الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس
في العي
وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول من هذا الباب
فيما ورد عن ذوي النباهة في ذم العي والفهاهة
قال الله تعالى أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين وقال الله تعالى حكاية عن فخر فرعون على موسى بالبيان في قوله أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ذكر أهل التفسير أن موسى عليه السلام لما سمع هذا القول من فرعون قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمرلي واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي فاستجاب الله دعاءه وسمع نداءه فقال قد أوتيت شؤلك يا موسى وحل الله تلك العقدة وأطلق تلك الحبسة حد العي قالوا هو معنى قصير يحويه لفظ طويل وقال أكثم بن صيفي هو أن تتكلم فوق ما تقتضيه حاجتك وقالوا العي الناطق أعيى من العي الساكت لأن المفحم يأتي ما لا يرضاه ويطلب فوق ما في قواه وقالوا العي بلاغة بعي كما ذكر أن ربيعه خطب فأطال وأعجبته نفسه وإلى جانبه أعرابي فالتفت إليه وقال يا أعرابي ما تعدون البلاغة فيكم قال قلة الكلام مع الاصابة قال فما تعدون العي قال ما كن فيه منذ اليوم قال الشاعر
وإذا خطبت على الرجال فلا تكن
…
هدر الكلام تقوله مختلا
واعلم بأنّ من السكوت سلامة
…
ومن التكلم ما يكون خبالا
وقال كسرى عي الصمت خير من عي الكلام وقال الجاحظ يذم رجلاً هو والجبن لم أر جباناً أجرأ منه ولا جريأ أجبن منه نظم بعض الشعراء معناه فقال
حصر مسهب جرئ جنان
…
خير عي الرجال عي السكوت
فمما يشين حسان الصور
…
العي في البيان والخبر
قالوا فضل الانسان على الحيوان بالبيان فإذا نطق ولم يفصح عاد بهيماً ويقال ما لعي مروأة ولا لمنقوص البيان بهاء ولوحك يا قوخه في عنان السماء وقالوا العي داء دواؤه الخرس وتكلم رجل عند معاوية وكان ذا عي فقال عمرو بن العاص سكوت إلا لكن نعمة وقال معاوية وكلام الأحمق نقمة وقالوا البيان بصر والعي عمي والبيان من نتاج العلم والعي من نتاج الجهل يحكى أن رجلاً قام إلى محمد بن عبد الملك الزيات فقال له إني مظلومك فقال هذا كلام يحتاج المشهود وبينة وأشيماء غير ذلك فقال الرجل أصلحك الله الشهود هم البينة والبينة هم الشهود وأشياء غير ذلك حصر وعي وزيادة هي نقص في القيام بحجتك فضحك منه وكشف ظلامته وقيل لبزرجمهر أي شيء أستر للعي قال عقل قالوا فإن لم يكن له عقل قال فمال قالوا فإن لم يكن له مال قال فاخوان يعبرون عنه قالوا فإن لم يكن له اخوان قال يكون شيأً صامتاً كالحجر ولا يلحقه ضرر وقال الشاعر
وما حسن الرجال لهم بزين
…
إذا لم يسعد الحسن البيان
كفى بالمرء عيباً أن تراه
…
له وجه وليس له لسان
آخر
والصمت أزين للفتى
…
ما لم يكن عي يشينه
والقول ذو خطل إذا
…
ما لم يكن لب يعينه
وقال الجاحظ لا يعاب الأخرس ولا يلام من استولى على بيانه العجز ويذم الحصر ويؤنب العي وصف أعرابي قوماً بالعي فقال منهم من ينقطع كلامه قبل أن يصل إلى لسانه ومنهم من لا يبلغ كلامه أذن جليسه ومنهم من يلج كلامه الاذان فيحملها عبأ ثقيلاً إلى الأذهان قال شاعر ينزه لسانه عن العي
وما بي من عي ولا أنطق الخنى
…
إذا جمع الأقوام في الخطب محفل
آخر
وقلنا بلا عي وسنا بطاقة
…
إذا النار يوم الحرب طال اشتعالها
ومن علامات العي الواضحة
…
وسمات اللكن الفاضحة
الاستعانة وهو أن يرى المخاطب إذا كل لسانه يقول عند مقاطع كلامه للمخاطب استمع إلي واسمع مني وألست تفهم وافهم عني ومنهم من يقول في خلل كلامه أما قولي كذا فأعني به كذا ولا يريد التفسير ولكن يعمد كلامه بصيغة أخرى تكون غير مراده الأول فبيانه أبداً يقصر عن إيضاح أشكاله وإن أتى بأنواع الكلام وأشكاله وذم بعض البلغاء عيياً فقال قلبه ميت الفطنة ولسانه بادي اللكنة ولفظه ظاهر الهجنة شديد التعاون بين التهافت إذ عصته ولدغته المساجلة والمساورة تثاءب للعطاس وتثاقل للنعاس وتشاغل بمسح اللحية ومس الجبهة وقرع السن وفتل الأصابع فعجزه طاهر وعيه حاضر شاعر في مثل ذلك
مليّ ببهر والتفات وسعله
…
ومسحة عثنون وفتل الأصابع
ومن علامته التنحنح من غير داء والتثاؤب من غير ريبة والاكباب في الأرض من غير علة
وقال ابن المعتز
ومن الكبائر مقول متتعتع
…
جم التنحنح متعب متهوّر
ومن عيوب اللسانالمزيلة للاحسانالمزريه بقدر الانسان
التمتمة والفأفأة والعقلة والحبسة واللفف والرثة والغمغمة والطمطمة واللكنة والغنة واللثغة قال الأصمعي التمتمة إذا تعتع في التاء فهو تمتام وإذا تردد في الفاء فهو فأفاء قال الراجز
ليس بفأفاء ولا تمتام
…
ولا كثير الهجر في الكلام
والعقلة التواء اللسان عند الكلام والحبسة تعذر النطق ولم يبلغ حد الفأفاء ولا التمتام ويقال إنها تعرض أول الكلام فإذا مر فيه انقطعت واللفف ادخال بعض الكلام في بعض قال الراجز
كأنّ في فيه لفيفاً إن نطق
…
من طول تحبيس وهم وأرق
والرثة إيصال بعض الكلام ببعض دون إفادة والغمغمة أن يسمع الصوت ولا يبين لك تقطيع الحروف ولا يفهم معناه والطمطمة أن يكون الكلام شبيهاً بكلام العجم وهي جميرية وقالوا هي إبدال الطاء بالتاء لأنهما من مخرج واحد فيقولون السلتان والشيتان بمعنى السلطان والشيطان وكانت في لسان زياد بن سلمى الأعجم وكان خطيباً شاعراً كاتباً واللكنة هي إدخال بعض حروف العرب في بعض حروف العجم وتشترك فيها اللغة التركية والنبطية وهي إبدال الهاء من الحاء وانقلاب العين همزة وكانت في لسان عبيد الله بن زياد وصهيب الرومي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أن مولى لزياد قال أيها الأمير احدوا لنا همار وهش يريد اهدوا لنا حمار وحش فلم يفهم زياد قوله فقال ما تقول ويلك فقال أحدوا لنا ايراً فقال زياد رجعنا إلى الأول فهو خير وحكى الجاحظ إن وازد انقار الفارسي كان له كاتب جلف في لسانه لكنة فأملى عليه يوماً في كتاب انا اعتبرنا الحاصل بالهاء فوجدناه ألف كر فكتبها الكاتب
كما لفظ بها فلما أعاد علمه ما أملاه فطن لاجتماعهما على الجهل فقال أنت لا تهسن أن تكتب وأنا لا أهسن أن أملي فأكتب الجاصل ولا تعجم الجيم والغنة أن يشرب الصوت الخيشوم والخنة ضرب منها والترخيم حذف بعض الكلمة لتعذر النطق به واللثغة قال الجاحظ في كتابه البيان الحروف التي يدخلها اللثغة أربعة وهي القاف والسين والراء واللام فأنني تعرض للقاف فإن صاحبها يجعل القاف طاء فإذا أراد أن يقول قلت وقال قال طلت وطال بمعنى قلت وقال ومنهم من يبدلها كافاً فيقول كلت وكال بمعنى قلت وقال وكانت في لسان أبي مسلم وعبيد الله بن زياد وقال بعض الشعراء في أم ولد له يصفها بذلك
أكثر ما أسمع منها في السحر
…
تذكيرها الأنثى وتأنيث الذكر
والسوأة السوء في ذكر القمر
لأنها كانت إذا أرادت أن تقول القمر قالت الكمر والكمر جمع كمرة وهي حشفة الذكر وأما التي تعرض للسين فإنهم يبدلونها ثاء فيقولون بثم الله إذا أرادوا بسم الله ويثره الله بمعنى يسره الله وهي مستحسنة من الجواري والغلمان وأحسن ما سمع فيها قول بعضهم
وأهيف كالهلال شكوت وجدي
…
إليه بحسنه وأطلت بثي
وقلت له فدتك النفس صلني
…
تخر حسن الثواب فقال بثي
ومن قبيح الأبدال إبدال الثاء المثلثة بالتاء المثناة وكانت في لسان شعبة وذلك فاش في لغة أهل صعيد مصر وما قبحهم إذا قالوا تلاتة آلاف وتلتمائة وتلاتة وتلاتين وتلت وفي الناس من يبدل الجيم ضاداً وهم من أهل صعيد مصر أيضاً فإذا اجتمع لأحدهم جيم وضاد في كلمة مثل ضج وضجر قالوا جض وجضر بجعل الجيم ضاداً والضاد جيماً وفي الناس من يبدل الخاء المعجمة حاء مهملة فيقول في خوخ حوح وفي خلخال حلحال وهي مستحسنة من الغلمان والجواري