الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الغنائم وقسمتها
وإذا فتح الإمام بلدة عنوة أي قهرا، فهو بالخيار، إن شاء قسمها بين الغانمين كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، وإن شاء أقر أهله عليه ووضع عليهم الجزية وعلى أراضيهم الخراج، كذلك فعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق بموافقة من الصحابة رضي الله عنهم
ــ
[البناية]
[باب الغنائم وقسمتها]
م: (باب الغنائم وقسمتها) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الغنائم: وهي جمع غنيمة، والغنيمة اسم لمال مأخوذ من الكفرة بالقهر والغلبة والحرب قائمة. والفيء: اسم المال يؤخذ منهم بغير قتال كالخراج والجزية ويخمس الغنيمة وأربعة أخماسه للغانمين، والفيء لا يخمس، بل هو لكافة المسلمين، والعقل: ما يخص الإمام الغازي زيادة على سهمه.
[إذا فتح الإمام بلدة عنوة كيف يقسمها]
م: (وإذا فتح الإمام بلدة عنوة أي قهراً، فهو بالخيار، إن شاء قسمها بين الغانمين) ش: أي فهذا ليس بتفسير للعنوة لغة، لأن عنا يعنو بمعنى ذل وخضع، وهو لازم، وقهر متعد، بل يكون هو تفسيره من طريق شعور الذهن، لأن من الذلة يلزم القهر، أو أن الفتح بالمذلة ملتزم للقهر. قوله قسمة أي قسم البلدة بتأويل البلد، وإلا كان ينبغي أن يقال قسمها م:(كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر) ش: أخرجه أبو داود في مسنده عن يحيى بن زكريا عن يحيى بن سعيد عن بشير بن بشار عن سهل بن خيثمة قال: «قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفاً لنوائبه ونصفاً بين المسلمين، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهماً» .
م: (وإن شاء أقر أهله عليه ووضع عليهم الجزية وعلى أراضيهم الخراج، كذلك فعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق) ش: أخرج ابن سعد في " الطبقات " بإسناده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه بعث عثمان بن حنيف على خراج السواد
…
الحديث، وفيه أنه أفرض الخراج على كل حربي، إلى أن قال: وأفرض على رقابهم على الموسر ثمانية وأربعين درهماً، وعلى من دون ذلك أربعة وعشرين درهماً، وعلى من لم يجد شيئاً اثني عشر درهماً
الحديث.
ورواه ابن زنجويه في كتاب " الأموال " كذلك، وسمي سواد العرق لخضرة أشجاره وزروعه. حده طولاً من مدينة الموصل إلى عبادان، وعرضاً من العذيب إلى حلوان، وهو الذي على عهد عمر رضي الله عنه وهو أطول من العراق وثلاثين فرسخاً.
م: (بموافقة من الصحابة رضي الله عنهم) ش: ما خالفه في ذلك إلا بلال وأصحابه.
ولم يحمد من خالفه، وفي كل من ذلك قدوة فيتخير.
ــ
[البناية]
وفي " المبسوط " من صحابة سلمان، وأبا بردة فقالوا: اقسم بيننا، فإن الغنيمة حقنا، وكان عمر رضي الله عنه يقول: ما فعلت هو الحق، ولم يدركوا الحكمة فيما فعل عمر رضي الله عنه وتمسكوا بالظاهر فيما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، ولم يكن فعله ذلك بأهل خيبر بطريق الحتم، إذ لو كان بطريق الحتم لما خالفه عمر رضي الله عنه وقد روى البخاري في صحيحه بإسناده إلى زيد بن أسلم عن أبيه، قال: قال عمر رضي الله عنه: لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا قسمتها بين أهلها، كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر، ولما لم يرجع بلال وأصحابه عما قالوا ولم يتركوا المنازعة مع عمر رضي الله عنه دعا عمر عليهم.
وقال القاضي أبو زيد: روي أن عمر قال: اللهم اكفني بلالاً وأصحابه، فحال الحول وما فيهم عين تطرف ماتوا كلهم. وقال تاج الشريعة: فدعا عليهم عمر رضي الله عنه على المنبر وقال: اللهم اكفني بلالاً وأصحابه، فماتوا جميعاً قبل تمام السنة، وأشار المصنف إلى ذلك بقوله م:(ولم يحمد من خالفه) ش: أي من خالف عمر رضي الله عنه م: (وفي كل من ذلك قدوة) ش: أي من القسمة بين الغانمين وإقرار أهلها قدوة، أي اتباع لما فعله عمر ومن وافقه من الصحابة، فإذا كان كذلك م:(فيتخير) ش: الإمام بين القسمة وإقرار أهلها عليها. ولقائل أن يقول: لا نسلم أن أحداً من الصحابة بل أكثرهم يصير قدوة على خلاف ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا لم يصل إلى حد الإجماع. والجواب عنه من وجهين، أحدهما أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يصل إلى حد الإجماع يعلم أنه عليه السلام على أي جهة فعله يحمل على أدنى منازل فعاله وهي الإباحة، وحينئذ لا يستوجب لا محالة، فإذا ظهر دليل صحابي جاز أن يعمل بخلافه.
قلت: فيه تأمل. والآخر أن يقال فيه: إن عمر رضي الله عنه قد علم من النبي صلى الله عليه وسلم أن ما فعله بأهل خيبر لم يكن على وجه الحتم، كما ذكرناه الآن.
الوجه الثاني: أنه على تقدير أنه عليه السلام فعل ذلك وجوباً، فإن عمر رضي الله عنه فعل ما فعل مستنبطاً من قَوْله تَعَالَى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] بعد قَوْله تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الحشر: 7](الحشر: الآية 7) .
فيكون ثابتاً بإشارة النص وهي تفيد القطع، فيكون الواجب أحدهما يتعين بفعل الإمام كالواجب المخير في خصال الكفارة فعل النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما وفعل عمر رضي الله عنه الآخر، هذا الذي ذكره الأكمل.
وقال صاحب " النهاية ": روي [أن] عمر رضي الله عنه استشار الصحابة مراراً ثم
وقيل: الأولى هو الأول عند حاجة الغانمين، والثاني عند عدم الحاجة؛ ليكون عدة في الزمان الثاني، وهذا في العقار، وأما في المنقول المجرد لا يجوز المن بالرد عليهم؛ لأنه لم يرد به الشرع فيه،
وفي العقار خلاف الشافعي رحمه الله لأن في المن إبطال حق الغانمين أو ملكهم، فلا يجوز من غير بدل يعادله، والخراج غير معادل لقلته.
ــ
[البناية]
جمعهم فقال: أما إني تلوت آية من كتاب الله استغنيت بها عنكم، ثم تلا قَوْله تَعَالَى:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: 7] إلى قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8] إلى قوله: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ} [الحشر: 9] وهكذا قرأ عمر رضي الله عنه إلى قوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] ثم قال: أرى لمن بعدكم في هذا الفيء نصيباً ولو قسمتها بينكم لم يكن لمن بعدكم نصيب.
قسمها عليهم وجعل الجزية على رؤوسهم والخراج على أراضيهم ليكون لهم ولمن يأتي من بعدهم من المسلمين، ولم يخالفه على ذلك إلا نفر منهم بلال، ولم يحمدوا على خلافه.
م: (وقيل) ش: في التوفيق بينهما م: (الأولى) ش: أي القسمة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم م: (وهو الأول عند حاجة الغانمين) ش: أي عند احتياجهم إليها، وفي بعض النسخ: وقيل: الأول هو الأولى.
م: (والثاني) ش: أي إقرار أهل البلد عليه بالمن، ووضع الجزية والخراج، كما فعل عمر رضي الله عنه م:(عند عدم الحاجة) ش: أي حاجة الغانمين إليها م: (ليكون عدة في الزمان الثاني) ش: أي في الذي يأتي بعدهم م: (وهذا) ش: أي إقرار أهل البلد على بلدهم بالمن م: (في العقار، أما في المنقول المجرد لا يجوز المن بالرد عليهم لأنه لم يرد به الشرع فيه) ش: بأن يدفع إليهم مجاناً ويقسم به عليهم، وإنما قيد المنقول بالمجرد لأنه يجوز المن عليهم في المنقول بطريق التبعية بالعقار على ما يأتي عن قريب.
م: (وفي العقار خلاف الشافعي رحمه الله) ش: فإن عنده لا يجوز إقرار أهل البلد على بلدتهم بالمن في العقار، بل يقسم الأرض أيضاً ولا يتركها في أيديهم، وبه قال أحمد، وعن مالك يقسمها، وعنه كقولنا: م: (لأن في المن إبطال حق الغانمين) ش: أي عندنا لأنه لا يثبت الملك قبل الإحراز بدار الإسلام م: (أو ملكهم) ش: أي أو إبطال ملكهم عند الشافعي، لأن الغنيمة تملك عنده قبل الإحراز بالدار م:(فلا يجوز) ش: أي المن م: (من غير بدل يعادله) ش: أي يعادل حق الغانمين فإن قيل الخراج معادله.
أجاب بقوله: م: (والخراج غير معادل) ش: أي يعادل حق الغانمين، فإن قيل: الخراج يعادله، أجاب بقوله: والخراج غير معادل م: (لقلته) ش: فإن قيل: فالحق إذ الملك ثبت في رقابهم أيضاً وجاز أن يقسمها.
بخلاف الرقاب، لأن للإمام أن يبطل حقهم رأسا بالقتل والحجة عليه ما رويناه، ولأن فيه نظرا لهم لأنهم كالأكرة العاملة للمسلمين العالمة بوجوه الزراعة والمؤن مرتفعة، مع ما أنه يحظى به الذين يأتون من بعد، والخراج وإن قل حالا فقد جل مآلا لدوامه. وإن من عليهم بالرقاب والأراضي يدفع إليهم من المنقولات بقدر ما يتهيأ لهم العمل ليخرج عن حد الكراهة.
ــ
[البناية]
فأجاب بقوله: م: (بخلاف الرقاب) ش: يعني أن حقهم لم يتعلق بها م: (لأن للإمام أن يبطل حقهم رأساً) ش: يعني بالكلية م: (بالقتل) ش: فكذا له أن يبطل بالخلف وهو الجزية، وهذا لأنها خلقت في الأصل حراً، والملك يثبت معارضاً، فالإمام إذا استرقهم فقد بدل حكم الأصل، فإذا جعلهم أحراراً فقد بقي حكم الأصل فكان جائزاً.
م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي م: (ما رويناه) ش: أي من فعل عمر رضي الله عنه بموافقة الصحابة م: (ولأن فيه) ش: أي في إقرار أهله عليه م: (نظراً لهم) ش: أي للمسلمين م: (لأنهم) ش: أي لأن الكفار يكونون م: (كالأكرة) ش: بفتح الهمزة والكاف والراء، أي كالمزارعين م:(العاملة للمسلمين العالمة بوجوه الزراعة) ش: حاصل الكلام أن تصرف الإمام وقع على وجه النظر في إقرار أهلها عليها، لأنه لو قسمها بين الغانمين اشتغلوا بالزراعة وقعدوا عن الجهاد.
وكان يكره العدو، وربما لا يهتدون لذلك العمل أيضاً، فإذا تركها في أيديهم وهم عارفون بالعمل صاروا كالأكرة المزارعين للمسلمين القائمة بوجوه الزراعة م:(والمؤن) ش: أي مؤن الزراعة م: (مرتفعة) ش: عن الإمام وعن المسلمين م: (مع أنه يحظى) ش: بالظاء المعجمة م: (به الذين يأتون من بعد) ش: قال شيخنا: هذا إشارة إلى قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] .
م: (والخراج وإن قل) ش: هذا جواب عن قول الشافعي، والخراج غير معادل لعلته، تقدير الجواب أن الخراج وإن قل م:(حالاً) ش: لكونه بعض ما يمكن أن يخرج في سنته م: (فقد جل) ش: بالجيم م: (مآلاً) ش: أي في المستقبل م: (لدوامه) ش: في وجوبه كل سنة.
م: (وإن من) ش: أي الإمام م: (عليهم) ش: أي على الكفار م: (بالرقاب والأراضي يدفع إليهم من المنقولات بقدر ما يتهيأ لهم العمل) ش: لأنهم لا يتمكنون من الانتفاع بالأراضي إلا بأسباب الزراعة، فلا بد من أن يدع لهم ما به يتقوون على ذلك م:(ليخرج عن حد الكراهة) ش: معناه ما قال الإمام التمرتاشي فإن من عليهم برقابهم وأراضيهم وقسم النساء والذراري وسائر الأموال جاز.
ولكن يكره لأنهم لا ينتفعون بالأراضي بدون الأموال ولا يقالهم بدون ما يمكن به مرجئة العمر إلا أن يدع لهم ما يمكنهم به العمل في الأرض، لأن عمر رضي الله عنه لم يفعل ذلك
قال: وهو في الأسارى بالخيار، إن شاء قتلهم لأنه عليه السلام قد قتل، ولأن فيه حسم مادة الفساد، وإن شاء استرقهم، لأن فيه دفع شرهم مع وفور المنفعة لأهل الإسلام، وإن شاء تركهم أحرارا ذمة للمسلمين لما بينا. إلا في مشركي العرب والمرتدين على ما نبين إن شاء الله تعالى،
ــ
[البناية]
وهو الإمام في هذا الكتاب وفيه تعذيب الحيوان بلا فائدة.
م: (قال) ش: أي الإمام، وفي بعض النسخ: قال القدوري: م: (وهو في الأسارى بالخيار إن شاء قتلهم لأنه عليه السلام) ش: أي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قتلهم، أخرج البخاري ومسلم عن الزهري عن أنس رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه مغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: يا رسول الله من جعل متعلقاً بأستار الكعبة، فقال: اقتلوه» زاد البخاري: وقال مالك: «ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نرى والله أعلم يومئذ محرماً» . وأخرج أبو داود في المراسيل عن سعيد بن جبير «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم م: (قد قتل) ش: يوم بدر ثلاثة من قريش صبراً» : مطعم بن عدي، والنفس بن عدي وهو غلط، وإنما هو طعمة بن عدي وهو أخو مطعم، وأهل المغازي ينكرون قتل مطعم بن عدي يومئذ ويقولون مات بمكة قبل بدر، والذي قتل يوم بدر هو أخوه طعمة ولم يقتل صبراً وإنما قتل في المعركة، والله أعلم.
م: (ولأن فيه) ش: أي في قتل الأسارى م: (حسم مادة الفساد) ش: أي قطع مادته م: (وإن شاء) ش: أي الإمام م: (استرقهم لأن فيه) ش: أي في استرقاقهم م: (دفع شرهم مع وفور المنفعة لأهل الإسلام، وإن شاء تركهم أحراراً ذمة للمسلمين لما بينا) ش: أي فعل عمر رضي الله عنه.
فإن قيل: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] ينافي ترك قتلهم، فلا يجوز.
أجيب: بأنه ترك العمل به في حق أهل الذمة والمستأمن، هكذا في المتنازع فيه بفعل عمر رضي الله عنه.
وقال الأترازي: وأما جعلهم أهل ذمة على الجزية، توضع الجزية والخراج، فلما روي عن عمر رضي الله عنه أنه فعل كذلك بأرض السواد. وهو معنى قوله لما بينا، لكن هذا الحكم في غير المشركين من العرب وغير المرتدين لأنه لا يجوز استرقاقهم، ولا وضع الجزية ولا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وأشار إليه المصنف بقوله: م: (إلا في مشركي العرب والمرتدين على ما نبين) ش: أي في باب الجزية م: (إن شاء الله تعالى) .