الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا
دخل الحربي دارنا بأمان وله امرأة في دار الحرب وأولاد صغار وكبار ومال
أودع بعضه ذميا وبعضه حربيا وبعضه مسلما فأسلم هاهنا، ثم ظهر على الدار فذلك كله فيء، أما المرأة وأولاده الكبار فظاهر، لأنهم حربيون كبار وليسوا بأتباع، وكذلك ما في بطنها لو كانت حاملا لما قلنا من قبل، وأما أولاده الصغار فلأن الصغير إنما يصير مسلما تبعا لإسلام أبيه إذا كان في يده وتحت ولايته، ومع تباين الدارين لا يتحقق ذلك، وكذا أمواله لا تصير محرزة بإحرازه نفسه لاختلاف الدارين، فبقي الكل فيئا وغنيمة،
وإن أسلم في دار الحرب ثم جاء فظهر على الدار فأولاده الصغار أحرار مسلمون تبعا لأبيهم، لأنهم كانوا تحت ولايته حين أسلم، إذ الدار واحدة
وما كان من مال أودعه مسلما أو ذميا فهو له، لأنه في يد محترمة ويده كيده، وما سوى ذلك فيء،
ــ
[البناية]
[دخل الحربي دارنا بأمان وله امرأة في دار الحرب وأولاد صغار وكبار ومال]
م: (وإذا دخل الحربي دارنا بأمان وله امرأة في دار الحرب وأولاد صغار وكبار، ومال أودع بعضه ذمياً وبعضه حربياً وبعضه مسلماً فأسلم هاهنا) ش: أي في دار الإسلام م: (ثم ظهر) ش: على صيغة المجهول، أي غلب م:(على الدار) ش: أي على دار الحرب.
م: (فذلك) ش: أي المذكور م: (كله فيء) ش: أي غنيمة م: (أما المرأة وأولاده الكبار فظاهر) ش: أي في كونهم فيئاً م: (لأنهم حربيون كبار وليسوا بأتباع) ش: أي بالبلوغ م: (وكذلك ما في بطنها لو كانت حاملاً) ش: أي وكذلك الجنين فيء لأنه تابع للإسلام في الرق والجزية م: (لما قلنا من قبل) ش: إشارة إلى ما قال في باب الغنائم بقوله: ولنا جزؤها فيرق برقها.
م: (وأما أولاده الصغار فلأن الصغير إنما يصير مسلماً تبعاً لإسلام أبيه إذا كان في يده وتحت ولايته، ومع تباين الدارين) ش: أي دار الإسلام ودار الحرب م: (لا يتحقق ذلك) ش: أي كونه تابعاً لإسلام أبيه م: (وكذا أمواله لا تصير محرزة بإحرازه نفسه لاختلاف الدارين، فبقي الكل فيئاً وغنيمة) ش: وذلك أن الأصل أن تكون الأموال بأيدي الملاك بالعرف.
فإن قلت: قوله عليه السلام: «عصموا مني دماءهم وأموالهم» .
قلت: هذا باعتبار الغلبة، يعني المال الذي في يده أو ما هو في معناه للعرف لأن من دأب الشرع بناء الحكم على الغلبة.
[أسلم في دار الحرب ثم جاء إلى دار الإسلام]
م: (وإن أسلم في دار الحرب ثم جاء) ش: إلى دار الإسلام م: (فظهر على الدار) ش: أي دار الحرب م: (فأولاده الصغار أحرار مسلمون تبعاً لأبيهم، لأنهم كانوا تحت ولايته حين أسلم، إذ الدار واحدة) ش: أي إن الدار كانت واحدة في حالة الإسلام، ولم يوجد حينئذ ما يمنع التبعية وهو تباين الدارين.
م: (وما كان من مال أودعه مسلماً أو ذمياً فهو له، لأنه في يد محترمة ويده كيده وما سوى ذلك فيء) ش: أراد به المرأة وأولاده الكبار والمال الذي غصبه مسلم أو ذمي أو كان مودعاً عند حربي م:
أما المرأة وأولاده الكبار فلما قلنا، وأما المال الذي في يد الحربي فلأنه لم يصر معصوما لأن يد الحربي ليست يدا محترمة. وإذا أسلم الحربي في دار الحرب فقتله مسلم عمدا أو خطأ وله ورثة مسلمون هنالك، فلا شيء عليه إلا الكفارة في الخطأ. وقال الشافعي: رحمه الله: تجب الدية في الخطأ والقصاص في العمد، لأنه أراق دما معصوما لوجود العاصم وهو الإسلام لكونه مستجلبا للكرامة، وهذا لأن العصمة أصلها المؤثمة لحصول أصل الزجر بها، وهي ثابتة إجماعا والمقومة كمال فيه لكمال الامتناع به، فيكون وصفا
ــ
[البناية]
(أما المرأة وأولاده الكبار فلما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: لأنهم حربيون كبار م: (وأما المال الذي في يد الحربي فلأنه لم يصر معصوماً، لأن يد الحربي ليست يداً محترمة، وإذا أسلم الحربي في دار الحرب فقتله مسلم عمداً أو خطأ وله ورثة مسلمون هنالك، فلا شيء عليه إلا الكفارة) ش: وهي الرواية المشهورة عن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - في " الجامع الصغير " وغيره.
وروي عن أبي حنيفة قال: لا دية عليه ولا كفارة من قبل أن الحكم لم يجر عليهم. وعن أبي يوسف رحمه الله قال: أضمنه الدية وأجعل عليهم م: (في الخطأ) ش: الكفارة. وأستحسن ذلك وأدع القياس، كما قال أبو حنيفة رحمه الله كذا ذكره الكرخي في مختصره.
م: (وقال الشافعي رحمه الله: تجب الدية في الخطأ والقصاص في العمد) ش: وبه قال مالك وأحمد -رحمهما الله - م: (لأنه) ش: أي لأن القاتل م: (أراق دماً معصوماً لوجود العاصم وهو الإسلام لكونه) ش: أي لكون الإسلام م: (مستجلباً للكرامة) ش: يعني أن الإسلام مستجل للكرامة. وفي بعض النسخ: لكونه مستجلباً للكرامة. وتحقيقه أن العصمة تثبت نعمة وكرامة، فتعلق بما له أثر في استحقاق الكرامات وهو الإسلام؛ إذ به تحصل السعادة الأبدية التي هي جماد ولا أثر لها في استحقاق الكرامة. ومن أراق دماً معصوماً إن كان خطأ ففيه الدية والكفارة، وإن كان عمداً ففيه القصاص، كما لو فعل ذلك في دار الإسلام.
م: (وهذا) ش: أي وجوب الدية في الخطأ والقصاص في العمد م: (لأن العصمة أصلها المؤثمة لحصول أصل الزجر بها) ش: أي بالمؤثمة، فإن من علم أنه يأثم بقتل الزجر عنه نظراً إلى الجبلة السليمة عن الميل عن الاعتدال م:(وهي) ش: أي العصمة م: (ثابتة) ش: أي بالإسلام م: (إجماعاً) ش: لأنه لا قائل بعدم الإثم على من قتل مسلماً، في أي موضع كان.
م: (والمقومة) ش: أي العصمة المقومة. م: (كمال فيه) ش: أي في أصل العصمة م: (لكمال الامتناع به) ش: أي بأصل العصمة؛ لأنه إذا وجب الإثم والمال كان في ذلك أكمل، وأثم في المنع من الذي وجب في الإثم دون المال. م:(فيكون وصفاً فيه) ش: أي فيكون الكمال وصفاً في ذلك
فيه فتتعلق بما علق به الأصل. ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92](النساء: الآية 92) ، جعل التحرير كل الموجب رجوعا إلى حرف الفاء، أو إلى كونه كل المذكور، فينتفي غيره، ولأن العصمة المؤثمة بالآدمية؛ لأن الآدمي خلق متحملا لأعباء التكليف، والقيام بها
ــ
[البناية]
الأصل وهو العصمة المؤثمة م: (فيتعلق) ش: أي يتعلق الوصف الذي هو المقومة بالإسلام م: (بما علق به الأصل) ش: وهو العصمة المؤثمة، وهي تتعلق بنفس الإسلام، وكذا العصمة المقومة أيضاً فتثبت العصمة به جميعاً بالإسلام، فتجب الكفارة والدية بقتل الذي لم يهاجر إلينا.
م: (ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92)) ش: وإن أبا حنيفة يؤول هذه الآية بالذين أسلموا في دار الحرب ولم يهاجروا، وهو المنقول عن بعض أئمة التفسير.
ووجه الاستدلال بالآية أن الله تعالى بين المؤمن المطلق، وبين المؤمن الذي هو من قوم عدو لنا في حق الحكم المختص بالقتل، فجعل الحكم في الأول الكفارة بقوله:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وفي الثاني الكفارة دون الدية بقوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] بيان ذلك من وجهين:
أحدهما: م: (جعل التحرير كل الموجب) ش: بفتح الجيم م: (رجوعاً) ش: أي من حيث الرجوع م: (إلى حرف الفاء) ش: فإنه للجزاء، اسم لما يكون كافياً، فإذا كان كافياً كان كل الموجب، فإذا وجب غيره ما يكون التحرير كافياً ولا كل الجزاء.
والوجه الثاني: وهو قوله م: (أو إلى كونه) ش: أي أو رجوعا إلى كونه التحرير م: (كل المذكور) ش: حيث لم يذكر غيره م: (فينتفي غيره) ش: أي غير التحرير، لأن قصد الشارع في مثله إخراج العبد عن عهدة الحكم المتعلق بالحادثة ولا يتحقق ذلك إلا ببيان الحكم كله. فلو كان غيره من تتمة هذا الحكم لذكره في موضع البيان.
وقال مولانا حافظ الدين: بيان الشارع على نوعين: بيان كفاية وبيان نهاية، وهاهنا بيان النهاية، فلا يجوز أن تكون الدية واجبة ولا ذكرها، إذ لو وجبت لكان البيان قاصراً، فيلزم التكرار.
م: (ولأن العصمة المؤثمة) ش: هذا دليل معقول، بيان ذلك أن العصمة المؤثمة متعلقة م:(بالآدمية لأن الآدمي خلق متحملاً لأعباء التكليف) ش: أي لأثقاله، جمع عبأ بالكسر، وهو المحل، ومن خلا من شيء وجب عليه القيام به فالآدمي وجب عليه القيام بأعباء التكاليف م:(والقيام بها)
بحرمة التعرض، والأموال تابعة لها، أما المقومة فالأصل فيها الأموال، لأن التقوم يؤذن بجبر الفائت، وذلك في الأموال دون النفوس، لأن من شرطه التماثل وهو في المال دون النفس فكانت النفوس تابعة،
ثم العصمة المقومة في الأموال تكون بالإحراز بالدار، لأن العزة بالمنعة فكذلك في النفوس، إلا أن الشرع أسقط اعتبار منعة الكفرة. لما أنه أوجب إبطالها،
ــ
[البناية]
ش: أي بأعباء التكاليف إنما يكون م: (بحرمة التعرض) ش: فالآدمي وجب أن يكون حرام التعرض مطلقاً، إلا أن الله أبطل ذلك في الكافر بعارض الكفر، فإذا زال الكفر بالإسلام عاد على الأصل م:(والأموال تابعة لها) ش: أي للآدمية التي تثبت العصمة المؤثمة لها، لأن الأموال جعلت في الأصل مباحة، وإنما صارت معصومة لتمكن الآدمي من الانتفاع بها في حاجته، فكانت تابعة للآدمية.
م: (أما المقومة) ش: أي أما العصمة المقومة م: (فالأصل فيها الأموال) ش: يعني الأصل في المتقومة غير الآدمي م: (لأن التقوم يؤذن) ش: أي يشعر م: (بجبر الفائت) ش: ومعنى الجبر يتحقق في الأموال دون النفوس، إذ من شرط الجبر التماثل م:(وذلك في الأموال دون النفوس، لأن من شرطه التماثل) ش: أي من شرط الجبر التماثل صورة ومعنى، كما في ذوات الأمثال أو معنى فقط، كما في ذوات القيم م:(وهو في المال دون النفس) ش: لأنه يتحقق في النفس، فإذا كان كذلك م:(فكانت النفوس تابعة) ش: للأموال في التقوم في العصمة، ومن هذا علم أن العصمة المؤثمة أصل مستقل في شيء، والعصمة المقومة أصل في شيء آخر، وليس أحدهما بكمال في الآخر ولا وصف زائد عليه.
م: (ثم العصمة المقومة في الأموال تكون بالإحراز بالدار) ش: أي بدار الإسلام، لأنها عزة فلا تكون بغيره م:(لأن العزة بالمنعة) ش: أي منعة المسلمين، لأن التقويم يبنى على خطر المحل، والخطر إنما يثبت إذا كان ممنوعاً عن الأخذ، إذ فيما تصل إليه الأيدي بلا منازع، وإلا موانع لا تكون خطيرة كالماء والتراب، فعلقنا التقويم بالإحراز بالمنعة، وأما الإسلام فلا يؤثر في إناءة العصمة المقومة، لأن الدين ما وضع لاكتساب الدنيا، وإنما وضع لاكتساب الآخرة، وإذا كانت العصمة المقومة في الأموال بالمنعة.
م: (فكذلك في النفوس) ش: لأنها تابعة لها كما ذكرنا، لكن لا صفة لدار الحرب، وهو معنى قوله م:(إلا أن الشرع أسقط اعتبار منعة الكفرة، لما أنه) ش: أي أن الشرع م: (أوجب إبطالها) ش: أي أن الشرع سلطنا على إبطال منعة الكفرة، وإذا لم يكن منعة لا يوجب الإحراز، وإذا لم يوجد الإحراز لا توجد العصمة المقومة. وإذا لم توجد العصمة المقومة لا تجب الدية.