الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب استيلاء الكفار
وإذا غلب الترك على الروم فسبوهم وأخذوا أموالهم ملكوها. لأن الاستيلاء قد تحقق في مال مباح وهو السبب على ما نبينه إن شاء الله تعالى، فإن غلبنا على الترك حل لنا ما نجده من ذلك اعتبارا بسائر أملاكهم، وإذا غلبوا على أموالنا - والعياذ بالله - وأحرزوها بدارهم ملكوها. وقال الشافعي رحمه الله: لا يملكونها، لأن الاستيلاء محظور ابتداء وانتهاء، والمحظور لا ينتهض سببا للملك على ما عرف من قاعدة الخصم
ــ
[البناية]
[باب استيلاء الكفار]
م: (باب استيلاء الكفار) ش: أي هذا باب في بيان استيلاء الكفار، وهذه الإضافة من قبيل إضافة المصدر إلى الفاعل، ولما شرع في استيلائهم بدأ باستيلاء بعضهم بعضاًَ فقال:
م: (وإذا غلب الترك على الروم) ش: الترك جمع تركي، والروم جمع رومي، والمراد كفار الترك ونصارى الروم م:(فسبوهم وأخذوا أموالهم ملكوها، لأن الاستيلاء قد تحقق في مال مباح وهو السبب) ش: أي الاستيلاء على مال مباح هو سبب الملك م: (على ما نبينه إن شاء الله تعالى) ش: أي عند قوله: وإذا غلبوا على أموالنا.
م: (فإن غلبنا على الترك حل لنا ما نجده من ذلك) ش: أي ما نجده في أيدي الترك مما أخذوه من الروم م: (اعتباراً بسائر أملاكهم) ش: أي قياساً على سائر أموال الترك، لأنهم لما ملكوا الذي أخذوه من الروم بالاستيلاء صار هو ومالهم الأصل سواء م:(وإذا غلبوا) ش: أي الكفار م: (على أموالنا والعياذ بالله وأحرزوها بدارهم ملكوها) ش: وبه قال مالك وأحمد إلا عند مالك يملكونها لمجرد الاستيلاء بدون الإحراز، ولأحمد روايتان، في رواية: مع مالك، وفي رواية: معنا.
م: (وقال الشافعي رحمه الله: لا يملكونها، لأن الاستيلاء محظور) ش: أي ممنوع حرام مطلقاً م: (ابتداء) ش: أي في دار الإسلام م: (وانتهاء) ش: أي بعد الإحراز بدار الحرب م: (والمحظور لا ينتهض سبباً للملك) ش: أي المحظور من وجه لا يكون سبباً للملك لأن المحظور من كل وجه وهو الباطل لا يكون سبباً للملك عندنا أيضاًَ كالبيع بالميتة والدم والخمر م: (على ما عرف من قاعدة الخصم) ش: وهي إراءة إليهم أن النهي بعد المشروعية عنده.
وقال الكاكي: وتقييده بقاعدة الخصم إنما يصح في المحظور من وجه دون وجه، كما في البيع الفاسد، أما المحظور من كل وجه لا يفيد الملك بالاتفاق كما في استيلاء المسلم على مال المسلم.
فإن قلت: يؤيد ما قاله الشافعي ما روي عن عمران بن الحصين «أن المشركين أغاروا على سرح
ولنا أن الاستيلاء ورد على مال مباح،
ــ
[البناية]
المدينة وذهبوا والعضباء وأسروا امرأة الراعي فانفلتت ذات ليلة فأتت بالعضباء فقعدت في عجزها ونذرت إن نجاها الله لتنحرنها، فلما قدمت المدينة ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" بئس ما جزتها، لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم " وأخذ ناقته» وعلم بهذا أن الكفار لا يملكون أموال المسلمين، فلو كانوا يملكون لملكت المرأة العضباء بالأخذ منهم.
قلت: ما كانوا أحرزوها بدارهم وأخذ المرأة العضباء كان قبله في الطريق. وقيل: الإحراز لا يثبت الملك. ودليلنا من القرآن قَوْله تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8] .... (الحشر: الآية 8) ، فإنه تعالى سماهم فقراء، والفقير من لا ملك له، فلو لم يملك الكفار أموالهم لما سموا فقراء.
ودليلنا من المعقول هو قوله م: (ولنا أن الاستيلاء) ش: أي استيلاء الكفار م: (ورد على مال مباح) ش: لأن الاستيلاء عبارة عن الاقتدار على محل مطلقاً على وجه يتمكن من الانتفاع في الحال ومن الادخار في المآل، والاقتدار بهذه الصفة لا يكون إلا بعد الإحراز ثم بعد إحرازهم ارتفعت العصمة فورد الاستيلاء حينئذ على مال مباح لا على مال محظور، فصار كالاستيلاء على الصيد والحطب، ولهذا لا يملكون رقابنا.
فإن قيل: قال الله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141](النساء: الآية 141) ، فكيف يملكون أموالنا بالاستيلاء والتمليك بالقهر من أقوى جهات السبيل؟.
قلنا: النص يتناول المؤمنين وهم لا يملكونهم بالاستيلاء، بل يملكون مالاً مباحاً كما ذكرنا.
فإن قلت: يرد عليكم الاسترداد بالملك القديم من الغازي الذي وقع في قسمته، أو من الذي اشتراه من أهل دار الحرب بدون رضى الغازي.
قلت: أجيب بأن بقاء حق الاسترداد بحق المالك القديم، لا يدل على قيام الملك للمالك القديم، ألا ترى أن للواهب الرجوع في الهبة والإعادة إلى قديم ملكه بدون رضى الموهوب له مع زوال ملك الواهب في الحال، وكذا الشفيع يأخذ الدار من المشتري بحق الشفعة بدون رضى المشتري مع ثبوت الملك له.
قلت: القياس على الهبة فيه نظر على ما لا يخفى.
فإن قلت: لا نسلم أن المال مباح بأصل الخلقة.
قلت: إنه مباح به لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29](البقرة: الآية 29) ، واللام للاختصاص، فيقتضي الاختصاص لجهة الانتفاع مطلقاً دون اختصاص الواحد بشيء من
فينعقد سببا للملك دفعا لحاجة المكلف، كاستيلائنا على أموالهم، وهذا لأن العصمة تثبت على منافاة الدليل ضرورة تمكن المالك من الانتفاع، فإذا زالت المكنة عاد مباحا كما كان، غير أن الاستيلاء لا يتحقق إلا بالإحراز بالدار، لأنه عبارة عن الاقتدار على المحل حالا ومآلا، والمحظور لغيره
ــ
[البناية]
ذلك، لأن فيه منع الباقين من الانتفاع، وقد أضيف إليهم جميعاً بحرف الاختصاص.
م: (فينعقد) ش: أي ورود الاستيلاء على مال مباح م: (سبباً للملك دفعاًَ لحاجة المكلف كاستيلائنا على أموالهم) ش: بعد الإحراز، وإنما تثبت العصمة للمال لتمكن المالك من الانتفاع ودفع الحاجة، لأنه إذا لم يكن معصوماً كان كل واحد بسبيل من التعرض، فلا تحصل المصلحة المطلوبة من العصمة، وهي التمكن من الانتفاع ودفع الحاجة بعد إحرازهم، ارتفعت العصمة، فعاد مباحاً فملكوه بالاستيلاء.
م: (وهذا) ش: إشارة إلى أن الاستيلاء ورد على مال مباح، وبينه بقوله م:(لأن العصمة) ش: أي في المال م: (تثبت على منافاة الدليل) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29](البقرة: الآية 29) ، يقتضي أن لا يكون مالاً معصوماً لشخص، وإنما تثبت العصمة.
م: (ضرورة) ش: أي لضرورة م: (تمكن المالك من الانتفاع، وإذا زالت المكنة عاد مباحاً كما كان) ش: في الأصل.
وفي " الكافي ": قوله في " الهداية ": لأن العصمة تثبت على منافاة الدليل، إلى قوله: عاد مباحاً، مشكل، فإنا إذا غلبنا على أموال أهل البغي وأحرزنا بدارنا لم يملكها مع زوال المكنة. إلا أن يقال أراد به زوال المكنة بالإحراز بدار الحرب.
ثم أصل الدار واحدة وهي بحكم الديانة مختلفة. فتثبت العصمة من وجه دون وجه، فلم يثبت الملك بالشك، بخلاف أهل الحرب، لأن الدار مختلفة. والنعت متباينة من كل وجه، فبطلت العصمة لنا في حقهم.
م: (غير أن الاستيلاء لا يتحقق إلا بالإحراز بالدار، لأنه) ش: أي لأن الاستيلاء م: (عبارة عن الاقتدار على المحل حالاً) ش: أي بالانتفاع بالمال في الحال م: (ومآلاً) ش: أي عاقبة، يعنى بالادخار إلى الزمن الثاني م:(والمحظور لغيره) ش: جواب عن قول الخصم: إن الاستيلاء محظور لا ينتهض سبباً للملك.
إذا صلح سببا لكرامة تفوق الملك، وهو الثواب الآجل، فما ظنك بالملك العاجل، فإن ظهر عليها المسلمون فوجدها المالكون قبل القسمة فهي لهم بغير شيء، وإن وجدوها بعد القسمة أخذوها بالقيمة إن أحبوا؛ لقوله عليه السلام فيه: إن وجدته قبل القسمة فهو لك بغير شيء، وإن وجدته بعد القسمة فهو لك بالقيمة،
ــ
[البناية]
تقريره أن يقال: سلمنا أنه محظور، لكنه محظور لغيره مباح في نفسه، يعني أن المال مباح لعينه، لكن الحظر فيه لحق الغير وهو المالك، والمحظور لغيره، يعني لا لعينه م:(إذا صلح سبباً لكرامة تفوق الملك) ش: كالصلاة في الأرض المغصوبة، فإنها تصلح سبباً لاستحقاق إعلاء النعم وهو الثواب في الآخرة، فلأن يصلح للملك سبباً للملك في الدنيا أولى، وهو معنى قوله: م: (وهو الثواب الآجل) ش: يعني في الآخرة م: (فما ظنك بالملك العاجل) ش: يعني في الدنيا على أنا نقول: المحظور قد يصلح أن يكون سبباً للملك، كما في السوم على سوم أخيه، والبيع عند الأذان يوم الجمعة وبيع الحاضر للبادي، وبيع المتلقي للسلعة، فانتقض أصله حينئذ.
وفي " الكافي ": والمحظور بغيره، إلى قوله: بالملك العاجل، مشكل أيضاً، لأن العصمة لا تخلو إما أن زالت بالإحراز بدارهم أو لا، فإن زالت لا يكون الاستيلاء محظورا؛ لما مر أنه على مال مباح، وإن لم يترك لم تصر ملكاً لهم، كما في مسألة البغاة، إلا أن يقال: العصمة المؤثمة باقية، لأنها بالإسلام، وإن زالت بالقوة لأنها بالدار.
م: (فإن ظهر عليها المسلمون) ش: أي فإن غلب المسلمون على الأموال التي أخذها الكفار منا م: (فوجدها المالكون قبل القسمة فهي) ش: أي تلك الأموال م: (لهم) ش: أي للملاك م: (بغير شيء) ش: يعني يأخذونها مجاناً م: (وإن وجدوها بعد القسمة) ش: أي بعد قسمة الإمام الغنائم م: (أخذوها بالقيمة إن أحبوا) ش: يعني إن أرادوا أن يأخذوها يأخذونها بقيمتها.
قال الأترازي رحمه الله: وعند الشافعي رحمه الله يأخذون في الوجهين بغير شيء.
قلت: قال الشافعي رحمه الله: ولكن الإمام يعوض من وقع في سهمه من بيت المال، وإن لم يكن في بيت المال شيء أعاد القسمة.
م: (لقوله عليه السلام) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم م: (فيه) ش: أي هذا الحكم م: (إن وجدته قبل القسمة فهو لك بغير شيء، وإن وجدته بعد القسمة فهو لك بالقيمة) ش: هذا الحديث أخرجه الدارقطني ثم البيهقي في سننهما عن الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة عن ابن عباس رضي الله عنهما «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما أحرزه العدو فاستنقذه المسلمون منهم: " إن وجده
ولأن المالك القديم زال ملكه بغير رضاه، فكان له حق الأخذ نظرا له إلا أن في الأخذ بعد القسمة ضررا بالمأخوذ منه بإزالة ملكه الخاص فيأخذه
ــ
[البناية]
صاحبه قبل أن يقسم فهو أحق به، وإن وجده قد قسم به فإن شاء أخذه بالثمن» وقال: الحسن بن عمارة متروك.
وروى الطبراني في " معجمه " عن ياسين الزيات عن سماك بن حرب عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «أصاب العدو ناقة رجل من بني سليم، ثم اشتراها رجل من المسلمين فعرفها صاحبها. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأمره عليه السلام بالثمن الذي اشتراها به صاحبها من العدو، وإلا يخلي بينه وبينها» رواه أبو داود في مراسليه عن تميم بن طرفة قال: «وجد رجل مع رجل ناقة له فارتفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأقام البينة أنها ناقته، وأقام الآخر البينة أنه اشتراها من العدو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن شئت أن تأخذها بالثمن الذي اشتراها به فأنت أحق به، وإلا فخل ناقته» وقال عبد الحق: ياسين ضعيف.
وأخرج الدارقطني أيضاًَ في سننه عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من وجد ماله في الفيء قبل أن يقسم فهو له، ومن وجده بعدما قسم فليس له شيء» ، قال الدارقطني: إسحاق متروك، وهذا كما رأيت كله لا يرضى به الخصم، ولم يبق إلا أن يحتج بما رواه الدارقطني رحمه الله وهذا في " سننه " عن قبيصة بن ذؤيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ما أصاب المشركون من أموال الناس فظهر عليهم فرأى رجل متاعه بعينه فهو أحق به من غيره، فإذا قسم ثم ظهر عليه فلا شيء له، إنما هو رجل منهم.
وكذا روى أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه عن خلاس عن علي رضي الله عنه نحوه، قال البيهقي: رواية خلاس عن علي ضعيفة.
قلت: قال ابن حزم: رواية خلاس عن علي رضي الله عنه صحيحة.
م: (ولأن المالك القديم زال ملكه بغير رضاه، فكان له حق الأخذ نظراً له) ش: فيأخذه بغير شيء قبل القسمة، لأن الملك في المغنوم عام بين الغانمين، فقل الضرر عليهم م:(إلا أن في الأخذ) ش: