الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب السرقة
والسرقة في اللغة عبارة عن أخذ الشيء من الغير على سبيل الخفية والاستسرار، ومنه استراق السمع، قال تعالى:{إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} [الحجر: 18](الحجر: الآية 18) ش: وقد زيدت عليه أوصاف في الشريعة على ما يأتيك بيانه إن شاء الله تعالى. والمعنى اللغوي مراعى فيها ابتداء وانتهاء، أو ابتداء لا غير، كما إذا نقب الجدار على الاستسرار وأخذ المال من المالك مكابرة على الجهار، وفي الكبرى وهو قطع الطريق مسارقة عن الإمام
ــ
[البناية]
[كتاب السرقة]
[نصاب السرقة]
م: (كتاب السرقة)
ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام السرقة. ولما فرغ من ذكر المزاجر المتعلقة بصيانة التعزير شرع في ذكر المزاجر المتعلقة بصيانة الأموال، وصيانة النفس أقدم من صيانة المال، فلذلك أخر كتاب السرقة.
م: (والسرقة في اللغة عبارة عن أخذ الشيء من الغير على سبيل الخفية والاستسرار) ش: والسرقة على وزن فعلة، بفتح الفاء وكسر العين، من سرق من باب ضرب يضرب، ولها معنى لغوي، ومعنى شرعي، ومعناها اللغوي هو ما قاله المصنف رحمه الله بقوله: السرقة في اللغة إلى آخره م: (ومنه) ش: أي: ومن المعنى اللغوي م: (استراق السمع) ش: وهو السماع حقيقة م: (قال الله تعالى: {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} [الحجر: 18] (الحجر: الآية 18) ش: معناه: يستمع مستخفياً، ويقال: معناه رام اختلاسه سراً، واسترقت الشياطين من الملائكة كلاماً م:(وقد زيدت عليه) ش: أي: على المعنى اللغوي: م: (أوصاف في الشريعة) ش: أي قيود في المعنى الشرعي م: (على ما يأتيك بيانه إن شاء الله تعالى) ش: أي بيان تلك الأوصاف التي هي القيود.
م: (والمعنى اللغوي مراعى فيها) ش: أي أخذ الشيء من الغير على الحقيقة مراعى في السرقة م: (ابتداء وانتهاء) ش: وهي أن توجد الحقيقة ابتداء وانتهاء م: (أو ابتداء لا غير) ش: أي على وجه الحقيقة م: (كما إذا نقب الجدار على الاستسرار) ش: يعني ليلاً على الجدار يعني خفية ثم استيقظ صاحب المال م: (وأخذ المال من المالك مكابرة) ش: يعني مقابلة بالسلاح ومدافعة م: (على الجهار) ش: يعني أخذ المال في الانتهاء.
م: (وفي الكبرى) ش: أي في السرقة الكبرى م: (وهو قطع الطريق) ش: هذا جواب عما يقال يرد على ما قلت: قطع الطريق؛ لأنه لم يراع فيه الحقيقة.
وقد قلت: المعنى اللغوي في السرقة مراعى. فأجاب بقوله وفي الكبرى؛ أعني: قطع الطريق م: (مسارقة عن الإمام) ش: لأن قاطع الطريق يأخذ المال عن المارة حقيقة عن عين الإمام
لأنه هو المتصدي لحفظ الطريق بأعوانه. وفي الصغرى مسارقة عين المالك أو من يقوم مقامه. قال: وإذا سرق العاقل البالغ عشرة دراهم أو ما يبلغ قيمته عشرة دراهم مضروبة من حرز لا شبهة فيه وجب عليه القطع.
والأصل فيه قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] الآية (المائدة: الآية 38) ، ولا بد من اعتبار العقل والبلوغ، لأن الجناية لا تتحقق دونهما، والقطع جزاء الجناية ولا بد من التقدير بالمال الخطير؛ لأن الرغبات تفتر في الحقير، وكذا إذ أخذه لا يخفى فلا يتحقق ركنه
ــ
[البناية]
الذي يحفظ الطريق م: (لأنه هو المتصدي لحفظ الطريق بأعوانه) ش: وهو جمع عون، وهو الظهير والمرء بأعوانه رجاله الذين في خدمته وصدهم لحفظ الطريق.
م: (وفي الصغرى) ش: أي وفي السرقة الصغرى م: (مسارقة عين المالك) ش: الذي هو الحافظ م: (أو من يقوم مقامه) ش: أي أو مسارقة عين من يقوم مقام المالك، سواء كان صاحب أمانة أو ضمان لمستعير المستأجر والمودع والمرتهن والمضارب والفاجر.
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله: م: (وإذا سرق العاقل البالغ عشرة دراهم أو ما يبلغ قيمته ش: أي: أو سرق ما يبلغ قيمته م: (عشرة دراهم مضروبة من حرز لا شبهة فيه وجب عليه القطع) ش: إلى هنا لفظ القدوري.
م: (والأصل فيه) ش: أي في وجوب القطع م: قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] الآية (المائدة: الآية 38) ش: أي الذي يسرق والتي تسرق فاقطعوا أيديهما باتفاق العلماء، وهو جعل لتناول المال غير المحروز الشيء التافه الذي لا قيمة له.
والحديث وهو قوله عليه السلام: «لا يقطع السارق إلا في المحرز» على ما يجيء بيان الحديث م: (ولا بد من اعتبار العقل والبلوغ؛ لأن الجناية لا تتحقق دونهما) ش: أي دون العقل والبلوغ، وإنما خص المجنون والصبي؛ لقوله عليه الصلاة والسلام «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل» م:(والقطع جزاء الجناية) ش: فلا تثبت الجناية على المجنون والصبي - والقطع عقوبة - وهما ليسا من أهل العقوبة.
م: (ولا بد من التقدير بالمال الخطير) ش: أي الذي له قيمة، وضد الخطير الحقير م:(لأن الرغبات تفتر في الحقير) ش: الرغبات جمع رغبة، وهو مصدر رغب عن الشيء رغباً ورغبة، وإذا أراده ورغب عنه لم يرده، والفتور الضعف والانكسار، المعنى أن الراغب في الشيء لا يرغب في الشيء الحقير.
م: (وكذا إذ أخذه لا يخفى) ش: أي وكذا أخذ الشيء الحقير لا يخفى، والذي يأخذه لا يخفيه عن الناس لخفائه، وإذا كان كذلك م:(فلا يتحقق ركنه) ش: أي ركن السرقة، وهو الأخذ
ولا حكمة الزجر؛ لأنها فيما يغلب. والتقدير بعشرة دراهم مذهبنا. وعند الشافعي رحمه الله التقدير بربع دينار، وعند مالك رحمه الله بثلاثة دراهم. لهما أن القطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان إلا في ثمن المجن. وأقل ما نقل في تقديره ثلاثة دراهم، والأخذ بالأقل - وهو المتيقن به - أولى غير أن الشافعي رحمه الله يقول: كانت قيمة الدينار على عهد النبي صلى الله عليه وسلم اثني عشر درهما ثلاثة ربعها.
ــ
[البناية]
عن الخفية وتذكير الضمير على تأويل السرقة؛ لأنهما بمعنى م: (ولا حكمة الزجر) ش: أي ولا تتحقق أيضاً حكمة الزجر في أخذ الشيء الحقير م: (لأنها) ش: أي لأن حكمة الزجر م: (فيما يغلب) ش: أي وقوعها، وكذلك في المال الخطير.
م: (والتقدير) ش: أي تقدير الشيء الذي يقطع به يد السارق م: (بعشرة دراهم مذهبنا) ش: وفيه مذاهب الناس. وقال الحسن وداود والخوارج وابن بنت الشافعي رحمه الله يقطع، والقليل والكثير؛ لعموم الآية؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:«لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده ويسرق البيضة فتقطع يده» متفق عليه. وقال ابن أبي ليلى رحمه الله: لا تقطع في أقل من خمسة دراهم.
وقال مالك وأحمد - رحمهما الله - يقطع في ربع دينار، أو قدر تلك دراهم. وروي عن مالك رحمه الله خمسة دراهم. وهو المروي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، كذا في " جامع الترمذي ".
وروي عنهما أنه لا يقطع في أقل من أربعين درهماً. وهو غير صحيح.
م: (وعند الشافعي رحمه الله التقدير بربع دينار، وعند مالك رحمه الله بثلاثة دراهم. لهما) ش: أي للشافعي رحمه الله ومالك رحمه الله م: (أن القطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان إلا في ثمن المجن) ش: بكسر الميم وهو الترس [....] به اشتراه صاحبه من جنة الليل وأجنه، أي ستره.
واختلفوا في ثمن الذي قطع به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: كان عشرة دراهم، وقيل: ثلاثة دراهم، وقيل: خمسة دراهم، فقال الشافعي رحمه الله ومالك رحمه الله: م: (وأقل ما نقل في تقديره ثلاثة دراهم، والأخذ بالأقل - وهو المتيقن به - أولى غير أن الشافعي رحمه الله يقول: كانت قيمة الدينار على عهد النبي صلى الله عليه وسلم اثني عشر درهماً ثلاثة ربعها) ش: واحتج بما روى الترمذي عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها موقوفاً ومرفوعاً «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع في ربع» . واحتج مالك رحمه الله بما روي عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم «أن
ولنا أن الأخذ بالأكثر في هذا الباب أولى احتيالا لدرء الحد، وهذا لأن في الأقل شبهة عدم الجناية، وهي دارئة للحد،
وقد تأيد ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام «لا قطع إلا في دينار أو عشرة دراهم» .
ــ
[البناية]
رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع سارقاً في مجن قيمته ثلاثة دراهم» م: (ولنا أن الأخذ بالأكثر في هذا الباب أولى احتيالاً لدرء الحد) ش: لأن الحدود تندرئ بالشبهات م: (وهذا) ش: أي الأخذ بالأكثر م: (لأن في الأقل) ش: أي في عشرة دراهم م: (شبهة عدم الجناية، وهي) ش: أي الشبهة م: (دارئة للحد) ش: الشبهة، بيان ذلك أن في العشرة يجب القطع بالإجماع، وفيما دونها خلافاً. والأخذ بالمجمع عليه أولى من الأخذ بما فيه خلاف، لأن أدنى درجات الخلاف إيراث الشبهة، والحدود تندرئ بالشبهات.
م: (وقد تأيد ذلك) ش: أي ما ذكرنا م: (بقوله عليه الصلاة والسلام) ش: أي بقول النبي صلى الله عليه وسلم: م: (لا قطع إلا في دينار أو عشرة دراهم) ش: هذا الحديث رواه الطحاوي، قال: حدثنا ابن أبي داود، قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني حدثنا [.....] عن منصور عن عطاء، عن ابن أم عزم، عن أم أيمن قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقطع السارق إلا في مجن» وقومت يومئذ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: ديناراً أو عشرة دراهم.
وأخرجه البيهقي في " الخلافيات ". وقال الطحاوي رحمه الله أيضاً: حدثنا ابن أبي داود وعبد الرحمن بن عمرو الدمشقي رحمه الله قال: حدثنا ابن خالد الذهبي قال: حدثنا محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «كان قيمة المجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم» . رواه أبو داود.
وأخرجه الحاكم في مستدركه، وقال صحيح على شرط مسلم وشاهد حديث أيمن.
فإن قلت: أيمن هذا عده جماعة من الصحابة وقالوا: إنه قتل يوم حنين ولم يدرك عطاء رضي الله عنه فحينئذ فالحديث منقطع.
قلت: إن كان أيمن من الصحابة رضي الله عنه وعطاء رضي الله عنه لم يدركه لكن يؤيده حديث ابن عباس رضي الله عنهما وإن كان تأخرت عن وفاته إلى ما بعد النبي صلى الله عليه وسلم كما زعم الطحاوي رحمه الله يكون الحديث منفصلاً، وإن كان من التابعين رضي الله عنهم -
واسم الدراهم ينطلق على المضروبة عرفا، وهذا يبين لك اشتراط المضروب كما قال في الكتاب، وهو ظاهر الرواية، وهو الأصح رعاية لكمال الجناية، حتى لو سرق عشرة تبرا قيمتها
ــ
[البناية]
على ما زعمه الشافعي رحمه الله يكون وغيره أيضاً متصلاً محالة، وعد جماعة أيمن من الصحابة رضي الله عنهم منهم ابن إسحاق، وابن سعيد، وأبو القاسم البغوي، وأبو نعيم، وابن المنذر، وابن نافع، وابن عبد البر. ومما يؤيد مذهبنا ما رواه النسائي من حديث عبد الله بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال:«كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم» .
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا عبد الأعلى رحمه الله عن محمد بن إسحاق رحمه الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقطع يد السارق في دون ثمن المجن» . قال عبد الله: كان ثمن المجن عشرة دراهم.
وأخرج أحمد رحمه الله في مسنده عن الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب به مرفوعاً: «لا تقطع يد السارق في أقل من عشرة دراهم» ، ورواه إسحاق بن راهويه رحمه الله في مسنده.
وروى ابن أبي شيبة رحمه الله في مصنفه حدثنا المثنى بن الصباح، عن عمرو ابن شعيب، عن سعيد بن المسيب، عن رجل من مزينة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما بلغ ثمن المجن قطعت يد صاحبه» ، وكان ثمن المجن عشرة دراهم.
وروى الطبراني في " الأوسط " حدثنا محمد بن نوح بن حرب، حدثنا خالد بن مهران، حدثنا أبو قطيح البلخي، عن أبي حنيفة رحمه الله عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه، عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا قطع إلا في عشرة دراهم» . وروى عبد الرزاق رحمه الله في مصنفه أخبرنا الثوري، عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال ابن مسعود رضي الله عنه لا تقطع اليد إلا في دينار أو عشرة دراهم.
م: (واسم الدراهم ينطلق على المضروبة عرفاً) ش: أي ينطلق على المكسورة في عرف الناس، غير المكسورة لا يسمى دراهم في العرف، وتكلم العلماء في الدراهم، هل يشترط عشرة دراهم مضروبة أم لا. ونقل المصنف لفظ القدوري رحمه الله بلفظ المضروبة كما ذكر عن قريب.
م: (وهذا) ش: أشار به إلى قوله: واسم الدراهم ينطلق على المضروبة عرفاً م: (يبين لك اشتراط المضروب، كما قال في الكتاب) ش: كما قال القدوري في مختصره م: (وهو) ش: أي الذي ذكره في الكتاب م: (ظاهر الرواية، وهو الأصح رعاية لكمال الجناية، حتى لو سرق عشرة تبرا قيمتها.
أنقص من عشرة مضروبة لا يجب القطع، والمعتبر وزن سبعة مثاقيل؛ لأنه المتعارف في عامة البلاد.
ــ
[البناية]
أنقص من عشرة مضروبة لا يجب القطع) ش: أي ظاهر الرواية هو الأصح، احترز به عن رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أن المضروب وغير المضروب سواء، ذكره في " المحيط ".
وقال الأترازي: في نقل المصنف عن القدوري نظر؛ لأن الشيخ أبا نصر ذكر ذلك في الشرح الكبير، وهو تلميذ القدوري رواية المختصر، ولم يقيد المضروبة، بل أثبت الرواية بقوله: مضروبة أو غير مضروبة ثم قال: أما قول صاحب الكتاب عشرة دراهم مضروبة أو غير مضروبة فهو قول أبي حنيفة رحمه الله، ثم قال: وروى بشر عن أبي يوسف رحمه الله وابن سماعة عن محمد رحمه الله فيمن سرق عشرة دراهم تبرا لا يقطع.
وقال في " التحفة " ذكر أبو الحسن الكرخي رحمه الله أنه يعتبر عشرة دراهم مضروبة، وكذا روي عن أبي يوسف رحمه الله ومحمد رحمه الله أنه لا يقطع في عشرة دراهم تبرا لم تكن مضروبة.
وروى الحسن رحمه الله عن أبي حنيفة رحمه الله إذا سرق عشرة مما تروج بين الناس قطع، فهذا يدل على أن التبر إذا كان رائجاً يقطع فيه. إلى هنا لفظ التحفة، يعني اشتراط المضروبة في العشرة لأجل رعاية الكمال في الجناية.
وقال الكاكي رحمه الله هذا دليل الأصح يعني في شروط العقوبات يراعى وجودها على صفة الكمال، وبالتبر أنقص من المضروب قيمته، ولهذا شرطنا الجودة، حتى لو سرق زيوفاً أو بنهرجة أو نستوقة لا يجب القطع.
ذكره في شرح الطحاوي؛ لأن نقصان الوصف يوجب نقصان المالية كنقصان القدر فأدرك شبهته، حتى لو سرق عشرة تبرا قيمتها أنقص من عشرة مضروبة لا يجب القطع، هذا نتيجة ما قبله، وهو ظاهر.
والتبر هو القطع المأخوذ من المعدن.
م: (والمعتبر) ش: يعني في عشرة دراهم سبعة مثاقيل من الذهب م: (وزن سبعة مثاقيل؛ لأنه المتعارف في عامة البلاد) ش: وزن الدراهم أربعة قراريط، ووزن الدينار عشرون قيراطاً مائتا درهم وزن مائة وأربعين مثقالاً، وزن كل مثقال درهم وثلاثة أسباع درهم.
وقد مر في كتاب الزكاة من هذا؛ لأنه هو المتعارف في عامة البلاد، وعلى هذا استقر الأمر في ديوان عمر رضي الله عنه، فتعلق الأحكام بهذه الدراهم كنصاب الزكاة وتقادير الديات. وقال في شرح الطحاوي يعتبر قيمة السرقة وقت السرقة وعند القطع عند الكرخي رحمه الله.
وقوله: أو ما يبلغ قيمته عشرة دراهم، إشارة إلى أن غير الدراهم يعتبر قيمته بها وإن كان ذهبا،
ولا بد من حرز لا شبهة فيه، لأن الشبهة دارئة، وسنبينه من بعد إن شاء الله تعالى. قال والعبد والحر في القطع سواء؛ لأن النص لم يفصل، ولأن التنصيف متعذر، فيتكامل صيانة لأموال الناس، ويجب القطع بإقراره مرة واحدة، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله ومحمد رحمه الله وقال أبو يوسف رحمه الله لا يقطع إلا بإقراره مرتين، ويروى عنه أنهما في مجلسين مختلفين؛ لأنه
ــ
[البناية]
م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري: م: (أو ما يبلغ قيمته عشرة دراهم، إشارة إلى أن غير الدراهم يعتبر قيمته بها) ش: أي بالدراهم م: (وإن كان ذهباً) ش: واصلاً بما قبله، وإن كان ما يبلغ قيمته عشرة دراهم ذهباً. وفي " المحيط " لو سرق ديناراً قيمته أقل من عشرة دراهم يقطع، وما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:«لا قطع إلا في دينار أو عشرة دراهم أو بالدينار» ، قال أو بالدينار المقوم بقيمة الشرع عشرة دراهم إلا الدينار المقوم بقيمة الوقت؛ لأن القيمة باعتبار العرف مختلفة، قد يكون عشرة، وقد يكون عشرين، وقد يصير ثمانية دراهم. قلت: قيمة الدينار في زماننا هذا ثلاثمائة وثلاثون درهماً، وقد كان في الأول بعشرين درهماً، فلم يزل تبراً إلى أن بلغ هذا المبلغ.
م: (ولا بد من حرز لا شبهة فيه؛ لأن الشبهة دارئة، وسنبينه) ش: أي رافعة للحد، والحرز المكان الحرية، وهو الذي يحرز فيه الشيء، أي يحفظ، والمراد بالمحرز ما لا يعد صاحبه مضيعاً م:(من بعد إن شاء الله تعالى) ش: سنبين الحرز في فصل الحرز إن شاء الله تعالى.
م: (قال: والعبد والحر في القطع سواء؛ لأن النص لم يفصل) ش:، قال الله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] الآية، فبعمومه يتناول الحر والعبد م:(ولأن التصنيف متعذر) ش: أي ينصف القطع الذي هو الحد مشهور م: (فيتكامل صيانة لأموال الناس) ش: أي فيتكامل الحد الذي هو القطع؛ لأجل حفظ أموال الناس، لأن في تركه لأجل تعذر التنصيف فساداً لا يخفى كما في القصاص م:(ويجب القطع) ش: أي قطع يد السارق م: بإقراره مرة واحدة) ش: هذا لفظ القدوري.
م: (وهذا) ش: أي لإقراره مرة واحدة م: (عند أبي حنيفة رحمه الله ومحمد رحمه الله) ش: وبه قال أكثر العلماء.
م: (وقال أبو يوسف رحمه الله لا يقطع إلا بإقراره مرتين) ش: وبه قال ابن أبي ليلى وأحمد وزفر وابن شبرمة رحمهم الله وكذا الخلاف في شرب الخمر م: (ويروى عنه) ش: أي عن أبي يوسف رحمه الله م: (أنهما) ش: أي الإقرارين ينبغي أن يكونا م: (في مجلسين مختلفين) ش: كذا ذكر الفقيه أبو الليث رحمه الله في شرح " الجامع الصغير ".
وذكر بشر رحمه الله رجوع أبي يوسف رحمه الله إلى قولهما م: (لأنه ش: أي لأن
إحدى الجهتين، فيعتبر بالأخرى، وهي البينة كذلك اعتبرنا في الزنا. ولهما أن السرقة قد ظهرت بالإقرار مرة، فيكتفى به، كما في القصاص وحد القذف، ولا اعتبار بالشهادة؛ لأن الزيادة تفيد فيها تقليل تهمة الكذب، ولا تفيد في الإقرار شيئا؛ لأنه لا تهمة، وباب الرجوع في حق الحد لا ينسد بالتكرار والرجوع في حق المال في السرقة لا يصح أصلا؛ لأن صاحب المال يكذبه، واشتراط الزيادة في الزنا، بخلاف القياس، فيقتصر على مورد الشرع.
ــ
[البناية]
الإقرار م: (إحدى الجهتين) ش: وهما البينة والإقرار م: (فيعتبر) ش: أي الإقرار م: (بالأخرى) ش: أي بالحجة الأخرى م: (وهي البينة) ش: فإن البينتان تثبتان م: (كذلك اعتبرنا في الزنا) ش: كما اعتبرنا الإقرار هاهنا بالبينة كذا بسنده في الزنا حيث شرطنا الإقرار فيه أربع مرات كما أن البينة فيه أربع؛ ولأنه روى أبو داود عن أبي أمية المخزومي أنه عليه الصلاة والسلام أتي بلص قد اعترف فقال له: «ما أخالك سرقت "، قال: بلى، فأعاده عليه مرتين أو ثلاثاً فقطع.» فعلم بهذا أن الإقرار مرة واحدة لا يوجب القطع، ويؤيد ما روى الطحاوي في " شرح الآثار " بإسناده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رجلاً أقر عنده بسرقة مرتين، فقال: قد شهدت على نفسك شهادتين، فأمر به فقطع وعلقها في عنقه.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أن السرقة قد ظهرت بالإقرار مرة فيكتفى به) ش: أي بالإقرار مرة واحدة م: (كما في القصاص وحد القذف) ش: وغيرهما، فإن الإقرار فيها يكفي بمرة واحدة. م:(ولا اعتبار بالشهادة) ش: هذا جواب عن قياس أحد الحجتين بالأخرى، وبيان العارف بيانه هو قوله م:(لأن الزيادة تفيد فيها) ش: أي في الشهادة م: (تقليل تهمة الكذب، ولا تفيد في الإقرار شيئاً؛ لأنه لا تهمة) ش: أي في الإقرار؛ لأن الإقرار إن وقع صادقاً، فلا يرد أو صدقاً بالثاني.
وإن وقع كذباً فلا يتغلب صدقاً بالتكرار وبالرجوع جواب عما يقال إنما يشترط التكرار؛ لقطع احتمال الرجوع عن إقراره واحتمال أن يثبت عليه فيؤكد على قبوله بالتكرار، فأجاب، بقوله م:(وباب الرجوع) ش: أي عن الإقرار م: (في حق الحد لا ينسد بالتكرار) ش: لأنه لو أقر مراراً كثيرة ثم رجع صح رجوعه في حق الحد؛ لأنه يكذب له.
م: (والرجوع في حق المال في السرقة لا يصح أصلاً؛ لأن صاحب المال يكذبه) ش: فلا يصح، فظهر الفرق بهذا أن لا فائدة في تكرار الإقرار في حق القطع؛ ولأنه في حق إسقاط ضمان المال بالإقرار. م:(واشتراط الزيادة في الزنا) ش: جواب عن قوله: كذلك اعتبرنا في الزنا معنى اشتراط الزيادة في الزنا م: (بخلاف القياس) ش: وفي " المحيط " وفي " المبسوط " والقياس في الزنا أن يكتفى بالإقرار مرة واحدة فيه، فاشتراط التكرار فيه على خلاف القياس بالنص م:(فيقتصر على مورد الشرع) ش: أي على مورد النص، والنص الوارد في الزنا لا يكون وارداً في باب السرقة؛ لأن في السرقة ورد نص آخر، وهو أنه عليه الصلاة والسلام «قطع سارقاً بالإقرار مرة واحدة» . وأما