الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الإباق
الآبق أخذه أفضل في حق من يقوى عليه لما فيه من إحيائه، وأما الضال فقد قيل كذلك، وقد قيل تركه أفضل؛ لأنه لا يبرح مكانه فيجده المالك ولا كذلك الآبق، ثم آخذ الآبق يأتي به إلى السلطان؛ لأنه لا يقدر على حفظه بنفسه بخلاف اللقطة، ثم إذا رفع الآبق إليه يحبسه، ولو رفع الضال لا يحبسه؛ لأنه لا يؤمن على الآبق الإباق ثانيا
ــ
[البناية]
[كتاب الإباق]
م: (كتاب الإباق) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الإباق وهو الهرب من أبق من باب ضرب يضرب، وفي " المبسوط " الإباق التمرد في الانطلاق وهو من سوء الأخلاق، ورواة الأعراق يطهر العبد عن نفسه فراراً ليصير ماله ضماناً أو رده إلى مولاه إحسان، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
والآبق هو الذي يهرب عن مولاه قصداً، والضال هو الذي ضل الطريق إلى منزله، وفي النهاية هذا الكسب أعني اللقيط واللقطة والإباق والعتق ركيت يجانس بعضها بعضاً من حيث إن في كل منها عرضة الزوال والهلاك.
م: (الآبق) ش: على وزن فاعل مرفوع بالابتداء، وقوله م:(أخذه) ش: مبتدأ ثان وخبره هو قوله م: (أفضل) ش: والجملة خبر المبتدأ الأول م: (في حق من يقوى عليه) ش: أي من يقدر على أخذه ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم م: (لما فيه) ش: أي لما في أخذه م: (من إحيائه) ش: لأنه هالك في حق المولى، فيكون الرد إحياءه.
م: (وأما الضال فقد قيل كذلك) ش: أي حكم الآبق أخذه أفضل، لما فيه من إحياء النفس ومن التعاون على البر كالآبق م:(وقد قيل تركه أفضل لأنه لا يبرح مكانه) ش: يعني الضال يطلب مالكه فلا يبرح عن مكانه م: (فيجده المالك ولا كذلك الآبق) ش: بخلاف الآبق؛ لأنه يخفى عن مولاه، وإذا لم يؤخذ يضيع حقه م:(ثم آخذ الآبق) ش: الآخذ على صيغة اسم الفاعل م: (يأتي به) ش: أي بالآبق م: (إلى السلطان) ش: أو نائبه أو القاضي م: (لأنه) ش: أي لأن آخذه م: (لا يقدر على حفظه) ش: أي حفظ الآبق م: (بنفسه) ش: لتمرده أو عجز آخذه، ثم هذا الذي ذكر من الإتيان بالعبد الآبق إلى السلطان اختيار شمس الأئمة السرخسي، وأما اختيار شمس الأئمة الحلواني فالآخذ بالخيار إن شاء حفظه لنفسه وإن شاء دفعه إلى الإمام.
وكذلك الضال والضالة الواجد فيهما بالخيار كذا في الذخيرة م: (بخلاف اللقطة) ش: حيث لا يرفعها إلا السلطان؛ لأنه قادر على حفظها بنفسه م: (ثم إذا رفع الآبق إليه) ش: أي إلى السلطان م: (يحبسه، ولو رفع الضال لا يحبسه لأنه لا يؤمن على الآبق الإباق ثانياً) ش: فيكون ترك
بخلاف الضال، قال: ومن رد آبقا على مولاه من مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا فله عليه جعله أربعون درهما، وإن رده لأقل من ذلك فبحسابه، وهذا استحسان، والقياس أن لا يكون له شيء إلا بالشرط وهو قول الشافعي رحمه الله لأنه متبرع بمنافعه فأشبه العبد الضال. ولنا أن الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على وجوب أصل الجعل، إلا أن منهم من
ــ
[البناية]
حبسه تعريضاً على الإباق م: (بخلاف الضال) ش: لأن الظاهر أنه لا يروح إذا لم يحبس.
وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": وإذا أتى الرجل بالعبد فأخذه السلطان فحبسه فادعاه رجل وأقام البينة أنه عبده قال: يستحلفه ما بعته ولا رهنته، ثم يدفعه إليه ولا أحب أن يأخذ منه كفيلاً.
وإن أخذ منه القاضي كفيلاً لم يكن ليأخذه ولكن لا يأخذه أحب إلي، قال الحاكم: هذه رواية أبي حفص ورأيت في بعض روايات سليمان قال: أحب إلي أن يأخذ منه كفيلاً.
وإن لم يأخذ منه كفيلاً وسعه ذلك وإن لم يكن للمدعي بينة، وأقر العبد أنه عبده قال: يدفعه إليه ويأخذ منه كفيلاً، وإن لم يجئ للعبد طالب. قال: إذا طال بعد ذلك باعه الإمام وأمسك ثمنه حتى يجيء له طالب ويقيم البينة بأن العبد عبده فيدفع الثمن ولا ينقض بيع الإمام، وينفق عليه الإمام في مدة حبسه من بيت المال ثم يأخذ من صاحبه إن حضر ومن ثمنه إن باعه.
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله: م: (ومن رد آبقاً على مولاه من مسيرة ثلاثة أيام فصاعداً فله عليه جعله أربعون درهماً، وإن رده لأقل من ذلك) ش: أي من مسيرة السفر م: (فبحسابه) ش: أي فيحسب الجعل بحساب ما دون السفر، والجعل بالضم ما يجعل للعامل على عمله.
م: (وهذا استحسان) ش: أي وجوب الجعل استحسان المشايخ لاتفاق الصحابة على ذلك م: (والقياس أن لا يكون له) ش: أي للمسير م: (شيء إلا بالشرط وهو قول الشافعي رحمه الله) ش: وبه قال ابن المنذر وبعض أصحاب أحمد، وهو قول إبراهيم النخعي أيضاً.
ولكن ما أنفق عليه إنما يجب بالشرط، بأن قال: من رد عبدي علي فله كذا م: (لأنه) ش: أي لأن المراد م: (متبرع بمنافعه) ش: في رده م: (فأشبه العبد الضال) .
ش: حيث لا يجب شيء فيه، ولو تبرع عليه يعني من أعيان ماله فلا يرجع عليه، فكذا إذا تبرع بمنافعه، ولا يستوجب الآبق نهياً له عن المنكر، والنهي عن المنكر فرض، فإذاً لا يستوجب فاعل الفرض جعلاً.
م: (ولنا أن الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على وجوب أصل الجعل، إلا أن منهم من أوجب أربعين درهماً، ومنهم من أوجب ما دونها) ش: أي ما دون الأربعين، فمن الصحابة الذين أوجبوا الأربعين درهماً، عن عمر رضي الله عنه رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه "، حدثنا
أوجب أربعين درهما، ومنهم من أوجب ما دونها فأوجبنا الأربعين في مسيرة السفر وما دونها فيما دونه، توفيقا وتلفيقا بينهما؛ ولأن إيجاب الجعل أصله حامل على الرد،
ــ
[البناية]
محمد بن يزيد عن أيوب عن أبي العلاء عن قتادة وأبي هاشم أن عمر رضي الله عنه " قضى في جعل الآبق أربعين درهماً " ومنهم معاوية رضي الله عنه رواه ابن أبي شيبة أيضاً، حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أبي إسحاق قال: أعطيت الجعل في زمن معاوية رضي الله عنه أربعين درهماً، ومنهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا سفيان الثوري عن أبي رباح عن عبد الله بن رباح عن أبي عمرو الشيباني رضي الله عنه قال: أصبت غلماناً أباقاً بالغين، فذكرت ذلك لابن مسعود رضي الله عنه فقال: الأجر والغنيمة، قلت: هذا الأجر، فما الغنيمة؟ قال: أربعون درهماً من كل رأس.
ومن الصحابة الذين أوجبوا أقل من أربعين درهماً علي بن أبي طالب رضي الله عنه رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا محمد بن يزيد ويزيد بن هارون عن حجاج عن حصين عن الشعبي عن الحارث عن علي رضي الله عنه أنه جعل في جعل الآبق ديناراً، أو اثني عشر درهماً، وفيه حديث مرفوع مرسل: أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة في " مصنفيهما " عن عمرو بن دينار «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في العبد الآبق يؤخذ خارج الحرم بدينار أو عشرة دراهم» .
م: (فأوجبنا الأربعين في مسيرة السفر وما دونها) ش: أي أوجبنا ما دون الأربعين م: (فيما دونه) ش: أي فيما دون السفر م: (توفيقاً) ش: بين الآثار المذكورة م: (وتلفيقاً بينهما) ش: أي جمعاً بين الروايات المتعارضة، والتلفيق الضم يقال: لفقت الثوب ألفقه وهو أن يضم شفة إلى أخرى كذا في " الصحاح ".
فإن قلت: كان الواجب أن يؤخذ بأقل المقادير تيقنة. قلت: لم يؤخذ بالأقل لإمكان التوفيق بين أقاويلهم وأشار إليه المصنف بقوله: فأوجبنا الأربعين إلى آخره، وعن أحمد: إن رده من المصر فله عشرة دراهم أو دينار، وإن رده من خارج المصر سواء كان مدة السفر أو لا فله أربعون، وقال مالك: له أجر مثله في قدر تعبه وسفره، وتكلف طلبه ممن شأنه وعادته طلب الإباق، وإن لم يكن ممن نصب نفسه كذلك فله نفقته عليه؛ لأنه اختلف فيه الصحابة، فعلم أنه غير مقدر بشيء معين فيجب أجر المثل م:(ولأن إيجاب الجعل أصله حامل على الرد) ش: هذا دليل عقلي لوجوب الجعل، بيانه أن الأصل في إيجاب الجعل هو أنه يحمل على رد الآبق.
إذ الحسبة نادرة فتحصل صيانة أموال الناس، والتقدير بالسمع ولا سمع في الضال فامتنع، ولأن الحاجة إلى صيانة الضال دونها إلى صيانة الآبق؛ لأنه لا يتوارى، والآبق يختفي، ويقدر الرضخ في الرد عما دون السفر باصطلاحهما، أو يفوض إلى رأي القاضي، وقيل: يقسم الأربعون.
ــ
[البناية]
م: (إذ الحسبة) ش: أي العمل فيه لأجل اعتقاد الأجر م: (نادرة) ش: فإذا كان كذلك م: (فتحصل) ش: بوجوب الجعل م: (صيانة أموال الناس) ش: من الضياع فيرغب كل واحد عن تحصيل الآبق ليرده إلى صاحبه، فيأخذ الجعل. والرد يحتاج إلى عناء فقلما يرغب الناس في التزام ذلك حسبة، ففي إيجاب الجعل يحصل صيانة الأموال م:(والتقدير بالسمع) ش: جواب عن قياس الشافعي الآبق على الضال في عدم وجوب الجعل أي تقدير الجعل في الآبق بدليل سمعي أو هو إجماع الصحابة الذي ورد في حكم الآبق من وجوب الجعل على حسب الاختلاف في كمية المقدار فيه، ولا اختلاف في أصل الوجوب؛ لأنه وقع مجمعاً عليه من غير نكير منهم. م:(ولا سمع في الضال) ش: أي لم يرد شيء في وجوب شيء في رد الضال م: (فامتنع) ش: قياس الآبق على الضال، وكان القياس في رد الآبق عدم الوجوب أيضاً، إلا أنا تركنا القياس فيه لوجود السمع.
ولا سمع في الضال، فبقي على أصل القياس م:(ولأن الحاجة) ش: إشارة إلى بقاء إلحاق الآبق بالضال، بيانه أن الحاجة م:(إلى صيانة الضال دونها) ش: أي دون الحاجة م: (إلى صيانة الآبق لأنه) ش: أي لأن الضال م: (لا يتوارى) ش: أي لا يختفي م: (والآبق يختفي) ش: لأنه هارب، والهارب يخفي نفسه.
م: (ويقدر الرضخ) ش: تفصيل لقوله: وإن رده لأقل من ذلك فبحسابه بأن عملوا بالقسمة كان لكل يوم ثلاثة عشر درهماً، وثلاثة دراهم، ورد هذا قول من قال: إن قوله رضخ إلى آخره تكرار لما ذكره قبله، وإن رده لأقل من ذلك فبحسابه، بيانه أن هذه الأوجه الثلاثة أعني قوله: الرضخ إلى قوله: وإن كانت تفصيل لما ذكره أولاً. فإن التقدير الشرعي إذا ثبت على خلاف القياس يمنع أن يكون لما دون القدر حكم القدر فقال: لأجل ذلك ويقدر الرضخ بالمعجمتين من قولهم، أرضخ فلان بفلان ماله إذا أعطاه قليلاً من كثير، والاسم الرضيخة يقال: أعطاه رضيخة من ماله ورضاخة كذا ذكره ابن دريد.
م: (في الرد عما دون السفر باصطلاحهما) ش: أي باصطلاح الراد والمالك يجب ما يقع عليه اتفاقهما، وهذا أحد الوجوه الثلاثة التي أشرنا إليها م:(أو يفوض إلى رأي القاضي) ش: هذا هو الوجه الثاني أو يفوض أمر الرضخ إلى رأي القاضي على حسب ما يرى.
قالوا: هذا هو الأشبه بالاعتبار م: (وقيل: يقسم الأربعون) ش: هذا هو الوجه الثالث أي