المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إذ فلهما من سوء التدبير - غرر الخصائص الواضحة

[الوطواط]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول في الكرم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني في اللؤم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث في العقل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع في الحمق وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس في الفصاحة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس في العي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السابع في الذكاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثامن في التغفل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب التاسع في السخاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الأول

- ‌الباب العاشر في البخل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الحادي عشر في الشجاعة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني عشر في الجبن وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث عشر في العفو وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع عشر في الانتقام وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس عشر في الاخوة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس عشر في العزلة وفيه ثلاثة فصول

- ‌في الكرم

- ‌في وصف الأخلاق الحسان

- ‌المتخلقة بها نفوس الأعيان

- ‌وعلى ذكر الحجاب وإن لم يكن من الباب

- ‌وصف أخلاق أهل الوفاق

- ‌عيون من مكارم الأخلاق الدالة على طيب الأعراق

- ‌من روائع عادات السادات ووشائع سادات العادات

- ‌جوامع ممادح الأخلاق والشيم

- ‌المتحلية بها ذوو الأصالة والكرم

- ‌الأسباب المانعة من السيادة سبعة

- ‌شرح ما ذكر من الأمثال الواقعة في هذا المثال

- ‌الفصل الثاني من الباب الأول

- ‌في ذكر الصنائع والمآثر المفصحة عن أحساب الأكابر

- ‌فمن مآثر ذوي الكرم في النجار

- ‌الذب عن النزيل وحفظ الجار

- ‌من صنيع من زكت في الكرم أرومه

- ‌صون المضيم بنفسه من عدو يرومه

- ‌من أمتن أسباب الحسب والديانة وفاء العهد وأداء الأمانة

- ‌من أحاسن فعلات الأشراف الاتصاف بالعدل والإنصاف

- ‌ومما اتفق على مدحه الأوائل والأواخر تواضع من حاز الفضائل والمفاخر

- ‌مما يدل على شرف الأبوة إلزام النفس بأنواع المروة

- ‌الفصل الثالث من الباب الأول

- ‌في ذم التخلق بالإحسان

- ‌إذا لم يوافق القلب اللسان

- ‌ومما يلحق بهذا أنّ عمل الرياء سالب عن صاحبه جلباب الحياء

- ‌الباب الثاني

- ‌في اللؤم

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم من ليس له خلاق

- ‌وما اتصف به من الأخلاق

- ‌من مساوئ أخلاقهم الذميمة

- ‌نقل الأقدام بالسعاية والنميمة

- ‌الفصل الثاني من الباب الثاني

- ‌في ذكر الفعل والصنيع

- ‌الدالين على لؤم الوضيع

- ‌من الصنيع الدال على لؤم الأصول

- ‌من كان بسيف جوره على العباد يصول

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني

- ‌في أنّ من تخلق باللؤم انتفع

- ‌الباب الثالث

- ‌في العقل

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح العقل وفضله

- ‌شوارد مجموعة في احتياج ذوي العقل والحلم

- ‌إلى اكتساب فضيلتي الأدب والعلم

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث

- ‌في ذكر الفعل الرشيد

- ‌العاقل من شغله عيبه عن عيب من سواه

- ‌ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث

- ‌في هفوات العقال

- ‌الباب الرابع

- ‌في الحمق

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع

- ‌في ذكر النوادر

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع

- ‌في احتجاج الأريب المتحامق

- ‌ومن احتجاج من أطلق نفسه من عقال العقل

- ‌وألقى عصاه عامداً في بيداء الجهل

- ‌من أحاسن أقوالهم في أنّ العقل طريق إلى العنا

- ‌وسدّ يمنع صاحبه من الوصول للغنى

- ‌مما ذكر إنّ الحظ أجدى لصاحب الحجا

- ‌الباب الخامس

- ‌في الفصاحة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌وما أحسن قول بعض الأعاجم يفتخر ويعتذر

- ‌ولأبي إسحق الصابي في الوزير أبي محمد المهلبي رحمه الله تعالى

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس

- ‌في يتحلى به ألباب الأدباء

- ‌ولنذكر من كلام الخطباء ذوي البراعة واللسن ما كان ذا لفظ بديع

- ‌ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الخطب التي حكمت فصاحتها بالعي لقس

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس

- ‌في إنّ معرفة حرفة الأدب مانعة من ترقى أعالي الرتب

- ‌وربما أعدت حرفة الأدب أهل الوراقة

- ‌الباب السادس

- ‌في العي

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌فيما ورد عن ذوي النباهة في ذم العي والفهاهة

- ‌لبعضهم فيمن يلثغ بالراء

- ‌قد يكون البليغ عيياً عند سؤال مطلوبه

- ‌ولبعض الصوفية

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس

- ‌في ذكر من قصر باع لسانه عن ترجمة ما في جنانه

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس

- ‌في أنّ اللسن المكثار لا يأمن آفة الزلل والعثار

- ‌احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس

- ‌الباب السابع

- ‌في الذكاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الفطن والاذهان

- ‌المعظمة من قدر المهان

- ‌وعلى أثر قبح الصورة يقول بعض الشعراء في جحظة

- ‌وأكثر ما يوجد الذكاء المفرط عند العميان

- ‌من اخترع من الأوائل حكمة بثاقب فكره

- ‌الفصل الثاني من الباب السابع

- ‌في ذكر بداهة الأذكياء البديعة

- ‌وأجوبتهم المفحمة السريعة

- ‌الفصل الثالث من الباب السابع

- ‌فيمن سبق بذكائه وفطنته إلى ورود حياض منيته

- ‌منهم من ارتقى بادعائه النبوة مرتقى صعبا

- ‌الباب الثامن

- ‌في التغفل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم البلادة والتغفل من ذوي التعالي والتنزل

- ‌وقد اخترت من مدام المتغفلين مما حسن وراق

- ‌الفصل الثاني من الباب الثامن

- ‌فيمن تأخرت منه المعرفة

- ‌ونوادر أخبارهم المستظرفة

- ‌الفصل الثالث من الباب الثامن

- ‌في أن أنواع التغفل والبله ستور على الأولياء مسبله

- ‌الباب التاسع

- ‌في السخاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل

- ‌ذكر الأجواد المعروفين ببذل الأموال

- ‌النوع الثاني

- ‌الفصل الثاني من الباب التاسع

- ‌في منح الأماجد الأجواد

- ‌وملح الوافدين والقصاد

- ‌ذكر من تبجح بذكر المعروف الذي أسدى إليه

- ‌الفصل الثالث من الباب التاسع

- ‌في ذم السرف والتبذير

- ‌إذ فلهما من سوء التدبير

- ‌الباب العاشر

- ‌في البخل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الإمساك والشح

- ‌وما فيهما من الشين والقبح

- ‌الفصل الثاني من الباب العاشر

- ‌في ذكر نوادر المبخلين

- ‌من الأراذل والمبجلين

- ‌من صان درهمه ولم يسمح به للعطاء

- ‌الفصل الثالث من الباب العاشر

- ‌في مدح القصد في الإنفاق

- ‌خوف التعيير بالإملاق

- ‌الباب الحادي عشر

- ‌في الشجاعة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الشجاعة والبسالة

- ‌وما فيها من الرفعة والجلالة

- ‌الفصل الثاني من الباب الحادي عشر

- ‌في ذكر ما وقع في الحروب

- ‌من شدائد الأزمات والكروب

- ‌يوم كربلاء

- ‌يوم الحرة

- ‌وصف النزال والقتلى

- ‌الفصل الثالث من الباب الحادي عشر

- ‌في ذم التصدي للهلكة

- ‌ممن لا يستطيع بها ملكة

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌في الجبن

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أنّ خلتي الجبن والفرار مما يشين بني الأحرار

- ‌الفصل الثاني من البال الثاني عشر

- ‌في ذكر من جبن عند اللقاء

- ‌خوف الموت ورجاء البقاء

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني عشر

- ‌فيمن ليم على الفرار والإحجام

- ‌فاعتذر بما ينفي عنه الملام

- ‌الباب الثالث عشر

- ‌في العفو

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح من اتصف بالعفو

- ‌عن الذنب المتعمد والسهو

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث عشر

- ‌فيمن حلم عند الاقتدار

- ‌وقبل من المسئ الاعتذار

- ‌ولنعقب هذا الفصل من لطيف الاعتذار

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث عشر

- ‌في ذم العفو عمن أساء

- ‌وانتهك حرمات الرؤساء

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌في الانتقام

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في التشفي والانتقا

- ‌ممن أحضر قسراً في المقام

- ‌ما اخترناه من كلام الحكماء وأقوال الكرام الأماجد

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع عشر

- ‌في ذكر من ظفر فعاقب

- ‌بأشدّ العقوبة ومن راقب

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع عشر

- ‌في أن الانتقام بحدود الله خير فعلات من حكمه الله وولاه

- ‌ما الدية فيه كاملة من جوارح الانسان وحواسه

- ‌ما تختص به المرأة دون الرجل

- ‌الباب الخامس عشر

- ‌في الاخوة

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح اتخاذ الاخوان

- ‌فإنهم العدد والأعوان

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس عشر

- ‌فيما يدين به أهل المحبة

- ‌من شرائع العوائد المستحبة

- ‌ومما يثني عطف الصديق إلى التألف

- ‌اعتذار من لم يهد شيأً

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس عشر

- ‌في ذم الثقيل والبغيض

- ‌بما استحسن من النثر والقريض

- ‌الباب السادس عشر

- ‌في العزلة

- ‌فيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الاستئناس بالناس

- ‌لتلون الطباع وتنافي الأجناس

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس عشر

- ‌فيما يحض على الاعتزال

- ‌من ذميم الخلائق والخلال

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس عشر

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌فيما نختم به الكتاب من دعاء نرجو أن يسمع ويجاب

الفصل: ‌إذ فلهما من سوء التدبير

‌الفصل الثالث من الباب التاسع

‌في ذم السرف والتبذير

‌إذ فلهما من سوء التدبير

قال الله تعالى ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا أخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً وقال صلى الله عليه وسلم من السرف أن تأكل كل ما شئت وقال صلى الله عليه وسلم آفة الجود السرف والسرف اسم لما جاوز الجود وقالوا السرف هو أن يكون الرجل لا يبالي فيما يشتري أو يبيع أو يغبن أو يغبن فيبيع بوكس ويشتري بفضل وهذا كما قبل الحر يتغابن في ابتياع الحمد ولا يتغابن في الشراء والبيع وقيل لعبد الله بن جعفراً بإنك تعطى الكثير إذا سئلت وتضيق في القليل إذا عوملت فقال أجود بمالي وأضن بعقلي وقالوا السخاء خلق مستحسن ما لم ينته إلى سرف وتبذير فإنه من بذل جميع ما يملكه لمن لا يستحقه لم يسم سخياً وإنما يسمى مبذراً مضيعاً وقال معاوية ما رأيت سرفاً قط إلا وإلى جانبه حق مضيع وقالوا يوشك من أنفق سرفاً أن يموت أسفاً وقالوا ما وقع تبذير في كثير إلا هدمه ودمره ولا دخل تدبير في قليل إلا كثره وأثمره وقال معاوية لولده يزيد إنك إن أعطيت مالك في حق الحق يوشك أن يجئ الحق وليس معك ما تعطي فيه وقالوا تطول ولا تطاول وقال أبو بكر رضي الله عنه إني لأبغض أهل بيت ينفقون رزق الأيام في اليوم الواحد وقالوا السرف في الانفاق يفسد من النفس بمقدار ما يصلح من العيش وقال عبد الله بن الزبير في محاورة جرت بينه وبين ابن عباس إن السرف من طينة السخاء ولكنه جاوز الحق وما بعد الحق إلا الضلال وكان أبو الأسود الدؤلي يقول يا بني إذا بسط الله عليك فابسط وإذا أمسك عنك فأمسك ولا تجاوده فإنه أكرم منك وأجود واسم أبي الأسود ظالم ابن عمرو يعد في التابعين والمحدثين والشعراء والنحويين والبخلاء والعرج والمفاليج والبخر وقالوا التدبير ينمي اليسير والتبذير يدمر الكثير وليم هشام بن عبد الملك على الامساك في العطاء فقال إنا لا نعطي تبذيراً ولا نمسك تقتيراً إنما نحن خزائن

ص: 354

الله في بلاده وأمناؤه على عباده فإذا شاء أعطينا وإذا كره أبينا ولو كان كل قائل يصدق وكل سائل يستحق ما جبهنا قائلاً ولا رددنا سائلا وربما عوقب المبذر بالافلاس وصير بالفقر مثلة بين الناس قال الأصمعي قصد رجل من أهل الشام منزل إبراهيم بن هرمة فإذا بنت له صغيرة تلعب بالطين فقال لها ما فعل أبوك قالت وفد إلى بعض الأجواد فمالنا علم من عهد فقال لها قولي لأمك تنحر لنا ناقة فإني وأصحابي أضيافها فقالت والله ما نملكها قال فشاة قالت والله ما نجدها قال فدجاجة قالت والله ما هي لنا في منزل قال فأعطينا بيضة قالت من أين البيضة إذا لم تكن الدجاجة قال فباطل ما قال أبوك حيث يقول

كم ناقة قد وجأت منحرها

بمستهلّ الشؤبوب أو جمل

لا استع العوّذ النصال ولا

أبتاع إلا قريبة الأجل

لا غنمي في الحياة مدّلها

إلى دراك العلا ولا ابلي

قالت فذاك الفعل من أبى أصارنا أن ليس عندنا شيء فتركها ومضى وكان عبد الله بن جعفر من الأجواد الذين يعمون بجودهم طوائف العباد وانتهى به الافلاس وضيق اليد إلى أن سأله رجل فقال له إن حالي متغيرة بجفوة السلطان وحوادث الزمان ولكني أعطيك ما أمكنني فأعطاه رداء كان عليه ثم دخل منزله وقال اللهم استرني بالموت فما أتى بعد دعوته إلا أيام حتى مرض ومات رضي الله تعالى عنه وفد أبو الشمقمق على محمد بن مروان بنيسابور يريد محمد بن عبد السلام فلما دخلها صار إلى منزله فأخبر أنه في دار الخراج مطالب فقصده ودخل عليه وهو قائم في الشمس وعلى عنقه صخرة عظيمة فتغير له فلما رآه محمد قال

ولقد قدمت على رجال طال ما

قدم الرجال عليهم فتموّلوا

أخنى الزمان عليهم فكأنهم

كانوا بأرض أقفرت فتحوّلوا

ص: 355

فقال أبو الشمقمق

الجود فلسهم وغير حالهم

فاليوم إن سئلوا النوال تبخلوا

دخل مالك بن دينار على أبي عون في الحبس وكان قد ضربه بلال بن أبي بردة بالسياط وإذا في الحبس جماعة من عمال السلطان في الحديد فلم يلبث أن حضر غداؤهم فجعل الخدم ينقلون ألوان الأطعمة فقيل له يا أبا يحيى هلم فقال لا أريد أن آكل مثل هذا ولا أن يوضع في رجلي مثل هذا وأشار إلى القيد وكان للأعمش صديق متصرف في عمل السلطان فبقى عليه مال فحبس فيه فزاره الأعمش منغمساً له فلما دخل عليه رأى بين يديه سلة فيها فالوذج وهو يتغذى منها فقال والله ما لازمت الوثاق إلا باسرافك في الانفاق فلو قنعت نفسك وعفت يدك لم يكن مضيق السجن مقعدك ولهذا الافلاس أكثر الناس كلامهم في التحذير من عواقب التبذير وما أحسن قول الفقيه منصور رحمه الله

توب وكسرة وخبز

وبيت كنّ وأمن

ألذ من كل ملك

عقباه ضرب وسجن

ومما يعد من الاسراف في البذل اصطناع المعروف إلى اللئيم والنذل قالوا حد الجود أن يبذل الرجل ماله حيث يجب البذل ويحفظه حيث يمكن الحفظ ومن بذل مكان الامساك فهو مبذر ومن أمسك مكان البذل فهو بخيل وقالوا من الحزم أن تعلم أن مالك لا يسع الناس كلهم فتوخ به أهل الحق عليك وإن كرامتك لا تسع المقلين فاخصص بها أهل الفضل والمروأة ومن تمسه الحاجة إليك والاعطاء بعد المنع أجمل من المنع بعد الانعام وقال لقمان المعروف كنز فانظر من تودعه وقال عبد الملك بن المقفع إن مالك لا يسع الناس فاخصص به ذوي الكرم من أهلك وخاصتك ودع الأجانب جانباً وقال

ص: 356

صالح بن عبد القدوس سامحه الله

لا نجد بالعطاء في غير حق

ليس في منع غير ذي الحق بخل

إنما الجود أن تجود على من

هو للبذل منك والجود أهل

آخر

لا تصنع المعروف في ساقط

ذاك صنيع ساقط ضائع

وضعه في حرّ كريم يكن

عرفك مسكا عرفه ضائع

وقالت الحكماء أصل كل عداوة اصطناع المعروف إلى اللئام وقالوا الاحسان إلى اللئيم أضيع من الرسم على بساط الماء والخط على بسيط الهواء وقالوا زوال الدول باصطناع السفل وقالوا كن جواداً في موضع الجود فإن أحمد جود الحر الانفاق في وجه البر وقال بعضهم لا حسرة أعظم من نعمة أسديت إلى غير ذي حسب ولا مروأة وقال آخر لا تصنعوا إلى ثلاثة معروفاً اللئيم فإنه بمنزلة الأرض السبخة لا يظهر فيها البذور وذلك لا يظهر فيه المعروف والفاحش فإنه يرى أن الذي صنعت معه إنما هو مخافه فحشه والأحمق فإنه لا يدري قدر ما أسديت إليه ولا يشكرك عليه قال الشاعر

لعمرك ما المعروف في غير أهله

وفي أهله إلا كبعض الودائع

فمستودع ضاع الذي كان عنده

ومستودع ما عنده غير ضائع

وما الناس في كفر الأيادي وشكرها

إلى أهلها إلا كبعض المزارع

فمزرعة أجدت فأضعف زرعها

ومزرعة أكدت على كل زارع

وقالوا واضع المعروف في غير أهله كالمسرج في الشمس والزارع في السبخ قال الشاعر

ومن يصنع المعروف من غير أهله

يلاقي كما لاقى مجير أمّ عامر

ص: 357

أعدّ لها لما استجارت ببيته

أحاليب ألبان اللقاح الدوائر

وأمسكها حتى إذا ما تمكنت

فرته بأنياب لها وأظافر

فقل لذوي المعروف هذا جزاء من

يجود بمعروف على غير شاكر

آخر

عليك بذي الأقدار فاكسب ثناءهم

فمالك في غير الأكارم ضائع

وما مال من أعطى الكرام بناقص

ولكنه عند الكرام ودائع

آخر

إذا ما بدأت أمرأ جاهلا

ببر فقصر عن حمله

ولم تلقه قابلاً للجميل

ولا عرف العز من ذله

قسمه الهوان فإنّ الهوان

دواء لذي الجهل من جهله

وقالوا العاقل يتخير لمعروفه كما يتخير الباذر ما زكا من الأرض لبذهر وقالوا رأس الرذائل اصطناع الأراذل وقال الشاعر

متى تسد معروفاً إلى غير أهله

رويت ولم تظفر بحمد ولا أجر

ما احتج به سراة الأشراف

في تحسين التبذير والاسراف

قد كنا قدمنا في أول فصل من هذا الباب جملة مما ورد عن الكرماء في الحص على انتهاز الفرصة بالانفاق ثقة بالخلف من الكريم الرزاق ما فيه كفاية فلم يقنعنا ذلك فذكرنا في هذا الموضع ما استدركناه ليتم لنا الغرض المقصود فيما نحوناه من كل مستحسن بديع لسر البراعة بلسان البراعة يذيع من ذلك قول الله تعالى وهو أصدق القائلين وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين وقول النبي صلى الله عليه وسلم ينادي مناد كل ليلة اللهم اجعل لكل منفق خلفاً ولكل ممسك تلفاً وقوله صلى الله عليه وسلم أنفق بلال ولا تخش من ذي

ص: 358

العرش اقلالا ولقد أجاد على ابن ذكوان في قوله

انفق ولا تخش اقلالا فقد قسمت

بين العباد مع الآجال أرزاق

لا ينفع البخل مع دنيا مولية

ولا يضر مع الاقبال انفاق

وحكى إن علي بن موسى الرضا رضي الله عنه وعن آبائه الكرام فرق في يوم عرفة وكان بخراسان ماله كله فقال له الفضل بن سهل ما هذا المغرم قال بل هو المغنم لا تعدن ما ابتغيت به أجراً أو كرماً مغرما وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيأً لغد وقال بعض الحكماء أنفق في الحقوق ولا تكن خازناً لغيرك فإن اغتممت على ما نقص من مالك فابك على ما نقص من عمرك فإنه من لم يعمل في ماله وهو موجود عمل في ماله وهو مفقود وقال بزرجمهر إذا أقبلت عليك الدنيا فأنفق منها فإنها لا تفنى وإذا أدبرت عنك فأنفق منها فإنها لا تبقى طاهر بن الحسين ناظماً لهذا المعنى

لا تبخلنّ بدنيا وهي مقبلة

فليس يذهبها التبذير والسرف

فإن تولت فأحرى أن تجود بها

فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف

ويقال أنفق وأسرف فإن الشرف في السرف وقيل للحسن بن سهل وكان معطاء لا خير في السرف فقال لا سرف في الخير وهذا من بديع الكلام وذلك إنه عكس على المنكر كلامه فكان جواباً له وردا عليه من غير أن يزيد فيه ولا ينقص منه وقال الراضي بالله يخاطب لائماً لأمه على السرف

لا تكثرن عذلي على الاسراف

ربح المحامد متجر الأشراف

أجرى كآبائي الخلائف سابقاً

وأشيد ما قد أسست أسلافي

إني من القوم الذين أكفهم

معتادة الاتلاف والاخلاف

ص: 359

آخر

قامت تلوم على بذل النوال ولي

به ولوع فقلت اللوم في الباقي

لا تجزعي أن ترى بي فاقة أبدا

فمن خزائن رب العرش انفاقي

آخر

ألا لا تلمني على بذل مالي

فصوني لعرضي بمالي جمالي

وصوني لمالي بعرضي فساد

لعرضي وديني وجاهي ومالي

الصولي

لا تلومنني فهمك إن

أثرى وهمي مكارم الأخلاق

ليس يستطيع حفظ ما ملكت

كفاه من ذاق لذة الانفاق

وقال المأمون لمحمد بن عباد بلغني أن فيك سرفاً فقال يا أمير المؤمنين منع الجود سوء الظن بالمعبود فقال المأمون لا يحسن السرف إلا بأهل الشرف

وقال البحتري يمدح معطاء

أسبل الكرم عليه غطاء

كرم دعتك به القبائل مسرفا

ما مسرف في المكرمات بمسرف

وقال آخر يحض على الاسراف في الصنائع

ذهاب المال في حمد وأجر

ذهاب لا يقال له ذهاب

ص: 360