الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب المفقود
إذا غاب الرجل فلم يعرف له موضع ولا يعلم أحي هو أم ميت نصب القاضي من يحفظ ماله ويقوم عليه ويستوفي حقه؛ لأن القاضي نصب ناظرا لكل عاجز عن النظر لنفسه، والمفقود بهذه الصفة، وصار كالصبي والمجنون، وفي نصب الحافظ لماله والقائم عليه نظر له، وقوله: ليستوفي حقه لإخفاء أنه يقبض غلاته، والدين الذي أقر به غريم من غرمائه لأنه من باب الحفظ، ويخاصم في دين وجب بعقده لأنه أصيل في حقوقه،
ــ
[البناية]
[كتاب المفقود]
[حفظ مال من غاب فلم يعرف له موضع ولا يعلم أحي هو أم ميت]
م: (كتاب المفقود) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام المفقود، ووجه مناسبة هذا الباب بالباب الذي قبله قد ذكرناه، يقال فقدت الشيء أي غاب عني فقداً وفقوداً وفقداناً فهو مفقود أي غائب، وهو من الأضداد. يقال فقدت الشيء أي ضللته، وفقدته أي طلبته وكلا المعنيين موجود في المفقود وقد ضل عن أهله وهو في طلبه، إذ هو اسم لحر غائب لم يرد موضعه ولا حياته ولا مماته وأهله في طلبه. وفي " المبسوط " هو حي غائب عن بلده أو أسر وأهله في طلبه، وقد انقطع خبره واستتر عليهم أثره ففي مستقره في الحد قد يصلون إلى المراد وربما يتأخر اللقاء إلى يوم التناد.
وفي ذكر المصنف في الكتاب ما ينفر مرامه الشرعي وهو قوله م: (إذا غاب الرجل فلم يعرف له موضع ولا يعلم أحي هو أم ميت نصب القاضي من يحفظ ماله ويقوم عليه) ش: أي على حفظ ماله م: (ويستوفي حقه لأن القاضي نصب ناظراً لكل عاجز عن النظر لنفسه، والمفقود بهذه الصفة) ش: أي الصفة المذكورة وهي قوله إذا غاب الرجل إلى آخره م: (وصار) ش: أي المفقود م: (كالصبي والمجنون) ش: حيث يحتاجان إلى من ينظر في أمرهما م: (وفي نصب الحافظ لماله) ش: أي وفي نصب القاضي الحافظ المقصود م: (والقائم عليه) ش: أي على مال المفقود م: (نظر له) ش: أي للمفقود وارتفاع نظر على أنه مبتدأ وله خبره.
م: (وقوله) ش: أي قول القدوري رحمه الله: م: (ليستوفي حقه) ش: وهذا من لفظه في " مختصره " أي يستوفي الذي نصب له لحفظ ماله، والقيام عليه حق المفقود، ولما كان هذا محتاجاً إلى إيضاحه أوضحه المصنف بقوله م:(لإخفاء أنه يقبض غلاته) ش: لأنها من جملة حقه.
م: (والدين) ش: أي ويقبض الدين م: (الذي أقر به غريم من غرمائه) ش: أي من غرماء المفقود م: (لأنه) ش: أي لأن قبض كل واحد من غرمائه الدين المذكور م: (من باب الحفظ ويخاصم) ش: أي الذي نصب له م: (في دين وجب بعقده) ش: أي بعقد الذي له.
م: (لأنه) ش: أي لأن الذي نصب له م: (أصيل في حقوقه) ش: أي في حقوق العقد الذي
ولا يخاصم في الذي تولاه المفقود. ولا في نصيب له عقار أو عروض في يد رجل؛ لأنه ليس بمالك ولا نائب عنه إنما هو وكيل بالقبض من جهة القاضي وأنه لا يملك الخصومة بلا خلاف. وإنما الخلاف في الوكيل بالقبض من جهة المالك في الدين، وإذا كان كذلك يتضمن الحكم به قضاء على الغائب، وأنه لا يجوز إلا إذا رآه القاضي وقضى به؛ لأنه مجتهد فيه، ثم ما كان يخاف عليه الفساد يبيعه القاضي لأنه تعذر عليه حفظ صورته فينظر له
ــ
[البناية]
تولاه المفقود، وفائدته أن لا يقبل البينة عليه لأنه ليس من باب النظر للمفقود، وأنه قضاء على الغائب ولا في نصب له.
م: (ولا يخاصم في الذي تولاه المفقود ولا في نصيب له) ش: في نصيب للمفقود كائناً م: (في عقار أو عروض في يد رجل لأنه) ش: أي لأن الذي نصب م: (ليس بمالك ولا نائب عنه) ش: أي عن المفقود م: (إنما هو وكيل بالقبض من جهة القاضي، وأنه لا يملك الخصومة بلا خلاف، وإنما الخلاف في الوكيل بالقبض من جهة المالك في الدين) ش: يعني الوكيل يقبض الدين من جهة المالك ويملك الخصومة عند أبي حنيفة خلافاً لهما.
م: (وإذا كان كذلك) ش: أي وإذا كان الوكيل بالقبض من جهة القاضي لا يملك الخصومة م: (يتضمن الحكم به) ش: أي حكم القاضي بثبوت ذلك م: (قضاء على الغائب وأنه) ش: أي وأن قضاء القبض على الغائب م: (لا يجوز إلا إذا رآه القاضي) ش: إلا إذا رأى القاضي ذلك مصلحة.
م: (وقضى به) ش: أي بما رآه جاز ذلك م: (لأنه مجتهد فيه) ش: أي في الحكم على الغائب، وعند الشافعي يجوز لأن القضاء إذا لاقى فضلاً مجتهداً فيه بعد.
وفي " الخلاصة " ذكر الإمام السرخسي رحمه الله هذا بناء على أن القاضي هل يقضي على الغائب وهل ينصب وكيلاً على الغائب، فعندنا لا وهي معروفة، أما لو فعل وقضى على الغائب فقد جاز بالإجماع. وهكذا ذكر في الزيادات، فإن قيل المجتهد نفس القضاء فينبغي أن يتوقف على إمضاء قاض آخر.
قلنا: لا بل المجتهد سبب القضاء وهو أن البينة هل تكون حجة من غير خصم حاضر للقضاء أم لا، فإذا رآها القاضي حجة وقضى بها بقذف كما لو قضى بشهادة المحدود في القذف ثم قال في " الخلاصة " و " الفتوى " على هذا.
ونقل الأستروبشتي في فصوله عن فتاوى ظهير الدين أن نفس القضاء مختلف فيه فيتوقف على إمضاء قاض آخر كما لو كان القاضي محدوداً في القذف م: (ثم ما كان يخاف عليه الفساد) ش: (مثل الثمار ونحوها م: (يبيعه القاضي لأنه تعذر عليه) ش: أي على القاضي م: (حفظ صورته) ش: ومعناه وهو ما ينساه أراد أن حفظ صورته وحفظ ماله كليهما متعذر م: (فينظر له) ش: أي
بحفظ المعنى. ولا يبيع ما لا يخاف عليه الفساد في نفقته ولا في غيرها؛ لأنه لا ولاية له على الغائب إلا في حفظ ماله. فلا يسوغ له ترك حفظ الصورة وهو ممكن. قال: وينفق على زوجته وأولاده من ماله، وليس هذا الحكم مقصورا على الأولاد بل يعم جميع قرابة الولاد، والأصل أن كل من يستحق النفقة في ماله حال حضرته بغير قضاء القاضي ينفق عليه من ماله عند غيبته؛ لأن القضاء حينئذ يكون إعانة، وكل من لا يستحقها في حضرته إلا بالقضاء لا ينفق عليه من ماله
ــ
[البناية]
للمفقود م: (بحفظ المعنى) ش: وهو المالية وهي تبقى بحفظ الثمن والحفظ من وجه أولى من ترك الحفظ من كل وجه.
م: (ولا يبيع) ش: أي القاضي م: (ما لا يخاف عليه الفساد في نفقته) ش: أي لأجل نفقته، وهو يتعلق بقوله ولا يبيع م:(ولا في غيرها) ش: أي ولا في غير النفقة وما لا يخاف عليه الفساد، وسواء كان منقولاً أو عقاراً، وبه صرح خواهر زادة في مبسوطه م:(لأنه) ش: أي لأن القاضي م: (لا ولاية له على الغائب إلا في حفظ ماله فلا يسوغ له) ش: أي فلا يجوز له م: (ترك حفظ الصورة، وهو ممكن) ش: الواو فيه للحال قيد بالإمكان لأن عند عدمه له أن يبيعه م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله م: (وينفق على زوجته) ش: أي زوجة المفقود. م: (وأولاده من ماله) ش: أي من مال المفقود، أي هذا لفظ القدوري رحمه الله م:(وليس هذا الحكم مقصوراً على الأولاد بل يعم) ش: أي الحكم م: (جميع قرابة الولاد) ش: كالآباء والأجداد وإن علوا والأولاد وإن سفلوا والجدات وإن علون.
م: (والأصل) ش: أي في هذا الباب الذي يبنى عليه أحكام هذا الباب م: (أن كل من يستحق النفقة في ماله) ش: أي مال المفقود م: (حال حضرته بغير قضاء القاضي) ش: كالأبوين والأولاد الصغار ذكوراً كانوا أو إناثاً، والأولاد الكبار من النساء، والزمنى الذكور الكبار، م:(ينفق) ش: أي القاضي.
م: (عليه) ش: أي على من يستحق النفقة م: (من ماله عند غيبته؛ لأن القضاء حينئذ) ش: أي حين إنفاق القاضي عليهم م: (يكون إعانة) ش: أي تمكيناً للمستحق من الأخذ، ولهذا لو تمكنوا من ذلك لهم الأخذ فيعينهم القاضي على ذلك إلزاماً إذ اللزوم ثابت قبل القضاء، ولأن للقاضي إن يعين صاحب الحق على إيفاء حقه حال غيبته كما لو علم بوجوب الدين فإنه يعطيه الدين من مال الغائب.
م: (وكل من لا يستحقها) ش: أي النفقة م: (في حضرته) ش: أي في حضرة المفقود م: (إلا بالقضاء) ش: كما في الأخ والأخت والخال والخالة م: (لا ينفق عليه من ماله) ش: أي لا ينفق
في غيبته؛ لأن النفقة حينئذ تجب بالقضاء، والقضاء على الغائب ممتنع، فمن الأول الأولاد الصغار والإناث من الكبار والزمنى من الذكور الكبار، ومن الثاني الأخ والأخت والخال والخالة. وقوله: من ماله مراده الدراهم والدنانير؛ لأن حقهم في المطعوم والملبوس، فإذا لم يكن ذلك في ماله يحتاج إلى القضاء بالقيمة وهي النقدان والتبر.
ــ
[البناية]
القاضي عليه من مال المفقود م: (في غيبته لأن النفقة حينئذ تجب بالقضاء، والقضاء على الغائب ممتنع) ش: خلافاً للشافعي.
م: (فمن الأول) ش: أي فمن يستحق النفقة بغير قضاء القاضي م: (الأولاد الصغار والإناث من الكبار والزمنى من الذكور الكبار ومن الثاني) ش: أي وممن لا يستحق النفقة بغير قضاء القاضي م: (الأخ والأخت والخال والخالة) ش: والعم والعمة.
وإنما كان هذا من الثاني؛ لأنها نفقة ذي الرحم المحرم وهي مجتهد فيها، فلا تجب إلا بالقضاء والرضاء، ولهذا لم يكن لهم الأخذ بدون القضاء.
والعرف بين قرابة الأولاد وغيرهم من سائر المحارم وحيث استحق الأولون النفقة بلا قضاء ولم يستحق الآخرون إلا بالقضاء فإن حق ولاية الأولاد في النفقة مثل الدين من حق غيرهم؛ لأنهم يستحقون النفقة بالقرابة المحرمة للنكاح وبالولاد، وغيرهم بالقرابة المحرمة لا بالولاد.
فلما ظهر لهم فضل مزية ثبت استحقاق النفقة بلا قضاء بخلاف قرابة الإخوة والأخوات وسائر المحارم. وممن لا يستحق النفقة بغير قضاء القاضي الأخ والأخت والخال والخالة والعم والعمة.
وأما الزوجة فحقها في النفقة آكد أيضاً من قرابة الولاد، ولهذا تستحق النفقة، وإن كانت غنية، وإن كان الورثة كباراً ليس لهم زمانة ولا فيهم امرأة، وكانوا إخوة من الرضاع أو بني عم لم ينفق عليهم القاضي من مال المفقود لأنهم لا يستحقون النفقة حال حضرة المفقود.
وكذا حال غيبته، وقال خواهر زاده في " مبسوطه ": وإن استوثق منهم بكفيل فحسن لجواز أنهم أخذوا نفقة هذه المدة من المفقود، ومرة فيأخذ منهم كفيلاً حتى إذا حضر المفقود وأثبت أنه دفع إليهم نفقة هذه المدة مرة وإن لم يقدر عليهم أخذ من الكفيل وإن شاء ضمنهم.
م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري رحمه الله: م: (من ماله) ش: يعني في قوله وينفق على زوجته وأولاده من ماله م: (مراده) ش: أي القدوري رحمه الله م: (الدراهم والدنانير؛ لأن حقهم) ش: أي حق قرابة الولاد والزوجة م: (في المطعوم والملبوس) ش: لا في غيرها م: (فإذا لم يكن ذلك) ش: أي المطعوم والملبوس م: (في ماله يحتاج إلى القضاء بالقيمة وهي) ش: أي القيمة م: (النقدان) ش: وهما الدراهم والدنانير فكانت من جنس حقهم م: (والتبر) ش: وهو ما كان غير
بمنزلتهما في هذا الحكم لأنه يصلح قيمة كالمضروب، وهذا إذا كانت في يد القاضي، فإن كانت وديعة أو دينا ينفق عليهم منهما إذا كان المودع والمديون مقرين بالوديعة والدين والنكاح والنسب، وهذا إذا لم يكونا ظاهرين عند القاضي، فإن كانا ظاهرين فلا حاجة إلى الإقرار، وإن كان أحدهما ظاهرا يشترط الإقرار بما ليس بظاهر، هذا هو الصحيح.
ــ
[البناية]
مضروب من الفضة والذهب كما قاله في " المغرب " م: (بمنزلتهما) ش: أي بمنزلة النقدين م: (في هذا الحكم) ش: أي في القضاء بالقيمة م: (لأنه يصلح قيمة كالمضروب) ش: أي كالدراهم والدنانير فلهم أخذ جنس حقهم، وللقاضي إعانته في ذلك.
م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرناه من إنفاق القاضي عليهم من الدراهم والدنانير م: (إذا كانت في يد القاضي، فإن كانت وديعة) ش: عند رجل م: (أو دينا ينفق) ش: أي القاضي م: (عليهم منهما) ش: أي من الوديعة والدين م: (إذا كان المودع) ش: بفتح الدال م: (والمديون مقرين بالوديعة والدين والنكاح) ش: بين المفقود دون وجه م: (والنسب) ش: بينه وبين من يستحق عليه النفقة م: (وهذا) ش: أي الاحتياج إلى الإقرار إنما هو م: (إذا لم يكونا ظاهرين عند القاضي) ش: أي الدين والوديعة والنكاح وبعد النسب جعل الدين والوديعة شيئاً واحداً، والنكاح والنسب كذلك، فكذلك ذكرهما بلفظ التنبيه بدليل قوله بعد م:(فإن كانا ظاهرين) ش: أي الوديعة والدين والنكاح والنسب ظاهرين عند القاضي م: (فلا حاجة إلى الإقرار) ش: أي إقرار المودع أو المديون.
م: (وإن كان أحدهما ظاهراً) ش: أي أحد الشيئين اللذين أحدهما الوديعة والدين، وقد ذكرناه أنه جعلهما واحداً، والآخر من الشيئين هو قوله أو النكاح والكسب، أي أو كان الظاهر عند القاضي النكاح والكسب م:(يشترط الإقرار بما ليس بظاهر) ش: مثلها إن لم تكن الزوجية ظاهرة عند القاضي يشترط إقرار المودع والمديون، كأن يقول: هذه زوجة فلان المفقود أو يقول هذا ابن فلان المفقود.
وكذا إذا لم يكن الدين أو الوديعة ظاهراً عند القاضي يقول من في يده المال هذه وديعة فلان المفقود أو دين فلان المفقود، وقال خواهر زاده في " مبسوطه ": ولم يذكر في الكتاب يعني في " المبسوط " أنه إذا كان للمفقود ديناً ووديعة ينفق أولاً من الوديعة أو من الدين ثم قال: وذكر في " السير الكبير ": ينفق من الوديعة أولاً؛ لأن النظر للغائب في هذا لأنه إذا أنفق أولاً من الدين ربما تهلك الوديعة في يد المودع في مدة الإنفاق.
فإذا حضر الغائب لا يلقى إلا الدين ولا يجد الوديعة، والدين لا ينوى م:(هذا هو الصحيح) ش: أي الإنفاق من الوديعة والدين على الزوجة وقرابة الولاد، هو الصحيح وهو وجه الاستحسان، واحترز بقوله هو الصحيح عن وجه القياس، وهو قول زفر؛ لأنه قضاء على الغائب