الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
52 - باب في الرَّمَلِ
1885 -
حَدَّثَنا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، حَدَّثَنا أبُو عاصِمٍ الغَنَويُّ، عَنْ أَبي الطُّفيْلِ قَالَ: قُلْتُ لابنِ عَبَّاسٍ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ رَمَلَ بِالبيْتِ وَأَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ. قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا. قُلْتُ: وَما صَدَقُوا وَما كَذَبُوا؟ قَالَ: صَدَقُوا قَدْ رَمَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَذَبُوا ليْسَ بِسُنَّةٍ إِنَّ قُريْشًا قَالَتْ زَمَنَ الحُديْبِيَةِ دَعُوا مُحَمَّدًا وَأَصْحابَهُ حَتَّى يَمُوتُوا مَوْتَ النَّغَفِ. فَلَمّا صالَحُوهُ عَلَى أَنْ يَجِيئُوا مِنَ العامِ المُقْبِلِ فيُقِيمُوا بِمَكَّةَ ثَلاثَةَ أيّامٍ فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم والمُشْرِكونَ مِنْ قِبَلِ قُعيْقِعانَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحابِهِ: "ارْمُلُوا بِالبيْتِ ثَلاثًا". وَليْسَ بِسُنَّةٍ. قُلْتُ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم طافَ بَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ عَلَى بَعِيرِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ فَقَالَ صَدَقُوا وَكَذَبُوا. قُلْتُ: ما صَدَقُوا وَما كَذَبُوا؟ قَالَ: صَدَقُوا قَدْ طافَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ عَلَى بَعِيرِهِ، وَكَذَبُوا ليْسَ بِسُنَّةٍ كَانَ النّاسُ لا يُدْفَعُونَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلا يُصْرَفُونَ عَنْهُ فَطافَ عَلَى بَعِيرٍ لِيَسْمَعُوا كَلامَهُ وَليَرَوْا مَكانَهُ وَلا تَنالَهُ أيْدِيهِمْ (1).
1886 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زيْدٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبيْرٍ أَنَّهُ حَدَّثَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ فَقَالَ المُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَليْكُمْ قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمُ الحُمَّى وَلَقُوا مِنْها شَرّا فَأَطْلَعَ اللهُ سُبْحانَهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى ما قَالُوهُ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْواطَ الثَّلاثَةَ وَأَنْ يَمْشوا بيْنَ الرُّكْنيْنِ، فَلَمّا رَأَوْهُمْ رَمَلُوا قالُوا: هؤلاء الذِينَ ذَكَرْتُم أَنَّ الحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ هؤلاء أَجْلَدُ مِنّا. قَالَ ابن عَبَّاسٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْواطَ إلَّا إِبْقاءً عَليْهِمْ (2).
(1) رواه البخاري (1649، 4257)، ومسلم (1264، 1266). وانظر ما سيأتي بالأرقام (1886، 1889، 1890).
(2)
رواه البخاري (1602، 4256)، ومسلم (1266). وانظر ما قبله.
1887 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ يَقُولُ: فِيمَ الرَّمَلانُ اليَوْمَ والكَشْفُ عَنِ المَناكِبِ وَقَدْ أَطَّأَ اللهُ الإِسْلامَ وَنَفَى الكُفْرَ وَأَهْلَهُ مَعَ ذَلِكَ لا نَدَعُ شيْئًا كُنّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم (1).
1888 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا عُبيْدُ اللهِ بْنُ أبِي زِيادٍ، عَنِ القاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّما جُعِلَ الطَّوافُ بِالبيْتِ وَبيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ وَرَمْي الجِمارِ لإِقامَةِ ذِكْرِ اللهِ"(2).
1889 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُليْمانَ الأَنْباريُّ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْن سُليْمٍ، عَنِ ابن خُثيْمٍ، عَنْ أبِي الطُّفيْلِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم اضْطَبَعَ فاسْتَلَمَ وَكَبَّرَ ثُمَّ رَمَلَ ثَلاثَةَ أَطْوافٍ وَكَانُوا إِذَا بَلَغُوا الرُّكْنَ اليَماني وَتَغيَّبُوا مِنْ قُريْشٍ مَشَوْا ثُمَّ يَطْلُعُونَ عَليْهِمْ يَرْمُلُونَ تَقُولُ قُريْشٌ كَأَنَّهُمُ الغِزْلانُ قَالَ ابن عَبَّاسٍ فَكَانَتْ سُنَّةً (3).
1890 -
حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمانَ بْنِ خُثيْمٍ، عَنْ أبِي الطُّفيْلِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحابَهُ اعْتَمَرُوا مِنَ الِجعْرانَةِ فَرَمَلُوا بِالبيْتِ ثَلاثًا وَمَشَوْا أَرْبَعًا (4).
(1) رواه البخاري (1605) بنحوه.
(2)
رواه الترمذي (902)، وأحمد 6/ 64، 75، 138، وابن خزيمة (2738، 2882). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(328).
(3)
رواه ابن ماجه (2953)، وأحمد 1/ 247، 295، 305، 306، 314، وابن خزيمة (2700، 2707)، وابن حبان (3812). وانظر ما سلف برقم (1885)، وما سيأتي بعده.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(1650).
(4)
رواه أحمد 1/ 295، 306، وابن حبان (3814). وانظر ما سلف برقم (1885)، وما قبله.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(1651).
1891 -
حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا سُليْمُ بْنُ أَخْضَرَ، حَدَّثَنا عُبيْدُ اللهِ، عَنْ نافِعٍ أَنَّ ابن عُمَرَ رَمَلَ مِنَ الحَجرِ إِلَى الحَجَرِ وَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذَلِكَ (1).
* * *
باب الرمل
الرمل بفتح الميم بأن يسرع مشيه مقاربًا خطاه في الثلاثة الأول، ويمشي في الباقي لكن لا يثب وثبًا.
[1885]
(أبو عاصم) لا يعرف اسمه، وهو غير القاسم بن أبي بزة (الغنوي) بفتح الغين المعجمة والنون (عن أبي الطفيل) عامر بن واثلة، آخر من مات من الصحابة على الإطلاق.
(قلت لابن عباس: يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمل بالبيت) والرمل بفتح الميم شدة الحركة في المشي، ومنه الرمل في الأعارض (2) وهو القصير منها، وقوله:(بالبيت) يدل على أن الرمل لا يكون إلا في الطواف بالبيت [دون غيره](3) لا في غيره إذا كان الطواف (4) يعقبه السعي (وأن ذلك سنة، قال (5): صدقوا وكذبوا) يعني: صدقوا في أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وكذبوا في قولهم أنه سنة مقصودة متأكدة.
(1) رواه مسلم (1262). وانظر ما سيأتي برقم (1893).
(2)
في (م): الأعاريض.
(3)
سقط من (م).
(4)
من (م).
(5)
في (م): قالوا.
(قلت: ما صدقوا وما كذبوا؟ [قال: صدقوا])(1) في قولهم [(رمل رسول الله) رواية مسلم: أرأيت الرمل بالبيت ثلاثة أطواف ومشي أربعة](2) أطواف، وكذبوا في قولهم (ليس) ذلك (بسنة) ثم بيَّن فقال:(إن قريشًا) ومن دان دينهم (قالت زمن) صلح (الحديبية: دعوا محمدًا وأصحابه) ورواية مسلم: لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزال، وكانوا يحسدونه، انتهى.
دعوهم (حتى يموتوا موت النغف) بنون وغين معجمة مفتوحتين، ثم فاء وهو دود أبيض يكون في أنوف الإبل والغنم يقع من أنوفها فيموت ذليلًا فيضرب به (3) المثل في الذلة، فيقال: أذل من النغفة كما يقول: أذل من حمار قبان. وهو ضرب من الخنفس، وقال أبو عبيد: النغف الدود الأبيض الذي يكون في النوى وما سوي ذلك (4) الدود فليس بنغف (5). وفي "صحيح مسلم": "فيرسل الله عليهم" أي: على يأجوج ومأجوج "النغف في رقابهم فيصبحون فرسى"(6) بالقصر، أي: قتلى.
(فلما صالحوه (7) على أن يحجوا) يعني: النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه (من العام المقبل فيقيموا بمكة ثلاثة أيام) هذا شرط، وقد وفوا به فأخلوها
(1) من (م).
(2)
سقط من (م).
(3)
من (م).
(4)
في (ر): من.
(5)
"غريب الحديث" لابن سلام (نغف).
(6)
"صحيح مسلم"(2937/ 110).
(7)
زاد في (م): أي: النبي صلى الله عليه وسلم.
له ثلاثة أيام كما سيأتي قريبًا (فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى مكة بمن معه (والمشركون) قد أخلوا مكة للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثلاثة أيام قد صعدوا رؤوس الجبال (من قبل) بكسر القاف وفتح (1) الباء، أي: جهة جبل (قعيقعان) بضم القاف الأولى تصغير قعقع (2) جبل بمكة وهو المطل عليها وهو اسم معرفة (3)، سمي بذلك لقعقعة السلاح التي كانت به بين جرهم وقريش (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ارملوا) بضم الميم (بالبيت ثلاثًا) رواية البخاري: فأمرهم رسول الله أن يرملوا الأشواط الثلاثة كما سيأتي (وليس بسنة) هذا مذهب ابن عباس في أن الرمل ليس بسنة مقصودة مطلوبة دائمًا على تكرر السنين، وإنما أمر به تلك السنة لإظهار القوة عند الكفار، وقد زال ذلك المعنى، وخالفه جميع العلماء من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم فقالوا: هو (4) سنة في الطوفات الثلاث من السبع، فإن تركه فقد ترك سنة وفاتته فضيلة ولا دم عليه، وقال الحسن البصري والثوري وعبد الملك بن (5) الماجشون المالكي: إذا ترك الرمل لزمه دم، وكان مالك يقول به ثم رجع عنه (6)(7).
(1) في (م): كسر.
(2)
في (م): قعيقع.
(3)
في (ر): معونة.
(4)
من (م).
(5)
سقط من (م).
(6)
"الاستذكار" 12/ 139.
(7)
من (م).
(قلت) يعني: لابن عباس: (يزعم قومك [أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: والصحابة رضي الله عنهم] (1)(طاف بين الصفا والمروة) أي: سعى، وفيه تجوز كما تقدم (على بعير وأن ذلك سنة) كان عمر طلوبًا للآثار بحوثًا عنها وعن معانيها (قال: صدقوا) يعني: صدقوا في أنه صلى الله عليه وسلم سعى راكبًا على بعير (وكذبوا) في أن الركوب أفضل، بل المشي أفضل، وإنما ركب النبي صلى الله عليه وسلم للعذر الذي ذكر في الطواف، وهذا الذي قاله ابن عباس مجمع عليه.
(قلت: ما صدقوا وما كذبوا؟ قال: صدقوا) في قولهم: (قد طاف) أي: سعى (رسول الله صلى الله عليه وسلم[بين الصفا] (2) والمروة على بعير) أي: أصابوا من حيث إنهم نسبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم (وكذبوا ليس (3) بسنة) راتبة مستمرة، بل ارتفعت [لارتفاع سببها](4) الذي كان أحدث (5) لأجلها في الزمن الأول.
(كان الناس لا يدفعون) بضم الياء [المثناة تحت](6) وفتح الفاء (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصرفون) بالصاد المهملة والفاء أي: يمنعون، وفي رواية: يضربون. بالضاد المعجمة والباء الموحدة، أي: يضربون بالعصا ونحوها بين يديه كما يفعل الآن (7) بين يدي الأمير، والروايتان
(1) في (م): أي: الصحابة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
سقط من (م).
(3)
في (م): ليست.
(4)
في (م): الارتفاع بسببها.
(5)
و (6) سقط من (م).
(7)
في (م): اليوم.
في مسلم (فطاف على بعير ليسمعوا كلامه) فيعملوا به (وليروا مكانه)[وما يفعله](1) فيقتدوا به، وهكذا ينبغي أن يفعل (2) بالعالم ومن (3) يقتدى به في أقواله وأفعاله.
(ولا تناله أيديهم) أي: أيدي أحد منهم فيصبه بمكروه من المنافقين والفجرة كما جذبه الأعرابي وقال له: مر لي من مال الله. وخص (4) الأيدي بالذكر؛ لأن أكثر تصرفات الآدمي بها.
[1886]
(عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأصحابه (مكة وقد وهنتهم) بتخفيف الهاء، وقد يستعمل رباعيّا، قال الفراء: يقال: وهنه الله وأوهنه الله (5) لغتان، ومعنى أوهنتهم، أي (6): أضعفتهم (حمى يثرب) وهو اسم المدينة الذي كان في الجاهلية، وسميت في الإسلام المدينة وطيبة وطابة، قال الله تعالى:{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ} (7) و {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ} (8)، وسيأتي لذلك مزيد بيان (9) إن شاء الله تعالى.
(فقال المشركون) من قريش وغيرهم (إنه يقدم) بفتح الدال، وأما يقدم بضمها كقوله تعالى:{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (10) فمعناه: يتقدمهم (قوم وهنتهم الحمى) أي: أضعفتهم كما تقدم (ولقوا) بضم
(1) سقط من (م).
(2)
في (ر): يعمل.
(3)
سقط من (م).
(4)
في (م): خصت.
(5)
"عمدة القاري" 17/ 187.
(6)
من (م).
(7)
التوبة: 120.
(8)
التوبة: 101.
(9)
سقط من (م).
(10)
هود: 98.
القاف، أصلها لقيوا فلما استثقلت الضمة على الياء نقلوا ضمتها إلى القاف قبلها وحذفت الياء لما سكنت (منها شرّا) رواية مسلم: لقوا منها شدة. قال الداودي: قول المشركين: (وهنتهم الحمى) قالوه احتقارًا لهم واستهزاءً.
(فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا) بوحي أو رؤيا أو غير ذلك (فأمرهم) أي: أمر أصحابه (أن يرملوا) بضم الميم وهو في موضع مفعول (فأمرهم) تقول: أمرته كذا، أو أمرته بكذا لغتان (الأشواط) بفتح الهمزة وسكون المعجمة جمع شرط، وهو الجري مرة إلى الغاية، والمراد به هنا الطوفة حول الكعبة، وهذا صريح في جواز تسمية الطواف شوطًا، وقد نقل أصحابنا أن مجاهدًا والشافعي كرها تسميته شوطًا أو دورًا، وقد يسمى طوفة، وهذا الحديث ظاهر أنه لا كراهة في تسميته شوطًا، والأصح أنه لا كراهة فيه (1).
(الثلاثة) أي: الأولى، قال القاضي حسين: إنما كره الشافعي التعبير بالشوط؛ لأن الشوط هو الهلاك، لكن قال النووي: المختار أنه لا يكره؛ لأن الكراهة إنما تثبت بنهي الشرع ولم تثبت (2)(وأن يمشوا) على هينتهم، فإن التأني في المشي أولى من الإسراع (بين الركنين اليمانيين) يعني: الركن اليماني والحجر الأسود، [قيل: إنما كان صلى الله عليه وسلم يمشي بين اليمانيين ليهون عليه استلام الحجر] (3). استدل به من قال: لا يستوعب الأطواف الثلاثة بالرمل، بل يمشي بين الركنين اليمانيين؛
(1)"المجموع" 8/ 55 - 56.
(2)
"المجموع" 8/ 56.
(3)
سقط من (م).
لأن الكفار لم يكونوا مما يليهما، بل كانوا مما يلي الحجر - بكسر الحاء وإسكان الجيم - وهذا هو القول القديم، والجديد وهو الصحيح: أنه يستوعب الأطواف الثلاثة؛ لحديث ابن عمر الآتي، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم رمل (1) من الحجر إلى الحجر (2).
(فلما رأوهم) يعني: المشركين قد (3)(رملوا) في الطواف (قالوا: هؤلاء الذين ذكرتم أن الحمى قد (4) وهنتهم هؤلاء أجلد منا) بالجيم، أي: أقوى وأشد منا حتى أن قالوا: إن هم إلا كالغزلان.
(قال ابن عباس: ولم يأمرهم)(5) رواية مسلم: لم يمنعه أن يأمرهم (أن يرملوا الأشواط) أي: السبعة (كلها إلا الإبقاء) بكسر الهمزة وبالموحدة والقاف [بمعنى الرفق والشفقة (عليهم) بالرفع على أنه فاعل لقوله قبله لم يأمرهم](6) قاله القرطبي وغيره، فعلى هذا يكون الاستثناء مفرغًا، ثم قال القرطبي: هكذا روايتنا بالرفع، ويجوز نصب (الإبقاء) على أن يكون مفعولًا لأجله ويكون فاعل (يأمرهم) ضمير عائد على النبي صلى الله عليه وسلم وهو فاعله (7).
ويؤخذ من الحديث جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح والخيل وغير
(1) في (م): رحل.
(2)
"المجموع" 8/ 41.
(3)
من (م).
(4)
من (م).
(5)
زاد بعدها في (م): أن يرملوا.
(6)
من (م).
(7)
انظر: "المفهم" 3/ 376، ولكنه قال في المفهم: على أنه فاعل يمنعهم.
ذلك للكفار وإرهابًا لهم، ولا يعد ذلك من الرياء المذموم، وفيه جواز المعاريض بالفعل كما يجوز بالقول.
[1887]
(عن أبيه) أسلم مولى عمر بن الخطاب، وكان من سبي عين التمر (سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: فيم) أي: في أي شيء يكون، وهذِه الميم التي بعد في [هي ميم ما الاستفهامية](1) ثم حذفت الألف في ما الاستفهامية لدخول حرف الجر عليها (الرملان) بفتح الميم ورفع النون في آخره على أنه مبتدأ، والجار والمجرور خبر مقدم [لفظ البخاري: ما لنا وللرمل، إنما كنا راءينا المشركين به، والمراد بالرملان والرمل الاضطباع كقوله:(والكشف عن المناكب) يعني: في الاضطباع، والرملان] (2) مصدر رمل، قال أهل اللغة: الرمل والرملان يعني بفتح الميم فيهما الهرولة، وعبارة الحافظ أبي موسى في "غريبه" هو أن يهز منكبيه ولا يسرع، ونظير الرملان من المصادر الغليان وخفق القلب خفقانًا (3) وهذا المصدر مخصوص بما فيه من (4) الحركة والكشف عن المناكب في الطواف.
(وقد أطأ) بفتح الهمزة وتشديد الطاء المهملة بعدها همزة، أي: مهَّد وثبت (الله الإسلام) وأصله وطأ فالهمزة مبدلة من الواو مثل قوله [تعالى: {وَوُفِّيَتْ}](5) وافيت (ونفى الكفر) أي: طرده (وأهله) وفيه دليل على أن
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2)
سقط من (م).
(3)
في (ر): خفقًا.
(4)
من (م).
(5)
آل عمران: 25، وفي (م): وفيت.
النبي صلى الله عليه وسلم قد يسن الشيء لمعنى فيزول ذلك المعنى وتبقى السنة على حالها لا تزول (1) و (مع ذلك) شيء (2) صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجب أن نتركه (لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام وغيره: إن الحكمة في بقاء مشروعيته بعد زوال العلة أن يتذكر السالك ما أنعم الله به على المسلمين من إعزاز الدين وظهور الإسلام [من المسلمين، وقوة شوكته بعد الضعف المهين؛ ليكون ذلك باعثًا على الانقياد خصوصًا في تلك](3) البلاد، ويحصل له تعظيم الصحابة المتقدمين وما كانوا عليه من تحمل المشاق في جهاد المشركين وامتثال أمر الله والمبادرة إليه مع قوة اليقين، وبذل النفس والمال الكثير. وبهذا تعلم (4) ويظهر لك أن كثيرًا من الأعمال التي وقعت في الحج ويقال فيها أنها تعبد محض ليس كما قيل؛ لأنا إذا فعلناها وذكرنا أسبابها حصل من ذلك تعظيم الأولين، وهي مسألة عظيمة النفع في أمور الدين، وفقنا الله تعالى لها.
[1888]
(عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الطواف بالبيت) والسعي (بين الصفا والمروة) والوقوف بعرفة (ورمي الجمار) وسائر أفعال الحج وأقواله (لإقامة ذكر الله) أي: ليدوم على ذكر الله بلسانه وقلبه (5) من قوله تعالى: {وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ} (6) كما روي عن
(1) من (م).
(2)
في (م): فشيء.
(3)
في (م): وكثرة.
(4)
و (5) سقط من (م).
(6)
البينة: 5.
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما فرضت الصلاة وأمر بالحج والطواف واستقرت (1) المناسك لإقامة ذكر الله"، ومنه [قوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ} (2) أي: لتذكرني فيها، أي: في قيامها، وركوعها، وسجودها، وقعودها، وكذا جعل الطواف بالبيت ليذكر الله في طوافه، وكذا السعي.
وقد أخبر الله تعالى أن الصلاة أريد بها ذكر الله تعالى في] (3) قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (4) أي: صل لتذكرني فيها، وكذلك طف بالبيت لتذكرني، واسع بين الصفا والمروة لتذكرني، وارم الجمار لتذكرني، ومنه قوله تعالى:{إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ} (5).
قال ابن الأعرابي (6): معناه: إن صلاتي وعبادتي، يقول: ذلتي وحالة حياتي وحالة مماتي لله، أي: ظهور ذلك من أجل الله لا من أجل ما يعود علي في ذلك من الخير؛ فإن الله تعالى يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} (7) فجعل العلة ترجع إلى حياته لا (8) الثناء، فالعالم من عبد الله لله، وغير العالم يعبده لما يرجوه من حظوظ (9) نفسه في تلك العبادة، فلهذا شرع أن يقول {لِلَّهِ رَبِّ
(1) في (م): اشعرت.
(2)
طه: الإسراء: 78.
(3)
من (م).
(4)
طه: 14.
(5)
الأنعام: 162.
(6)
في (م): عربي.
(7)
الذاريات: 56.
(8)
سقط من (م).
(9)
في (ر): خصوص.
الْعَالَمِينَ} أي: سيد العالم كله ومالكهم ومصلحهم لما بيَّن لهم {لَا شَرِيكَ لَهُ} أي: لا يقصد بهذِه العبادة إلا الله لا أشرك فيها نفسي بما يخطر (1) لي من الثواب الذي وعد عليه. وقال أبو طالب المكي في قوله صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك: "إذا صليت صلاة فصل صلاة مودع"، أي: مودع لدنياه، مودع لنفسه، مودع لهواه، مودع لعمره، سائر إلى مولاه، كما قال {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)} فينبغي أن يكون قلبه في صلاته وحجه في همه، وهمه مع ربه، وربه في قلبه، فيذكره في قرآنه، وينظر إليه من كلامه، ويكلمه بخطابه، ويعرفه من صفاته، وذكر المحبوب هو المطلوب؛ إذ هو حياة القلوب (2).
[1889]
(محمد بن سليمان) بن (3) أبي داود (الأنباري) بتقديم النون على الباء الموحدة، مات سنة أربع وثلاثين ومائتين (بن سليم بن خثيم (4)، عن أبي الطفيل) مصغرات.
(عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم اضطبع) بأن جعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن عند إبطه وطرح طرفيه على منكبه الأيسر واستدامته إلى آخر السعي إلا في ركعتي الطواف (واستلم) الحجر الأسود (وكبر) الله (ثم رمل) فيه دليل على أن الرمل لا يكون إلا بعد الاضطباع والاستلام والتكبير (ثلاث أطواف) وهن الأول.
(وكانوا) يعني: الصحابة رضي الله عنهم (إذا بلغوا الركن اليماني)(5) في
(1) في (م): يحط.
(2)
"قوت القلوب" 2/ 162 - 163.
(3)
سقط من (م).
(4)
في (م): خيثم.
(5)
زاد في (م): إذا بلغوا.
الطوافات الثلاث (1)(وتغيبوا (2) من) رؤية (قريش) لهم (مشوا) بفتح الشين، أي: على هينتهم إلى الركن اليماني أيضًا (ثم يطلعون) بفتح أوله وضم ثالثه، قال في "ديوان الأدب": يقال: طلعت على القوم إذا أقبلت عليهم حتى يروك، وطلعت عنهم إذا غبت عنهم حتى لا يروك (يرملون) بضم الميم.
(تقول قريش) المشركون (كأنهم) أي: في خفتهم (3) في المشي (الغزلان. قال (4) ابن عباس رضي الله عنهما: فكانت) أي: هيئة الرمل في الطواف (سنة) بالنصب، أي: في المشي في الطواف.
[1890]
(حدثنا) أبو سلمة (موسى (5) بن إسماعيل) المعروف بالتبوذكي، شيخ البخاري.
(ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا) في ذي القعدة سنة ست، وأحرموا (من الجعرانة) بإسكان العين وتخفيف الراء ودخلوا مكة معتمرين، قال الطبري: لاثنتي عشرة ليلة (6) بقيت لذي الحجة (فرملوا بالبيت ثلاثًا) أي: ثلاث طوفات (ومشوا أربعًا) أي: في الأربعة الأخيرة.
(1) زاد في (م): الركن اليماني.
(2)
زاد في (ر): عن.
(3)
في (ر): صفتهم.
(4)
في (م): قاله.
(5)
في (م): محمد.
(6)
من (م).
[1891]
(حدثنا أبو كامل) الفضيل (1) بن حسين الجحدري سليم بضم السين مصغر (بن أخضر) بالخاء والضاد المعجمتين من رواة مسلم.
(أن ابن عمر رضي الله عنهما رمل من الحجر إلى الحجر) بفتح الحاء والجيم فيهما (وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك) فيه دليل على أن الرمل يشرع في جميع الثلاث طوفات الأول، وأما حديث ابن عباس المتقدم وفيه: وأمرهم أن يمشوا ما (2) بين الركنين. فمنسوخ بهذا الحديث؛ لأن حديث ابن عباس في عمرة القضاء سنة سبع قبل فتح مكة، وكان في المسلمين ضعف في أبدانهم، وإنما رملوا إظهارًا للقوة، فاحتاجوا إلى ذلك في غير ما بين الركنين اليمانيين؛ لأن المشركين كانوا جلوسًا مما يلي الحجر بكسر الحاء وإسكان الجيم، وكانوا يغيبون عنهم بين هذين الركنين كما تقدم ويرونهم فيما سوى ذلك.
وأما حديث ابن عمر هذا فكان في حجة الوداع سنة عشر، فكان العمل على هذا لأنه المتأخر، وهذا من محاسن أبي داود من تقديم الحديث المنسوخ على الناسخ على القاعدة بخلاف "صحيح مسلم" فإنه قدم الناسخ وأخر المنسوخ، ولعله فعل ذلك لفائدة في علم الحديث لا أعرفها.
فلو كان الطائف راكبًا دابة أو محمولًا على آدمي فهل يرمل؟ فيه قولان، أصحهما: يرمل به الحامل ويحرك هو الدابة.
(1) في (م): الفضل.
(2)
من (م).