الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب البغاة
ــ
[البناية]
[باب البغاة]
م: (باب البغاة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام البغاة، وهو جمع باغ كقضاة جمع قاض، من البغي وهو الخروج عن طاعة الإمام. وأصل البغي الطلب، قال: ما كنا نبغي، أي ما كنا نطلب ما لا يجوز شرعاً. وقال تاج الشريعة رحمه الله: البغي التعدي، وبغي الموالي ظلم، وكل مجاوزة وإفراط على المقدار الذي هو حد الشرع فهو بغي.
وفي كتاب أهل الشرع الخروج عن طاعة الإمام. وقال الأترازي: المراد من البغاة الخوارج، ولهذا ذكر هذا الباب في المبسوط بيان الخوارج. وقال في فصول الأستروشني لا بد من معرفة أهل البغي.
فأهل البغي هم الخارجون على إمام الحق بغير حق. بيانه أن المسلمين إذا اجتمعوا على إمام، وصاروا آمنين به، فخرج عليه طائفة من المؤمنين، فإن فعلوا الظلم ظلمهم، فهم ليسوا من أهل البغي، وعليه أن يترك الظلم وينصفهم.
ولا ينبغي للناس أن يعينوه؛ لأن فيه إعانة على الظلم، وأن لا يعينوا تلك الطائفة على الإمام أيضاً؛ لأن فيه إعانة لهم على خروجهم على الإمام، وإن لم يكن ذلك لظلم ظلمهم، ولكن ادعوا الحق والولاية فقالوا: الحق معنا فهم أهل البغي، فعلى كل من يقوى على القتال أن ينصروا إمام المسلمين على هؤلاء الخارجين لأنهم ملعونون على لسان صاحب الشرع.
فإنه قال صلى الله عليه وسلم: «الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها» فإن كانوا تكلموا بالخروج لكن لم يعزموا على الخروج بعد فليس للإمام أن يتعرض لهم؛ لأن العزم على الجناية لم يوجد بعد، كذا ذكر في واقعات الإمام اللاسي.
وذكر العلامي في تهذيبه قال بعض المشايخ: لولا علي رضي الله عنه ما درئنا القتال مع أهل القبلة، وكان علي رضي الله عنه وممن تبعه من أهل العدل وخصمه ومن تبعه من أهل البغي وفي زماننا الحكم للقبلة، ولا ندري العادلة والباغية كلهم يطلبون الدنيا، إلى هنا لفظ كتاب الفصول.
وقال الكاكي: ثم اعلم أن طاعة الإمام الحق هو الذي أجمع عليه المسلمون أو من ثبتت إمامته بعد إمام الحق واجب وكل من خرج عليه قتاله لقوله عليه السلام: «من أعطى إماماً صفقة يده وثمرة قلبه فليعطه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» رواه مسلم وأجمعت الأمة على قتال البغاة.
وإذا تغلب قوم من المسلمين على بلد وخرجوا من طاعة الإمام دعاهم إلى العود إلى الجماعة وكشف عن شبهتهم؛ لأن عليا رضي الله عنه فعل كذلك بأهل حروراء قبل قتالهم،
ــ
[البناية]
وأكثر الفقهاء على عدم جواز تكفيرهم. وفي " المحيط " في تكفير أهل البدع كلام، فبعض العلماء لا يكفرون أحداً منهم وبعضهم يكفرون البعض، وهو أن كل بدعة تخالف دليلاً قطعياً فهو كفر، وكل بدعة لا تخالف دليلاً قطعياً يوجب العلم فهو بدعة ضلالة، وعليه اعتمد جماعة أهل السنة والجماعة.
م: (وإذا تغلب) ش: مرة قومهم تغلب على بلد كذا أي استولى عليه قهراً م: (قوم من المسلمين على بلد وخرجوا من طاعة الإمام دعاهم) ش: أي الإمام م: (إلى العود إلى الجماعة وكشف عن شبهتهم) ش: وقال الطحاوي في مختصره: وإذا ظهرت جماعة من أهل القبلة داعية وقاتلت عليه وصار لها منعة ليست عما دعاها إلى الخروج. فإن ذكرت ظلماً أنصفت من ظالمها وإلا دعيت إلى الرجوع عن البدعة.
وقال أبو بكر الرازي في شرحه: وإنما سئلت عن ذلك لجواز أن يكون خروجها للامتناع من ظلم جرى عليها أو على غيرها.
وإن كانوا ممتنعين من الظلم فهم محقون لا يجب قتالهم، بل يجب معاونتهم؛ لأنهم حينئذ خرجوا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فإذا علم أن خروجهم لم يكن لظلم لحقهم أو لحق غيرهم دعوا إلى الجماعة والدخول في طاعة الإمام.
والأصل فيه قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] ..... الآية (الحجرات: الآية 9) فاستفدنا من هذه الآية حكمين، أحدهما: ما كان لنا طمع في استصلاحهم ورجوعهم فعلينا أن ندعوهم ونستصلحهم، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]، والثاني: أنهم إذا لم يجيبوا إلى الصلح والرجوع وأظهروا البغي وجب علينا قتالهم.
م: (لأن علياً رضي الله عنه فعل كذلك بأهل حروراء قبل قتالهم) ش: هذا رواه النسائي في سننه الكبرى. وفي خصائص علي رضي الله عنه قال: أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا عكرمة بن عمار حدثني أبو سهيل كمال الحنفي حدثني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: لما خرجت الحرورية اعتزلوا في دار وكانوا ستة آلاف، فقلت لعلي: يا أمير المؤمنين، ابرد بالصلاة دعني أكلم هؤلاء القوم، فقال: إني أخفهم عليك.
فقلت: كلا، فلبست ثيابي ومضيت حتى دخلت عليهم في دار وهم مجتمعون فيها، فقالوا: مرحباً بك يا بن عباس، ما جاء بك، فقلت: أتيتكم من عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار، ومن عند ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره، وعليهم نزل القرآن فهم أعلم بتأويله منكم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
وليس فيكم منهم أحد لأبلغكم ما يقولون وأبلغهم ما تقولون، فانتحى لي نفر منهم.
قلت: هاتوا ما نقمتم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه وختنه وأول من آمن به، قالوا: ثلاث، قلت: ما هي، قالوا: إحداهن أنه حكم الرجال في دين الله وقد قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57] .
قلت: هذه واحدة. قالوا: وأما الثانية فإنه قاتل ولم يسب ولم يغنم، فإن كانوا كفاراً فقد حلت لنا نساؤهم وأموالهم، وإن كانوا مؤمنين فقد حرمت علينا دماؤهم، قلت: هذه أخرى، قالوا: وأما الثالثة فإنه محا نفسه من إمرة المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين.
قلت: هل عندكم شيء غير هذا، قالوا: حسبنا هذا، قلت لهم: أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله عز وجل وحدثتكم من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يرد قولكم هذا أترجعون. قالوا: اللهم نعم.
قلت: أما قولكم إنه حكم الرجال في دين الله عز وجل فأنا أقرأ عليكم أن الله تعالى حكم الرجال في أرنب ثمنه ربع درهم، قال الله تعالى:{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] إلى قوله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] . وقال في المرأة وزوجها: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] أنشدكم أتعلمون حكم الرجال في حق دمائهم وأنفسهم وإصلاح ذات بينهم أفضل، أو في حكم أرنب ثمنه ربع درهم وفي بضع امرأة؟ قالوا: بلى هذا أفضل، قال: أخرجت من هذه؟ قالوا: اللهم نعم.
قلت: وأما قولكم إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم، أتسبون أمكم عائشة رضي الله عنها فتستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم، لئن فعلتم لقد كفرتم، وإن قلتم: ليست أمنا فقد كفرتم، قال الله تعالى:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] فأنتم بين ضلالتين فأتوا منها بمخرج، أخرجت من هذه الأخرى، قالوا: اللهم نعم.
قلت: وأما قولكم إنه محا نفسه من إمرة المؤمنين «فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشاً يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتاباً، فقال: اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقالوا: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله.
فقال: والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، يا علي اكتب محمد بن عبد الله،» فرسول الله خير من علي، وقد محا نفسه، ولم يكن محوه ذلك محواً من النبوة، أخرجت من هذه الأخرى، فقالوا: اللهم نعم، فرجع منهم ألفان، وبقي سائرهم فقاتلوا على ضلالتهم، فقتلهم
ولأنه أهون الأمرين، ولعل الشر يندفع به فيبدأ به، ولا يبدأ بقتال حتى يبدؤوه، فإن بدؤوه قاتلهم حتى يفرق جمعهم. قال العبد الضعيف: هكذا ذكره القدوري في مختصره. وذكر الإمام المعروف بخواهر زاده أن عندنا يجوز أن يبدأ بقتالهم إذا تعسكروا واجتمعوا، وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز حتى يبدؤوا بالقتال حقيقة؛ لأنه لا يجوز قتل المسلم إلا دفعا وهم مسلمون،
ــ
[البناية]
المهاجرون والأنصار.
ورواه ابن عبد الرزاق في " مصنفه " وقال في آخره فرجع منهم عشرون ألفاً وبقي أربعة آلاف فقتلوا على ضلالتهم، وحروراء بفتح الحاء المهملة تمد وتقصر قرية بالكوفة كان لها اجتماع الخوارج فنسبوا إليها، يقال: فلان حروري من الحرورية.
م: (ولأنه) ش: كشف شبههم مع دعوتهم إلى الجماعة م: (أهون الأمرين) ش: أحدهما: الدعوة إلى الجماعة، والآخر القتال م:(ولعل الشر يندفع به) ش: أي بكشف شبههم مع دعوتهم إلى الجماعة. في " المبسوط ": الأحسن أن يقدم ذلك على القتال؛ لأن الكي آخر الدواء م: (فيبدأ به) ش: أي بكشف الشبهة مع الدعوة م: (ولا يبدأ) ش: أي الإمام م: (بقتال) ش: البغاة م: (حتى يبدؤوه، فإن بدؤوه) ش: أي بالقتال م: (قاتلهم حتى يفرق جمعهم) .
م: (قال العبد الضعيف) ش: أي المصنف رحمه الله: م: (هكذا ذكره القدوري في مختصره، وذكر الإمام المعروف بخواهر زاده أن عندنا يجوز أن يبدأ) ش: أي الإمام م: (بقتالهم) ش: أي بقتال البغاة م: (إذا تعسكروا واجتمعوا) ش: الإمام خواهر زاده هو الإمام أبو بكر محمد الحسين البخاري، وسمي خواهر زاده؛ لأنه كان ابن أخت القاضي الإمام أبي ثابت قاضي سمرقند صاحب " الذخيرة " و " المبسوط " و " الإيضاح ".
وكان خواهر زاده إماماً كاملاً في الفقه بحراً غزيراً صاحب التصانيف ومبسوطه أطول المباسيط، مات في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وهي السنة التي توفي فيها شمس الأئمة السرخسي رحمه الله، وكانت وفاة القدوري سنة ثمان وعشرين وأربعمائة.
م: (وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز) ش: البدء بقتالهم م: (حتى يبدؤوا بالقتال حقيقة) ش: وبه قال مالك وأحمد وأكثر أهل العلم م: (لأنه لا يجوز قتل مسلم) ش: وفي بعض النسخ لا يحل قتل المسلم م: (إلا دفعاً) ش: لقتالهم م: (وهم مسلمون) ش: أي البغاة مسلمون بدليل قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا} [الحجرات: 9](الحجرات: الآية 9) ، أي إحدى الطائفتين من المؤمنين، وقد