الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني من البال الثاني عشر
في ذكر من جبن عند اللقاء
خوف الموت ورجاء البقاء
قال الله تعالى إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم هذه الآية نزلت فيمن فر من المسلمين يوم أحد قال ابن إسحق خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد ومعه ألف فانخزل منهم عند الله بن أبي ابن سلول وكان رأس المنافقين ومعه ثلث الناس ورجع إلى المدينة وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه سبعمائة رجل وخرجت قريش في ثلاثة آلاف ومعهم مائتا فارس فلما التقى الجمعان وتراءى الفريقان وحميت الحرب واشتبه الطعن بالضرب أبلى المسلمون في الكافرين بلاء عظيماً ونودي يومئذ لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي وقتل حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم قتله وحشي غلام جبير ابن مطعم وهو يظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل مصعب بن عمير وكان حامل راية رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله قيلة بن قمئة فرجع وهو ينادي قتلت محمداً وصرخ صارخ إلا أن محمداً قتل والصارخ هو ابليس لعنه الله أزب العقبة فانجفل المسلمون وكثر الفشل فيهم وتفرق جمعهم عند الارجاف بقتل من كان يحميهم وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصاب العدو منهم نكاية حتى خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقذفه المشركون بالحجارة فأصيبت رباعيته وشج جبينه وكلمت شفته ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح بفيه فسقطت ثناياه فسال الدم على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسحه بيده وقال كيف يفلح قوم خضبوا بالدم وجه نبيهم وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص وانهزم المسلمون حتى انتهوا إلى المنقى دون الأعوض وهم ظانون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل فمر كعب بن مالك برسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه وعيناه تزهران من تحت المغفر فعرفه فرفع عقيرته يقول أيها الناس أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعوا فلما عرفوه تداعوا إليه وجعل بعضهم يبشر بعضاً ثم نهض المسلمون وقد انشعب صدعهم ونعت بالسلامة بعد الكسر جمعهم ونهض معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشعب فأدركهم أبي بن خلف فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة وطعنه بها في عنقه فرجع إلى قومه وهو يقول قتلني
محمد فات بسرف وهم قافلون به إلى مكة وذب عن النبي صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله ووقاه ببده فشلت اصبعه وجرح أربعاً وعشرين جراحة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب الحق طلحة وكان يوم أحد يوم السبت النصف من شوال سنة ثلاث من الهجرة وفيها ولد الحسن بن علي واستشهد فيه من المسلمين خمسة وستون رجلاً أربعة من المهاجرين وما بقي فمن الأنصار وقتل من المشركين اثنان وعشرون رجلاً وذو الفقار كان لسليمان بن داود عليهما السلام أهدته له بلقيس مع ستة أسياف ثم كان لمنية بن الحجاج فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قتل يوم بدر وفر كسرى من ملاقاة بهرام جور فاتبعه الجيش وكان قد أعد معه فصوصاً من زجاج مختلفة الألوان والأصباغ ودنانير من صفر مغشاة بالذهب فلما خاف أن يدرك نثر تلك الدنانير والفصوص على الأرض فاشتغل الناس بجمعها فنجا بنفسه ومن الجبناء حسان بن ثابت الأنصاري ذكر ابن قتيبة في كتاب المعارف أنه لم يشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدا قط قالت صفية بنت المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معنا حسان في حصن فارع يوم الخندق مع النساء والصبيان فمر بنا في الحصن رجل يهودي فجعل يطيف بالحصن فقلت يا حسان أنا والله لا آمن أن يدل علينا هذا اليهودي أصحابه ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد شغل عنا فانزل إليه واقتله قال يغفر الله لك ما أنا بصاحب شجاعة قالت فلما قال لي ذلك ولم أر عنده شيأً اعتجرت ثم أخذت عموداً ونزلت إليه فضربته بالعمود حتى قتلته ثم رجعت إلى الحصن وقلت يا حسان انزل إليه واسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل فقال مالي بسلبه من حاجة وكان حسان اقتدى في فعله بهذا الشاعر في قوله
باتت تشجعني هند وما علمت
…
أنّ الشجاعة مقرون بها العطب
لا والذي منع الأبصار رؤيته
…
ما يشتهي الموت عندي من له أرب
للحرب قوم أضلّ الله سعيهم
…
إذا دعتهم إلى نيرانها وثبوا
ولست منهم ولا أبغي فعالهم
…
لا القتل يعجبني منهم ولا السلب
وعاش حسان مائة وعشرين سنة ستين في الجاهلية وستين في الاسلام ولأحمد بن أبي فنن في هذا المعنى مما نحاه من الاستطراد بالممدوح
مالي ومالك قد كلفتني شططا
…
حمل السلاح وقول الدارعين قف
أمن رجال المنايا خلتني رجلاً
…
أمسى وأصبح مشتاقاً إلى التلف
أرى المنايا على غيري فأفرقها
…
فكيف أمشي إليها بارز الكف
أخلت أنّ سواد الليل غبرني
…
وإنّ قلبي في جنبي أبي دلف
أخذ قوله فكيف أمشي إليها بارز الكتف من قول بعض الأعراب وقد قيل له اخرج إلى الغزو فقال والله أنا أكره الموت على فراشي فكيف أمشي إليه ركضاً ولما دخل هذا الشاعر على المعتز قال له أنت الشاعر الآدم فقال يا أمير المؤمنين لا يضره سواده مع بيض أياديكم عنده والفرار السلمي واسمه حنان ابن الحكم بن مالك فر من بني عوف فعرف في الجاهلية بالفرار وهو القائل في فراره
وكتيبة لبستها بكتيبة
…
حتى إذا لبست نفضت لها يدي
فتركتهم نفض الرماح ظهورهم
…
من بين منعفر وآخر مسندي
ما كان ينفعني مقال نسائهم
…
وقتلت بين رجالهم لا تبعد
وفر عامر بن الطفيل يوم الرقم وهو يوم كان لبني ذبيان وأحلافهم على بني عامر وفر عامر بن زرارة بن عدي الدارمي يوم اليسار وكان على بني تميم فر عمرو بن معد يكرب بن عباس بن مرداس وأسرت أخته ريحانة وفر عتبة بن أبي سفيان وفر عمرو بن العاص من علي يوم صفين فاتبعه علي فلما خاف عمرو أن يدركه كشف عن سوأته فرجع عنه وفر عبد الله بن مطيع بن الأسود يوم الحرة من جيش مسلم بن عقبة المري العامري وهو القائل في قتاله لأهل الشأم مع
عبد الله بن الزبير
أنا الذي فررت يوم الحرّه
…
والحرّ لا يفرّ إلا مرّه
فاليوم أجزى فرّة بكرّه
…
لا بأس بالكرّة بعد الفرّه
وفر أسلم بن زرعة يوم الأهواز من أبي بلال مرداس بن أدية الخارجي وكان أسلم في ألفي رجل وكان أبو بلال في أربعين فكان أول أمير انهزم في الاسلام وكان إذا ركب بالبصرة صاح به الصبيان في الطريق أبو بلال خلفك وفر عبد الله بن عمير الليثي من قتال النجدية في البحرين وكان وجهه حمزة بن عبد الله ابن الزبير فكان عمير رأس المحتسبة في الفتنة وفيه يقول الفرزدق
تمنيت عبد الله أصحاب نجدة
…
فلما لقيت القوم وليت سابقا
تمنيتهم حتى إذا ما لقيتهم
…
تركت لهم قبل الضراب السرادقا
فأعطيت ما تعطى الحليلة بعلها
…
وكنت حبارى إذ تلاقى البواشقا
فلم يزل مستحياً من الركوب حتى فر أمية بن عبد الله بن أسد بن خالد بن أسيد من الخوارج يوم مرد اهجر فوجد به اسوة وظهر وفر عبد العزيز بن عبد الله بن خالد من الأزارقة وان معه أمرأتان له إحداهما غريبة من بني ليث بن كنانة والاخرى أم حفص بنت المنذر بن الجارود فجعلت الكنانية تنادي أين فرسان الطعائن فطعنها رجل من الخوارج نقتلها وسبيت أم حفص واقيمت جارية فيمن يزيد فبلغت مائة ألف درهم فوثب عمرو بن حديد بن عبد القيس فقتلها أنفة لها وذلك أنها كانت من أجمل النساء فأتى بها قطري فقال له ما حملك على ما فعلت قال رأيت كافرة حفت على المسلمين فتنتها فحلى سبيله ثم إن قاتلها بعد ذلك أتى أخاها الحكم فقال له جزاك الله خيراً ما غسل عنا العار غيرك وأمر له بعشرة آلاف درهم وفي عبد العزيز يقول كعب الأشقري
عبد العزيز فضحت جيشك كلهم
…
وتركتهم صرعى بكل سبيل
من بين منجدل يجود بنفسه
…
وملحب بين الرجال قتيل
هلا صبرت مع الشهيد مقاتلاً
…
إذ رحت منها هارباً بأصيل
سائل بعرسك هل تقاد سبية
…
تشكو إليك بعبرة وعويل
وفر أخوه خالد بن عبد الله يوم الجفر بالبصرة وذلك إن المروانيين اغتنموا أغفلة مصعب بن الزبير عنهم بالكوفة وكانوا بالبصرة فثار بهم خالد يد عوالي عبد الملك بن مروان فلما بلغ مصعباً الخبر أقبل من الكوفة إلى البصرة فقر خالد منه إلى الشأم وفيه وفي اخوته يقول الفرزدق
وكل بني السوداء قد فرّ فرّة
…
فلم يبق إلا فرّة في است خالد
فضحتم أمير المؤمنين وأنتم
…
تمدّون سودانا غلاظ السواعد
ومن الجبناء الحجاج بن يوسف الثقفي دخل شبيب بن زيد الخارجي الكوفة سحراً ومعه غزالة زوجته وستون فارساً والحجاج بها في قصره مختفياً منه فحلفت غزالة على شبيب ليدخلن المسجد الجامع وليصلين في مقام الحجاج ففعل ثم خرج منها وفي ذلك يقول عمران بن حطان الخارجي يخاطب الحجاج
أسد عليّ وفي الحروب نعامة
…
فتخاء تجفل من صفير الصافر
هلا برزت إلى غزالة في الوغى
…
بل كان قلبك في جناحي طائر
صدعت غزالة قلبه بفوارس
…
تركت مناظره كأمس الدابر
وممن كان يحضر الحروب ولا يقاتل الحجاج وأبو مسلم ذكر الجاحظ عمن حدثه أن الحجاج كان إذا التقى الجمعان ذهب عنه التدبير فلا يدري ما يأتي وما يذر وكان أبو كعب مولاه هو الذي يدبر الجيش حتى تضع الحرب أوزارها وأما أبو مسلم فكان ينصب له عند ملاقاته لعدوه عرش فيجلس عليه ويسدد من
آرائه سهاما أهدافها الصدور والظهور ويجرد من أوامره أسيافاً أغمادها الجفون والنحور وزياد وابنه عبد الله وأحمد بن طولون ومن أظرف ما يحكى أن البحتري شرب مع أبي هفان عند بعض الرؤساء فلما خرجا ركب البحتري بغلته وأردف أبا هفان خلفه فلما كان ببعض الطريق قال أبو هفان أبا عبادة من الذي يقول
يلبس للحرب أثوابها
…
وقال أنا الشاعر البحتري
فلما رأى الخيل قد أقبلت
…
إذا هو في سرجه قد خرى
فدفعه البحتري من خلفه وقال يا ماص بظر أمه تتنادر وأنت فهد والشعر لأبي هفان ارتجالاً قاله على سبيل المداعبة ومن هنا أخذ المتنبي قوله
وإذا ما خلا الجبان بأرض
…
طلب الطعن وحده والنزالا
ومن نوادر أخبار الجبناء
…
في مواطن الحروب والبلاء
حكى أن عمرو بن معد يكرب مربحي من أحياء العرب وإذا هو بفرس مشدود ورمح مركوز وإذا صاحبهما في وهدة من الأرض يقضي حاجته فقال له عمرو خذ حذرك فإني قاتلك لا محالة فالتفت إليه وقال له من أنت قال أبو ثور عمرو بن معد يكرب قال أنا أبو الحرث ولكن ما أنصفتني أنت على ظهر فرسك وأنا في وهدة فأعطني عهدك أن لا تقتلني حتى أركب فرسي وآخذ حذري فأعطاه عهداً على ذلك فخرج من الوهدة التي كان فيها وجلس محتبياً بحمائل سيفه فقال له عمرو ما هذا الجلوس قال ما أنا براكب فرسي ولا مقاتلك فإن كنت نكثت العهد فأنت أعلم ما يلقى الناكث فتركه ومضى وقال هذا أجبن من رأيت وقال روح بن حاتم لأبي دلامة اخرج معي فقاتل وهذه عشرة آلاف درهم فقال
إني أعوذ بروح أن يقرّبني
…
إلى الحمام فيشتفي بنو أسد
إنّ البراز إلى الأقران نعرفه
…
مما يفرّق بين الروح والجسد
قد خالفتك المنايا إذ صمدت لها
…
وأصبحت لجميع الناس بالرصد
إذ المهلب حب الموت أورثكم
…
وما ورثت لحب الموت عن أحد
لو أنّ مهجة أخرى لجدت بها
…
لكنها خلقت فرداً فلم أجد
وخرج مروان بن محمد لمحاربة الضحاك الحروري فلما التقى الجمعان خرج من أصحاب الضحاك فارس فدعا إلى البراز فقال مروان من يخرج إليه وله عشرة آلاف درهم فقال أبو دلامة أنا وخرج طمعاً في الجائزة فرأى رجلاً عظيم الهامة وعليه فرو قد أصابته السماء فابتل ولحقته الشمس فيبس حتى صار كالقد لا يعمل فيه السيف فلما رآه الفارس جرى إليه وهو يرتجز
وخارج أخرجه حب الطمع
…
فرّ من الموت وفي الموت وقع
من كان يهوى أهله فلا رجع
فخافه أبو دلامة فلوى جواده هرباً واتخذ من خوفه في الأرض نفقاً كما اتخذ الحوت لنجاته في البحر سرباً فقال مروان من هذا الفاضح لا أنجاه الله فقال أبو دلامة فر ولا أنجاه الله خير من قتل ورحمه الله واسم أبي دلامة زند بالنون وقيل زبد بالباء الموحدة واسم أمه الجون وقال عمرو بن هبيرة لاعرابي جزع من الحرب قاتل وخذ الرزق قال قدم لي رزقي قال حتى تقاتل قال الأعرابي أرى منيتي معجلة ومنيتي مؤجلة وقيل لمدني ألا تغزو الأعداء قال أنا لا أعرفهم وهم لا يعرفوني فكيف صرنا أعداء وقيل وقع في بعض العسكر هيج فوثب خراساني إلى فرسه ليلجمها ويفر عليها فصير اللجام في الذنب وقال يخاطب الفرس هب جبهتك عرضت ناصيتك كيف طالت وفر أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد من أبي فديك فسار من البحرين إلى البصرة في ثلاثة أيام فذكر عنده في بعض الأيام الخيل فقال سرت من المهرجان إلى البصرة في ثلاثة أيام فقال له ماجن من جلسائه ولو ركبت النيروز سرت إليها في يوم واحد واجتاز كسرى في بعض
حروبه بشيخ وقد عرى فرسه ونزع سلاحه وهو مستظل بشجرة فقال يا مقتولاً بيدي أنا في كرب الحرب وأنت على هذه الحالة فقال الشيخ أيد الله الملك إنما بلغت هذا السن باستعمال هذا التوقي وقال المهلب لحبيب بن عوف وكان من جنده في قتال الخوارج كر على القوم وخذ مائتين صحاحاً فأومأ إلى رأسه وقال أخاف أن يذهب رأس المال وأنشد
يقول لي الأمير بغير نصح
…
تقدّم حين جدّ بنا المراس
فمالي إن أطعتك من حياة
…
ومالي غير هذا الرأس راس
ولبعض الشعراء
ولو أنّ لي رأسين أدخر واحداً
…
وألقى الأعادي بعد ذاك بواحد
لا قدمت في الهيجاء اقدام باسل
…
ولم أك هياباً لدفع الشدائد
ولكنّ لي رأساً إذا ما فقدته
…
وفارقني يوماً فليس بعائد
ومما ينسب لأبي دلامة
ألا لا تلمني فررت وإنني
…
أخاف على فخارتي أن تحطما
وايتم أولاداً وأرمل نسوة
…
فكيف على هذا ترون التقدّما
ولو كان لي نفسان كنت مقاتلاً
…
بإحداهما حتى تموت فأسلما
وحكى ابن حبيب في كتابه المحير أن حبيباً دخل على المهلب بن أبي صفرة فأنشده
فقدتك يا مهلب من أمير
…
أما تندى يمينك للفقير
فقال المهلب هو جنتي فوالله إني لأبذل لكم مالي وأقيكم الحروب بنفسي فقال حبيب إنا نكره اقحامك بنا المنايا فقال المهلب أوليس قد قال الأول
إذا المرء لم يغش الكريهة أوشكت
…
حبال المنايا بالفتى أن تقطعا
فقال حبيب خفض العيش والدعة والاعتياض عن الضيق بالسعة ثم أنشده ما قاله حين فر من أبي فديك يوم مردا هجر
بذلت لكم يا قوم حولي وقوّتي
…
ونصحي وما حازت يداي من التبر
فلما تناهى الأمر بي وعدوّكم
…
إلى مهجتي وليت أعداءكم ظهري
وطرت ولم أحفل ملامة عاجز
…
يقيم لأطراف الردينية السمر
ولو كان لي رأسان أهملت واحداً
…
لكل رديني وأبيض ذي أثر
فضحك منه ثم التفت إلى من حضر مجلسه وقال بمثل هذا فليقاتل الأعداء وقيل لانسان إذا رأيت سوداً بالليل فاقدم ولا تفرق منه فإنه يخافك كما تخافه قال أخاف أن يكون ذلك السواد سمع هذه المقالة قبلي وقيل لمطرف ابن عبد الله لم لا تخرج تقاتل مع علي رضي الله عنه قال لو كان لي نفسان قدمت إحداهما فإن أصابت الحق أتبعتها الاخرى ولكنها واحدة ودخل حميد بن الأرقط على الحجاج فأنشده قصيدة شاعر مختارة في صفة الحروب فقال الحجاج أراك تحسن صفة الحرب أقاتلت الأبطال وقابلت الأقيال قال لا أيها الأمير إلا في النوم قال وكيف كانت وقعتك قال انتبهت وأنا منهزم فضحك منه ووصله
صفات من بدل ثباته بالاحجام
…
وقيد بالفرق قدمه عند الاقدام
قال الله تعالى يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو وقال عليه الصلاة والسلام نصرت بالرعب مسيرة شهر وقالوا فلان من خوفه يحسب كل صيحة عليه وكل يد تشير بالأخذ إليه شاعر
ما زلت أحسب كل خيل بعدها
…
خيلاً تكرّ عليهم ورجالا
آخر
كأنّ بلاد الله وهي عريضة
…
على الخائف المطلوب كفة حابل
المتنبي
وضاقت الأرض حتى صار هاربهم
…
إذا رأى غير شيء ظنه رجلا
آخر
كأنّ بلاد الله في ضيق خاتم
…
عليهم فلا تزداد طولاً ولا عرضا
وقالوا فلان تقلصت من الخوف شفتاه واصفرت من الهلع وجنتاه ومن أمثالهم أجبن من المنزوف ضرطاً وذلك إن رجلاً كان يتعشق نساء وكان يدعي عندهن الشجاعة فنام عندهن يوماً فأردن امتحانه فصحن به جاءتك الخيل فانتبه مذعوراً وما زال يضرط حتى مات قال أبو عبيدة كان خالد بن عبد الله القسري من أجبن الناس وأخوفهم فخرج عليه المغيرة بن سعيد فأخبر بذلك وهو على المنبر بالكوفة فدهش من شدة الخوف واصطكت أسنانه وجفت لهاته فقال أطعموني ماء وأدركوني فقد هلكت عطشاً ونزل عن المنبر هارباً وفيه يقول يحيى بن نوفل
بلّ السراويل من خوف ومن وهل
…
واستطعم الماء لماجد في الهرب