الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولهما أنه أقر بسبب الضمان وهو أخذ مال الغير وادعى ما يبرئه وهو الأخذ لمالكه، وفيه وقع الشك، فلا يبرأ وما ذكر من الظاهر يعارضه مثله؛ لأن الظاهر أن يكون المتصرف عاملا لنفسه،
ويكفيه في الإشهاد أن يقول من سمعتموه ينشد لقطة فدلوه علي، واحدة كانت اللقطة أو أكثر؛ لأنه اسم جنس.
ــ
[البناية]
وحاصل الكلام أن مطلق فعل المسلم محمود على ما يحل شرعاً، قال عليه السلام:«لا تظن بكلمة خرجت من في أخيك سوءاً وأنت تجد لها محملاً من الخير» وإنما كان القول قول صاحبها؛ لأن صاحبها يدعي سبب الضمان وهو ينكر، فالقول له كما في الغصب.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أنه) ش: أي أن الملتقط م: (أقر بسبب الضمان وهو أخذ مال الغير) ش: بغير إذنه م: (وادعى ما يبرئه) ش: بضم الياء من الإبراء أي ما يبرئه عن الضمان وهو الأخذ أي دعواه ما يبرئه.
م: (وهو الأخذ لمالكه وفيه) ش: أي وفي قوله هذا وقع الشك، وهو أنه يحتمل أنه أخذه لنفسه فيضمن ويحتمل أنه أخذ لمالك فلا يضمن م:(وقع الشك فلا يبرأ) ش: عن الضمان.
م: (وما ذكر) ش: أي والذي ذكر أبو يوسف م: (من الظاهر) ش: وهو قوله لأن الظاهر شاهد له م: (يعارضه مثله) ش: أي مثل هذا الظاهر. وهو أن يقال الأصل م: (لأن الظاهر أن يكون المتصرف عاملاً لنفسه) ش: أي تصرف الإنسان له لا لغيره وذكروا في نسخ الفتاوى هذا الاختلاف إذا كان متمكناً من الإشهاد، فإن لم يكن لعدم من يشهد على ذلك أو لحقوق أن يأخذ منه ظاهر، فالقول قوله مع اليمين بالإجماع، ولا ضمان عليه في ترك الإشهاد.
[الإشهاد على اللقطة]
م: (ويكفيه) ش: أي ويكفي الملتقط م: (في الإشهاد أن يقول من سمعتموه ينشد لقطة) ش: أي ينادي ويقول من رأى لقطة كذا وكذا م: (فدلوه علي) ش: بضم الدال وتشديد اللام، علي بتشديد الياء، سواء كانت اللقطة م:(واحدة) ش: أو أكثر يعني م: (كانت اللقطة أو أكثر) ش: من جنس واحد أو من أجناس مختلفة، بأن يكون ذهباً وفضة أو أثواباً يكفيه أن يقول من سمعتموه ينشد لقطة ولا يحتاج إلى الزيادة م:(لأنه) ش: أي لأن اللقطة م: (اسم جنس) ش: فيتناول، وعند أحمد ينبغي أن يذكر جنسها من ذهب أو فضة، وفي شرح الطحاوي ولو قال التقطت لقطة أو ضالة أو قال عندي شيء، فمن سمعتموه يسأل شيئا: فدلوه علي، فلما جاء صاحبها قال: هلكت لا ضمان عليه، وكذلك لو وجد لقطتين فقال: من سمعتموه يسأل شيئاً فدلوه علي، ولم يقل عندي لقطتان، وكذلك لو قال عندي لقطة برئ من الضمان، وإن كانت عشراً.
وهذا كله إشهاد أنه إنما أخذها ليردها على صاحبها، وقال شمس الأئمة الحلواني: أوفى ما يكون في التعريف أن يشهد عند الأخذ ويقول أخذتها لأردها، فإن فعل ذلك ولم يعد فيها
قال: فإن كانت أقل من عشرة دراهم عرفها أياما، وإن كانت عشرة فصاعدا عرفها حولا. قال: وهذه رواية عن أبي حنيفة، وقوله أياما معناه على حسب ما يرى الإمام، وقدره محمد رحمه الله في الأصل بالحول من غير تفصيل بين القليل والكثير، وهو قول مالك والشافعي لقوله عليه السلام:«من التقط شيئا فليعرفه سنة» من غير فصل.
ــ
[البناية]
بعد ذلك كفى م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن كانت) ش: أي اللقطة م: (أقل من عشرة دراهم عرفها أياماً، وإن كانت عشرة فصاعداً عرفها حولاً) ش: هذا لفظ القدوري في " مختصره ".
م: (قال) ش: أي المصنف رحمه الله: م: (وهذه رواية عن أبي حنيفة) ش: أي هذه الرواية التي ذكرها القدوري بالترديد رواية عن أبي حنيفة رضي الله عنه، وأشار بهذا إلى أنها ليست ظاهر الرواية، وفي ظاهر الرواية مدة التعريف مقدرة بالحول، فإن الطحاوي أيضاً قال: وإذا التقط لقطة أنه يعرفها سنة، سواء كان الشيء نفياً أو حبسا في ظاهر الرواية وفي " فتاوى الولوالجي "، وعن أبي حنيفة إن كانت مائتي درهم فما فوقها يعرفها حولاً، وإن كانت أقل من مائتي درهم إلى عشرة يعرفها شهراً، وإن كانت أقل من عشرة يعرفها على حسب ما يرى.
وعن أبي حنيفة في رواية أخرى وإن كانت مائتي درهم فصاعداً يعرفها حولاً، وإن كانت عشرة فصاعداً يعرفها شهراً وإن كانت ثلاثة فصاعداً يعرفها عشرة أيام، وإن كانت درهماً فصاعداً يعرفها ثلاثة أيام، وإن كانت دانقاً فصاعدا يعرفها يومان وإن كانت دون ذلك ينظر عنه ويسره ثم يصدقه في كف فقير، وقال شمس الأئمة السرخسي: وشيء من هذا ليس بتقدير لازم؛ بل لا يعرف القليل بقدر ما يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك، وقال أصحاب الشافعي: التعريف واجب منه وهو قول مالك وأحمد.
م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري م: (أياماً معناه على حسب ما يرى الإمام) ش: أي أن الملتقط يعرفها على أن يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك، وقال أصحاب الشافعي: التعريف واجب منه وهو قول مالك وأحمد.
م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري م: (أياماً معناه على حسب ما يرى الإمام) ش: أي أن الملتقط يعرفها إلى أن يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك م: (وقدره محمد رحمه الله في الأصل) ش: أي في " المبسوط " قدر محمد التعريف م: (بالحول من غير تفصيل بين القليل والكثير) ش: وهكذا روي عن محمد وعلي وابن عباس رضي الله عنهم ولأن السنة لا تأخر عنها القوافل، ويمضي فيها الزمان الذي يقصد فيها البلاد من الخبر والبرد والاعتدال فصلحت قدر المدة أجل العين. م:(وهو) ش: أي قول محمد بالحول م: (قول مالك والشافعي) ش: وأحمد أيضاً م: (لقوله عليه السلام) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم م: «من التقط شيئا فليعرفه سنة» من غير فصل) ش: هذا الحديث رواه إسحاق بن راهويه بإسناده عن عياض، وعن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا بعضه عن قريب له، وفيه وليعرفها سنة، وإن جاء صاحبها وإلا فهو مال الله يؤتيه
وجه الأول: أن التقدير بالحول ورد في لقطة كانت مائة دينار تساوي ألف درهم، والعشرة وما فوقها في معنى الألف في تعلق القطع به في السرقة وتعلق استحلال الفرج به، وليست في معناها في حق تعلق الزكاة، فأوجبنا التعريف بالحول احتياطا، وما دون العشرة ليس في معنى الألف بوجه ما، ففوضنا إلى رأي المبتلى به،
ــ
[البناية]
من يشاء.
وأخرج الدارقطني في " سننه " عن زيد بن خالد الجهني قال: «سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال: " عرفها سنة» الحديث، من غير فصل يعني بين القليل والكثير م:(وجه الأول) ش: وهو ما روي عن أبي حنيفة أنه عرفها حولاً إذا كانت عشرة فصاعداً م: (أن التقدير بالحول ورد في لقطة كانت مائة دينار تساوي ألف درهم) ش: يشير به إلى ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: «أخذت مرة مائة دينار فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " عرفها حولاً " فعرفتها فلم أجد من يعرفها ثم أتيته فقال: " عرفها حولاً " فعرفتها فلم أجد ثم أتيته ثلاثاً فقال: " احفظ وعاءها وعددها ووكاءها فإن بان صاحبها وإلا فاستمتع بها» . وجه الاستدلال أنه عليه السلام اعتبر الحول في كل كرة يجب التعريف بالحول مطلقاً، وأجاب المصنف عن هذا بقوله: م: (والعشرة وما فوقها، في معنى الألف في تعلق القطع به في السرقة) ش: لأن اليد تقطع بالعشرة كما تقطع بما فوقها، وكذلك في صلاحية العشرة للمهر فما فوقها، وهو معنى قوله م:(وتعلق استحلال الفرج به) ش: أي وكما في تعلق استحلال الفرج في النكاح.
م: (وليست في معناها) ش: أي وليست العشرة في معنى الألف م: (في حق تعلق الزكاة) ش: وهذا ظاهر، وكأن للعشرة جهتين، إحداهما حال كونها في معنى الأول، والأخرى في عدم كونها، فلما كان الأمر كذلك قال المصنف: م: (فأوجبنا التعريف بالحول احتياطاً) ش: نظراً إلى اعتبار الجهة الأولى م: (وما دون العشرة ليس في معنى الألف بوجه ما) ش: أي بوجه من الوجوه.
قال: فإذا كان الأمر كذلك م: (ففوضنا) ش: يعني تقدير المدة م: (إلى رأي المبتلى به) ش: أي بما دون العشرة، وقال الكاكي: وما روي عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه عليه السلام أمره بتعريف مائة دينار غير صحيح، قال أبو داود: شك الراوي في ذلك، وقال الراوي: ثلاثة أعوام أو عام واحد. انتهى.
قلت: الحديث رواه مسلم أيضاً في " صحيحه "، وفي آخره، فقال: لا أدري بثلاثة أحوال أو حول واحد، وفي لفظ: عامين أو ثلاثة، وفي لفظ: قال: " ثلاثة أحوال ". وفي لفظ: قال عرفها عاماً واحداً، وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": ولا تخلو هذه الروايات عن غلط
وقيل: الصحيح أن شيئا من هذه المقادير ليس بلازم، ويفوض إلى رأي الملتقط يعرفها إلى أن يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك، ثم يتصدق بها، وإن كانت اللقطة شيئا لا يبقى عرفها حتى إذا خاف أن يفسد تصدق به، وينبغي أن يعرفها في الموضع الذي أصابها، وفي المجامع فإن ذلك أقرب إلى الوصول إلى صاحبها، وإن كانت اللقطة شيئا يعلم أن صاحبها لا يطلبها كالنواة وقشور الرمان.
ــ
[البناية]
بعض بدليل أن شعب قال بالتعريف فيه مستحقة يقول: بعد عشر سنين عرفها عاماً واحداً، ويكون عليه السلام علم أنه لم يقع تعريفها كما ينبغي فلم يجب له بالتعريف الأول.
م: (وقيل الصحيح) ش: أشار به إلى قول شمس الأئمة السرخسي، وقد ذكرناه عن قريب، ولهذا قال بعض أصحاب مالك وأصحاب أحمد رحمهم الله م:(أن شيئاً من هذه المقادير ليس بلازم، ويفوض إلى رأي الملتقط يعرفها إلى أن يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك ثم يتصدق بها) ش: أي باللقطة.
م: (وإن كانت اللقطة شيئا لا يبقى) ش: قالوا في نسخ " الفتاوى ": وإن كانت اللقطة مما لا تبقى إذا مر عليه يوم أو يومان عرفها، فإذا خاف الفساد تصدق بها م:(عرفها حتى إذا خاف أن يفسد تصدق به) ش: كلمة حتى هنا بمعنى إلى، والمعنى عرفها إلى أن خاف فسادها أي تلفها فحينئذ يتصدق به.
والضمير في قوله: عرفها يرجع إلى اللقطة، أو في قوله: به يرجع إلى قوله: شيئاً م: (وينبغي أن يعرفها في الموضع الذي أصابها، وفي المجامع) ش: مجمع الناس كالأسواق وأبواب المساجد، وفي " الشامل ": والتعريف أن ينادي في الأسواق والمساجد من ضاع له شيء فليطلبه عندي م: (فإن ذلك) ش: أشار به إلى الموضع أصابه فيه م: (أقرب إلى الوصول إلى صاحبها) ش: لأن صاحبها يرجع إلى الموضع الذي نسيه فيه.
م: (وإن كانت اللقطة شيئاً يعلم أن صاحبها لا يطلبها كالنواة وقشور الرمان) ش: يعني في مواضع مختلفة، فجمعها حتى صارت بحكم الكثرة لها قيمة فلا اعتبار بقيمتها؛ لأنها ظهرت بصيغة وهي جمعه، وله الانتفاع بذلك، وذكر شيخ الإسلام: ولو كانت متفرقة جمعها للمالك أخذها، لأنه يصير ملكاً للأخذ بالجمع.
وكذا الجواب في التقاط المسائل، وبه كان يفتي الصدر الشهيد كذا في " الذخيرة " وفي " المحيط ": لو وجد النواة والصور في مواضع متفرقة يجوز الانتفاع بها، أما لو كانت مجتمعة في موضع فلا يجوز الانتفاع بها؛ لأن صاحبها لما جمعها فالظاهر أنه ما ألقى بها، بل سقطت منه.... انتهى.
يكون إلقاؤه إباحة حتى جاز الانتفاع به من غير تعريف، ولكنه يبقى على ملك مالكه؛ لأن التمليك من المجهول لا يصح قال: فإن جاء صاحبها وإلا تصدق بها إيصالا للحق إلى المستحق، وهو واجب بقدر الإمكان، وذلك بإيصال عينها عند الظفر بصاحبها، وإيصال العوض وهو الثواب على اعتبار إجازته التصدق بها، وإن شاء أمسكها رجاء الظفر بصاحبها.
ــ
[البناية]
وكلام المصنف يدل على شيئين أحدهما أنه إذا جمعها يجوز الانتفاع بها؛ لأنه علل بقوله: م: (يكون إلقاؤه إباحة) ش: أي إلقاء الشيء الذي يعلم أن صاحبه لا يطلبه يكون إباحة منه لمن يأخذه م: (حتى جاز الانتفاع به من غير تعريف) ش: لأنه حينئذ من الإباحات.
والثاني يدل على أنه لا يخرج من ملك مالكها أشار إليه بقوله: م: (ولكنه يبقى على ملك مالكه) ش: لأنه لم يخرج من ملكه فلا يكون ملكاً لمن أخذه م: (لأن التمليك من المجهول لا يصح) ش: فإذا وجده في يده الملتقط أخذ منه إن شاء، وفي " المبسوط " روى بشر عن أبي يوسف لو جز صوف شاة ميتة ملقاة كان له أن ينتفع به، ولو وجده صاحب الشاة في يده كان له أن يأخذه منه، ولو دفع جلدها كان لصاحبها أن يأخذ الجلد منه بعدما يعطيه ما زاد الدباغ فيه؛ لأن ملكه لم يزل بالإلقاء.
وفي " خلاصة الفتاوى ": التفاح والكمثرى والحطب في المال لا بأس أن يأخذها م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله: م: (فإن جاء صاحبها) ش: أي صاحب اللقطة إن جاء بعد التعريف، وخبر إن محذوف تقديره دفعها إليه م:(وإلا) ش: أي وإن لم يجئ، يعني إذا لم يظفر الملتقط بصاحبها م:(تصدق بها) ش: والمسألة من القدوري رحمه الله وتمامها فيه، فإن جاء صاحبها بعد ذلك فهو بالخيار إن شاء أمضى الصدقة وإن شاء ضمن الملتقط.
وشرح المصنف كلام القدوري بقوله م: (إيصالاً) ش: أي لأجل الإيصال م: (للحق إلى المستحق وهو) ش: أي إيصال الحق إلى المستحق م: (واجب بقدر الإمكان) ش: ليخرج من عهدته، ولما كان الإيصال أعم من أن يكون لصاحب الحق أو لغيره أوضح ذلك بقوله م:(وذلك) ش: أي إيصال الحق.
م: (بإيصال عينها) ش: أي عين اللقطة، م:(عند الظفر بصاحبها وإيصال العوض وهو الثواب على اعتبار إجازته) ش: أي إجازة صاحب اللقطة م: (التصدق بها، وإن شاء أمسكها رجاء الظفر بصاحبها) ش: أي باللقطة أي مستحقة، وإنما قيد به لأنه إذا لم يجز التصدق لا يكون الثواب له.
قال: فإن جاء صاحبها يعني بعد ما تصدق بها فهو بالخيار إن شاء أمضى الصدقة، ولو ثوابها؛ لأن التصدق وإن حصل بإذن الشرع لم يحصل بإذنه، فيتوقف على إجازته، والملك يثبت للفقير قبل الإجازة فلا يتوقف على قيام المحل بخلاف بيع الفضولي لثبوته بعد الإجازة فيه، وإن شاء ضمن الملتقط؛ لأنه سلم ماله إلى غيره بغير إذنه،
ــ
[البناية]
م: (قال: فإن جاء صاحبها يعني بعدما تصدق بها فهو) ش: أي صاحبها م: (بالخيار إن أمضى الصدقة وله ثوابها؛ لأن التصدق وإن حصل بإذن الشرع) ش: حيث جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه البزار «فإن جاء صاحبها فليرده إليه، وإن لم يأت فليتصدق به.....» الحديث.
فهذا التصدق وإن حصل بإذن الشرع م: (لم يحصل بإذنه) ش: أي بإذن صاحبها الذي هو المالك، فإن كان كذلك م:(فيتوقف على إجازته) ش: أي إجازة صاحب الصدقة م: (والملك يثبت للفقير) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال لما توقف فعاد التصدق على إجازته فينبغي أن يشترط وجود المحل عند الإجازة، لكن لا يشترط حتى إذا هلك المال في يد الفقير، ثم أجاز المالك جاز، وتقدير الجواب أن الملك ثبت للفقير م:(قبل الإجازة) ش: لأن الملتقط لما أذن له الشرع في التصدق ملكه الفقير؛ لأن الصدقة من أسباب الملك م: (فلا يتوقف) ش: أي ثبوت الملك م: (على قيام المحل) ش: حتى لو هلك المال في يد الفقير تجوز الإجازة.
فإن قيل: لو ثبت الملك للفقير فالأخذ ينبغي أن لا يأخذه المالك إذا كان قائماً في يده.
قلنا: ثبوت الملك لا يمنع صحة الاسترداد كالواهب يملك الرجوع بعد ثبوت الملك للموهوب له. وكالمرتد لو عاد من دار الحرب مسلماً بعد قسمة ماله بين ورثته، فإنه يأخذ ما وجده قائماً بعد ثبوت الملك لهم م:(بخلاف بيع الفضولي) ش: حيث يشترط فيه الإجازة قيام المحل م: (لثبوته) ش: أي لثبوت الملك م: (بعد الإجازة) ش: أي بعد إجازة المالك م: (فيه) ش: أي في بيع الفضولي، وإذا أجاز المالك بيع الفضولي يشترط لصحة الإجازة قيام الأربعة: المالك والمتعاقدان والمقصود عليه إن كان الثمن ديناً. وسيجيء بيانه إن شاء الله تعالى في باب البيوع. م: (وإن شاء ضمن الملتقط) ش: هذا عطف على قوله إن شاء أمضى الصدقة م: (لأنه) ش: أي لأن الملتقط م: (سلم ماله إلى غيره بغير إذنه) ش: أي سلم مال صاحب اللقطة إلى غيره بغير إذن منه فله أن يضمنه، وبه قال مالك والثوري والحسن بن صالح.
وقال الشافعي وأحمد فإذا لم يجئ بعد التعريف ملكها الملتقط بحكم القاضي، وصارت من ماله كسائر أمواله غنياً كان الملتقط أو فقيراً، وروي مثله عن عمر وابن مسعود وحارث رضي الله عنهم، وبه قال عطاء والنخعي وابن المنذر واحتج الشافعي وأحمد بحديث زيد بن
إلا أنه بإباحته من جهة الشرع، وهذا لا ينافي الضمان حقا للعبد كما في تناول مال الغير حال المخمصة وإن شاء ضمن المسكين إذا هلك في يده لأنه قبض ماله بغير إذنه،
ــ
[البناية]
خالد، فإن لم يعرف فاستنفقها، وفي رواية فاستمتع بها، ولنا حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة فقال:«لا تحل اللقطة، فمن التقط شيئاً فليعرفه سنة، فإن جاء صاحبه فليرده إليه، وإن لم يأت فليتصدق به فإن جاء فليخير بين الأجر وبين العطالة» رواه البزار، ولأنها ملك الغير فلا يملكها لغيرها ويملكها الفقير عنه. فلحديث عياض بن حمار والمجاشعي وقد ذكرناه، وفيه «فإن جاء صاحبها وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء» . رواه النسائي وغيره. وما يضاف إلى الله تعالى إنما يملكه من يستحق الصدقة، وعن أحمد مثله، وحديث زيد بن خالد يمكن أن يكون في فقير فيحل عليه جمعاً بين الأحاديث.
فإن قلت: قيل إن حديث أبي هريرة غريب.
قلت: ليس كذلك بل نقله القدوري وهو موافق للنصوص في عدم جوازه بملك مال الغير بغير إذنه.
فإن قلت: كيف يضمن الملتقط وقد تصدق بإذن الشرع؟
قلت: الشرع أباح له التصدق وما ألزمه ذلك وهو يعني قول المصنف م: (إلا أنه) ش: أي أن الملتقط م: (بإباحته من جهة الشرع) ش: يعني أن الإذن كان إباحة منه لا إلزاماً ومثل ذلك الإذن يسقط الإثم لا الضمان وهو معنى قوله.
م: (وهذا لا ينافي الضمان حقاً للعبد كما في تناول مال الغير حال المخمصة) ش: فإنه يحل بإباحة شرعية، لكن مع الضمان، وكذا الرمي إلى الصيد مباح، وكذا المشي في الطريق مباح، فإذا هلك بذلك شيء يجب الضمان على الرامي والماشي؛ لأن إسقاط حق محترم لا يجوز.
وفي " خلاصة الفتاوى ": إن تصدق الملتقط بإذن القاضي ليس له أن يضمنه، وقال الكاكي: هذا ليس بصواب إذا تصدق الملتقط بإذن القاضي لا يكون أعلى حالاً من تصدق القاضي بنفسه، ويقال يضمن القاضي وهاهنا أولى، كذا في " الذخيرة " و " فتاوى قاضي خان " م:(وإن شاء ضمن المسكين إذا هلك في يده لأنه قبض ماله بغير إذنه) ش: أي لأن المسكين قبض مال مالك اللقطة بغير إذن منه فصار الملتقط كالغاصب والمسكين كغاصب الغاصب، لكن إن ضمن لا يرجع على صاحبه بشيء.
أما المسكين؛ فلأنه أخذ لنفسه، ومن أخذ لنفسه لا يرجع على أحد كالمعتبر. وأما الملتقط