الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي وهب لي من العدل ما تطمئن إليه قلوب رعيتي وتعرض له متظلم في بعض الطرق فوقف له وأزال شكايته فقيل له هلا صرت حتى يستقر بك المنزل فقال الخير سريع الذهاب وخشيت أن أفوته بنفسي وإنما هي فرصة قدمت فيها العزم واستصحبت الحزم قال شاعر يمدح متولياً اتصف بهذه الخلة من الرؤساء الجلة
لا تقدح الظنة في حكمه
…
شيمته عدل وإنصاف
يمضي إذا لم تلقه شبهة
…
وفي اعتراض الشك وقاف
ومما اتفق على مدحه الأوائل والأواخر تواضع من حاز الفضائل والمفاخر
قالوا ينبغي لمن عظم قدره وامتثل نهيه وأمره وانتشر في الخافقين ذكره أن يكون للاعجاب مطرحاً وعن الكبر منتبذاً ومنتزحاً فإن همة الرجل العاقل الفاضل شريفة علية وباختفار ما أوتيت من رياسات الأموال والعمال ملية قال ذو النون من تطأطأ لقي رطباً ومن تعالى لقي عطباً وقال عروة بن الزبير التواضع من مصايد الشرف وكل نعمة محسود عليها إلا التواضع ويقال التواضع في الشرف أشرف من الشرف ويقال اسمان يتفق معناهما ويفترق لفظهما التواضع والشرف وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين ويقول لو دعيت إلى كراع لأجبت وكان يخصف النعل ويحلب الشاة ويركب الحمار ردفاً ويرقع الثوب ويطحن مع الخادم إذا أعيت ويأكل معها ويحمل بضاعته من السوق ويسلم مبتدئاً ويصافح الغني والفقير ويخالط أصحابه ويحادثهم ويمازحهم ويلاعب صبيانهم ويجلسهم في حجره وما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال لبيك وقال لا تفضلوني على يونس ابن متي ولا ترفعوني فوق قدري فتقولون في ما قالت النصارى في المسيح إن الله اتخذني عبداً قبل أن
يتخذني رسولاً وكان صلى الله عليه وسلم لا يأكل متكئاً ويأكل الخبيص ويقول إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد وقال البراء بن عازب رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ينقل التراب حتى وارى التراب صدره وكان ينقل اللبن على عاتقه مع أصحابه عند بناء مسجده بالمدينة هذا ولسان فخره ينزع عن الابانة عن علو قدره فيقول أنا سيد ولد آدم آدم ومن دونه تحت لوائي أنا أول من تنشق عنه الأرض لست كأحدكم إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني شرف صرفت أماني الآمال عن بلوغ مداه وتقطعت دونه أيدي الطمع فلا تصل إلى علاه ولما ولي أبو بكر الخلافة قال إني وليتكم ولست بخيركم فلما بلغ كلامه الحسن البصري قال بلى ولكن المؤمن يهضم نفسه وسئل بعض التابعين هل رأيت أبا بكر قال نعم رأيت ملكاً في زي مسكين وقال ابن عباس كان أبو بكر كثيراً ما ينشد
إذا أردت شريف الناس كلهم
…
فانظر إلى ملك في زيّ مسكين
ذاك الذي حسنت في الناس قالته
…
وذاك يصلح للدنيا وللدين
آخر
إنّ السعيد الذي تمت سيادته
…
فتى يفرّ من الدنيا إلى الدين
يصدّ بالطرف منه عن زخارفها
…
فيغتدي ملكاً في زيّ مسكين
وقال المرار بن المنقذ العدوي
يا حبذا حين يمسي الريح باردة
…
وادي الأضاء وفتيان بها هضم
مخدّمون كرام في مجالسهم
…
وفي الرجال إذا صاحبتهم خدم
وما أصاحب من قوم فأذكرهم
…
إلا يزيدهم حباً إلي هم
وكان رضي الله عنه إذا مدح قال اللهم أنت أعلم بي من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم اللهم اجعلني خيراً مما يحسبون واغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون وروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نادى يوماً الصلاة جامعة فلما اجتمع الناس صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس لقد رأيتموني وأنا أرعى على خالات لي من بني مخزوم يقبض لي القبضة من التمر أو الزبيب فقال عبد الرحمن بن عوف ما أردت على أن قصرت على نفسك فقال ويحك يا ابن عوف خلوت بنفسي فقالت لي أنت أمير المؤمنين وليس بينك وبين الله أحد فمن ذا أفضل منك فأردت أن أعرفها قدرها واشترى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه تمراً بدرهم فحمله في ردائه فسأله بعض أصحابه حمله عنه فقال أبو العيال أحق بحمله وحكى الشعبي قال ركب زيد بن ثابت فدنا منه عبد الله بن عباس فأخذ بركابه فقال لا تفعل يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا فقال زيد أرني يدك فأخذها وقبلها وقال هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا ودخل بعض الشعراء على الحسن بن زيد فأنشده الله فرد وابن زيد فرد فقال بفيك الأثلب الأقلت الله فرد وابن زيد عبد ونزل عن سريره وألصق خده بالأرض وكان عبد الله بن عمر إذا سافر مع قوم يحتطب لهم ويطبخ لهم ويستقي لهم ويؤذن لهم وكان أبو هريرة خليفة مروان بن الحكم على المدينة يحتطب ويأتي بالحزمة الحطب على ظهره يشق بها
السوق ويقول جاء الأمير جاء الأمير حتى يعلم الناس به فينصرفون إليه في حوائجهم البحتري مادحاً
دنوت تواضعاً وعلوت قدراً
…
فشا ناك انحدار وارتفاع
كذاك الشمس تبعد أن تساما
…
ويدنو الضوء منها والشعاع
ولآخر
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر
…
على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه
…
إلى طبقات الجوّ وهو وضيع
كان ابن مسعود إذا مشى خلفه أحد قال أخر وأعني نعالكم فإنها ذلة للتابع وفتنة للمتبوع ولما ولي علي بن عيسى الوزارة وذلك في سنة ثلثمائة رأى الناس يمشون حوله كما كانوا يمشون حول الوزراء قبله فالتفت إليهم وقال إنا لا نرضى لعبيدنا أن يفعلوا هذا معنا فكيف نكلفه قوماً أحراراً لا إحسان لنا عليهم ومنعهم من المشي في ركابه فكأنما عناه أبو تمام حبيب بقوله
متبذل في القوم وهو مبجل
…
متواضع في الحيّ وهو معظم
وقال الحسن أربعة لا ينبغي لشريف أن يأنف منهن قيامه عن مجلسه لأبيه وخدمته لضيفه وقيامه على فرسه وخدمته لمن يأخذ من علمه وقال عبد الله بن مسعود رأس التواضع أن تبدأ بالسلام من لقيت وأن ترضى بالدون من المجلس وقال عبد الله بن شداد أربعة من كن فيه فقد برئ من الكبر من اعتقل العنز وركب الحمار ولبس الصوف وأجاب دعوة الدون من الرجال