الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الجزية
وهي على ضربين، جزية توضع بالتراضي والصلح، فتقدر بحسب ما يقع عليه الاتفاق كما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران على ألف ومائتي حلة، ولأن الموجب هو التراضي
ــ
[البناية]
[باب الجزية]
م: (باب الجزية) ش: أي هذا باب في بيان حكم الجزية، والجزية ما يؤخذ من الذمي باعتبار رأسه. والجمع من قبيل اللحية واللحى، وسميت بها، لأنها تجزي، أي تقضي، وتكفي في الذمي عن القتل، أو يعتق بها وتسقط عنه القتل. ولما فرغ من خراج الأرض شرع في خراج الرأس وهو الجزية، إلا أنه قدم الأول لأنه شاركه في سببه. وفي الشرع معنى الجزية وبيان العريان مقدم.
م: (وهي) ش: أي الجزية م: (على ضربين) ش: أي نوعين، أحدهما م: (جزية توضع بالتراضي والصلح، فتقدر بحسب ما يقع عليه الاتفاق كما «صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران على ألف ومائتي حلة» ش: هذا أخرجه أبو داود عن إسماعيل بن عبد الرحمن البغدادي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران على ألفي حلة، النصف في صفر، والبقية في رجب يؤدونها إلى المسلمين
…
» الحديث.
ونجران بفتح النون وسكون الجيم بلاد من اليمن أصلها نصارى. والحلة بضم الحاء المهملة وتشديد اللام: إزار ورداء، هذا هو المختار، لا يسمى حلة حتى يكون ثوبين وهي من الحلول أو الحل لما بينهما من الوجه. وقال الولوالجي في فتاواه: وتوضع على نصارى نجران على رؤوسهم وأراضيهم في كل سنة ألفا حلة، كل حلة خمسون درهماً.
قلت: الذي ذكر المصنف غير موافق للحديث، مع أن الحديث حديث واحد رواه ابن عباس وأخرجه عنه أبو داود كما ذكرنا.
م: (ولأن الموجب) ش: بكسر الجيم، أي لأن الموجب لتقدير ما وقع عليه م:(هو التراضي) ش: لا لموجب الجزية، فإن موجبه في الأصل اختيارهم البقاء على الكفر بعد أن غلبوا.
فإن قلت: كيف يجوز تقرير الكافر على الشرك الذي هو أعظم الجنايات بأخذ المال، ولو جاز ذلك جاز تقرير الزاني على الزنا بالمال.
قلت: ليس أخذ الجزية يدل على تقرير الكفر، وإنما هو عوض عن ترك القتل ولا يستعرفان الواجبين. فجاز كإسقاط الواجب بالقصاص بعوض، أو هي عقوبة على الكفر، فيجوز
فلا يجوز التعدي إلى غير ما وقع عليه الاتفاق. وجزية يبتدئ الإمام بوضعها إذا غلب الإمام على الكفار وأقرهم على أملاكهم فيضع على الغني الظاهر الغنى في كل سنة ثمانية وأربعين درهما يأخذ منهم في كل شهر أربعة دراهم، وعلى متوسط الحال أربعة وعشرين درهما في كل شهر درهمين، وعلى الفقير المعتمل اثني عشر درهما في كل شهر درهما،
ــ
[البناية]
كالاسترقاق.
م: (فلا يجوز التعدي إلى غير ما وقع عليه الاتفاق) ش: أي لا يجوز التجاوز إلى غير ما وقع عليه التراضي م: (وجزية) ش: أي الضرب الثاني جزية م: (يبتدئ الإمام بوضعها) ش: أي بوضع الجزية م: (إذا غلب الإمام على الكفار وأقرهم على أملاكهم) ش: هذا الضرب بوضع الإمام بغير رضى منهم، وهو تفاوت بتفاوت الطبقات، وبين ذلك بحرف الباء بقوله م:(فيضع على الغني الظاهر الغنى) ش: في شرح الطحاوي ظاهر الغنى من يملك عشرة آلاف درهم م: (في كل سنة ثمانية وأربعين درهماً يأخذ منهم في كل شهر أربعة دراهم) ش: هذا لأجل التسهيل، ولا تجب الجزية بأول الحول، وإنما الحول يتحقق ويتسهل عند أبي حنيفة.
وكذلك قال هو في الزكاة م: (وعلى متوسط الحال) ش: وهو من يملك مائتي درهم إلى عشرة آلاف درهم م: (أربعة وعشرين درهماً) ش: أي يضع على المتوسط الحال أربعة وعشرين درهما م: (في كل شهر درهمين) .
م: (وعلى الفقير المعتمل) ش: أن يضع عليه م: (اثني عشر درهماً في كل شهر درهماً) ش: أي يأخذ في كل شهر درهماً، والفقير من لا يملك درهمين، وإنما شرط المعتمل، لأن الجزية عقوبة فإنما تجب على من كان من أهل القتال حتى لا يلزم الزمن منهم جزية وإن كان مفرطاً في اليسار. والمعتمل هو الذي يقدر على العمل وإن لم يحسن حرفة.
وقال الكاكي: والمعتمل هو المكتسب، والإعمال الاضطراب في العمل وهو الاكتساب. وقال أيضاً، وإنما قيد بالاعتمال لأنه لو كان مريضاً في السنة كلها أو مضطرباً أو أكثر لا يجب عليه.
ولو ترك العمل مع القدرة عليه، فهو كالمعتمل، كمن قدر على الزراعة ولم يزرع، يجب عليه الخراج، ذكره في الإيضاح، ويجيء أيضاً إن شاء الله تعالى.
وقال الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير " ذكر عن عيسى بن أبان أنه قال: من كان له عشرة آلاف درهم فصاعداً فهو موسر. ومن كان له مائتا درهم فهو متوسط. ومن كان معتملاً فهو كبير.
وهذا عندنا. وقال الشافعي رحمه الله: يضع على كل حالم دينارا أو ما يعدل الدينار، الغني والفقير في ذلك سواء لقوله عليه السلام لمعاذ رضي الله عنه: «خذ من كل حالم وحالمة دينارا أو عدله معافر
ــ
[البناية]
وذكر عن بشر بن غياث أنه قال: من كان يملك قوته وقوت عياله وزيادة فهو موسر. ومن كان يقدر على مقدار القوت ولا يملك الفضل وله مقدار الكفاية فهو الوسط. ومن لم يكن له مقدار الكفاية فهو مكسب.
وكان الفقيه أبو جعفر يقول: ينظر إلى عادة كل بلد، لأن البلدان مختلفة في الغناء. ألا ترى أن صاحب خمسين ألف ببلخ يعد من المكثرين. وإذا كان ببغداد أو بالبصرة لا يعد من المتكثرين. وفي بعض البلدان صاحب عشرة آلاف يعد من المتكثرين، فيعد كل بلد.
وذكر هذا القول أبو نصر محمد بن سلام أيضاً، وذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يأخذ ممن ركب البغال ويتختم بالذهب ثمانية وأربعين درهماً، إلى هنا لفظ الفقيه أبي الليث في كتابه.
وقال الكاكي: وقيل: من لا بد له من الكسب لإصلاح معيشته فهو معسر، ومن له مال يعمل به متوسط. ومن لا يعمل لكثرة مال فهو فائق في الغنى، وقيل: من لا كفاف له فهو معسر. ومن ملك قوت عياله فهو متوسط.
ومن ملك لما فضل عليه فهو عتق، وقيل: هذا يختلف باختلاف الأماكن، ويعتبر وجود هذه الصفة في آخر السنة م:(وهذا عندنا) ش: أي هذا الوجه المذكور مفصلاً عند أصحابنا.
م: (وقال الشافعي رحمه الله) ش: مبتدأ وخبره قوله م: (يضع على كل حالم دينارا أو ما يعدل الدينار، الغني والفقير في ذلك سواء) ش: وهو اثني عشر درهما، وأقل الدينار أي عشرة دراهم مسكوكة. من النقرة الخالصة.
ولا يجب على الإمام أن يجبرهم على أكثر ما عليهم، ويستحب أن يماكس حتى يأخذ من المتوسط دينارين، ومن الغني أربعة دنانير، ولا يصير الدراهم إلا بالنقرة والقيمة عند عامة أصحابه، كذا في شرح " الوجيز ". وقال مالك: يأخذ أربعين درهما أو أربعة دنانير، ومن الفقير عشرة دراهم أو ديناراً لما روى الإمام، وهو قول الثوري، وفي رواية مثل قولنا، وفي رواية أقلها دينار.
وتجوز الزيادة ولا يجوز النقصان م: (لقوله عليه السلام) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: م: (لمعاذ رضي الله عنه: «خذ من كل حالم وحالمة ديناراً أو عدله معافر» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي في الزكاة عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق «عن معاذ قال: بعثني