الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا غاية ما بلغه علمي وأدركه فهمي وتصرف الناس في حسن الاختيار معدود من المواهب وللناس فيما يعشقون مذاهب وقد أحسن الشريف الرضي في قوله يخاطب أبا إسحق الصابي
أنت الكرى مؤنس طرفي وبعضهم
…
مثل القذى مانع طرفي من الوسن
لقد تمازج قلبانا كأنهما
…
تراضعاً بدم الأحشاء لا اللبن
ويقال كاتب صديقك كما تكاتب حبيبك فإن عذل الصداقة أرق من عذل العلاقة والنفس بالصديق آنس منها بالعشيق ويقال إذا كاتبت أخاك فليكن المداد من سواد الفؤاد والقرطاس من بياض الوداد فإن من كرمت خصاله وجب وصاله
الفصل الثالث من الباب الخامس عشر
في ذم الثقيل والبغيض
بما استحسن من النثر والقريض
قال الله تعالى وإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث قالت عائشة رضي الله عنها هذه الآية نزلت في الثقلاء وكان أبو هريرة رضي الله عنه إذا استثقل رجلاً يقول اللهم اغفر له وأرحنا منه وكان الأعمش واسمه سليمان ابن مهران إذا رأى ثقيلاً قال ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون وروى عنه أنه قال من فاتته ركعتا الفجر فليلعن الثقلاء وقيل له لم عمشت عينك قال من نظري إلى الثقلاء فإني ما رأيت ثقيلاً قط إلا وأعمشت عيني وكان يقول إذا كان عن يسارك ثقيل في الصلاة فتسليمة واحدة تكفيك وكان بعضهم إذا رأى ثقيلاً قال استراح العميان من النظر وقيل لأرسطو طاليس لم صار الثقيل أثقل من الحمل الثيل قال لأن الحمل تشترك الجوارح في حمله والثقيل ينفرد القلب بثقله شاعر
إنّ الثقيل وإن تخفف جهده
…
كان الثقيل على الفؤاد ثقيلا
وقال بعض الملوك الطبيب جس نبضي فجسه وقال مزاج معتدل إلا أني أرى فيه تكديراً فهل جالسك اليوم ثقيل قال نعم فقال هذا من ذاك وقال بختيشوع للمأمون لا تجالس الثقلاء فإن الفلاسفة قالوا مجالسة الثقلاء حمى الروح وقيل لمحمد بن زكريا الرازي أيما أمر الثقيل المبرم أو شرب الدواء الكريه الرائحة المر الطعم فقال ليس ما أكسب الداء كما أعقب الشفاءان مجالسة الثقيل تجلب الأسقام وتنحل الأجسام وتورث الأحزان وتؤلم الأبدان وتهد الأركان وشرب الدواء يجلو الأجسام ويحلل الأسقام ويشحذ الأفهام ويدفع الأحزان وينشط الكسلان ويقوي الامكان وقال أرسطاليس للاسكندر إياك ومجالسة الثقيل فإن منها ذبول الروح وذهول العقل وموت الفزع وقال الأصمعي ستة بضنين وربما قتلن انتظار المائدة ودمدمة الخادم والسراج المظلم وبكاء الأطفال وخلاف من تحب ورؤية الثقيل
ومما أثار بطلعته كوامن البغضاء
…
فكشفت عن مساويه ستور الأعضاء
عاد الأعمش أبو حنيفة فقال له بعدما أبرم في جلوسه يا أبا محمد ما أشد شيء مر بك في علتك قال جلوسك عندي قال ما تشتهي قال أشتهي أن لا أراك ويحكى أنه قال له يا أبا محمد لولا ما أخاف من التثقيل عليك لأتيتك في كل وقت فقال إنك لتثقل علي وأنت في بيتك فكيف إذا جئتني وقال رجل لأبي العيناء إن الله لم يأخذ من عبد كريمتيه إلا عوضه الله خيراً منهما فما الذي عوضك قال أن لا أرى ثقيلاً مثلك واعتذر رجل إلى آخر في تقليل زيارته فقال ما رأيت احساناً يعتذر منه إلا هذا صلى امام بقوم فأطال فلما سلم لأمه بعض من صلى خلفه من الظرفاء فقال وإنها الكبيرة إلا على الخاشعين فقال أنا رسول الخاشعين إليك بأنك ثقيل فإنهم لا يطيقون الصبر على احتمال بردك وقد نظم أبو الحسن علي بن أبي الطيب الباخرزي أبياتاً يهجو بها اماماً ثقيلاً ويذكر ما وجد من جوره في تطويله مقيلاً ذكرها في هذا الموضع لائق لما جمعت من المعنى البديع واللفظ الرائق
وأثقل روحاً من عقاب عقنقل
…
أخفّ دماغاً من جنوب وشمأل
يؤم بنا في القطع قطع خميسة
…
وأمّ بصخر حطه السيل من عل
يطيل قياماً في المقام كأنه
…
منارة قس راهب متبتل
ويفحش في القرآن لحناً كأنما
…
يشدّ بامراس إلى صمّ جندل
فقلت له لما تمطى بصلبه
…
واردف أعجازاً وناء بكلكل
وزاد برغمي ركعة في صلاته
…
ألم يكن التسليم منك بأمثل
دخل ثقيل على الصاحب بن عباد فأطال الجلوس وأبرم في المحادثة فكتب الصاحب رقعة وأعطاه إياها فقرأها فإذا فيها
إن كنت تزعم أنّ الدار تملكها
…
حتى نقوم فنبغي غيرها دارا
أوكنت تعلم أنّ الدار أملكها
…
فقم لكي تذهب الأشجان والعارا
ولما قدم محمد بن المكرم من الجبل قال له أبو العيناء مالك لم تهد لنا شيأً فقال والله ما جئت إلا في خف قال كذبت لو قدمت في خف خلفت روحك يا عجباً من جسم كالخيال وروح كالجبال وقال رجل لبعض المغنين في مشاجرة جرت بينهما والله ما تعرف الثقيل الأول ولا الثقيل الثاني فقال كيف لا أعرفهما وأنا أعرفك وأعرف أباك ألم بهذا بعض الشعراء فقال
ثقيلاً براه الله وابن ثقيلة
…
أرى الثقل طبعاً في أبيك وفيكا
أبوك امام الناس في الثقل كلهم
…
وأنت وليّ العهد بعد أبيكا
آخر
يا من تبرمت الدنيا بطلعته
…
كما تبرمت الأجفان بالسهد
يمشي على الأرض مختالاً فأحسبه
…
من بغض طلعته يمشي على كبدي
لو إن في الناس جزأ من سماجته
…
لم يقدم الموت اشفاقاً على أحد
قصد حماد الراوية دار مطيع بن اياس فحجب فكتب إليه يسأله الدخول عليه
هل لذي حاجة إليك سبيل
…
لا نطيل الجلوس فيمن يطيل
فلما قرأ البيت أجابه
أنت يا صاحب الكتاب ثقيل
…
وكثير من الثقيل القليل
وقال محمد بن عرفة النحوي المعروف بنفطويه يهجو ثقيلاً
يا ثقيلاً على القلوب إذا ع
…
نّ فقد أيقنت بطول السهاد
يا قذى في العيون ما بين ألف
…
يا غريماً أتى على ميعاد
يا ركوداً في يوم غيم وصيف
…
يا وجوه التجار يوم الكساد
خلّ عنا فإنما كنت فينا
…
واوعمرو كما لحديث المزاد
الناجم يذم ثقيلا
يا قوّة الناس ويا ضعف الأمل
…
يا حيرة المملق أعيته الحيل
يا زحل الدهر ومريخ الدول
ومما استجدته من مذامّ الثقلاء
…
الشافية محاسنها أفهام العقلاء
قال بعض البلغاء محذراً من مجالسة الثقيل إذا وافاك ثقيل فأره من خلقك التصرم ومن طبعك التبرم ولا توسعه ترحيباً ولا تحفل به تقريباً ولا تقبل إليه بوجهك ولا تبخل عليه بنهجك وأوحشه عند استئناسه وتهجم له بين جلاسه وأبعده ما استطعت واقطعه فيمن قطعت فبعده راحة لنفسك ومجلبة لأنسك فإنك إن أدنيته إليك وأدللته عليك ضنى به جسدك وكبدك وزاد به نكدك وكمدك أبو بكر الخوارزمي فلان أثقل من موت الخناق وكتاب الطلاق وفقد الحبيب وطلعة الرقيب وقدح اللبلاب في كف المريض وأشد من خراج بلا غلة ودواء بلا علة ورؤية الموت عند الكافر وقد ختم أعماله بالكبائر فلان وخز في الأكباد وسقم في الأجساد وصف العباس ابن الأحنف ثقيلاً فقال والله ما الحمام مع الاصرار وكثرة الذنوب مع الأقتار وشدة السقم في الأسفار بآلم من لقائه أبو نواس الحسن بن هانئ الحكمي يذم
ثقيلاً
ثقيل يطالعنا من أمم
…
إذا سرّه رغم أنفي ألمّ
لطلعته وخزة في الفؤاد
…
كوخز المشارط في المحتجم
أقول له إذ أتى لا أتي
…
ولا نقلته إلينا قدم
فقدت خيالك لا من عمي
…
وصوت كلامك لا من صمم
وصف بعضهم ثقيلاً فقال لا أدري كيف لم تحمل الأمانة أرض حملته وكيف احتاجت إلى الجبال بعد ما أقلته كأنما قربه فقد الحبائب وسوء العواقب وكأنما وصله عدم الحياة وموت الفجاة شاعر
يطول بقربك اليوم القصير
…
ويرحل إن مررت بنا السرور
لقاؤك للمبكر فأل سوء
…
ووجهك أربعاء لا تدور
آخر
إذا ما تبدى طالعاً فكأنه
…
حضور غريم أو طلوع رقيب
وإن جاء فحوى قاصداً فكأنه
…
كتاب بعزل أو فراق حبيب
آخر
وثقيل أشدّ من غصص المو
…
ت ومن كيده العذاب الأليم
لو عصت ربها الجحيم لما كا
…
ن سواه عقوبة للجحيم
حسام الدين البخاري
خلق الناس من منىّ وهذا ال
…
ولد النحس من رجيع أبيه
ففشا لا فشا ثقيلاً مقيتاً
…
ليس يه خير لمن يرتجيه
لم يكن منهما نكاح ولكن
…
فتحت فرجها فاحدث فيه
نتهيا لناظري ولقلبي
…
حرجاً كلما نظرت إليه
نادرة دخل أعرابي على ثلاثة يشربون واغلا فقال أحدهم
أيها الداخل الذي جاء يطوي
…
حين لذا الحديث لي ولصحبي
فقال الثاني
خف عنا فأنت أثقل والل
…
هـ علينا من فرسخي دبر كعب
وقال الثالث
ومن الناس من يخف وفيهم
…
كرحى البزر دائر فوق قطب
فقال الأعرابي
لست بالبارح العشية والل
…
هـ لشتم ولا لشدّة ضرب
أو تميلوا بالكبر فوراً علينا
…
ثم تعلوا من فوق ذاك بقعب
فاستظرفوه وخلطوه بهم
ومما يكون لنفس المتأمل قوتاً
…
ذم من كان بغيضاً ممقوتا
سئل جعفر الصادق رضي الله عنه هل يكون المؤمن بغيضاً قال لا ولا يكون ثقيلاً وذكر أنوشروان أنه لما أراد أن يصير ولده هرمز ولي عهده استشار أولياءه في ذلك فكل ذكر عيباً لا يستحق به الملك فمن قائل لا يصلح للملك لأنه قصير وذلك مما يذهب بهاء الملك فقال أنوشروان محتجاً له إنه لا يكاد يرى إلا راكباً أو جالساً على سرير فلا يبين عليه ذلك ومن قائل إنه ابن رومية والملك إذا كان ابن أمة نقصه ذلك من أعين الناس فقال أنوشروان محتجاً له إن الأبناء ينتسبون إلى الآباء ولا ينتسبون إلى الامهات فلا يضره ما قلت فقال الموبذان إن فيه عيباً وهو أنه مبغض إلى الناس فقال أنوشروان عند ذلك هذا هو العيب الذي لا مدح معه ولا عذر عنه والداء الذي لا برء له فقد قيل إن من كان فيه خير ولم يكن ذلك الخير للناس فلا خير فيه وقالوا فلان أوحش من ربع تحول سكانه وتحمل أظعانه وغارت نجومه وعفت رسومه وقالوا فلان أقذى للعين من ساعة داعية البين بين المحبين وقالوا فلان لا تحبه الناس حتى
تحب الأرض الدم وذلك إنها تعاف الدم فلا تقبله شاعر يهجو بغيضاً
يا بغيضاً زاد في البغ
…
ض على كل بغيض
أنت عندي قدح اللب
…
لاب في كفّ المريض
وقالوا فلان أبغض من زوال النعمى وفوت المنى وطلعة الردى وقالوا مجالسة البغضاء تزيد الهموم وتجلب الغموم وتؤلم القلب وتشد أزر الكرب وتكدح في النشاط وتطوي بساط الانبساط