليس بأعضائه نجس ولا يغسل به الميت، وعلى هذا قاعدة أن الميت نجس، ولا يستنجى به، وذكر أن بعض الناس استحل ذلك فحدث به الباسور وأهل مكة على إتقاء ذلك إلى اليوم.
[1906]
(عن جعفر بن محمد) الصادق (عن أبيه) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر بأذان واحد) جامعًا بينهما بأذان واحد للأولى ولا يؤذن للثانية كما قال الشافعية (4) والحنفية (5)، وهو الصحيح عند الحنابلة (6) وعند
(1) في (م): لكون المعنى، وفي "الفتح": فتكون للغني.
(2)
في بعدها في (م): لأن رده، وفي (ر): لا رد دره، والنقل من "فتح الباري" وفيه نقص والذي في "الفتح" لأن رده لما عرض عليه العباس مما يوتى به من نبيذ لمصلحة التواضع التي ظهرت من شربه مما يشرب منه الناس.
(3)
"فتح الباري" 3/ 575.
(4)
انظر: "الحاوي" 4/ 176.
(5)
انظر: "المبسوط" 4/ 62.
(6)
انظر: "المغني" 5/ 278.
المالكية (1) أنه يجمع بأذان وإقامة لكل صلاة (2) وهذا الحديث حجة عليه (بعرفة) وهذا الجمع سببه السفر عند الشافعية (3) وكثير من الحنابلة (4)، وفي وجه عند الشافعية سببه النسك (5)، وهو الذي يظهر دليله فيجوز لكل أحد هناك، وفي وجه ثالث سببه أصل السفر فيجوز للمكي؛ لأنه سافر وإن كان قصيرًا، ولا يجوز لأهل عرفة لعدم سفرهم.
(ولم يسبح) أي: لم (6) يصل نافلة (بينهما) كما تقدم (وإقامتين) إقامة للصلاة الأولى وإقامة للثانية كما تقدم (وصلى المغرب والعشاء) جامعًا بينهما (بجمع) وهي المزدلفة كما تقدم ويصلي بهم الإمام (بأذان واحد وإقامتين) يقيم لكل واحدة من أذن (ولم يسبح بينهما) يعني لم يصل بينهما الرواتب، بل يقيم ويتيمم بينهما؛ لأن التيمم من مصلحة الصلاة كالإقامة، وكذا لا يضر طلب خفيف للماء؛ لأنه من مصلحة الصلاة أيضًا، وجوز الإصطخري التنفل بينهما، والحديث حجة عليه، وهذا الحديث المرسل في هذا الحديث؛ فإن محمد بن علي بن الحسين تابعي.
(أسنده حاتم بن إسماعيل) مولى عبد الدار، مات بالمدينة سنة 187 فإنه رواه (في الحديث الطويل) عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم (ووافق حاتمًا على إسناده) لهذا الحديث (محمد بن علي الجعفي، عن جعفر بن محمد)
(1) انظر: "التمهيد" 9/ 260.
(2)
"المدونة" 1/ 429.
(3)
انظر: "مغني المحتاج" 1/ 530.
(4)
انظر: "المبدع" 3/ 210.
(5)
انظر: "تحفة المحتاج" 2/ 394.
(6)
سقط من (م).
الصادق المذكور (عن أبيه) محمد بن علي المذكور (عن جابر) عن النبي صلى الله عليه وسلم (إلا أنه قال: [فصلى المغرب والعتمة بأذان وإقامة])(1) فيه حجة لأبي يوسف وأبي حنيفة حيث قالا: يقتصر في الصلاتين (2) على أذان واحد وإقامة واحدة (3) والرواية المتقدمة حجة عليهما.
[1907]
(قال أبو داود: قال لي (4) أحمد بن حنبل: [حدثنا يحيى بن سعيد]) (5) أخطأ حاتم بن إسماعيل ومن وافقه في هذا الحديث الطويل في إسناد هذا الحديث الطويل، ثم قال (جعفر: حدثنا (6) أبي) محمد بن علي. (عن جابر قال: ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: قد نحرت ها هنا) قال ابن التين: منحر النبي صلى الله عليه وسلم عند الجمرة الأولى التي تلي مسجد منى، والمنحر فيه فضيلة على غيره، ولذلك كان (7) عمر يسابق إليه، وأخذ ابن التين تعيين هذا المكان من أثر ذكره الفاكهي من طريق ابن جريج، عن طاوس: كان منحر النبي صلى الله عليه وسلم بمنى (ومنى كلها منحر) رواية الطحاوي: وشعاب منى كلها منحر (8)، [فيه دليل على أن النحر](9) يجزئ في جميع أراضي منى وشعابها بلا خلاف، قال الشافعي
(1) ساقطة من النسخ، والمثبت من المطبوع.
(2)
في (ر): الصلاة.
(3)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 152.
(4)
من المطبوع.
(5)
من (م).
(6)
في (م): عن.
(7)
في (م): قال ابن.
(8)
"شرح مشكل الآثار" 3/ 229.
(9)
سقط من (م).
وأصحابه: يجوز نحر (1) الهدي ودماء الحيوانات في جميع أراضي الحرم، لكن الأفضل في حق الحاج منى، وفي حق المعتمر أن ينحر في المروة؛ لأنها موضع تحلله كما أن منى موضع تحلل الحاج (2).
(ووقف بعرفة) عند الصخرات كما تقدم (وقال: قد وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف) فيه بيان رفق النبي صلى الله عليه وسلم بأمته وشفقته عليهم في بيان أحكامهم وتنبيههم (3) على مصالح دينهم ودنياهم؛ فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر لهم الأكمل والجائز، فالأكمل موضع (4) وقوفه، والجائز جزء من أجزاء أرض عرفة.
قال الأزرقي: وحدها من الجبل المشرف على أرض (5) عرنة بضم العين وفتح الراء والنون، وهو وادٍ إلى جبال عرفات يلتقي إلى وصيق (6) بفتح الواو وكسر الصاد المهملة وآخره قاف.
قال الزمخشري: الوصيق جبل لكنانة وهذيل (7) إلى ملتقى وصق، ووادي عرنة ووادي عرفة لا ينعطف على عرفة، بل هو ممتد مما يلي مكة يمينًا وشمالًا، قال ابن حزم: إن عرفة من الجبل وبطن عرنة من الحرم (8).
(1) سقط من (م).
(2)
"المجموع" 8/ 190 - 191.
(3)
في (ر): تبيينهم.
(4)
سقط من (م).
(5)
في (م) و"أخبار مكة": بطن.
(6)
"أخبار مكة" 2/ 187.
(7)
"الجبال والأمكنة والمياه" ص 317.
(8)
"المحلي" 7/ 188.
(ووقف بالمزدلفة، فقال: قد وقفت ها هنا) بالمزدلفة واستحبوا الوقوف بحيث المنارة، وحيث يقف الأئمة بين الجبلين (والمزدلفة كلها موقف) فالوقوف واسع في كل مواضع المزدلفة غير أن يتوخى موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث المنارة أولى تبركًا بالنبي صلى الله عليه وسلم وآثاره، وفي رواية مالك: جمع كلها موقف، وارتفعوا عن بطن محسر، وحد المزدلفة ما بين وادي محسر ومأزمي عرفة، وليس الجدار منها، قاله الأزرقي (1). والمأزمان جبلان بين عرفة ومزدلفة.
[1908]
([حدثنا مسدد، حدثنا حفص بن غياث] (2) عن جعفر) الصادق (بإسناده نحوه وزاد عليه: وانحروا في رحالكم)[أي منازلكم](3) قال أهل اللغة: رحل الرجل منزله سواء كان من حجر أو مدر أو شعر أو وبر.
ومعنى الحديث: لا تتكلفوا المنحر في موضع نحري، بل يجوز لكم النحر في منازلكم من منى، وهذا مثال للآمر بالشيء والمراد به (4) الإباحة كقوله تعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا} (5)، وفي طريق أخرى (6).
[1909]
([حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن سعيد القطان،
(1)"أخبار مكة" 2/ 191.
(2)
من (م).
(3)
من (م).
(4)
في (م): أنه.
(5)
الجمعة: 10.
(6)
في (ر): آخر.
عن جعفر، حدثني أبي، عن جابر] (1) فذكر (2) هذا الحديث، وأدرج في الحديث) استعمل أبو داود في هذا الحديث قسم من أقسام المدرج، وهو أن يكون الحديث عند راويه بإسناد إلا طرفًا منه، فإنه عنده بإسناد آخر فيجمع الراوي عنه عند طرفي الحديث بإسناد الطرف الأول ولا يذكر إسناد طرفه الثاني، فإن راويه أو كلهم عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر وذكر الحديث بكماله إلا قوله: فقرأ (عند قوله {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} بالتوحيد {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} فإنه أدرج من رواية يحيى بن سعيد القطان، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر، وهذا قسم من أقسام المدرج ذكر في علوم الحديث، ومثلوه بالحديث المتقدم من رواية زائدة وشريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر في صفة صلاة (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئتهم بعد ذلك بزمان فيه برد شديد، فرأيت الناس عليهم جل الثياب تحرك أيديهم تحت الثياب (4) (عند قوله {وَاتَّخِذُوا}) الرواية بكسر الخاء على الأمر كما في إحدى القراءتين في السبع كما تقدم ({مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}) الصحيح أنه الموضع الذي يصلى فيه اليوم (قال: فقرأ فيهما بالتوحيد) [رواية يقرأ فيهما](5) أي: بالسورة التي فيها التوحيد، وهي {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} كما تقدم في رواية الجمهور،
(1) من المطبوع.
(2)
في (ر): فذلك.
(3)
من (م).
(4)
رواه أبو داود (727).
(5)
سقط من (م).
وسميت بذلك لأنها متمحضة بصفة الوحدانية لله تعالى، ولهذا كانت تعدل ثلث القرآن وقدمت سورة التوحيد على {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} للاعتناء بها والاهتمام؛ ولأنها أفضل منها على الصحيح، وفي تقدمها هنا إشارة إلى جواز القراءة بها قبل {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} .
وقد سئل أحمد عن هذا فقال: لا بأس به أليس يعلم الصبي على هذا (1).
وقد روي أن (2) الأحنف قرأ بالكهف في الأولى وفي الثانية بيوسف، وذكر أنه (3) صلى مع عمر الصبح بهما استشهد به (4) البخاري (5)(و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}) فيه دليل على أنه يستحب أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وفي الثانية {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وقد اتفقت الأئمة الأربعة على استحبابه، وقال الشافعية: يجهر بقراءتهما إن صلاهما ليلًا ويسر بالقراءة إن صلاهما نهارًا (6).
(وقال فيه) أي: فيما أدرجه: و (قال علي) بن أبي طالب (رضي الله عنه) حين كان (بالكوفة) فإنه سكن فيها وقتل بها سنة 40 من الهجرة (قال) جعفر:
(1) انظر: "المغني" 2/ 169.
(2)
في (م): عن.
(3)
سقط من (م).
(4)
سقط من (م).
(5)
"صحيح البخاري" 1/ 154 قبل حديث (775).
(6)
"المجموع" 8/ 53.
(قال أبي) يعني محمد ابن الحنفية [أن (هذا الحرف](1) لم يذكره جابر) بن عبد الله في روايته، قال علي:(فذهبت محرشًا وذكر قصة فاطمة) في تحريشه النبي صلى الله عليه وسلم عليها في الأمر الذي صنعته من لبسها ثيابًا صبيغًا واكتحالها كما تقدم في الحديث.
(1) سقط من (م).