الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن دفع المودع بنفسه أو من عليه الدين بغير أمر القاضي يضمن المودع ولا يبرأ المديون؛ لأنه ما أدى إلى صاحب الحق ولا إلى نائبه، بخلاف ما إذا دفع بأمر القاضي؛ لأن القاضي نائب عنه. وإن كان المودع والمديون جاحدين أصلا أو كانا جاحدين الزوجية والنسب، لم ينتصب أحد من مستحقي النفقة خصما في ذلك؛ لأن ما يدعيه للغائب لم يتعين سببا لثبوت حقه، وهو النفقة لأنها كما تجب في هذا المال تجب في مال آخر للمفقود.
قال: ولا يفرق بينه وبين امرأته، وقال مالك: إذا مضى أربع سنين يفرق القاضي بينه وبين امرأته وتعتد عدة الوفاة ثم تتزوج من شاءت؛ لأن عمر رضي الله عنه هكذا قضى في الذي استهواه الجن بالمدينة
ــ
[البناية]
فلا يجوز.
وجه الاستحسان: أن الوديعة والدين مال المفقود وهو جنس حقهم، فكان للقاضي أن ينفق عليهم من ذلك كما ينفق من المال الذي في يده أو في بيته.
م: (فإن دفع المودع) ش: بفتح الدال م: (بنفسه أو من عليه الدين) ش: أي أو أعطى من عليه الدين م: (بغير أمر القاضي يضمن المودع ولا يبرأ المديون لأنه ما أدى إلى صاحب الحق ولا إلى نائبه بخلاف ما إذا دفع بأمر القاضي؛ لأن القاضي نائب عنه) ش: أي عن المفقود.
م: (وإن كان المودع والمديون جاحدين أصلاً) ش: يعني منكرين بالكمية ولا يعتبران لا بالوديعة ولا بالدين ولا بالنكاح والنسب م: (أو كانا جاحدين الزوجية والنسب لم ينتصب أحد من مستحقي النفقة خصماً في ذلك) ش: لأن الخصومة إما دفع من المالك أو نائب المالك، ولم يوجد لا هذا ولا ذاك م:(لأن ما يدعيه) ش: أي الآخذ من المتحققين.
م: (للغائب) ش: أي لأجله م: (لم يتعين سبباً لثبوت حقه وهو النفقة؛ لأنها) ش: أي لأن النفقة م: (كما تجب في هذا المال تجب في مال آخر للمفقود) ش: فلم يكن خصماً عن المفقود حكماً، وقال شيخي العلاء رحمه الله: حاصله أن ما يدعيه الزوجة والأولاد أن هذا المال هو الدين والوديعة مال للغائب لم يتعين لنفقتهم؛ لأنه كما تجوز النفقة في الدين والوديعة تجوز في مال آخر أيضاً للمفقود فلم ينتصب خصماً.
وقوله: لم يتعين سبباً لثبوت حقه أي لم يتعين محلاً لثبوت حق آخذ مستحق النفقة، وإنما ذكر السبب مقام ذكر المحل لمناسبة بينهما، لما أن السبب يعمل في المحل.
[حق امرأة المفقود]
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله م: (ولا يفرق بينه وبين امرأته، وقال مالك: إذا مضى أربع سنين يفرق القاضي بينه وبين امرأته وتعتد عدة الوفاة ثم تتزوج من شاءت؛ لأن عمر رضي الله عنه هكذا قضى في الذي استهواه الجن بالمدينة) ش: هذا رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه) في
وكفى به إماما، ولأنه منع حقها بالغيبة فيفرق القاضي بينهما بعد مضي المدة اعتبارا بالإيلاء والعنة، وبعد هذا الاعتبار أخذ المقدار منهما: الأربع من الإيلاء والسنين من العنة عملا بالشبهين،
ــ
[البناية]
كتاب " النكاح ".
حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن يحيى بن جعدة أن رجلاً استهواه الجن على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأتت امرأته عمر رضي الله عنه فأمرها أن تتربص أربع سنين ثم أمر وليه بعد أربع سنين أن يطلقها، ثم أمرها أن تعتد، فإذا انقضت عدتها تزوجت، فإن جاء زوجها خير بين امرأته والصداق.
ورواه عبد الرزاق أيضاً في " مصنفه "، وفي آخره فخير عمر رضي الله عنه بينها وبين الصداق الذي أصدقها، ورواه من طريق آخر، وفي آخره فقال له عمر رضي الله عنه: إن شئت رددنا إليك امرأتك وإن شئت زوجناك غيرها، قال: بل زوجني غيرها، ثم جعل عمر رضي الله عنه يسأله عن الجن، وهو يخبره.
قوله: استهواه الجن، قال الكاكي: أي جرته الجن وتهمته. قلت: يقال استهواه أي جره إلى المهاوي وهي المساقط والمهالك.
م: (وكفى به) ش: أي بعمر رضي الله عنه م: (إماماً) ش: أي من حيث الإمامية م: (ولأنه) ش: أي ولأن المفقود م: (منع حقها) ش: أي حق امرأته م: (بالغيبة فيفرق القاضي بينهما بعد مضي المدة اعتباراً بالإيلاء والعنة) ش: يعني يفرق بينه وبين امرأته كما يفرق بين العنين والمولى دفعاً للضرر عنها كي لا تبقى معلقة لا ذات بعل ولا مطلقة.
م: (وبعد هذا الاعتبار) ش: أي بالإيلاء والعنة م: (أخذ) ش: أي مالك م: (المقدار) ش: أي المقدار الذي يفرق م: (منهما) ش: أي من الإيلاء والعنة م: (الأربع) ش: أي أخذ الأربع م: (من الإيلاء) ش: لأن مقداره أربعة أشهر م: (والسنين) ش: أي أخذ السنين م: (من العنة) ش: لأن المقدار فيها سنة م: (عملاً بالشبهين) ش: أي شبه الإيلاء وشبه العنة.
حاصله أن امرأة المفقود تشبه امرأة المولى من حيث إن حقها في الجماع فات بالسفر كفوات حق امرأة المفقود وشبهه امرأة المولى فالجماع بصفته وهو الإيلاء.
وتشبه امرأة العنين من حيث إن حقها في الجماع فات من جهة الزوج بسبب هو فيه معذور؛ لأن العنة مباح كما أن حق امرأة العنين فات في الجماع، ونفقة الزوج وهو فيها معذور فضربناها مدة الخلاص متصل إلى حقها في الجماع أربع سنين اعتباراً بالشبهين.
ولنا قوله عليه السلام في امرأة المفقود: «إنها امرأته حتى يأتيها البيان» وقول علي رضي الله عنه فيها هي امرأة ابتليت فلتصبر حتى يتبين موت أو طلاق.
ــ
[البناية]
م: (ولنا قوله عليه السلام) ش: أي قول النبي صلى الله عليه وسلم: م: (في امرأة المفقود إنها «امرأته حتى يأتيها البيان» ش: هذا أخرجه الدارقطني في " سننه " عن سوار بن مصعب حدثنا محمد بن شرحبيل الهمداني عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها البيان» ويروى: «حتى يأتيها الخبر» .
وهذا حديث ضعيف. قال ابن أبي حاتم في كتاب " العلل ": سألت أبي عن حديث رواه سوار بن مصعب عن محمد بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة، قال أبي: هذا حديث منكر، ومحمد بن شرحبيل: متروك الحديث، يروي عن المغيرة مناكير وأباطيل، وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة الدارقطني، وأعله بمحمد بن شرحبيل وقال: إنه متروك. وقال ابن القطان في " كتابه ": سوار بن مصعب أشهر المتروكين منه، ودونه صالح بن مالك، ولا يعرف، ودونه محمد بن الفضل ولا يعرف حاله.
وقال الأترازي: ولنا ما روى علماؤنا في " المبسوط " عن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " في امرأة المفقود إنها «امرأته حتى يأتيها البيان»
…
انتهى
قلت: كأنه لم يقف على رواية الدارقطني فلهذا نسب روايته إلى أصحابنا من غير إسناد، قلت: الأول: مسلم، والثاني: ممنوع على ما لا يخفى.
م: (وقول علي رضي الله عنه) ش: مرفوع بالابتداء وخبره قوله خرج بياناً، والجملة عطف على قوله: ولنا قوله عليه السلام م: (فيها) ش: أي في امرأة المفقود م: (هي امرأة ابتليت فلتصبر حتى يتبين موت أو طلاق) ش: هذا رواه عبد الرزاق في " مصنفه " في كتاب الطلاق أخبرنا محمد بن عبد الله العرزمي عن الحكم بن عتيبة أن علياً رضي الله عنه قال في امرأة المفقود: هي امرأة ابتليت، فلتصبر حتى يأتيها موت أو طلاق.
وأخبرنا معمر عن ابن أبي ليلى عن الحكم أن علياً قال، فذكره سواء، أخبرنا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن الحكم بن عتيبة عن علي رضي الله عنه، قال تتربص حتى تعلم أحي هو أم ميت.
خرج بيانا للبيان المذكور في المرفوع، ولأن النكاح عرف ثبوته، والغيبة لا توجب الفرقة والموت في حيز الاحتمال، فلا يزال النكاح بالشك، وعمر رضي الله عنه رجع إلى قول علي رضي الله عنه، ولا معتبر بالإيلاء؛ لأنه كان طلاقا معجلا، فاعتبر في الشرع مؤجلا، فكان موجبا للفرقة ولا بالعنة؛ لأن الغيبة تعقب الأوبة، والعنة قلما تنحل بعد استمرارها سنة.
ــ
[البناية]
م: (خرج بياناً) ش: خبر المبتدأ أعني قول علي رضي الله عنه كما ذكرنا، أي خرج مظهراً م:(للبيان المذكور في المرفوع) ش: أي لمعنى البيان المذكور في الحديث المرفوع، وهو قوله عليه السلام في المفقود: إنها «امرأته حتى يأتيها البيان؛» لأن قوله البيان مجمل في أن إتيان البيان من أي طريق يكون فبين علي رضي الله عنه ذلك المجمل بقوله: حتى يتبين موت أو طلاق، وفي هذا المكان تأمل لا يخفى.
م: (ولأن النكاح عرف ثبوته) ش: عمن يعرف المفقود وامرأته م: (والغيبة) ش: أي غيبة المفقود م: (لا توجب الفرقة) ش: كما في غيبة غير المفقود م: (والموت في حيز الاحتمال) ش: أي في جهة الاحتمال، يقال هذا الكلام في حيز التواتر أي في جهته ومكانه وهو مجاز.
م: (فلا يزال النكاح) ش: أي الذي بين المفقود وامرأته م: (بالشك) ش: لأن الشك لا يزيل الثابت م: (وعمر رضي الله عنه رجع إلى قول علي رضي الله عنه) ش: هذا جواب عن استدلال مالك بقوله: لأن عمر رضي الله عنه هكذا قضى في الذي استهوته الجن، ولم يبين وجه الرجوع.
وقال الكاكي: وذكر عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر رضي الله عنه رجع عن ثلاث قضيات إلى قول علي رضي الله عنه أحدها مال المفقود وغيرها مذكور في " المبسوط ".
وقال الأترازي فلما ثبت أن عمر رضي الله عنه رجع إلى قول علي رضي الله عنه، كان ذلك إجماعاً على قول علي رضي الله عنه وفيه تأمل لا يخفى.
م: (ولا معتبر بالإيلاء) ش: هذا جواب عن قياس مالك صورة النزاع على الإيلاء، بيانه ما ذكره من قوله م:(لأنه) ش: أي لأن الإيلاء م: (كان طلاقاً معجلاً) ش: في الابتداء م: (فاعتبر في الشرع مؤجلاً) ش: أي طلاقاً مؤجلاً م: (فكان) ش: أي الطلاق م: (موجباً للفرقة) ش: أي مزيلاً لملك النكاح، وليس كذلك امرأة المفقود؛ لأنه لم يوجد من الزوج طلاق أصلاً، لا طلاق معجل ولا مؤجل.
م: (ولا بالعنة) ش: أي ولا معتبر أيضاً بالعنة م: (لأن الغيبة) ش: وفي بعض النسخ لأن الغربة م: (تعقب الأوبة) ش: أي الرجوع إذ الظاهر حال الغائب أنه يؤوب م: (والعنة قلما تنحل بعد استمرارها سنة) ش: أي بعد استحكامها سنة، إيضاح ذلك أنه ثبت في باب العنة حق الفرقة