الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولنا أن ذبح الحيوان يجوز بغرض صحيح، ولا غرض أصح من كسر شوكة الأعداء، ثم يحرق بالنار لينقطع منفعته عن الكفار، وصار كتخريب البنيان، بخلاف التحريق قبل الذبح لأنه منهي عنه، وبخلاف العقر لأنه مثلة، وتحرق الأسلحة أيضا وما لا يحترق منها يدفن في موضع لا يقدر عليه الكفار إبطالا للمنفعة عليهم.
ولا يقسم غنيمة في دار الحرب حتى يخرجها إلى دار الإسلام. وقال الشافعي رحمه الله: لا بأس بذلك، وأصله أن الملك للغانمين لا يثبت قبل الإحراز بدار الإسلام عندنا، وعنده يثبت، ويبنى على هذا الأصل عدة من المسائل،
ــ
[البناية]
بفتح الكاف وضمها مصدر الأكل.
[ذبح الحيوان لكسر شوكة الأعداء]
م: (ولنا أن ذبح الحيوان يجوز بغرض صحيح، ولا غرض أصح من كسر شوكة الأعداء) ش: وإلحاق الغيظ فتذبح م: (ثم يحرق بالنار لينقطع منفعته عن الكفار، وصار كتخريب البنيان) ش: والجامع قطع المنفعة عنهم م: (بخلاف التحريق قبل الذبح) ش: حيث لا يجوز م: (لأنه منهي عنه) ش: أي لأن الحرق بالنار منهي عنه.
وفيه أحاديث منها ما رواه البخاري عن سليمان بن يسار «عن أبي هريرة: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: " إن وجدتم فلاناً وفلاناً فأحرقوهما "، فلما خرجنا دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إن وجدتم فلاناً وفلاناً فاقتلوهما ولا تحرقوهما، فإنه لا يعذب بها إلا الله» وأخرجه الترمذي في " سننه "، «وسمى الرجلين فقال فيه: إن وجدتم هبار بن الأسود، ونافع بن عبد القيس» .
م: (وبخلاف العقر) ش: حيث لا يجوز م: (لأنه مثلة) ش: وهو حرام م: (وتحرق الأسلحة أيضاً) ش: لقطع قوتهم، هذا إذا كان الإمام لا يقطع من إخراجها إلى دار الإسلام، وكانت مما يحرق بالنار م:(وما لا يحترق منها) ش: بأن كان من الحديد م: (يدفن في موضع لا يقدر عليه الكفار إبطالا للمنفعة عليهم) ش: لأن قطع قوتهم بهذا السلاح يكون بالدفن.
[قسمة الغنائم في دار الحرب]
م: (ولا يقسم غنيمة في دار الحرب حتى يخرجها إلى دار الإسلام، وقال الشافعي رحمه الله: لا بأس بذلك) ش: أي بالقسم في دار الحرب بعدما انهزم المشركون، وبه قال أحمد، وقال مالك: يعجل قسمة الأموال في دار الحرب ويؤخر قسمة السبي إلى دار الإسلام م: (وأصله) ش: أي أصل الخلاف م: (أن الملك للغانمين لا يثبت قبل الإحراز بدار الإسلام عندنا، وعنده) ش: أي وعند الشافعي م: (يثبت ويبتنى على هذا الأصل عدة من المسائل) ش: منها أن أحداً من الغانمين إذا وطئ أمة من السبي فولدت فادعاه ثبت نسبه عنده وصارت الأمة أمة ولد.
وعندنا لا يثبت النسب لعدم الملك، ويجب العقر ويقسم الأمة والولد والعقر بين الغانمين، ومنها، البيع لو باع الإمام أو واحد من الغزاة شيئاً من الغنيمة لا يجوز عندنا خلافاً لهم، ومنها الإرث، إذا مات أحد الغزاة بدار الحرب لا يورث منه عندنا خلافاً لهم.
ذكرناها في كفاية المنتهى، له أن سبب الملك الاستيلاء إذا ورد على مال مباح كما في الصيد، ولا معنى للاستيلاء سوى إثبات اليد، وقد تحقق. ولنا أنه عليه السلام نهى عن بيع الغنيمة في دار الحرب، والخلاف ثابت فيه، والقسمة بيع معنى فتدخل تحته، ولأن الاستيلاء إثبات اليد الحافظة والناقلة، والثاني منعدم لقدرتهم على الاستنقاذ ووجوده ظاهرا.
ــ
[البناية]
ومنها لو لحق المدد قبل القسمة لا يشاركه عندهم ويشارك عندنا، ومنها لو أتلف واحد شيئاً من المغنم قبل الإحراز، لا يضمن عندنا، خلافاً لهم م:(ذكرناها في كفاية) ش: بتوفيق الله، أراد بالكفاية كفاية م:(المنتهى) ش: وهو كتاب معدوم لم يقع في ديار العراق والشام ومصر.
م: (له) ش: أي للشافعي م: (أن سبب الملك الاستيلاء إذا ورد على مال مباح كما في الصيد) ش: والاحتطاب م: (ولا معنى للاستيلاء سوى إثبات اليد وقد تحقق) ش: أي الاستيلاء.
م: (ولنا أنه عليه السلام) ش: أي أن النبي صلى الله عليه وسلم م: «نهى عن بيع الغنيمة في دار الحرب» ش: هذا غريب ليس له أصل م: (والخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بيننا وبين الشافعي م: (ثابت فيه) ش: أي في البيع، فمن حرم البيع القسمة م:(والقسمة بيع معنى) ش: أي من حيث المعنى لاشتمالها على الأفراد والمبادلة لا محالة: (فتدخل تحته) ش: أي فتدخل القسمة تحت البيع، فكما لا يجوز البيع لا تجوز القسمة.
م: (ولأن الاستيلاء إثبات اليد الحافظة) ش: وهي اليد التي يثبت بها حفظ العين م: (والناقلة) ش: أي وإثبات اليد الناقلة، وهي التي تنقل العين من شخص إلى شخص، قاله الأترازي، وقال الكاكي: والناقلة بأن ينقله كيف شاء يتصرف فيه، وقيل: الناقلة بالإحراز الناقل إلى دار الإسلام.
م: (والثاني) ش: أي إثبات اليد الناقلة م: (منعدم لقدرتهم) ش: أي لقدرة الكفرة م: (على الاستنقاذ) ش: أي الاستخلاص لأنهم قاهرون بالدار معنى لأنها في أيديهم م: (ووجوده) ش: بالجر عطف على قوله: لقدرتهم، أي لوجود الاستنقاذ م:(ظاهراً) ش: لكون الدار في أيديهم، لأن الدار إنما تضاف إلينا أو إليهم باعتبار القوة والاستيلاء، وما بقيت هذه البقعة منسوبة إليهم عرف أن القوة لهم.
ألا ترى أنه يحل للإمام أن يرجع إلى دار الإسلام ويترك هذه البقعة في أيديهم، والقوة على الاسترداد ظاهر، يمنع ثبوت يد المسلمين، بخلاف ما إذا فتحت البلدة، لأنها صارت دار إسلام لفتحها وإجراء الأحكام فيها.
فكان فتح البلدة كالإحراز بدارنا، إليه أشار في " المبسوط " وفي " السير الكبير ": دار الحرب الأرض التي يخاف فيها المسلمون من أرض العدو، ودار الإسلام ما غلب عليها المسلمون
ثم قيل: موضع الخلاف ترتب الأحكام على القسمة إذا قسم الإمام لا عن اجتهاد، لأن حكم الملك لا يثبت بدونه، وقيل: الكراهة
ــ
[البناية]
وكانوا فيه آمنين.
م: (ثم قيل موضع الخلاف) ش: قال الأكمل: أي أن موضع الخلاف فيما إذا صدرت القسمة من الإمام بدون الاجتهاد، هل ثبت الملك لمن وقعت القسمة في نصيبه، من الأكل والوطء وسائر الانتفاع أو لا، فعنده يثبت، وعندنا لا يثبت، وقال الأترازي: قوله: ثم قيل: موضع الخلاف، يعني اختلفوا في المراد بقوله: ولا يقسم غنيمة في دار الحرب.
قال بعض المشائخ: المراد عدم جواز القسمة حتى لا تثبت الأحكام المترتبة على القسمة كامتياز الملك عن ملك الغير أو مبادلة الملك بملكه على وجه يظهر أثره في حق الوطء ونفاذاً كالبيع والهبة وغير ذلك، وقال بعضهم: المراد منه الكراهة بدونه، أي بدون الملك، انتهى.
قلت: تفسير الأكمل يشعر بأن مضي قوله: ثم قيل: موضع الخلاف، أي الخلاف الذي بيننا وبين الشافعي، وتفسير الأترازي يشعر بأن المراد من موضع الخلاف اختلاف المشائخ للنظر عن خلاف الشافعي، والذي قاله الأكمل أوجه على ما لا يخفى لأنه لا خلاف بيننا وبينه فيما إذا قسم الإمام عن اجتهاد أنه يجوز.
والخلاف فيما إذا قسم الإمام لا عن اجتهاد كما صرح به المصنف بقوله م: (ترتب الأحكام على القسمة) ش: ارتفاع ترتب الأحكام على أنه خبر لقوله مع منع الخلاف، وأراد بالأحكام أحكام الملك، وهي سائر الانتفاعات بالملك م:(إذا قسم الإمام لا عن اجتهاد) ش: قيد به لأنه إذا قسمها عن اجتهاد، جاز بالاتفاق، وإنما قيد بهذا ليظهر موضع الخلاف.
م: (لأن حكم الملك لا يثبت بدونه) ش: أي بدون الملك، معناه أن ترتب هذه الأحكام دليل ثبوت الملك المستلزم لجواز القسمة وقصده مترتبة بهذه القسمة الصادرة لا عن اجتهاد، فيلزم منه ثبوت الملك، وعندنا ليست بمترتبة، فدل على أن الملك لم يكن ثابتاً.
وهذا لأن الملك عليه لترتب الأحكام، وقد وجد المعلول فيلزم وجود العلة لئلا يلزم تخلف العلة عن المعلول، وعندنا لم يوجد المعلول فيلزم منه عدم وجود العلة لئلا يلزم تخلف العلة عن المعلول.
م: (وقيل الكراهة) ش: أي قيل: حكم قسم الغنائم في دار الحرب على مذهبنا الكراهة، لا عدم الجواز، لما أن القسمة من قطع شركة المراد فنقل بها عقبهم في اللحوق بالجيش، ولأنه إذا قسم تفرقوا، فربما يكون العدو على بعضهم، وهذا أمر وراء ما يتم به القسمة، فلا يمنع جوازها.
وهي كراهة تنزيه عند محمد رحمه الله فإنه قال على قول أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله: لا يجوز القسمة في دار الحرب. وعند محمد رحمه الله الأفضل أن يقسم في دار الإسلام. وجه الكراهة أن دليل البطلان راجح، إلا أنه تقاعد عن سلب الجواز، فلا يتقاعد عن إيراث الكراهة. قال: والردء والمقاتل في العسكر سواء؛
ــ
[البناية]
ثم أشار المصنف إلى الخلاف في الكراهة، هل هي كراهة تنزيه أو كراهة تحريم، فقال: م: (وهي كراهة تنزيه عند محمد رحمه الله فإنه قال) ش: فإن محمداً قال في " السير الكبير " م: (على قول أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله: لا يجوز القسمة في دار الحرب، وعند محمد رحمه الله الأفضل أن يقسم في دار الإسلام) ش: وفيه نظر لأن هذا يشير إلى أن قول محمد على خلاف قول أبي حنيفة في القسمة في دار الحرب وليس بمشهور، فإنه لا خلاف بينهم في ظاهر الرواية من أصحابنا.
وفي غير ظاهر الرواية الأفضلية منقولة عن أبي يوسف، وأيضاً قوله على قول أبي حنيفة وأبي يوسف: لا تجوز القسمة، يدل على خلاف ما يدل عليه قوله وقيل الكراهة.
وفي الجملة هذا الموضع لا يخلو من تسامح، المخلص عنه أنهم اختلفوا في المراد بقوله: ولا يقسم غنيمة في دار الحرب، فقال بعض المشايخ: المراد به عدم جواز القسمة حتى لا تثبت الأحكام المترتبة على القسمة، وقال بعضهم: المراد به الكراهة، وعلى قوله على قول أبي حنيفة وأبي يوسف: لا تجوز القسمة، إنما يصح على قول الأولين فافهم.
م: (وجه الكراهة أن دليل البطلان) ش: أي دليل بطلان القسمة م: (راجح) ش: على دليل جوازها لعدم تمام الاستيلاء م: (إلا أنه) ش: أي أنه دليل البطلان م: (تقاعد عن سلب الجواز) ش: إذ القسمة تجوز بالإجماع، أما عنده فظاهر، وأما عندنا إذا كانت عن اجتهاد، نظيره قوله عليه السلام:" الهرة سبع "، فإنه لما تقاعد عن سلب الطهارة قلنا بعدم الكراهة، وقوله عليه السلام:«الهرة ليست نجسة» قلنا بالكراهة ثمة.
كذا هنا م: (فلا يتقاعد عن إيراث الكراهة) ش: لأنه لما ثبت نفي الجواز بالاتفاق يثبت الكراهة - بمذكر هنا - فلا يتقاعد عن إيراث الكراهة، لأن الدليل المرجوح لما لم يبطل أصلاً حصل من معارضة الراجح والمرجوح احتاج القراءة إلى الانتفاع بالمتاع والثياب والدواب قسمها بينهم في دار الحرب لتتحقق الحاجة.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والردء) ش: بكسر الراء وسكون الدال المهملة، وفي آخره همزة، وهو العون، رداه: أعانه، والراء بالفتح مصدر، والردء مرفوع بالابتداء، وقوله م:(والمقاتل) ش: عطف عليه، وقوله م:(في العسكر) ش: ظرف الاثنتين، وقوله م:(سواء) ش: