المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌24 - باب في إفراد الحج - شرح سنن أبي داود لابن رسلان - جـ ٨

[ابن رسلان]

فهرس الكتاب

- ‌28 - باب كَراهِيَةِ المَسْأَلَةِ

- ‌29 - باب في الاسْتِعْفاف

- ‌30 - باب الصَّدَقَةِ علَى بَني هاشِمٍ

- ‌31 - باب الفَقِيرِ يُهْدي لِلْغَني مِنَ الصَّدَقَةِ

- ‌32 - باب مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ وَرِثَها

- ‌33 - باب في حُقُوقِ المالِ

- ‌34 - باب حَقِّ السّائِلِ

- ‌35 - باب الصَّدَقَةُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ

- ‌36 - باب ما لا يَجُوزُ مَنْعُهُ

- ‌37 - باب المَسْأَلَةِ في المَساجِدِ

- ‌38 - باب كَراهيَةِ المَسْأَلَةِ بِوَجْهِ اللهِ تَعالَى

- ‌39 - باب عَطِيَّةِ مَنْ سَأَلَ باللهِ

- ‌40 - باب الرَّجُلِ يَخْرُجُ مِنْ مالِهِ

- ‌41 - باب في الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ

- ‌42 - باب في فَضْلِ سَقْى الماءِ

- ‌43 - باب في المَنِيحَةِ

- ‌44 - باب أَجْرِ الخازِنِ

- ‌45 - باب المَرْأَةِ تَتَصَدَّقُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِها

- ‌46 - باب في صِلَةِ الرَّحِمِ

- ‌47 - باب في الشُّحِّ

- ‌كِتَابُ اللُّقطَةِ

- ‌كِتَابُ المَنَاسِكِ

- ‌1 - باب فَرْضِ الحَجِّ

- ‌2 - باب في المَرْأَةِ تَحُجُّ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ

- ‌3 - باب "لا صَرُورَةَ" في الإِسْلامِ

- ‌4 - باب التَّزَوُّدِ في الحَجِّ

- ‌5 - باب التجارة في الحج

- ‌6 - باب

- ‌7 - باب الكَري

- ‌8 - باب في الصَّبي يَحُجُّ

- ‌9 - باب في المَواقِيتِ

- ‌10 - باب الحائِضِ تُهِلُّ بِالحَجِّ

- ‌11 - باب الطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرامِ

- ‌12 - باب التَّلْبِيدِ

- ‌13 - باب في الهَدي

- ‌14 - باب في هَدي البَقَرِ

- ‌15 - باب في الإِشْعارِ

- ‌16 - باب تَبْدِيلِ الهَدي

- ‌17 - باب مَنْ بَعَثَ بِهَدْيِهِ وَأَقَامَ

- ‌18 - باب في رُكُوبِ البُدْنِ

- ‌19 - باب في الهَدي إِذا عَطِبَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ

- ‌20 - باب مَنْ نَحَرَ الهَدي بِيَدِهِ واسْتَعانَ بغَيْرِه

- ‌21 - باب كَيْف تُنْحَرُ البُدْنُ

- ‌22 - باب في وَقْتِ الإِحْرامِ

- ‌23 - باب الاشْتِراطِ في الحَجِّ

- ‌24 - باب في إِفْرادِ الحَجِّ

- ‌25 - باب في الإِقْرانِ

- ‌26 - باب الرَّجُلُ يُهِلُّ بِالحَجّ ثُمَّ يَجْعَلُها عُمْرَةً

- ‌27 - باب الرَّجُلِ يَحُجُّ، عَنْ غَيْرِهِ

- ‌28 - باب كَيْفَ التَّلْبِيَةُ

- ‌29 - باب مَتَى يَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ

- ‌30 - باب مَتَى يَقْطَعُ المُعْتَمِرُ التَّلْبِيَةَ

- ‌31 - باب المُحْرِمِ يُؤَدِّبُ غُلَامَهُ

- ‌32 - باب الرَّجُلِ يُحْرِمُ فِي ثِيَابِهِ

- ‌33 - باب ما يَلْبَسُ المُحْرِمُ

- ‌34 - باب المُحْرِمِ يَحْمِلُ السِّلاحَ

- ‌35 - باب في المُحْرِمَةِ تُغَطِّي وَجْهَهَا

- ‌36 - باب في المُحْرِمِ يُظَلَّلُ

- ‌37 - باب المُحْرِم يَحْتَجِمُ

- ‌38 - باب يَكْتَحِلُ المُحْرِمُ

- ‌39 - باب المُحْرِمِ يَغْتَسِلُ

- ‌40 - باب المُحْرِمِ يَتَزَوَّجُ

- ‌41 - باب ما يَقْتُلُ المُحْرِمُ مِنَ الدَّوابِّ

- ‌42 - باب لَحْمِ الصّيْدِ للْمُحْرِمِ

- ‌43 - باب في الجَرادِ لِلْمُحْرِمِ

- ‌44 - باب في الفِدْيَةِ

- ‌45 - باب الإِحصارِ

- ‌46 - باب دُخُولِ مَكَّةَ

- ‌47 - باب في رَفْعِ اليَديْنِ إِذَا رَأى البيْتَ

- ‌48 - باب في تَقْبِيلِ الحَجَرِ

- ‌49 - باب اسْتِلامِ الأَرْكانِ

- ‌50 - باب الطَّوافِ الواجِبِ

- ‌51 - باب الاضْطِباعِ في الطَّوافِ

- ‌52 - باب في الرَّمَلِ

- ‌53 - باب الدُّعاءِ في الطَّوافِ

- ‌54 - باب الطَّوافِ بَعْدَ العَصْرِ

- ‌55 - باب طَوافِ القارِنِ

- ‌56 - باب المُلْتَزَمِ

- ‌57 - باب أَمْرِ الصَّفا والمَرْوَةِ

- ‌58 - باب صِفَةِ حَجَّةِ النَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌59 - باب الوُقُوفِ بِعَرَفَةَ

- ‌60 - باب الخُرُوجِ إِلَى مِنَى

- ‌61 - باب الخُرُوجِ إِلى عَرَفَةَ

- ‌62 - باب الرَّواحِ إِلَى عَرَفَةَ

- ‌63 - باب الخُطْبَةِ عَلَى المِنْبَرِ بِعَرَفَةَ

- ‌64 - باب مَوْضِعِ الوُقُوفِ بِعَرَفَةَ

- ‌65 - باب الدَّفْعَةِ مِنْ عَرَفَةَ

الفصل: ‌24 - باب في إفراد الحج

‌24 - باب في إِفْرادِ الحَجِّ

1777 -

حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، حَدَّثَنا مالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَفْرَدَ الحَجَّ (1).

1778 -

حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنا حَمّادُ بْن زَيْدٍ ح وَحَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ يَعْني ابن سَلَمَةَ ح وَحَدَّثَنا مُوسَى، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّها قَالَتْ: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُوافِينَ هِلالَ ذي الحِجَّةِ فَلَمّا كَانَ بِذي الحُلَيْفَةِ قَالَ: "مَنْ شاءَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ وَمَنْ شاءَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ بِعُمْرَةٍ". قَالَ مُوسَى في حَدِيثِ وُهَيْبٍ: "فَإِنّي لَوْلا أَنّي أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ". وقَالَ: في حَدِيثِ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ: "وَأَمّا أَنا فَأُهِلُّ بِالحَجِّ فَإِنَّ مَعي الهَدي". ثُمَّ اتَّفَقُوا فَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَلَمّا كانَ في بَعْضِ الطَّرِيقِ حِضْتُ فَدَخَلَ عَلي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنا أَبْكي فَقالَ: "ما يُبْكِيكِ". قُلْتُ: وَدِدْتُ أَنّي لَمْ أَكُنْ خَرَجْتُ العامَ. قَالَ: "ارْفُضي عُمْرَتَكِ وانْقُضي رَأْسَكِ وامْتَشِطي". قَالَ مُوسَى: "وَأَهِلّي بِالحَجِّ". وقالَ سُلَيْمانُ: "واصْنَعي ما يَصْنَعُ المُسْلِمُونَ في حَجِّهِمْ". فَلَمّا كَانَ لَيْلَةُ الصَّدَرِ أَمَرَ - يَعْني: رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَذَهَبَ بِها إِلَى التَّنْعِيمِ. زَادَ مُوسَى: فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ مَكانَ عُمْرَتِها وَطافَتْ بِالبَيْتِ فَقَضَى اللهُ عُمْرَتَها وَحَجَّها.

قَالَ هِشامٌ: وَلَمْ يَكُنْ في شَيء مِنْ ذَلِكَ هَدي. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: زادَ مُوسَى في حَدِيثِ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَلَمّا كَانَتْ لَيْلَةُ البَطْحاءِ طَهُرَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها (2).

1779 -

حَدَّثَنا القَعْنَبي عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالَتْ:

(1) رواه مسلم (1211).

(2)

رواه البخاري (317)، ومسلم (1211).

ص: 307

خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عامَ حَجَّةِ الوَداعِ فَمِنّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَمِنّا مَنْ أَهَلَّ بِالحَجِّ وَأَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالحَجِّ فَأَمّا مَنْ أَهَلَّ بِالحَجِّ أَوْ جَمَعَ الحَجَّ والعُمْرَةَ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ (1).

1780 -

حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَني مالِكٌ، عَنْ أَبي الأَسْوَدِ بِإِسْنادِهِ مِثْلَهُ زادَ فَأَمّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَأَحَلَّ (2).

1781 -

حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبي صلى الله عليه وسلم أَنَّها قَالَتْ: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوَداعِ فَأَهْلَلْنا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كانَ مَعَهُ هَدي فَلْيُهِلَّ بِالحَجِّ مَعَ العُمْرَةِ ثُمَّ لا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُما جَمِيعًا". فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنا حائِضٌ وَلَمْ أَطُفْ بِالبَيْتِ وَلا بَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "انْقُضي رَأْسَكِ وامْتَشِطي وَأَهِلّي بِالحَجِّ وَدَعي العُمْرَةَ". قَالَتْ: فَفَعَلْتُ فَلَمّا قَضَيْنا الحَجَّ أَرْسَلَني رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ فاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ:"هذِه مَكانَ عُمْرَتِكِ". قَالَتْ: فَطافَ الذِينَ أَهَلُّوا بِالعُمْرَةِ بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طافُوا طَوافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ وَأَمّا الذِينَ كَانُوا جَمَعُوا الحَجَّ والعُمْرَةَ فَإِنَّما طافُوا طَوافًا واحِدًا.

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ إِبْراهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَمَعْمَرٌ، عَنِ ابن شِهابٍ نَحْوَهُ، لَمْ يَذْكُرُوا طَوافَ الذِينَ أَهَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَطَوافَ الذِينَ جَمَعُوا الحَجَّ والعُمْرَةَ (3).

1782 -

حَدَّثَنا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّها قَالَتْ: لَبَّيْنا بِالحَجِّ حَتَّى إِذَا كُنّا بِسَرِفَ حِضْتُ فَدَخَلَ عَلي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنا أَبْكي فَقَالَ: "ما يُبْكِيكِ يا عائِشَةُ؟ ". فَقُلْتُ:

(1) رواه البخاري (1562)، ومسلم (1211).

(2)

انظر ما قبله.

(3)

رواه البخاري (1556)، ومسلم (1211).

ص: 308

حِضْتُ لَيْتَني لَمْ أَكُنْ حَجَجْتُ. فَقَالَ: "سُبْحانَ اللهِ إِنَّما ذَلِكَ شَيء كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَناتِ آدَمَ". فَقَالَ: "انْسُكي المَناسِكَ كُلَّها غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفي بِالبَيْتِ". فَلَمّا دَخَلْنا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ شاءَ أَنْ يَجْعَلَها عُمْرَةً فَلْيَجْعَلْها عُمْرَةً إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الهَدي". قَالَتْ: وَذَبَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نِسائِهِ البَقَرَ يَوْمَ النَّحْرِ فَلَمّا كَانَتْ لَيْلَةُ البَطْحاءِ وَطَهُرَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ أَتَرْجِعُ صَواحِبي بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَرْجِعُ أَنا بِالحَجِّ! فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبي بَكْرٍ فَذَهَبَ بِها إِلَى التَّنْعِيمِ فَلَبَّتْ بِالعُمْرَةِ (1).

1783 -

حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلا نَرى إلَّا أَنَّهُ الحَجُّ فَلَمّا قَدِمْنا تَطَوَّفْنا بِالبَيْتِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم منْ لَمْ يَكنْ ساقَ الهَدي أَنْ يُحِلَّ فَأَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ ساقَ الهَدي (2).

1784 -

حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْري ما اسْتَدْبَرْتُ لمَا سُقْتُ الهَدي". قَالَ مُحَمَّدٌ: أَحْسِبُهُ قَالَ: "وَلَحَلَلْتُ مَعَ الذِينَ أَحَلُّوا مِنَ العُمْرَةِ". قَالَ: أَرادَ أَنْ يَكونَ أَمْرُ النّاسِ واحِدًا (3).

1785 -

حَدَّثَنا قُتَيْبَة بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قَالَ: أَقْبَلْنا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالحَجِّ مُفْرَدًا وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ مُهِلَّةً بِعُمْرَةٍ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بِسَرِفَ عَرَكَتْ حَتَّى إِذَا قَدِمْنا طُفْنا بِالكَعْبَةِ وَبِالصَّفا والمَرْوَةِ فَأَمَرَنا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُحِلَّ مِنّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدي، قَالَ: فَقُلْنا: حِلُّ ماذا؟ فَقَالَ: "الحِلُّ كُلُّهُ". فَواقَعْنا النِّساءَ وَتَطيَّبْنا بِالطِّيبِ وَلَبِسْنا ثِيابَنا وَلَيْسَ بَيْنَنا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلَّا أَرْبَعُ لَيالٍ

(1) رواه البخاري (294)، ومسلم (1211).

(2)

رواه البخاري (1561)، ومسلم (1211، 1328).

(3)

رواه البخاري (7229)، ومسلم (1211).

ص: 309

ثُمَّ أَهْلَلْنا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَائِشَةَ فَوَجَدَها تَبْكي فَقَالَ:"ما شَأْنُكِ". قَالَتْ: شَأْني أَنّي قَدْ حِضْتُ وَقَدْ حَلَّ النّاسُ وَلَمْ أَحْلِلْ وَلَمْ أَطُفْ بِالبَيْتِ والنّاسُ يَذْهَبُونَ إِلَى الحَجِّ الآنَ. فَقَالَ: "إِنَّ هذا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَناتِ آدَمَ فاغْتَسِلي ثُمَّ أَهِلّي بِالحَجِّ". فَفَعَلَتْ. وَوَقَفَتِ المَواقِفَ حَتَّى إِذَا طَهُرَتْ طافَتْ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفا والمَرْوَةِ ثُمَّ قَالَ: "قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا". قَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنّي أَجِدُ في نَفْسي أَنّي لَمْ أَطُفْ بِالبَيْتِ حِينَ حَجَجْتُ.

قَالَ: "فاذْهَبْ بِها يا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْمِرْها مِنَ التَّنْعِيمِ". وَذَلِكَ لَيْلَةَ الحَصْبَةِ (1).

1786 -

حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جابِرًا قَالَ: دَخَلَ النَّبي صلى الله عليه وسلم عَلَى عائِشَةَ بِبَعْضِ هذِه القِصَّةِ قَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ: "وَأَهِلّي بِالحَجِّ". "ثُمَّ حُجّي واصْنَعي ما يَصْنَعُ الحاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفي بِالبَيْتِ وَلا تُصَلّي"(2).

1787 -

حَدَّثَنا العَبَّاسُ بْنُ الوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ، أَخْبَرَني أَبي، حَدَّثَني الأَوْزاعي، حَدَّثَني مَنْ سَمِعَ عَطاءَ بْنَ أَبي رَباحٍ، حَدَّثَني جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَهْلَلْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالحَجِّ خالِصًا لا يُخالِطُهُ شَيء فَقَدِمْنا مَكَّةَ لأَرْبَعِ لَيالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذي الحِجَّةِ فَطُفْنا وَسَعَيْنا ثُمَّ أَمَرَنا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَحِلَّ وقَالَ: "لَوْلا هَدْيي لَحَلَلْتُ". ثُمَّ قَامَ سُراقَةُ ابْنُ مالِكٍ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ مُتْعَتَنا هذِه أَلِعامِنا هذا أَمْ لِلأَبَدِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بَلْ هي لِلأَبَدِ". قَالَ الأَوْزاعي: سَمِعْتُ عَطاءَ بْنَ أَبي رَباحٍ يُحَدِّثُ بهذا فَلَمْ أَحْفَظْهُ حَتَّى لَقِيتُ ابن جُرَيْجٍ فَأثْبَتَهُ لي (3).

1788 -

حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطاءِ

(1) رواه مسلم (1213).

(2)

انظر السابق.

(3)

رواه البخاري (1557)، ومسلم (1216).

ص: 310

ابْنِ أَبي رَباحٍ عَنْ جابِرٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحابُهُ لأَرْبَعِ لَيالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذي الحِجَّةِ فَلَمّا طافُوا بِالبَيْتِ وَبِالصَّفا والمَرْوَةِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اجْعَلُوها عُمْرَةً إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الهَدي".

فَلَمّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالحَجِّ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ قَدِمُوا فَطافُوا بِالبَيْتِ وَلَمْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ (1).

1789 -

حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ الثَّقَفيُّ، حَدَّثَنا حَبِيبٌ - يَعْني المُعَلِّمَ - عَنْ عَطاءٍ حَدَّثَني جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحابُهُ بِالحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ هَدي إلَّا النَّبي صلى الله عليه وسلم وَطَلْحَةَ وَكَانَ عَلي رضي الله عنه قَدِمَ مِنَ اليَمَنِ وَمَعَهُ الهَدي فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِما أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَصْحابَهُ أَنْ يَجْعَلُوها عُمْرَةً يَطُوفُوا ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الهَدي فَقَالُوا: انَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذُكُورُنا تَقْطُرُ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "لَوْ أَنّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْري ما اسْتَدْبَرْتُ ما أَهْدَيْتُ وَلَوْلا أَنَّ مَعي الهَدي لأَحْلَلْتُ"(2).

1790 -

حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الحَكَمِ عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"هذِه عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنا بِها فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ هَدي فَلْيَحِلَّ الحِلَّ كُلَّهُ وَقَدْ دَخَلَتِ العُمْرَةُ في الحَجِّ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هذا مُنْكَرٌ إِنَّما هُوَ قَوْلُ ابن عَبّاسٍ (3).

1791 -

حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ حَدَّثَني أَبي، حَدَّثَنا النَّهّاسُ، عَنْ عَطاءٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا أَهَلَّ الرَّجُلُ بِالحَجِّ ثُمَّ قَدِمَ مَكَّةَ فَطافَ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفا والمَرْوَةِ فَقَدْ حَلَّ وَهي عُمْرَةٌ".

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ ابن جُرَيْجٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَطاءٍ دَخَلَ أَصْحابُ النَّبي صلى الله عليه وسلم

(1) رواه البخاري (1568)، ومسلم (1216).

(2)

رواه البخاري (1651).

(3)

رواه مسلم (1241).

ص: 311

مُهِلِّينَ بِالحَجِّ خالِصًا فَجَعَلَها النَّبي صلى الله عليه وسلم عُمْرَةً (1).

1792 -

حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ شَوْكَرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قالا: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي زِيادٍ - قَالَ ابن مَنِيعٍ: أَخْبَرَنا يَزِيدُ بْن أَبي زِيادٍ المَعْنَى - عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ أَهَلَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم بِالحَجِّ فَلَمّا قَدِمَ طافَ بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ - وقَالَ ابن شَوْكَرٍ: وَلَمْ يُقَصِّرْ ثُمَّ اتَّفَقا - وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ أَجْلِ الهَدي وَأَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ ساقَ الهَدي أَنْ يَطُوفَ وَأَنْ يَسْعَى وَيُقَصِّرَ ثُمَّ يَحِلَّ. زادَ ابن مَنِيعٍ في حَدِيثِهِ: أَوْ يَحْلِقَ ثُمَّ يَحِلَّ (2).

1793 -

حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَني حَيْوَة، أَخْبَرَني أَبُو عِيسَى الخُراسانيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ القاسِمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسيَّبِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحابِ النَّبي صلى الله عليه وسلم أَتَى عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ رضي الله عنه فَشَهِدَ عِنْدَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في مَرَضِهِ الذي قُبِضَ فِيهِ يَنْهَى عَنِ العُمْرَةِ قَبْلَ الحَجِّ (3).

1794 -

حَدَّثَنا مُوسَى أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبي شَيْخٍ الهُنائي خَيْوانَ بْنِ خَلْدَةَ مِمَّنْ قَرَأَ عَلَى أَبي مُوسَى الأَشْعَري مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ؛ أَنَّ مُعاوِيةَ بْنَ أَبي سُفْيانَ قَالَ لأَصْحابِ النَّبي صلى الله عليه وسلم: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ كَذا وَكَذا وَعَنْ رُكُوبِ جُلُودِ النُّمُورِ؟ قالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ فَقَالُوا: أمّا هذا فَلا. فَقَالَ: أَما إِنَّها مَعَهُنَّ وَلَكِنَّكُمْ نَسِيتُمْ (4).

* * *

(1) رواه أحمد 1/ 247

(2)

رواه أحمد 1/ 241، وانظر ما قبل السابق.

(3)

رواه ابن حزم في "حجة الوداع"(551)، والبيهقي 5/ 19.

وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(314).

(4)

رواه أحمد 4/ 92، والطيالسي (1055).

وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(1574): حديث صحيح، إلا النهي عن القَرْنِ بين الحج والعمرة فهو منكر؛ لمخالفته الأحاديث المتقدمة.

ص: 312

باب إفراد الحج

وهو أن يحرم بالحج وحده، ثم إذا فرغ منه خرج من مكة فأحرم بالعمرة من أدنى الحل وفرغ منها.

[1777]

([حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، حدثنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه] (1) عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد) في إحرامه (الحج) عن العمرة، فيه دليل على أن أفضل أوجه النسك الإفراد، وهو أن يحج ثم يحرم بالعمرة كإحرام المكي في عام الحج؛ لأن رواته أكثر، ومجمع على عدم كراهته بخلاف التمتع والقران، ولعدم وجوب الدم فيه فإن أخر العمرة عن عام الحج فالتمتع والقران أفضل منه بلا خلاف؛ لأن تأخير العمرة عن سنة الحج مكروه، هكذا صرح به الجمهور، وقال القاضي حسين والمتولي: الإفراد أفضل مطلقًا (2). وهو مقتضى إطلاق الحديث ولو تمتع ولكن اعتمر بعد فراغ الحج أيضًا فهو أفضل من الإفراد لتحصل صورة الإفراد مع اعتماره مرتين، وقد أشار إلى ذلك القاضي شرف الدين البارزي (3) حيث قال: وينبغي أن يكون القران أفضل [إن اعتمر قبل الحج وأراد الاعتمار بعده ليحصل له عمرتان، وإنما يكون الإفراد والتمتع أفضل من القران](4) إن أراد الاقتصار على عمرة القران، قال: وهذِه دقيقة

(1) من مطبوع "السنن".

(2)

"المجموع" 7/ 151.

(3)

في (م): الباروي.

(4)

سقط من (م).

ص: 313

فليفطن لها ليعمل بها.

[1778]

([حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد (ح). وحدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد - يعني: ابن سلمة - (ح). وحدثنا موسى، حدثنا وهيب، عن هشام بن عروة] (1) عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام أحد تابعي المدينة، ولد هشام (2) سنة 61 ومات ببغداد سنة 146، ومات عروة سنة 95.

(عن عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين) بضم الميم أي: مستشرفين لرؤية (هلال) شهر (ذي الحجة) بكسر الحاء على الأفصح، أي: قرب طلوعه، ويدل عليه قولها وفي رواية أخرى (3): خرجنا لخمسٍ بقين من ذي القعدة، والخمس قريبة من آخر الشهر فوافاهم الهلال وهم في الطريق؛ لأنهم دخلوا مكة في رابع ذي الحجة.

(فلما كان بذي الحليفة) نازلًا (قال: من شاء) منكم (أن يهل) بضم الياء، أي: يحرم (بحج) وهو الإفراد (فليهل) بذلك (ومن شاء أن يهل بعمرة) وهو التمتع (فليهل بعمرة) قال العلماء: خيرهم أولًا بين الفسخ وعدمه ملاطفة لهم وإيناسًا بالعمرة في أشهر الحج؛ لأنهم كانوا يرونها من أفجر الفجور، ثم حتم عليهم بعد ذلك بالفسخ وأمرهم به أمر عزيمة، وألزمهم إياه وكره (4) ترددهم في قبول ذلك.

(1) من مطبوع "السنن".

(2)

سقط من (م).

(3)

من (م).

(4)

في (ر): كرره.

ص: 314

(قال موسى) بن إسماعيل (في حديث وهيب) بن الورد (فإني لولا أني) بفتح الهمزة (أهديت) أي: سقت الهدي معي إلى البيت الحرام (لأهللت بعمرة) اعتذر إليهم في ذلك لترك مواساتهم، وفيه دليل على أن من كان معه رفقة (1) يفعلون فعلًا يجوز لهم فعله أن يواسيهم؛ فإن المواساة من أفعال الكرام؛ فإن لم يمكنه ذلك فليعتذر إليهم تطييبًا لقلوبهم.

(وقال في حديث حماد بن سلمة: وأما أنا فأهل بالحج) فيه دليل على أفضلية الإفراد (فإن معي الهدي) بإسكان الدال وتخفيف الياء على المشهور، وهذا كالتعليل لإهلاله بالحج فإن ذلك تأنيس لهم واستجلاب لقلوبهم.

(ثم اتفقوا) يعني: الثلاثة الرواة على قول عائشة (فكنت فيمن أهل بعمرة) لأني لم يكن معي هدي، وفي البخاري: ليس مع أحدٍ منهم هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم (فلما كان في بعض الطريق) بينه في الرواية الآتية: حتى إذا كنا بسرف (حضت، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي) فيه فضيلة الصحابة من الرجال والنساء وشدة حرصهم على العبادة والحزن على فواتها (فقال: ما يبكيك؟ ) فيه السؤال عن حال الزوجة لا سيما إذا رآها مغتاظة أو تبكي (قلت: وددت) بكسر الدال الأولى.

(أني لم أكن خرجت العام) أي: في هذِه السنة بل في سنة بعدها لتقع أيام الحج في الطهر وأفوز بتمام الحج (قال: ارفضي) بكسر الفاء والضاد المعجمة وضم الفاء لغة أي: اتركي (عمرتك) ومنه سميت الرافضة من

(1) سقط من (م).

ص: 315

الكوفة؛ سموا بذلك لأنهم رفضوا أي: تركوا زيد بن علي لما نهاهم عن الطعن في الصحابة، فلما عرفوا أنه لا يبرأ من الشيخين تركوه.

واختلفوا في قوله لعائشة: دعي العمرة، فذهب بعضهم إلى أن المراد منه اتركيها إلى انقضاء أمرها بفسخ العمرة والخروج منها بالتحلل (1) حتى تقضي من بعد، فعلى هذا كانت عمرتها من التنعيم قضاء لها، والصحيح عند الشافعي وغيره أنه لم يأمرها بترك العمرة أصلًا؛ فإن العمرة كالحج لا يصح الخروج منهما إلا (2) بعد الإحرام بنية الخروج، وإنما يخرج منهما (3) بالتحلل بعد فراغهما (4) وإنما أمرها بترك أعمالها من الطواف والسعي، وأن تدخل عليها الحج بإحرامه فتصير قارنة وتقف بعرفات وتفعل المناسك كلها إلا الطواف فتؤخره حتى تطهر، وكذلك فعلت، وعلى هذا المذهب كانت عمرتها من التنعيم تطوعًا أعمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم تطييبًا لقلبها (5).

(وانقضي) شعر (رأسك) وفيه دليل على جواز ضفر المرأة رأسها في الإحرام بالحج، وعلى نقض شعرها عند غسل الحيض، قال بعض العلماء: ولا يلزم نقض الشعر إبطال العمرة، كما لا يلزم من قوله:(وامتشطي) لأن نقض الرأس والامتشاط جائز عندنا في الإحرام بحيث لا ينتتف منه شعرًا، لكن يكره الامتشاط إلا لعذر، وتأولوا فعل عائشة

(1) سقط من (م).

(2)

من (م).

(3)

في (م): منها.

(4)

في (م): فراغها.

(5)

انظر "المجموع" 7/ 416.

ص: 316

هذا على أنها كانت معذورة بأن كان برأسها أذًى، فأباح لها الامتشاط كما أباح لكعب بن عجرة الحلق للأذى (1)، وقيل: ليس المراد بالامتشاط هنا حقيقة الامتشاط بالمشط بل تسريح الشعر بالأصابع للغسل لإحرامها بالحج لا سيما إن كانت لبدت رأسها كما هو السنة.

(قال موسى: وأهل) النبي صلى الله عليه وسلم (بالحج) فيه دلالة على تفضيل الإفراد بالحج.

(وقال سليمان) بن حرب (واصنعي ما يصنع المسلمون في حجهم) فيه دليل على أن الحائض والنفساء، والمحدث والجنب يصح منهم جميع أفعال الحج وأقواله وهيئاته إلا الطواف وركعتيه، وأنه يصح الوقوف بعرفات والسعي كما تقدم.

(فلما كان) أي: كانت، لكن حذفت التاء لأن الليلة تأنيثها مجازي، (ليلة الصدر) بفتح الصاد والدال وهي الليلة التي يصدر فيها الناس أي: يرجعون فيها من منى بعد انقضاء نسكهم إلى مكة، ويقال في المثل (2): تركته من الفرح والسرور على مثل ليلة الصدر، أي بما أنعم الله عليه من تمام حجه وعوده إلى مكة شرفها الله، وهذِه الليلة هي الليلة الرابعة من ليالي التشريق (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن) بن أبي بكر أخاها [لما طهرت ليلة البطحاء كما سيأتي](3) أن يعمرها من التنعيم (فذهب بها) فيه دليل على جواز سفر المرأة المزوجة مع محرمها، وهل يفتقر إلى

(1) سيأتي برقم (1856).

(2)

في (ر): المثلثة.

(3)

سقط من (م).

ص: 317

إذن الزوج أم لا؟ وظاهر الحديث الافتقار.

(إلى التنعيم) من أدنى الحل بين مكة وسرف على فرسخين، وقيل: على أربع أميال، وسميت بذلك لأن جبلًا عن يمينها يقال له نعيم (1)[وجبلًا عن](2) يسارها [يقال له](3) ناعم، والوادي يقال له: نعمان.

(زاد موسى) بن إسماعيل في روايته (وأهلت) منها (بعمرة) امتثالًا لأمره صلى الله عليه وسلم (مكان عمرتها) الأولى، قال: هذا لأنها لم تطب نفسها بالعمرة التي أردفت عليها الحج وطافت طوافًا واحدًا وتكون هذِه قضاء لها إن قلنا: إنها أبطلتها وهو ضعيف، والصحيح عند الشافعي وغيره كما تقدم أنها لم تبطلها، بل أبطلت أعمالها، وأنها أدخلت الحج عليها فكانت قارنة، وعلى هذا فهذِه العمرة تطوعًا أعمرها بعد كمال حجة القران تطييبًا لنفسها بعمل عمرة منفردة (4). وهذا يقوي قول البازري (5) فيما تقدم: أن القران أفضل من الإفراد إذا جاء بعده عمرة مفردة ليحصل له عمرتان مع القران وعمرة منفردة.

(وطافت بالبيت) الحرام حين طهرت من الحيض وسعت بين الصفا والمروة (فقضى الله)[أي: أدي عنها](6)(عمرتها وحجها) الواجبين عليها

(1) في (م): التنعيم.

(2)

في (م): آخر على.

(3)

سقط من (م).

(4)

"الأم" 2/ 192 بمعناه.

(5)

في (م): الباروي.

(6)

من (م).

ص: 318

بذلك القران الذي أتت به.

(قال هشام) بن عروة (ولم يكن في شيء من ذلك) القران (هدي) فإن الهدي لم يكن إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة كما تقدم [عن البخاري](1)، ([قال أبو داود: ] (2) زاد موسى في حديث) رواية (حماد بن سلمة: فلما [كانت) البخاري] (3): كان (ليلة البطحاء) بدل (4) قوله في الرواية المتقدمة: [ليلة الصدر](5) وهي رابع ليالي التشريق التي نزل فيه النبي صلى الله عليه وسلم حين انصرف من حجته، ويسمى المكان الذي نزل فيه تلك الليلة بطحاء وأبطح لانبطاحه، ويقال له: المحصب؛ لكثرة الحصباء (6) فيه، ويقال له: خيف بني كنانة، والخيف الوادي وهو مكان بين الجبل الذي عند مقابر مكة والجبل الذي مقابله مصعدًا في الشق الأيسر وأنت ذاهب إلى منى مرتفعًا من بطن الوادي.

(طهرت عائشة) من حيضها الذي حاضت بسرف الرواية المشهورة رواية الصحيح، فلما كان يوم النحر طهرت.

[1779]

([حدثنا القعنبي عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة بن الزبير] (7) عن

(1) من (م).

(2)

من مطبوع "السنن".

(3)

سقط من (م).

(4)

في (م): فدل.

(5)

من (م).

(6)

في (م): الحصى.

(7)

من مطبوع "السنن".

ص: 319

عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام (1) حجة الوداع) بفتح الواو، سميت بذلك؛ لأنه عليه السلام ودع الناس فيها ووعظهم، وفيه جواز تسمية حجة الوداع من غير كراهة كما سيأتي (فمنا) أي: من الناس (من أهل بعمرة) فقط وهو المتمتع (2)(ومنا من أهل بحج وعمرة) وهو القارن (3)(ومنا من أهل بالحج) وهو المفرد، فيه دليل على جواز الإحرام بكل واحد من الأوجه الثلاثة، بلا خلاف، إلا أبا حنيفة فإنه استثنى المكي فقال: لا يصح له (4) التمتع ولا القران ويكره له فعلهما، فإن فعلهما لزمه دم (5). وأما نهي عمر وعثمان فنهي تنزيه (وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج) على الصحيح كما تقدم في (6) أنه أفرد الحج.

(فأما من أهل بالحج) [مفردًا (أو جمع) في إحرامه بين (الحج والعمرة فلم يحلوا) بضم الياء من إحرامهم (حتى كان) أي: حدث وجود (يوم النحر) برفع يوم؛ لأن كان تامة لا تحتاج إلى خبر، فلما (7) كان يوم النحر فرمى جمرة العقبة وحلق وطاف مع السعي إن لم يكن سعى حل له جميع المحرمات وصار حلالًا.

(1) في (ر): تمام.

(2)

في (م): التمتع.

(3)

في (م): القران.

(4)

في (م): في حقه.

(5)

"المبسوط" 4/ 188.

(6)

من (م).

(7)

في (م): فإذا.

ص: 320

[1780]

([حدثنا ابن السرح، أخبرنا ابن وهب، أخبرني مالك، عن أبي الأسود بإسناده مثله زاد: ] (1) فأما من أهل بعمرة فأحل) أي: بعمل عمرة؛ ليخرج من إحرامه بالعمرة في أشهر الحج حين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك؛ لأنهم كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور.

[1781]

([حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير] (2) عن عائشة زوج (3) النبي أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فأهللنا بعمرة) أي: أكبرنا (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه هدي) إلى البيت الحرام (فليهل (4) بالحج مع العمرة) قال القرطبي: ظاهره أنه أمرهم بالقران، فيكون قاله لهم عند إحرامهم، ويحتمل أن يكون قال ذلك لمن كان (5) أحرم بالعمرة فيكون ذلك (6) أمر بالإرداف.

(ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا) هذا بيان لحكم القارن؛ فإنه لا يحل إلا بفراغه من طواف الإفاضة، ويجزئه لهما عمل واحد عند الجمهور خلافًا لأبي حنيفة؛ إذ يقول: يعمل فيهما عملين (7).

قالت عائشة (فقدمت مكة وأنا حائض) كانت حاضت بسرف كما سيأتي في رواية أخرى وتمادى الحيض (8).

(1) و (2) من مطبوع "السنن".

(3)

سقط من (م).

(4)

في (م): فأهل.

(5)

من (م).

(6)

من (م).

(7)

"المبسوط" 4/ 42.

(8)

في النسخ الخطية: الحج. والمثبت من "المفهم".

ص: 321

بها إلى يوم النحر (1)(ولم أطف بالبيت) لأنه لا يصح منها لكونها حائض؛ لأن الطهارة شرط في (2) الطواف عند الجمهور. (ولا بين الصفا والمروة) لأن [مشروعيته أن يكون على إثر طواف فلما امتنع الطواف امتنع السعي وقد يحتج به من لم يشترط الطهارة](3) في السعي كما تقدم (فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) حرصًا على الدين وتأسفًا على ما فاتها من أجر الطواف والسعي.

(فقال: انقضي رأسك وامتشطي) فيه ما تقدم ([وأهلي بالحج] (4) ودعي العمرة) أخذ بظاهره الكوفيون أن المرأة إذا حاضت قبل الطواف واختشت فوت الحج أنها ترفض العمرة وتتركها قبل تمامها وتبطلها (5). وقال الجمهور: إنها تردف الحج بالعمرة وتكون قارنة، وبه قال مالك (6) والشافعي (7) وأبو حنيفة (8)، وحملوا الحديث على هذا الإرداف، وأن الحج والعمرة لا يتأتى الخروج منهما شرعًا إلا بإتمامهما؛ لقوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (9)، واعتذروا عن هذا اللفظ بتأويلات:

أحدها: أنها كانت مضطرة إلى ذلك، فرخص لها هذا للضرورة كما

(1)"المفهم" 3/ 299.

(2)

و (3) و (4) من (م).

(5)

"المبسوط" للسرخسي 41 - 42.

(6)

"الاستذكار" 13/ 243، و"التمهيد" 8/ 216.

(7)

"الأم" 2/ 207.

(8)

"المبسوط" للسرخسي 4/ 42، وهناك روايتان لأبي حنيفة.

(9)

البقرة: 196.

ص: 322

رخص لكعب بن عجرة في حلق شعره.

وثانيها: أن ذلك خاص بها، وكذلك قال مالك: حديث عروة عن عائشة ليس عليه العمل عندنا قديمًا ولا حديثًا (1).

وثالثها: أن المراد بالنقض والامتشاط تسريح الشعر لغسل الإهلال بالحج كما تقدم، ويؤيده حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"فاغتسلي ثم أهلي بالحج" وقوله: "دعي العمرة" محمول على ترك عملها لا على رفضها والخروج منها، بدليل قوله في الرواية الأخرى:"وأمسكي" مكان: "دعي". وهو ظاهر في استدامتها حكم العمرة التي أحرمت بها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لها: "يسعك (2) طوافك لحجتك وعمرتك"(3).

(قالت: ففعلت) ذلك (فلما قضينا) أي: أدينا (الحج) ونزلنا بالمحصب وهو البطحاء (أرسلني رسول الله مع)(4) أخي (عبد الرحمن بن أبي بكر) فيه جواز تسمية الولد أباه باسمه [إذا كان غير مقصود بالذكر، بل ذكر تبعًا لغيره ويكون هذا كالمستثنى من النهي عن تسمية الولد أباه باسمه](5) وأنه من العقوق (إلى) أدنى الحل وهو (التنعيم) ليجمع في نسكه بين الحل والحرم، كما أن الحاج (6) يجمع بينهما.

(1)"الاستذكار" 13/ 242.

(2)

بياض في (ر).

(3)

"المفهم" 3/ 300 - 301.

(4)

في (م): معي.

(5)

سقط من (م).

(6)

في (م): الجامع.

ص: 323

وفيه دليل على ما قال الجمهور أن من كان بمكة أو بالقرب منها وأراد العمرة فميقاته أدنى الحل كالتنعيم ولا يجوز أن يحرم بها في الحرم من غير خروج فإن خالف ولم يخرج بل طاف وسعى وحلق فيه، فالأصح يصح وعليه دم لتركه الميقات، وقيل: لا يصح، واستدل به مالك في أنه لا يجزئه حتى يخرج لأدنى الحل (1). واستدل به من قال: لا بد من إحرامه من التنعيم وهو ميقات المعتمرين بمكة وهو شاذ مردود. والجمهور أن جميع جهات الحل سواء ولا تختص بالتنعيم.

(فاعتمرت) أي (2): من التنعيم (فقال) لي (هذِه مكان) بالنصب حمل (3) على الظرف المبهم، ويجوز الرفع خبر (4)(عمرتك) التي أردفت عليها الحج بالقران وأدركني الحج ولم أحلل منها، قال ذلك تطييبًا لقلبها، قال القرطبي: ألا ترى أنه حكم بصحة العمرة المردف عليها؟ ! وعلى هذا فلا يكون فيه حجة لمن يقول: إنها رفضت العمرة المتقدمة، وهذِه قضاء لتلك لما قررناه فتدبره (5)(6).

(قالت) عائشة (فطاف) القوم (الذين أهلوا بالعمرة) فقط (بالبيت و) سعوا (بين الصفا والمروة) عقب طوافهم (ثم حلوا) من إحرامهم

(1) انظر "المدونة" 1/ 403 - 404.

(2)

من (م).

(3)

من (م).

(4)

سقط من (م).

(5)

في (م): فتدبرناه.

(6)

"المفهم" 3/ 302.

ص: 324

(ثم) لما أحرموا بالحج من مكة وخرجوا يوم التروية فوقفوا بعرفة وعادوا إلى مكة (طافوا) بها (طوافًا آخر) غير طواف العمرة (بعد أن رجعوا من منى لحجهم) الذي أحرموا به من مكة (وأما الذين كانوا) قد (جمعوا) في إحرامهم (الحج والعمرة) وهو القران (فإنما طافوا) لهما (طوافًا واحدًا) وهو دليل الشافعي ومن تابعه (1). خلافًا للحنفية حيث قالوا (2): إن القارن إذا جمع بين الحج والعمرة لا يكفيه إلا طوافان وسعيان (3). واستدلوا بأحاديث، قال البيهقي: ضعيفة.

[1782]

([حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد] (4) عن (5) عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه) القاسم بن محمد (عن عائشة أنها قالت: لبينا بالحج) حمله الشافعي ومن تابعه على أنه أحرم مفردًا بالحج ولبى بالحج والعمرة، [وأخفى ذكر العمرة](6) ولم يحك الراوي إلا ما سمع، وسمع أنس وغيره الزيادة (7). ولا ينكر قبول (8) الزيادة إلا إذا كان الزائد نافيًا لقول صاحبه: وأما إذا كان مثبتًا (9) عليه

(1)"المجموع" 7/ 171.

(2)

سقط من (م).

(3)

"المبسوط" للسرخسي 4/ 32.

(4)

من مطبوع "السنن".

(5)

سقط من (م).

(6)

من (م).

(7)

"المجموع" 7/ 153 - 154.

(8)

في (ر): قول.

(9)

في (م): مثبتا.

ص: 325

وزائدًا عليه فلا يناقض.

(حتى إذا كنا بسرف) بفتح السين المهملة وكسر الراء، وهو ما بين مكة والمدينة على ستة أميال من مكة (حضت، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي) حرصًا على الدين لما يفوتني من أجر الطواف وركعتيه والاعتكاف وغير ذلك (فقال: ما يبكيك يا عائشة؟ ) فيه السؤال عن أحوال الزوجة وما يعرض لها ليرشدها فيه إلى مصالحها. (قلت: حضت) فيه الدليل على جواز التصريح بذكر الحيض وإن كانت الكناية عنه أولى كما في بعض الروايات: لم أصل ونحو ذلك (ليتني لم أكن حججت) بفتح الجيم الأولى وسكون الثانية، أي في هذا العام.

(قال: سبحان الله) فيه دليل على استعمال هذِه اللفظة، ولا إله إلا الله ونحوهما عند التعجب (إنما ذلك) بكسر الكاف (شيء كتبه الله على بنات آدم) يعني الحيض، وكتبه عليهن، أي: جبلهن عليه وهو تأنيس لها وتسلية، أي: لست أنت مختصة به، بل هو على بنات آدم يكون منهن هذا كما يكون منهن ومن الرجال البول والغائط والمخاط ونحو ذلك، واستدل به البخاري في "صحيحه" في كتاب الحيض من عمومه على أن الحيض كان في جميع بنات آدم، وأنكر به على من قال: إن الحيض أول ما أرسل ووقع في بني إسرائيل، وفي هذا الحديث دليل على فضيلة عائشة ومحبته لها وحنوه عليها. قال القرطبي: وكم بين من يُؤنَّس ويسترضى وبين من [يقال لها](1): عَقرى حَلقى (2) في صفية.

(1) في (ر): يقول. وفي "المفهم": يقال له.

(2)

هجاء لها لأنها أحابستهم، وانظر:"المفهم" 3/ 305.

ص: 326

(فقال: انسكي المناسك كلها) وهو جميع ما يصنعه الحاج من العبادات، قبل النسك كل ما أمر به الشرع من النسيكة وهو القربان (1) التي يتقرب به إلى الله تعالى (غير أن لا تطوفي بالبيت) ولا تصلي فيه، وفيه دليل على جواز السعي بين الصفا والمروة للحائضة والنفساء كما تقدم، قالت:(فلما دخلنا مكة) شرفها الله.

(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شاء أن يجعلها عمرة) قال القرطبي: ظاهره التخيير؛ ولذلك كان منهم الاخذ ومنهم التارك (2). (فليجعلها) أي: يستمر على جعلها (3)(عمرة) لكن ظهر بعد هذا عزم على الأخذ بفسخ الحج في (4) العمرة لما غضب ودخل على عائشة، فقالت له: من أغضبك أغضبه الله؟ فقال: "أوما شعرت أني أمرت الناس بأمرٍ فإذا هم يترددون؟ " وعند ذلك أخذ في فسخ حج الصحابة، ممن لم يكن ساق هديًا وقالوا: سمعنا وأطعنا، وكان هذا التردد منهم؛ لأنهم ما كانوا يرون أن العمرة جائزة في أشهر الحج ويقولون: إنها (5) في أشهر الحج من أفجر الفجور.

(إلا من كان معه هدي) فإنه لا يجعلها عمرة، بل يستمر على إحرامه حتى ينقضي إحرامه وينحر هديه، ونظيره قوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا

(1) في (ر): القربات.

(2)

"المفهم" 3/ 312.

(3)

سقط من (م).

(4)

في (م): و.

(5)

في (م): العمرة.

ص: 327

رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (1)، لكن إن كان مريضًا واحتاج إلى التحلل ومعه هدي فيرسله مع وكيل إلى غيره ليرسله إلى محله.

(قالت (2): وذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: ضحى بالذبح (عن نسائه البقر) وفي رواية: أهدى، وفيه دليل على أن البقر الأفضل فيه الذبح وإن جاز النحر، وأنه مما يهدى إلى البيت الحرام، وأنه مما يضحى به.

قال القرطبي: فيه دليل على أن الرجل يجوز له أن يهدي عن غيره (3) وإن لم يعلمه ولا أذن له وكان الهدي والله أعلم عنهن تطوعًا عمن لم يجب عليها هدي وقيامًا بالواجب عمن وجب (4) عليها منهن هدي (5).

وقال النووي: هو محمول على أنه صلى الله عليه وسلم استأذنهن في ذلك؛ فإن تضحية الإنسان عن غيره لا تجوز إلا بإذنه، واستدل به مالك على أن التضحية بالبقر أفضل من بدنة، ثم قال: ولا دلالة فيه؛ لأنه ليس فيه تفضيل البقرة إذ لا عموم للفظ فيه، وإنما هي قصة غير محتملة لأمور لا حجة فيها لما قاله (6).

(يوم النحر) فيه أن أفضل أيام التشريق للأضحية اليوم الأول وإن كانت عدة خلافًا لمن ذهب إلى (7) أن التفريق على أيام الذبح أفضل،

(1) البقرة: 196.

(2)

في النسخ: قال.

(3)

زاد في (م): عمن وجب عليها.

(4)

في (م): يجب.

(5)

"المفهم" 3/ 307.

(6)

"شرح النووي" 8/ 147.

(7)

في (ر): على.

ص: 328

(فلما كانت ليلة البطحاء) أي ليلة النزول بالأبطح وهو المحصب (وطهرت)[رواية: وتجهزت](1) بفتح الهاء وضمها (عائشة) من حيضها، والمراد بالطهر هنا انقطاع الدم كما في قوله تعالى:{حَتَّى يَطْهُرْنَ} (2) ولم يذكر في الحديث اغتسالها لأنه كان معلومًا عندهم من قوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} (3) ومن السنة (4).

(قالت: يا رسول الله أيرجع) بالياء المثناة تحت (صواحبي) يعني: أمهات المؤمنين وغيرهن من الصحابة الذين فسخوا الحج إلى العمرة، وأتموا العمرة وتحللوا منها قبل يوم التروية، ثم أحرموا بالحج من مكة يوم التروية فحصل لهم عمرة مفردة وحجة مفردة، ولهذا قالت: أيرجع صواحبي (بحج وعمرة) يعني: بعمرة وبحجة كما تقدم (وأرجع أنا بحج) مفرد، وأما عمرتها فمندرجة في حجة القران (فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) أخاها (عبد الرحمن بن أبي بكر) أن يعمرها من التنعيم (فذهب بها) وأردفها خلفه (إلى التنعيم، فلبت) أي: بعد الإحرام (بالعمرة).

[1783]

([حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود] (5) عن عائشة) رضي الله عنها (قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى) بضم النون، أي: نظن (إلا أنه الحج) كان

(1) سقط من (م).

(2)

البقرة: 222.

(3)

البقرة: 222.

(4)

في (ر): النساء.

(5)

من مطبوع "السنن".

ص: 329

هذا في أول الأمر ثم أحرمت بالحج اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، (فلما قدمنا) مكة (طفنا) وفي رواية: تطوفنا (بالبيت) الحرام.

(فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي) معه (أن يحل) بضم الياء أي: من إحرامه (فأحل (1) من لم يكن) منهم (ساق الهدي) معه، وهي لم يكن معها هديٌ ففسخته إلى عمرة، فلما حاضت وتعذر عليها إتمام العمرة والتحلل منها وإدراك الإحرام بالعمرة أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإحرام بالحج فأحرمت به، فصارت مدخلة الحج على العمرة وقارنة.

[1784]

([حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، حدثنا عثمان بن عمر، أخبرنا يونس، عن الزهري، عن عروة] (2) وعن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو استقبلت من أمري) أي: لو عنَّ (3) لي هذا الرأي الذي رأيته آخرًا وأمرتكم به في أول أمري (ما استدبرت) آخر الأمر (لما) كنت (سقت) معي (الهدي) إلى البيت، أي: لما جعلت علي الهدي واشتريته وقلدته وسقته بين يدي؛ فإنه إذا ساق الهدي لم يحل حتى ينحره ولا ينحر إلا يوم النحر فلا يصح له فسخ الحج بعمرة، ومن لم يكن معه هدي لا يلزمه هذا، ويجوز له فسخ الحج بعمرة (4).

وفيه دليل على جواز قول "لو" في التأسف على فوات أمور الدين ومصالح الشرع، وأما الحديث الصحيح في أن "لو تفتح عمل

(1) في (م): فجعل.

(2)

من مطبوع "السنن".

(3)

في (م): أعن.

(4)

سقط من (م).

ص: 330

الشيطان" (1) فمحمول على التأسف على حظوظ (2) الدنيا ونحوها، فيجمع بين الأحاديث بما ذكرناه، [وقيل: تقديره: لو علمت في الأول ما علمت في الآخر] (3).

(قال محمد) بن يحيى الذهلي (أحسبه قال) في الرواية (ولحللت) بتخفيف اللام الأولى، أي من حجتي وقلبتها إلى عمرة (مع الذين أحلوا من) الحج ودخلوا في (العمرة) واعتذر إليهم في ذلك بترك مواساتهم منه.

(قال) أبو داود (أراد أن يكون) أمره و (أمر الناس واحدًا) لتحصل المواساة لأصحابه تأنيسًا (4) لهم في فعل العمرة في أشهر الحج؛ لكونها كانت منكرة عندهم، ولم يمكنه (5) التحلل معهم بسبب الهدي.

[1785]

([حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن أبي الزبير] (6) عن جابر رضي الله عنه قال: أقبلنا مهلين) بضم الميم، أي: محرمين (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج مفردًا) قبل أن يفسخوه.

(وأقبلت عائشة) رضي الله عنها (مهلة بعمرة) حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة، وكذا فسره القاسم في حديثه أنها أهلت بعمرة أي: بعد فسخها الحج؛ لأنه يصدق عليها أنها أهلت

(1) رواه مسلم (2664) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

في (ر): خصوص.

(3)

سقط من (م).

(4)

في (ر): تأسيًا.

(5)

في (م): يمكنهم.

(6)

من مطبوع "السنن".

ص: 331

بعمرة، فإخبار جابر عنها باعتمارها في آخر الأمر و [لم يذكروا](1) في هذا جمع بين الأحاديث، ورجح بعضهم الروايات التي فيها (2) أنها أهلت بالحج، وغلط من روى أنها أهلت بعمرة، وإليه ذهب إسماعيل، قيل: إنه ابن علية (حتى إذا كانت بسرف) بفتح السين كما تقدم (عركت) بفتح العين المهملة والراء جميعًا يقال: عركت تعرك كعقدت تعقد، أي: حاضت (حتى إذا قدمنا) مكة شرفها الله، قال جابر (طفنا بالكعبة) وسعينا بين (الصفا والمروة (3)، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحل منهما) (4) بفتح النون وضمها مع كسر الحاء (5) فيهما، أي: من الحج ونجعلها عمرة (من لم يكن معه هدي) إلى البيت.

(قال: فقلنا: حل) بكسر الحاء وتشديد اللام وحذف التنوين للإضافة لما بعده (ما) استفهامية، أي: الحل من أي شيء (ذا) أي: هذا الذي تأمر به، وفي رواية لغير أبي داود: أي الحل، وهذا السؤال سؤال من جوز أن يحل من بعض الأشياء دون بعضها وإقراره صلى الله عليه وسلم على السؤال يدل على الجواز (قال) لهم (الحل كله) أي: الحل الذي لا يبقى معه شيء من ممنوعات الإحرام بعد التحلل المأمور به.

(1) سقط من (م).

(2)

في (م): قبلها.

(3)

زاد في (ر): نسخة: وبالصفا.

(4)

في (م): منا.

(5)

في النسخ: (اللام) والصواب ما أثبتناه.

والحديث رواه أحمد 2/ 108، وابن خزيمة (2027)، وابن حبان (2742)، (3568) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 332

(فواقعنا النساء) الوقاع الجماع، وهو من أحسن الكنايات عنه، (وتطيبنا بالطيب، ولبسنا ثيابنا) فعلوا ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه [كما تؤتى عزائمه] (1) ". فأحبوا فعل ما أحبه الله وتصدق عليهم به، وإن لم يكن لهم رغبة في ذلك (وليس بيننا وبين عرفة) والوقوف بها (إلا أربع ليالٍ) ثم يحل الناس كلهم بعد عرفة، يريد بذلك - والله أعلم - قرب ذلك منهم (ثم أهللنا) أي أحرمنا بالحج من مكة (يوم) منصوب على الظرفية (التروية) وهو اليوم الذي قبل عرفة؛ سمي بذلك لأن الناس يتروون فيه من الماء بمكة كما تقدم.

(فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة) رضي الله عنها، فيه الدخول على النساء في أيام الحج والاجتماع بهن والخلوة (فوجدها تبكي) فيه الحزن والبكاء والأسف على ما يفوت الآدمي من العبادات وأفعال الخير دون الأفعال الدنيوية (فقال: ما شأنك؟ ) أي: ما أمرك؟ (قالت: شأني) بهمزة ساكنة بعد الشين المعجمة، أي: أمري الذي بكيت منه (أني قد حضت وقد حل الناس) من عمرتهم وتمتعوا.

(ولم أحلل) بفتح الهمزة وكسر اللام الأولى، وقد طاف الناس (ولم أطف بالبيت، والناس) محرمون (يذهبون إلى الحج الآن) وأنا ممنوعة من الإحرام به (فقال: إن هذا أمرٌ كتبه الله على بنات آدم) فيه أن الحيض مكتوب على بنات آدم فمن بعدهن من البنات، وهو من أصل خلقتهن الذي فيه صلاحهن، قال الله تعالى:{وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} (2)، قال

(1) سقط من (م)، وسبق تخريج الحديث في 2/ 289.

(2)

الأنبياء: 90.

ص: 333

أهل التأويل: يعني رد الله عليها حيضها لتحمل، وهو من حكمة البارئ جعله الله سببًا للنسل، ألا ترى أن المرأة إذا انقطع حيضها لا تحمل، هذِه عادتهن، وقد قال الله في قصة إبراهيم حين بشره بالولد:{وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} (1) يعني: حاضت، وإبراهيم هو جد (2) إسرائيل؛ لأن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، ولم ينزل على بني إسرائيل كتاب إلا على موسى، فدل ذلك على أن الحيض كان قبل بني إسرائيل، فبطل قول من قال: أول ما أرسل الحيض على بني إسرائيل.

قال: (فاغتسلي) للإحرام وإن كان عليك حيض أو نفاس كما تقدم، (ثم أهلي بالحج) فيه دليل على أن الإحرام بالحج أو العمرة لا يشترط فيه الطهر من الحيض والنفاس والجنابة وغير ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي" لكن إن رجت الحائض الطهر قبل الخروج من وقت الإحرام استحب لها تأخير الإحرام حتى تطهر ليكون أكمل لها.

(ففعلت ذلك ووقفت) بفتحهما (3)(المواقف) التي في الحج وهي حائضة (حتى إذا طهرت) بفتحهما (4)، قال ابن حزم في كتاب "الإجماع": إن طهر عائشة المذكور (5) كان يوم السبت وهو يوم النحر في حجة الوداع، وكان ابتداء حيضها هذا يوم السبت أيضًا لثلاث

(1) هود: 71.

(2)

زاد في (م): بني.

(3)

سقط من (م).

(4)

سقط من (م).

(5)

من (م).

ص: 334

خلون من ذي الحجة سنة عشر (1). يعني: كان حيضها أسبوعًا كما هو الغالب في حيض النساء سبعة أيام.

(طافت بالبيت) سبعًا (و) أتت بالسعي (بالصفا) أي بين الصفا (والمروة) سبعًا (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد حللت من (2) حجك وعمرتك جميعًا. فقالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي) شيئا (أني) بفتح الهمزة، أي: لأني (لم أطف بالبيت حين حججت) الحجة التي فسختها إلى العمرة وتعذر عليها لحيضها الطواف (قال: فاذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها) بفتح الهمزة وسكون الراء (من التنعيم) فيه ما تقدم (وذلك ليلة) بالنصب على الظرفية (الحصبة) بسكون الصاد، وهي الليلة التي ينزل الناس فيها المحصب عند انصرافهم من منى إلى مكة، زاد مسلم في رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هويت الشيء (3) تابعها عليه.

[1786]

([وحدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير] (4) عن جابر قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها ببعض هذِه القصة) المذكورة و (قال عند قوله: وأهلي بالحج) وزاد (ثم حجي) عن نفسك (واصنعي) جميع (ما يصنع الحاج) من المناسك (غير أن لا تطوفي بالبيت) حال حيضك (ولا

(1)"شرح النووي" 8/ 159 - 160.

(2)

زاد في (م): إحرامك.

(3)

في (م): المشي.

(4)

من مطبوع "السنن".

ص: 335

تصلي) فيه ركعتي الإحرام ولا غيرهما.

[1787]

([حدثنا] (1) العباس بن الوليد بن مزيد) (2)[بفتح الميم](3)([أخبرني أبي، حدثني الأوزاعي، حدثني من سمع عطاء بن أبي رباح] (4) عن ابن جابر قال: أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج خالصًا لا يخالطه شيء) من العمرة ولا القران ولا غيرهما (فقدمنا مكة) زاد الله شرفها (لأربع ليالٍ خلون من ذي الحجة) بكسر الحاء على الأصح (5)(فطفنا بالبيت) طواف القدوم (وسعينا) بين الصفا والمروة عقبه (فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحل) بفتح النون وضمها مع كسر الحاء فيهما من الحج إلى العمرة (وقال: لولا الهدي) الذي سقته (أحللت) معكم من حجي.

(فقام سراقه بن مالك) بن جعشم، بضم الجيم والشين المعجمة، الكناني (فقال: يا رسول الله أرأيت متعتنا هذِه) أي: فسخنا الحج إلى عمرتنا هذِه التي تمتعنا فيه بالجماع والطيب واللبس (ألعامنا هذا) مخصوص به، ورواية البخاري: فقال: ألكم هذِه خاصة يا رسول الله (أم للأبد) في جميع الأعصار (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل هي للأبد).

قال النووي: قد يستدل بسؤال هذا السائل من يقول بالتوقف في مسألة كون الأمر يقتضي التكرار أم لا؛ لأنه سأل فقال: ألعامنا هذا

(1) من مطبوع "السنن".

(2)

في (ر): يزيد.

(3)

من (م).

(4)

من مطبوع "السنن".

(5)

في (م): الأفصح.

ص: 336

أم يتكرر بتكرر الأعصار؟ ولو أن مطلق الأمر يقتضي التكرار لم (1) يسأل هذا السؤال، ولقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا حاجة إلى هذا السؤال، بل مطلقه محمول على كذا، وقد يجيب الآخرون عنه بأنه سأل استظهارًا واحتياطًا (2).

قال النووي وغيره: اختلف العلماء في هذا الفسخ، هل هو خاص بالصحابة أم باقٍ لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة؟

فقال أحمد وطائفة من أهل الظاهر: ليس خاصًّا، بل باقٍ إلى يوم القيامة، فيجوز لكل من أحرم بحج وليس معه هدي (3) أن يقلب إحرامه عمرة ويتحلل بأعمالها؛ لقوله تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} (4). وهذا عام، ولإجماع المسلمين على إباحة التمتع في جميع الأعصار، ولقوله:"بل هي للأبد" جواب لقوله: متعتنا هذِه، وأكد قوله: متعتنا بقوله: هذِه، احترازًا من المتعة المنفردة، وإنما كانت متعتهم بفسخ الحج إلى العمرة، وحديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا.

وقال مالك (5) والشافعي (6) وأبو حنيفة (7) وجمهور العلماء من

(1) زاد في (م): أو عدم التكرار.

(2)

"شرح النووي" 9/ 101.

(3)

في (ر): عمرة.

(4)

البقرة: 196، وانظر:"المغني" 5/ 252 - 253.

(5)

"التمهيد" 8/ 358، و"الاستذكار" 11/ 212.

(6)

"المجموع" 7/ 166 - 167.

(7)

"شرح فتح القدير" 2/ 464 - 465.

ص: 337

السلف والخلف: إن فسخ [الحج للعمرة](1) هو مختص بهم في تلك السنة لا يجوز بعدها، وإنما أمروا به تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج، ومما يستدل به الجمهور حديث أبي ذر الذي ذكره مسلم: كانت المتعة في الحج لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (2)، يعني: فسخ الحج إلى العمرة، وفي كتاب النسائي عن الحارث بن بلال عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ فقال:"بل لنا خاصة"(3). وهذا يبين رواية أبي داود في هذا الحديث.

وأجاب الجمهور عن حديث: ["بل هي للأبد" أن معناه جواز الاعتمار في أشهر الحج أو من القران؛ فإنه جائز إلى يوم القيامة، وأجاب](4) أحمد (5) ومن تابعه عن حديث أبي ذر في مسلم بأنه (6) قول صحابي مخالف الكتاب والسنة والإجماع وقول من هو خير منه وأعلم.

[قال المنذري في حواشي أبي داود: لم يجز الفسخ أحد من الصحابة إلا ابن عباس، وتابعه أحمد وأهل الظاهر، ورُدَّ عليه بأن الإمام أحمد قال: إن أبا موسى كان لا يرى يعني: الفسخ في خلافة

(1) في (م): العمرة إلى الحج.

(2)

مسلم (1224).

(3)

"شرح النووي" 8/ 167، والحديث أخرجه النسائي 5/ 179.

(4)

في (م): أحمد.

(5)

من (م).

(6)

في (م): بأنه.

ص: 338

أبي بكر وشطرًا من خلافة عمر. وقال أحمد: روى الفسخ أحد عشر صحابيًّا، فأين يقع الحارث بن بلال منهم (1)] (2)

(قال الأوزاعي: سمعت عطاء بن أبي رباح) الراوي عن جابر في الحديث المتقدم (يحدث بهذا فلم أحفظه) منه (حتى لقيت) عبد الملك (ابن جريج [فأثبته لي) كما سمعته من عطاء.

[1788]

([حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن قيس بن سعد، عن عطاء بن أبي رباح] (3) وعن جابر: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأربع) أي: أربع (ليالٍ خلون من ذي الحجة] (4)، فلما طافوا بالبيت وبالصفا والمروة قال النبي صلى الله عليه وسلم: اجعلوها) يعني: الحجة التي أحرمتم بها افسخوها إلى (عمرة إلا من كان معه هدي)(5) فإنه لا يحل حتى ينحر هديه في محله وهو البيت العتيق.

(فلما كان يوم التروية) وهو اليوم الذي قبل عرفة كما تقدم (أهلوا) من مكة (بالحج) أي: أحرموا به (فلما كان يوم النحر قدموا)[نسخة: فأتوا](6) من منًى (فطافوا بالبيت ولم يطوفوا) أي: لم يسعوا (بين الصفا والمروة) قد يستدل به على أن من سعى بعد طواف القدوم وقع عن الركن الواجب.

(1) انظر "عون المعبود" 5/ 246، و"المغني" 5/ 252 - 253 بمعناه.

(2)

سقط من (م).

(3)

من مطبوع "السنن".

(4)

سقط من (م).

(5)

زاد في (ر): نسخة: الهدي.

(6)

سقط من (م).

ص: 339

ويكره إعادة (1) السعي بعد طواف الإفاضة؛ لأن السعي ليس من العبادات المستقلة التي يشرع (2) تكررها والإكثار منها، فهو كالوقوف بعرفة يقتصر (3) فيه على الركن، فهو بخلاف الطواف؛ لأنه مشروع في غير الحج والعمرة، قال الشيخ أبو محمد الجويني وولده إمام الحرمين وغيرهما: يكره إعادته؛ لأنه بدعة، وقال صاحب "الهداية" من الحنفية: التنفل بالسعي غير مشروع؛ لأنه لم يشرع إلا مرة واحدة (4). وكذا قال الباجي من المالكية أنه لا يتطوع به، وفي "التلخيص" للحنابلة: إذا سعى عقب طواف القدوم لم يستحب له إعادته عقب طواف الزيارة (5).

[1789]

([حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الوهاب الثقفي، حدثنا حبيب - يعني: المعلم - عن عطاء] (6) عن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هو وأصحابه بالحج) مفردًا (وليس مع أحد] (7) منهم يومئذ (8) هدي إلا النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة) هكذا رواية (9) البخاري، لكن ورد أن أبا بكر وعمر

(1) زاد في (م): إعادة.

(2)

في (ر): يسوغ.

(3)

في (م): يقتضي.

(4)

"الهداية شرح البداية" 1/ 142.

(5)

انظر "المبدع شرح المقنع" 3/ 147.

(6)

من مطبوع "السنن".

(7)

في (م): واحد.

(8)

من (م).

(9)

في (م): رواه.

ص: 340

كان معهما أيضًا هدي (وكان علي رضي الله عنه قدم من اليمن ومعه الهدي)[اشتراه لأنه من السعاية على الصدقة](1) من البدن وهي سبع وثلاثون بدنة.

(فقال: أهللت بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه دليل على صحة الإحرام بما أحرم به الغير، فإذا أحرم زيد بما أحرم به عمرو وكان عمرو محرمًا، ويمكن معرفة ما أحرم به فينعقد لزيد مثل إحرامه عند الشافعية (2) والحنابلة إن كان حجًّا فحج، وإن كان عمرة فعمرة، وإن كان قرانًا فقران، وإن كان مطلقًا فمطلق (3). ويتخير في صرفه إلى ما شاء كما يتخير عمرو، ولا يلزمه أن يصرف إلى ما (4) يصرف إليه عمرو على الأصح عند الشافعية، وإن كان إحرام عمرو فاسدًا فالأصح ينعقد إحرام عمرو مطلقًا كما قاله النووي (5)، وإن تعذر الوقوف على ما أحرم به عمرو بموتٍ أو غيره فيجعل زيد نفسه قارنًا ويأتي بأعمال النسكين على الأصح عند الشافعية.

(وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يجعلوها عمرة) ثم فسر العمرة بأن (يطوفوا) بالبيت (ثم يقصروا) بضم الياء وتشديد الصاد، يعني: من الشعر، يقال: قصر من شعره إذا جز من طوله، وهو دليل على جواز التقصير، وإن كان الحلق أفضل (ويحلوا) بفتح الياء؛ لأنه يقال (6) في

(1) سقط من (م).

(2)

"المجموع" 7/ 230.

(3)

"المغني" 5/ 97 - 98.

(4)

زاد في (م): لا.

(5)

"المجموع" 7/ 230.

(6)

سقط من (م).

ص: 341

ماضيه: حل وأحل يعني من إحرامهم، وقد يؤخذ منه أن التقصير نسك (1)، وهو الصحيح.

(إلا من كان معه الهدي، فقالوا: أننطلق إلى منًى وذكورنا تقطر؟ ) جمع ذكر ويجمع على مذاكير على غير قياس، وهو رواية مسلم: نأتي عرفة وتقطر مذاكيرنا المني؟ وهو إشارة إلى قرب العهد بوطء النساء، وفيه جواز استعمال الكلام في المبالغة.

(فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت) أي: ما سقت الهدي معي (ولولا أن معي الهدي لأحللت) هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن ما أحرم به متحتمًا متعينًا عليه، وأنه كان مخيرًا بين أنواع الإحرام فأحرم بأحدها، ثم إنه لما قلد الهدي لم يمكنه أن يتحلل حتى ينحر يوم النحر، فمعنى الكلام لو ظهر قبل الإحرام ما ظهر لي (2) عند دخول مكة من توقف الناس عن التحلل بالعمرة لأحرمت بعمرة ولما سقت الهدي.

[1790]

([حدثنا عثمان بن أبي شيبة، أن محمد بن جعفر حدثهم، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد] (3) عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: هذِه عمرة استمتعنا بها) قال الخطابي: يحتج به من ذهب إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعًا، وتأوله من ذهب إلى خلافه كأنه أراد به من تمتع من أصحابه فقد كان منهم المتمتع والقارن والمفرد، وهذا كما

(1) في (ر): بنسك.

(2)

سقط من (م).

(3)

من مطبوع "السنن".

ص: 342

يقول الرجل الرئيس في قومه: فعلنا كذا، وصنعنا (1) كذا وهو لم يباشر بنفسه فعل شيء من ذلك، وإنما هو حكاية من فعل الصحابة نسبه إلى نفسه على معنى أنه صدر منهم برأيه (2). وقد يؤخذ من هذا [أن من](3) حلف أن لا يفعل شيئًا فوكل غيره ففعله (4) أنه يحنث.

(فمن لم يكن معه)[رواية: عنده](5)(هدي فليحل الحل كله) أي: الحل الذي يجوز له فيه كل محظورات الإحرام حتى الوطء.

(وقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة.) قيل: معناه سقط فعلها بالدخول في الحج [وهو على قول من لا يرى العمرة واجبة، وأما من يرى أنها واجبة، قال النووي: قال أصحابنا وغيرهم: فيه تفسيران أحدهما معناه: و](6) دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج إذا جمع بينهما بالقران.

والثاني معناه: لا بأس بالعمرة في أشهر الحج (7). قال الترمذي: هكذا قاله الشافعي وأحمد وإسحاق، ومعنى هذا الحديث أن أهل الجاهلية كانوا لا يعتمرون في أشهر الحج، فلما جاء الإسلام رخص النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، [وقال:"دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة"

(1) في (ر): وضعنا.

(2)

"مختصر سنن أبي داود" المطبوع معه "معالم السنن" 2/ 314 - 315.

(3)

في (م): أنه.

(4)

من (م).

(5)

سقط من (م).

(6)

من (م).

(7)

"المجموع" 7/ 8.

ص: 343

يعني: لا بأس بالعمرة في أشهر الحج (1). انتهى] (2).

[1792]

(حدثنا (3) الحسن بن شوكر) بفتح المعجمة وإسكان الواو، ([وأحمد بن منيع قالا: حدثنا هشيم، عن يزيد بن أبي زياد - قال ابن منيع: أخبرنا يزيد بن أبي زياد المعنى - عن مجاهد] (4) عن (5) ابن عباس قال: أهل النبي صلى الله عليه وسلم بالحج، فلما قدم طاف بالبيت و) سعى (بين الصفا والمروة. قال) (6) الحسن (ابن شوكر: ولم يقصر) من شعره ليتحلل، (ثم اتفقا) يعني ابن شوكر وابن منيع على أن [ابن عباس] (7) قال:(ولم يحل من أجل الهدي) الذي كان معه (وأمر من لم يكن (8) ساق الهدي أن يطوف وأن يسعى ويقصر (9) ثم) بعد هذِه الأفعال التي للتحلل (يحل) من حجه.

(قال)(10) أحمد (ابن منيع في حديثه: أو يحلق) مكان يقصر، وكلاهما مباحان (ثم يحل) من إحرامه.

[1793]

([حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني

(1)"سنن الترمذي" 3/ 271 - 272.

(2)

من (م).

(3)

سقط من (م).

(4)

من مطبوع "السنن".

(5)

سقط من (م).

(6)

سقط من (م).

(7)

في (ر): العباس.

(8)

زاد في (ر): معه.

(9)

زاد في (ر): نسخة: أو يقصر.

(10)

في "السنن": زاد.

ص: 344

حيوة، أخبرني أبو عيسى الخراساني، عن عبد الله بن القاسم] (1) عن سعيد بن المسيب: أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فشهد عنده) أي: ذكر له ذلك وإن لم يتلفظ بلفظ أشهد (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم) يقول (في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمرة قبل الحج) قيل: سبب النهي تشجع (2) الناس [على زيارة](3) البيت مرتين أو أكثر في العام حتى تكثر عمارته بكثرة الزوار له في غير الموسم ليدخل الرفق على أهل الحرم بدخول الناس تحقيقًا لدعوة إبراهيم {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} (4)، وقيل: نهى عنها لئلا يميل الناس إلى التمتع ليساره وخفته فخشي أن يضيع الإفراد وهو أفضل عند قوم، والقران وهو أفضل عند قوم، وهذا مشاهد في هذا الزمان أن قل من تفرد أو يقرن، بل الأكثر التمتع، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:"لو استقبلت من أمري ما استدبرت"، ويحتمل أن يكون النهي [عن العمرة] (5) ترغيبًا لتقديم الحج [لأنه أعظم الأمرين وأهمها كما قدم الله اسم الحج فقال:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} (6).

ويحتمل أن يكون النهي عن العمرة قبل الحج] (7) إذا اتصل به بل

(1) من مطبوع "السنن".

(2)

في (م): ليشجع.

(3)

زيادة بها يستقيم السياق.

(4)

إبراهيم: 37.

(5)

من (م).

(6)

البقرة: 196.

(7)

سقط من (م).

ص: 345

يفصل بينهما ليكون أتم للحج والعمرة، ويحتمل أن يكون النهي عن فسخ الحج إلى العمرة قبل الحج؛ فإنه إنما أمر به لسبب وقد زال ذلك لما أكمل الله الدين، وأما التمتع بالعمرة إلى الحج فلا.

وهذا كله إنما يحتاج إليه إذا سلم الإسناد من المقال فيه، وقد اختلفوا في سماع سعيد بن المسيب من عمر، لكن لم يرو هذا عن عمر، بل الظاهر أنه عن صحابي والصحابة كلهم عدول.

[1794]

(عن أبي شيخ) بفتح الشين المعجمة وإسكان المثناة تحت ثم خاء معجمة، هذِه كنيته، واسمه (1)(حيوان)[بالحاء المهملة، وللدارقطني بالخاء المعجمة والياء ساكنة فيهما، والأكثرون بالمعجمة](2)(الهنائي) بضم الهاء [وتخفيف النون](3)([ممن قرأ على أبي موسى الأشعري من أهل البصرة] أن معاوية بن أبي سفيان قال لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تعلمون أن رسول الله نهى عن كذا وكذا وعن ركوب جلود النمور؟ قالوا: نعم) وسيأتي في كتاب اللباس: "ونهى عن التهيؤ وركوب النمور" وقد يكون النهي عنه لما فيه من الزينة والخيلاء وزي الأعاجم لا سيما في هذا الزمان؛ فإنه من شعار الظلمة، ويختص (4) جلد النمر بهذا أن من خيلة النمر العجب بنفسه والكبر في حياته، فكأن جلده بعد موته يكون أصلًا لتكبر راكبه

(1) سقط من (م).

(2)

في (م): بفتح الخاء.

(3)

سقط من (م).

(4)

في (م): تخصص.

ص: 346

وعجبه، وقد يكون النهي لمباشرة نجاسة شعره وما يعلق براكبه مما يتناثر منه.

قال ابن الصلاح في "الفتاوى": جلد النمر نجس كله سواء كان مذكًى أم لا، وأما بعد الدباغ فنفس الجلد طاهر وشعره نجس تمنع طهارته ولغلبة استعماله، ورد الحديث بالنهي عنه مطلقًا (1). وفيه حديث آخر سيأتي في اللباس إن شاء الله تعالى.

(قال: فتعلمون أنه نهى أن يقرن)[مبني للمجهول](2)(بين الحج والعمرة؟ فقالوا: أما هذا فلا) نعلمه. فيه أن الحاكم إذا حضر عنده شهود في قضية فشهد بعضهم ولم يشهد غيره أن ترك شهادته لا يقدح في شهادة الشاهد (فقال: أما إنها معهن ولكن نسيتم) ومما يدل على النهي عن القران ما رواه البيهقي عن معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقرن بين الحج والعمرة، قال النووي: إسناده جيد (3). ويشبه أن يكون النهي نهي تنزيه أو إرشاد لما في القران من النقص المجبور بدم.

وحكى ابن المنذر أن ابن (4) داود لما دخل مكة سئل عن القارن: هل يجب عليه دم؟ فقال: لا. فجروه برجله، وهذا لشهرة وجوب الدم عندهم وجبرًا لما في القران من النقص بسبب إحرامه قبل الميقات في أحد النسكين، وأن يكون النهي لأن القارن أقل أفعالًا للطاعة فإنه يكتفي

(1)"فتاوى ابن الصلاح" 2/ 474.

(2)

سقط من (م).

(3)

"المجموع" 7/ 157، ولكنه قال: إسناد حسن.

(4)

في (م): أبا.

ص: 347

بطواف واحد وسعي واحد خلافًا لأبي حنيفة (1).

قال الخطابي: وفيه وجه آخر أنه روي عن عمر: افصلوا بين الحج والعمرة فإنه أتم لحجكم وعمرتكم (2). أي: كما يفصل بين الصلاتين بانتقال من مجلسه أو بكلام آخر.

(1)"المبسوط" 4/ 32.

(2)

"مختصر سنن أبي داود" المطبوع معه "معالم السنن" 2/ 318.

ص: 348