المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌22 - باب في وقت الإحرام - شرح سنن أبي داود لابن رسلان - جـ ٨

[ابن رسلان]

فهرس الكتاب

- ‌28 - باب كَراهِيَةِ المَسْأَلَةِ

- ‌29 - باب في الاسْتِعْفاف

- ‌30 - باب الصَّدَقَةِ علَى بَني هاشِمٍ

- ‌31 - باب الفَقِيرِ يُهْدي لِلْغَني مِنَ الصَّدَقَةِ

- ‌32 - باب مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ وَرِثَها

- ‌33 - باب في حُقُوقِ المالِ

- ‌34 - باب حَقِّ السّائِلِ

- ‌35 - باب الصَّدَقَةُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ

- ‌36 - باب ما لا يَجُوزُ مَنْعُهُ

- ‌37 - باب المَسْأَلَةِ في المَساجِدِ

- ‌38 - باب كَراهيَةِ المَسْأَلَةِ بِوَجْهِ اللهِ تَعالَى

- ‌39 - باب عَطِيَّةِ مَنْ سَأَلَ باللهِ

- ‌40 - باب الرَّجُلِ يَخْرُجُ مِنْ مالِهِ

- ‌41 - باب في الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ

- ‌42 - باب في فَضْلِ سَقْى الماءِ

- ‌43 - باب في المَنِيحَةِ

- ‌44 - باب أَجْرِ الخازِنِ

- ‌45 - باب المَرْأَةِ تَتَصَدَّقُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِها

- ‌46 - باب في صِلَةِ الرَّحِمِ

- ‌47 - باب في الشُّحِّ

- ‌كِتَابُ اللُّقطَةِ

- ‌كِتَابُ المَنَاسِكِ

- ‌1 - باب فَرْضِ الحَجِّ

- ‌2 - باب في المَرْأَةِ تَحُجُّ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ

- ‌3 - باب "لا صَرُورَةَ" في الإِسْلامِ

- ‌4 - باب التَّزَوُّدِ في الحَجِّ

- ‌5 - باب التجارة في الحج

- ‌6 - باب

- ‌7 - باب الكَري

- ‌8 - باب في الصَّبي يَحُجُّ

- ‌9 - باب في المَواقِيتِ

- ‌10 - باب الحائِضِ تُهِلُّ بِالحَجِّ

- ‌11 - باب الطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرامِ

- ‌12 - باب التَّلْبِيدِ

- ‌13 - باب في الهَدي

- ‌14 - باب في هَدي البَقَرِ

- ‌15 - باب في الإِشْعارِ

- ‌16 - باب تَبْدِيلِ الهَدي

- ‌17 - باب مَنْ بَعَثَ بِهَدْيِهِ وَأَقَامَ

- ‌18 - باب في رُكُوبِ البُدْنِ

- ‌19 - باب في الهَدي إِذا عَطِبَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ

- ‌20 - باب مَنْ نَحَرَ الهَدي بِيَدِهِ واسْتَعانَ بغَيْرِه

- ‌21 - باب كَيْف تُنْحَرُ البُدْنُ

- ‌22 - باب في وَقْتِ الإِحْرامِ

- ‌23 - باب الاشْتِراطِ في الحَجِّ

- ‌24 - باب في إِفْرادِ الحَجِّ

- ‌25 - باب في الإِقْرانِ

- ‌26 - باب الرَّجُلُ يُهِلُّ بِالحَجّ ثُمَّ يَجْعَلُها عُمْرَةً

- ‌27 - باب الرَّجُلِ يَحُجُّ، عَنْ غَيْرِهِ

- ‌28 - باب كَيْفَ التَّلْبِيَةُ

- ‌29 - باب مَتَى يَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ

- ‌30 - باب مَتَى يَقْطَعُ المُعْتَمِرُ التَّلْبِيَةَ

- ‌31 - باب المُحْرِمِ يُؤَدِّبُ غُلَامَهُ

- ‌32 - باب الرَّجُلِ يُحْرِمُ فِي ثِيَابِهِ

- ‌33 - باب ما يَلْبَسُ المُحْرِمُ

- ‌34 - باب المُحْرِمِ يَحْمِلُ السِّلاحَ

- ‌35 - باب في المُحْرِمَةِ تُغَطِّي وَجْهَهَا

- ‌36 - باب في المُحْرِمِ يُظَلَّلُ

- ‌37 - باب المُحْرِم يَحْتَجِمُ

- ‌38 - باب يَكْتَحِلُ المُحْرِمُ

- ‌39 - باب المُحْرِمِ يَغْتَسِلُ

- ‌40 - باب المُحْرِمِ يَتَزَوَّجُ

- ‌41 - باب ما يَقْتُلُ المُحْرِمُ مِنَ الدَّوابِّ

- ‌42 - باب لَحْمِ الصّيْدِ للْمُحْرِمِ

- ‌43 - باب في الجَرادِ لِلْمُحْرِمِ

- ‌44 - باب في الفِدْيَةِ

- ‌45 - باب الإِحصارِ

- ‌46 - باب دُخُولِ مَكَّةَ

- ‌47 - باب في رَفْعِ اليَديْنِ إِذَا رَأى البيْتَ

- ‌48 - باب في تَقْبِيلِ الحَجَرِ

- ‌49 - باب اسْتِلامِ الأَرْكانِ

- ‌50 - باب الطَّوافِ الواجِبِ

- ‌51 - باب الاضْطِباعِ في الطَّوافِ

- ‌52 - باب في الرَّمَلِ

- ‌53 - باب الدُّعاءِ في الطَّوافِ

- ‌54 - باب الطَّوافِ بَعْدَ العَصْرِ

- ‌55 - باب طَوافِ القارِنِ

- ‌56 - باب المُلْتَزَمِ

- ‌57 - باب أَمْرِ الصَّفا والمَرْوَةِ

- ‌58 - باب صِفَةِ حَجَّةِ النَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌59 - باب الوُقُوفِ بِعَرَفَةَ

- ‌60 - باب الخُرُوجِ إِلَى مِنَى

- ‌61 - باب الخُرُوجِ إِلى عَرَفَةَ

- ‌62 - باب الرَّواحِ إِلَى عَرَفَةَ

- ‌63 - باب الخُطْبَةِ عَلَى المِنْبَرِ بِعَرَفَةَ

- ‌64 - باب مَوْضِعِ الوُقُوفِ بِعَرَفَةَ

- ‌65 - باب الدَّفْعَةِ مِنْ عَرَفَةَ

الفصل: ‌22 - باب في وقت الإحرام

‌22 - باب في وَقْتِ الإِحْرامِ

1770 -

حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ - يَعْني: ابن إِبْراهِيمَ - حَدَّثَنا أَبي، عَنِ ابن إِسْحاقَ، قَالَ: حَدَّثَني خُصَيْفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجَزَريُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ: يا أَبا العَبَّاسِ عَجِبْتُ لاِخْتِلافِ أَصْحابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في إِهْلالِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَوْجَبَ. فَقَالَ: إِنّي لأَعْلَمُ النّاسِ بِذَلِكَ إِنَّها إِنَّما كَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّةٌ واحِدَةٌ فَمِنْ هُناكَ اخْتَلَفوا خَرَجَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم حاجّا فَلَمّا صَلَّى في مَسْجِدِهِ بِذي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَوْجَبَ في مَجْلِسِهِ فَأَهَلَّ بِالحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوامٌ فَحَفِظْتُهُ عَنْهُ ثُمَّ رَكِبَ فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ ناقَتُهُ أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوامٌ وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إِنَّما كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسالًا فَسَمِعُوهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ ناقَتُهُ يُهِلُّ فَقَالُوا: إنَّما أَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ ناقَتُهُ ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمّا عَلا عَلَى شَرَفِ البَيْداءِ أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوامٌ فَقَالُوا: انَّما أَهَلَّ حِينَ عَلا عَلَى شَرَفِ البَيْداءِ وايْمُ اللهِ لَقَدْ أَوْجَبَ في مُصَلَّاهُ وَأَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ ناقَتُهُ وَأَهَلَّ حِينَ عَلا عَلَى شَرَفِ البَيْداءِ. قَالَ سَعِيدٌ: فَمَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَهَلَّ في مُصَلَّاهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ (1).

1771 -

حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ بَيْداؤُكُمْ هذِه التي تَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فيها ما أَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا مِنْ عِنْدِ المَسْجِدِ يَعْني مَسْجِدَ ذي الحُلَيْفَةِ (2).

1772 -

حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ المَقْبُري، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: يا أَبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَأَيْتكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا

(1) رواه أحمد 1/ 260، والحاكم 1/ 451، والبيهقي 5/ 37.

وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(312).

(2)

رواه البخاري (1541)، ومسلم (1186).

ص: 288

مِنْ أَصْحابِكَ يَصْنَعُها. قَالَ: ما هُنَّ يا ابن جُرَيْجٍ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ لا تَمَسُّ مِنَ الأَرْكانِ إلَّا اليَمانِيَيْنِ وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعالَ السِّبْتِيَّةَ وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ وَرَأَيْتُكَ إِذا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الهِلالَ وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى كانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: أَمّا الأَرْكانُ فَإِنّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمَسُّ إلَّا اليَمانِيَيْنِ وَأَمّا النِّعالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ النِّعالَ التي لَيْسَ فِيها شَعْرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيها فَأَنا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَها وَأَمّا الصُّفْرَةُ فَإِنّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصْبُغُ بِها فَأَنا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِها وَأَمّا الإِهْلالُ فَإِنّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُهِلّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ راحِلَتُهُ (1).

1773 -

حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَصَلَّى العَصْرَ بِذي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ باتَ بِذي الحُلَيْفَةِ حَتَّى أَصْبَحَ فَلَمّا رَكِبَ راحِلَتَهُ واسْتَوَتْ بِهِ أَهَلَّ (2).

1774 -

حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا رَوْحٌ، حَدَّثَنا أَشْعَثُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ راحِلَتَهُ فَلَمّا عَلا عَلَى جَبَلِ البَيْداءِ أَهَلَّ (3).

1775 -

حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا وَهْبٌ - يَعْني: ابن جَرِيرٍ - قَالَ: حَدَّثَنا أَبي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحاقَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبي الزِّنادِ عَنْ عائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقّاصٍ قَالَتْ: قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبي وَقّاصٍ: كَانَ نَبي اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا أَخَذَ طَرِيقَ الفُرْعِ أَهَلَّ إِذَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ راحِلَتُهُ وَإِذَا أَخَذَ طَرِيقَ أُحُدٍ أَهَلَّ إِذا أَشْرَفَ عَلَى جَبَلِ البَيْداءِ (4).

(1) رواه البخاري (166)، ومسلم (1187).

(2)

رواه البخاري (1546).

(3)

رواه النسائي 5/ 225، وأحمد 3/ 307، وابن حبان (3931).

وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(1556).

(4)

رواه البزار 4/ 36 (1198)، وأبو يعلى 2/ 138 (818)، والحاكم 1/ 452. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (313).

ص: 289

باب وقت الإحرام

[1770]

([حدثنا محمد بن منصور، حدثنا يعقوب - يعني: ابن إبراهيم، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدثني] (1) خصيف) بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة مصغر (بن عبد الرحمن)[أبو عون](2)(الجزري) بفتح الجيم والزاي ثم راء مهملة، قال البيهقي: ليس بالقوي ووثقه بعضهم (3)(عن سعيد بن جبير، قلت لابن عباس) رضي الله عنهما (يا أبا العباس) فيه نداء المفتي والعالم بكنيته فقط دون سيدي ونحوه.

(عجبت [لاختلاف أصحاب] (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم) مع جلالتهم (في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم) الإهلال في اللغة رفع الصوت، والمراد به هنا وفي أحاديث الحج كلها انعقاد النية بالحج أو العمرة أو بهما وسمي (5) به رفع الصوت بالتلبية؛ لأنه عند انعقاد النية يرفع صوته بالتلبية، لعل (6) سبب تعجبه أن الاختلاف غالبًا إنما يكون في المسائل الاجتهادية التي خفي حكمها عنهم (7) والصحابة حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم

(1) من مطبوع "السنن".

(2)

في (م): بن عوف.

(3)

"السنن الكبرى" 5/ 37، "تهذيب الكمال" 8/ 259.

(4)

في (م): لأصحاب.

(5)

بعدها في النسخ: رفع. ولعل الصواب حذفها.

(6)

في (ر): بعد.

(7)

في (م): عندهم.

ص: 290

وشاهدوا أفعاله وأقواله والإهلال فيه رفع الصوت بالتلبية، وهذا مما لا يخفى عليهم ولا يختلف في مثله.

(حين (1) أوجب) أي: أوجب الحج على نفسه إذا باشر مقدماته كالإحرام والتلبية، قاله ابن الأثير (2).

(فقال) ابن عباس (إني لأعلم الناس بذلك) لم يرد بذلك مدح نفسه، بل قاله ليكون أوقع في قلب السائل كما قال ابن عباس أيضًا في الحديث المتقدم: على الخبير سقطت (3). (إنها) أي: إن القصة (إنما) صيغة حصر (كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة واحدة) وهي حجة الوداع (فمن هناك) أي لأجل ذلك (اختلفوا) إذ لو كانت حجاته متعددة لذكر كل منهم ما شاهده ولما وقع اختلاف (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعد أن صلى الظهر بالمدينة أربعًا، وذلك يوم الخميس لخمس بقين من ذي القعدة (حاجًّا) إلى مكة في الحجة التي لم يحج من المدينة منذ هاجر إليها غيرها.

(فلما صلى) العصر (في مسجده) أي: مسجد ميقاته (بذي الحليفة) من ذلك اليوم (ركعتيه) أي: ركعتي العصر مقصورة (أوجب) على نفسه الحج كما تقدم (في مجلسه) ذلك (فأهل) أي: أحرم (بالحج حين فرغ من ركعتيه) ولبى رافعًا به (4) صوته (فسمع ذلك منه أقوام) من الصحابة (فحفظته)[فحفظوه (عنه)](5) بكسر الفاء وبَلَّغْتُه عنه حيث (6) لم يسمع

(1) في (م): حتى.

(2)

انظر "النهاية"(وجب).

(3)

"صحيح مسلم"(1325).

(4)

من (م).

(5)

سقط من (م).

(6)

في (م): حين.

ص: 291

منه غيره لاشتغالهم بأمورهم، وهذا فيه (1) دليل لمن يقول: الأفضل أن يحرم عقيب (2) الصلاة وهو جالس، وهو قول الحنفية ومشهور مذهب الحنابلة [غير أن الفريقين] (3) لم يقولوا: وهو جالس، وهو قول ضعيف للشافعية (4).

(ثم ركب) دابته بعدما صلى صبح الجمعة بذي الحليفة.

(فلما استقلت به) أي: نهضت (ناقته) حاملة له (أهل) بالحج ورفع صوته بالتلبية (وأدرك ذلك منه أقوام) من الصحابة غير الأولين (وذلك أن الناس) تشمل الصحابة وغيرهم (إنما كانوا يأتون أرسالًا) أي: متتابعين قومًا بعد قوم (فسمعوه (5) حين استقلت) أي نهضت (به ناقته) حاملة له (يهل) أي: يرفع صوته بالتلبية (فقالوا: إنما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استقلت به راحلته) لأنهم لم يسمعوا إهلاله المتقدم إنما يمشون قومًا بعد قوم، ولكثرتهم فإن أبا زرعة قال: حج معه سبعون ألفًا، وقال ابن (6) حزم: حج معه جموع كثيرة لا يحصرهم إلا خالقهم ورازقهم (7).

(ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم) في سفره (فلما علا على شرف البيداء)

(1) سقط من (م).

(2)

في (م): عند.

(3)

من (م).

(4)

"المجموع" 7/ 214، 221، و"المغني" 5/ 80 - 81.

(5)

"حجة الوداع" ص 116.

(6)

زاد في (ر): خ فسمعته.

(7)

من (م).

ص: 292

الشرف ما ارتفع من الأرض، والبيداء البرية، والمراد به هنا مكان مخصوص على طريق مكة فوق علمي ذي الحليفة لمن [صعد من](1) الوادي، قاله أبو عبيدة وغيره.

(أهل) بالحج ورفع صوته بالتلبية، وفيه دليل على ما قاله العلماء أنه يستحب للرجل رفع الصوت بالتكبير عند كل ركوب ونزول ومسجد و [احتطاب و](2) زقاق وغير ذلك (وأدرك ذلك منه أقوام) سمعوه منه لما أهل به ولم يسمعوا [ما قبله](3).

(فقالوا: إنما أهل حين علا على شرف الروحاء) قال ابن عباس: (وايم الله) همزته همزة وصل وميمه مضمومة، وقالوا فيها: أيمن الله بضم الميم والنون، وهي جمع يمين وهو مذهب الكوفيين، والصحيح مذهب البصريين أنه لفظ مفرد مختص بالقسم، لا يستعمل في (4) الأكثر إلا مضافًا إلى الله تعالى، قال الأزهري: وضم آخره مع أن حكم القسم الخفض (5) كما ضم لعمرك؛ لأنه ضمن يمينًا بالله تعالى (6).

(لقد أوجب) الحج على نفسه (في مصلاه) أي: مسجد ذي الحليفة كما تقدم (وأهل) أي: رفع صوته بالتلبية (حين استقلت به ناقته) متوجهة للسير (وأهل) أيضًا (حين علا على شرف البيداء، قال سعيد) بن جبير (فمن أخذ بقول عبد الله بن عباس أهل في مصلاه) أي مسجد ميقاته

(1) في (م): فتقدم.

(2)

في (م): امطه أم.

(3)

من (م).

(4)

من (م).

(5)

زاد في (م): بالقسم.

(6)

انظر: "تهذيب اللغة"(يمن).

ص: 293

(إذا فرغ من ركعتيه) أي دبر صلاته.

[1771]

([حدثنا القعنبي، عن مالك، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله] (1) عن أبيه) عبد الله بن عمر (أنه قال: بيداؤكم) كل صحراء بيداء، وجمعها بيد بكسر الباء، قال العلماء: هذِه البيداء هي الشرف الذي قدام ذي الحليفة إلى جهة مكة وهي بقرب ذي الحليفة، وقال أبو عبيد البكري: هي فوق علمي ذي الحليفة لمن صعد من الوادي (2). سميت بيداء؛ لأنها ليس بها بناء ولا أثر وكل صحراء تسمى بيداء، وأما هنا فالمراد بها ما ذكرناه.

(هذِه) يحتمل أن يكون حين قال: هذِه (3) كان نازلًا بها، فلهذا أتى بالإشارة (التي تكذبون على) عهد (4) (رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها) أي تقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم منها ولم يحرم، وإنما أحرم قبلها من عند مسجد (5) ذي الحليفة ومن عند الشجرة التي كانت هناك وكانت عند المسجد وسماهم كاذبين لأنهم أخبروا بالشيء على خلاف ما هو عليه وإن لم يقصدوا الكذب.

وفيه دليل لمذهب أهل السنة أن الغالط يسمى كاذبًا خلافًا للمعتزلة في اشتراطهم التعمد وعندنا العمدية شرط لكونه إثمًا لا لكونه كذبًا، وفيه إنكار ابن عمر على من يخص الإهلال بالقيام على شرف البيداء وقد اتفق

(1) من مطبوع "السنن".

(2)

انظر "معجم ما استعجم" 1/ 291.

(3)

في (م): هذا.

(4)

و (5) سقط من (م).

ص: 294

فقهاء الأمصار على جواز ذلك، وإنما الخلاف في الأفضل.

(ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد) و (1) فسره (يعني: مسجد ذي الحليفة) ويعرف بمسجد (2) الشجرة وهو خراب، وبها بئر علي رضي الله عنه، وفيه دلالة على أن ميقات أهل المدينة من عند مسجد ذي الحليفة، ولا يجوز لهم تأخير الإحرام إلى البيداء لكن الأفضل أن يعيد الإهلال عليها كما فعل صلى الله عليه وسلم، وفيه أن الإحرام من الميقات أفضل من دويرة أهله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الإحرام من مسجده مع كمال شرفه، ولا يقال: فعله للجواز؛ لأن البيان حصل في باب المواقيت كما في الأحاديث الصحيحة ولو فعله للجواز لواظب على خلافه كما توضأ مرة ومرتين للجواز وواظب على الثلاث.

[1772]

([حدثنا القعنبي، عن مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري] (3) عن عبيد) مصغر (ابن جريج) بتكرير الجيم مصغر مولى بني تميم المدني يعد في التابعين (أنه قال (4) لعبد الله بن عمر) بن الخطاب (يا أبا عبد الرحمن) وإن لم يكن له ابن يسمى عبد الرحمن (رأيتك تصنع أربعًا لم أر أحدًا من أصحابك يصنعها) قال المازري (5): يحتمل أن مراده لا يصنعها غيرك مجتمعة وإن كان يصنع بعضها (6).

(1) في (م): ثم.

(2)

زاد في (م): ذي.

(3)

من مطبوع "السنن".

(4)

سقط من (م).

(5)

في (ر): الماوردي.

(6)

"فتح الباري" 1/ 323.

ص: 295

(قال: ما هي يا ابن جريج؟ قال: رأيتك لا (1) تمس) بفتح الميم، قال الله:{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} (2)(من الأركان) الأربعة (إلا) الركنين (اليمانيين) بتخفيف الياء، وحكى سيبويه تشديدها لغة ضعيفة، والأول أصح؛ لأنها نسبة اليمن فحقه (3) أن يقال: اليمني. وهو جائز فلما قالوا: اليماني. أبدلوا من إحدى يائي النسب ألفًا فقالوا: اليماني. فمن شدد الياء الآخرة جمع بين البدل والمبدل، والذين شددوا قالوا: هذِه الياء زائدة كما زادوا في النسب إلى صنعاء صنعاني فزادوا النون الثانية، والمراد بالركنين اليمانيين الركن اليماني والركن الذي مقابله فيه الحجر الأسود وسيأتي له تتمة.

(ورأيتك تلبس) بفتح التاء والباء (النعال السبتية) بكسر السين [وزعم قطرب: أنه بضم السين قال: وهو نبت](4) وإسكان الباء الموحدة مشتق من السبت وهو الحلق والإزالة، ومنه قولهم: سبت رأسه، أي: حلقه.

قال أبو عمرو الشيباني: السبت كل جلد مدبوغ.

(ورأيتك تصبغ) بضم الباء الموحدة كما تقدم (بالصفرة) كما سيأتي.

(ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال) أي هلال ذي الحجة وجرى على ألسنتهم؛ لأنهم أكثر ما كانوا يحجون إذا أهل هلال ذي الحجة وكان بعض العلماء يرى أن يُهل لاستقبال ذي الحجة

(1) سقط من (م).

(2)

الواقعة: 79.

(3)

في (م): فخف.

(4)

سقط من (م).

ص: 296

إذا رأى الهلال بهذا الحديث (ولم تهل أنت حتى كان يوم) بالرفع على أن كان تامة (التروية) وهو الثامن من ذي الحجة، وفي تسميته بذلك قولان:

أحدهما: لأن الناس يتروون فيه من ماء زمزم؛ لأنه لم يكن بعرفة ولا بمنى ماء.

وقال آخرون: لأنه اليوم الذي رأى فيه آدم حواء.

وحكي ثالثًا: لأن جبريل أرى فيه إبراهيم أول المناسك.

(فقال عبد الله بن عمر: أما الأركان فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس) من الأركان (إلا اليمانيين) قيل: سميا بذلك ليمنهما لأن اليمن البركة؛ فأجابه ابن عمر بأنه إنما اقتصر على مسهما اتباعًا للسنة. وقال في حديث آخر: إنما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم استلام الركنين الآخرين وهما الشاميان؛ لأن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم عليه السلام، وهذا هو الذي حمل ابن الزبير على أنه لما عمر الكعبة أتم البيت على قواعد إبراهيم عليه السلام، وبذلك جزم الأزرقي في "تاريخ مكة" (1) قال: إن ابن الزبير لما فرغ وأدخل فيه من الحجر ما أخرج منه ورد الركنين على قواعد إبراهيم خرج إلى التنعيم واعتمر وطاف (2) بالبيت واستلم الأركان الأربعة ولم يزل البيت على قواعد إبراهيم، وإذا طاف الطائف استلم الأركان جميعًا حتى قتل ابن الزبير.

وأخرج أيضًا من طريق ابن إسحاق قال: بلغني أن آدم لما حج استلم الأركان كلها وأن إبراهيم وإسماعيل لما فرغا من بناء البيت طافا به سبعًا

(1) 1/ 210.

(2)

ساقطة من (م).

ص: 297

يستلمان الأركان كلها (1).

قال الداودي: ظن معاوية أنهما ركنا البيت الذي وضع عليه من أول، فلم يجبه إلا باتباع السنة، والجمهور على اختصاص الاستلام بالركنين على ما قال ابن عمر وروى ابن المنذر وغيره استلام جميع الأركان كلها عن جابر وأنس والحسن والحسين من الصحابة وعن سويد بن غفلة من التابعين.

وفي البخاري كان معاوية يستلم الأركان كلها، فقال له ابن عباس، فقال: ليس شيء من البيت بمهجور (2). وأجاب الشافعي عن هذا بأنا لا ندع استلامهما هجرًا للبيت وكيف نهجره ونحن نطوف به ولكنا نتبع السنة فعلًا وتركًا ولو كان ترك استلامهما هجرًا لهما لكان ترك استلام ما بين الأركان هجرًا لها ولا قائل به (3). ويؤخذ منه حفظ المراتب وإعطاء كل ذي حق حقه وتنزيل كل واحد منزلته.

(وأما النعال السبتية) والاختصاص بلبسها (فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر) أي: ولا صوف.

إجابة ابن عمر بتفسير النعال السبتية بأنها التي لا شعر فيها، وهو قول جماهير أهل اللغة، والغريب والحديث، وقال الهروي: لأنها أسبتت بالدباغ أي لانت، يقال: رطبة مسبتة (4)، أي: لينة (5).

(1)"أخبار مكة" 1/ 66.

(2)

"الأم" 3/ 432.

(3)

"الصحيح"(1608).

(4)

في (م): متسبتة.

(5)

انظر "غريب الحديث" لابن سلام (سبت).

ص: 298

وقال أبو زيد: [السبت جلود البقر مدبوغة كانت أو غير مدبوغة. وقال ابن وهب: النعال](1) السبتية كانت سوداء لا شعر فيها، قال القاضي: وهذا ظاهر كلام ابن عمر في قوله: وهي النعال التي ليس فيها شعر، وقد تكون سوداء مدبوغة، قال: وكان عادة العرب لباس النعال بشعرها غير مدبوغة، وقال الداودي: إنها منسوبة إلى سوق السبت (2).

وإنما اعترض عبيد على ابن عمر؛ لأن لبسها أفعال أهل السعة والنعمة ومن لباس أشراف الناس وكانوا يمتدحون بلبسها، قال ابن نمير (3): ولا أعلم خلافًا في جواز لبسها في غير المقابر، وحسبك أن ابن عمر روى أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبسها، وروي عنه أنه رأى رجلًا [يلبسهما في المقابر](4)، فأمره بخلعهما (5)، فيجوز أن يكون أمره بخلعها لأذى أو قذر رآه (6) فيها فكره قوم لبسها [بين المقابر](7) وتبويب النسائي يدل على الكراهة، وذكر الحكيم الترمذي في "نوادره" أن الأمر بخلعهما (8) لأن الميت كان حيث (9) مشيه بها يسأل في قبره، فلما قر (10) نعل ذلك

(1) من (م).

(2)

انظر: "شرح الزرقاني" 2/ 330، و"مشارق الأنوار" 2/ 203، و"شرح النووي" 8/ 95.

(3)

في (م): عمر.

(4)

في (م): يلبسها في المقبرة.

(5)

في (م): بخلعها.

(6)

و (7) من (م).

(8)

في (م): بخلعها.

(9)

في (م): حين.

(10)

في (م): صر.

ص: 299

الرجل شغل عن جواب الملكين وكاد يهلك لولا أن ثبته الله.

(ويتوضأ فيهما) فهم البخاري من هذِه الحقيقة كما هو ظاهر اللفظ فبوب عليه في أول كتاب الطهارة باب غسل الرجلين في النعلين، ولا يمسح على النعلين؛ لأنه (1) يلزم من وجوب غسل الرجلين في النعلين عدم جواز المسح عليهما وحقيقة الوضوء فيهما أن يكون حال كونه لابسًا لهما، وقال النووي: معناه يتوضأ ويلبسهما ورجلاه رطبتان (2). وقال السفاقسي: أراد البخاري الرد على من يجوز المسح على (3) النعلين، وأما ما رواه الثوري عن يحيى بن أبي حبة عن أبي الخلاس عن ابن عمر، أنه كان يمسح على جوربيه ونعليه، فهو وإن كان يدل على المراد في حديثه هذا أنه كان يمسح رجليه في نعليه في الوضوء؛ لا أنه كان يغسلهما فهو غير صحيح عنه؛ لأجل يحيى هذا فهو ضعيف، والصحيح عنه بنقل الأئمة الغسل رواه عنه مجاهد وعمرو (4) ابن دينار وغيرهما.

(فأنا أحب أن ألبسهما)(5) بفتح الباء الموحدة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسهما (6)(وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها) هل المراد هنا صبغ الثياب أو الشعر، والأشبه والأظهر كما قال القاضي الأول (7)؛

(1) بعدها في (ر): لا.

(2)

"شرح النووي" 8/ 95.

(3)

في (ر): في.

(4)

سقط من (م).

(5)

في (م): ألبسها.

(6)

في (م): يلبسها.

(7)

"إكمال المعلم" 4/ 184.

ص: 300

لأن ابن عمر أخبر أنه صبغ ولم ينقل عنه أنه صبغ شعره وإلا فقد جاءت آثار عن ابن عمر ليس فيها تصفير ابن عمر لحيته، واحتج بأنه كان صلى الله عليه وسلم يصفر لحيته بالورس والزعفران كما سيأتي في أبي داود (1)، وذكر في حديث آخر احتجاجه بأنه عليه السلام كان يصبغ بها ثيابه حتى عمامته (2)، وكان أكثرهم يعني: الصحابة والتابعين يخضب بالصفرة منهم أبو هريرة وآخرون، وروي ذلك عن علي رضي الله عنه.

(وأنا أحب أن أصبغ بها) بضم الباء وكسرها وفيه الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وفضيلة محبة ذلك.

(وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل) أي يحرم ويرفع صوته بالتلبية (حتى تنبعث به راحلته) أجابه ابن عمر عن سؤاله بالإهلال في يوم التروية بنوع من القياس؛ لأنه قاس يوم التروية؛ لأنه اليوم الذي تنبعث فيه الراحلة من مكة، كما أنه إذا انبعثت به راحلته من (3) ميقاته أهلَّ فقاسه عليه وأجابه، وهو دليل على قول الجمهور أن الأفضل إن كان راكبًا أن يحرم إذا انبعثت به راحلته؛ لأنه إذا أحرم مع السير وافق قوله فعله وإن كان ماشيًا يحرم إذا ابتدأ بالمشي، وينوي الإحرام بقلبه والنية هي القصد بالقلب والمراد بقصد الإحرام بالقلب: هو الاعتقاد كما قاله البندنيجي (4) وغيره لا قوله في القلب: أحرمت، فإن ذلك ليس بنية فلا يقع الاكتفاء

(1) سيأتي برقم (4210).

(2)

سيأتي برقم (4064).

(3)

في (م): في.

(4)

"المجموع" 7/ 224.

ص: 301

به، وكلام الماوردي يقتضي الاكتفاء به (1).

[1773]

([حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا محمد بن بكر، حدثنا ابن جريج، عن محمد بن المنكدر] (2) عن أنس رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة) قبل أن يرتحل (أربعًا) أي: أربع ركعات وهي صلاة الحضر (وصلى العصر) من ذلك اليوم (بذي الحليفة) وهي ميقات أهل المدينة (ركعتين) فيه دليل على مشروعية قصر الصلاة لمن فارق بيوت بلده ونزل خارجًا منها (3) ولو بالقرب منها فاحتج به أهل الظاهر على جواز قصر الصلاة في السفر القصير ولا حجة فيه؛ لأنه كان ابتداء سفره لا منتهاه.

(ثم بات بذي الحليفة حتى أصبح) فيه دليل على مشروعية المبيت بالقرب من البلد التي سافر منه ليكون ذلك أمكن للمسافر ليتوصل بذلك إلى تحصيل مهماته التي ينساها في مدينته مثلًا، فإن النووي قال: بين المدينة وذي الحليفة ستة أميال (4) وبالغ ابن الصباغ فزعم (5) أن بينهما ميل واحد، وقال ابن بطال: ليس ذلك من سنن الحج، وإنما هو من جهة الرفق ليلحق به من تأخر عنه من أمتعة وحيوان وغير ذلك (6)(فلما ركب راحلته واستوت به) قائمة (أهل) وحقيقة الإهلال

(1)"الحاوي الكبير" 4/ 81.

(2)

من مطبوع "السنن".

(3)

في (م): عنها.

(4)

"شرح النووي" 5/ 199.

(5)

في (م): فذكر.

(6)

"شرح صحيح البخاري" لابن بطال 4/ 219.

ص: 302

إظهار حالة الإحرام برفع الصوت بالتلبية والتكبير ونحوهما.

[1774]

([حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا روح، حدثنا أشعث، عن الحسن] (1) عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر) أي: بالبيداء ركعتين، (ثم ركب راحلته، فلما علا) أي: صعد (على جبل البيداء) هو كالتفسير للرواية السابقة فلما علا على شرف البيداء (أهل) كما تقدم.

[1775]

([حدثنا محمد بن بشار، حدثنا] (2) وهب بن جرير) بالجيم ([قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن أبي الزناد، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص قالت: ] قال: ثنا أبي) جرير بن حازم (قال سعد بن أبي وقاص: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ طريق الفرع) بضم الفاء وإسكان الراء ثم عين مهملة، وقيل: بضمها عمل من أعمال المدينة من جهة الصفراء وكان من ديار عاد (أهل إذا استقلت به راحلته) كما تقدم (وإذا أخذ) على (طريق) جبل (أحد) وهو جبل بالمدينة أيضًا (أهل إذا أشرف على جبل البيداء) بين مكة والمدينة، وهذا فيه جمع بين الحديثين المتقدمين بأن يحمل اختلاف الروايتين على حالتين مختلفتين.

(1) من مطبوع "السنن".

(2)

من مطبوع "السنن".

ص: 303