الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكل الناس الأذكياء عيال على زياد بن أبيه حكي عنه إنه كان يوماً جالساً في مجلس عمر فأملى عمر على كاتبه كتاباً سراً فكتب الكاتب خلافه فقال زياد يا أمير المؤمنين إنه كتب غير ما أمليته فتناول عمر الكتاب فوجد الأمر كما قال زياد فقال عمر زياد من أين علمت هذا قال رأيت رجع فيك وحركة قلمه فلم أر بينهما اتفاقا
الفصل الثاني من الباب السابع
في ذكر بداهة الأذكياء البديعة
وأجوبتهم المفحمة السريعة
قالوا البديهة قدرة روحانية في حلية بشرية كما أن الرؤية صورة بشرية في حلية روحانية ويقال بالاحسان في البديهة تفاضلت العقول ويقال ميسور الراي عند البديهة خير من الأطناب بعد الفكرة فممن أبدع في بديهته من الفضلاء من غير ما سؤال ولا ابتلاء أبو نواس وذلك أنه اجتمع ندماء الأمين في مجلس أنس وخلاعة وهو فيهم فخرج عليهم الأمين في زينته مخموراً والجواري يحملنه على سرير فلما رآه أبو نواس قال إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون تحمله الملائكة فلله حسن انتزاع هذا الرجل ما أبدعه وأبرعه وفكره ما أصدعه وأسرعه لقد جاوز شأو الاختراع في الانتزاع وتعدى الغاية وصرف العقول لاستحسان ما أشار إليه بهذه الآية لأن أباه هرون الرشيد وعمه موسى الهادي وهو وارثهما وصعد سليمان بن عبد الملك يوم جمعة المنبر ويقال الوليد وعليه أكثر المؤرخين فسمع صوت ناقوس فقال ما هذا قالوا البيعة يا أمير المؤمنين فأمر بهدمها فهدمت فبلغ ذلك ملك الروم فكتب إليه إن هذه البيعة أقرها من كان قبلك فإن كانوا أصابوا فقد أخطأت وإن تكن أصبت فقد أخطؤا فسأل سليمان من خواص دولته الجواب فأعياهم فقال الفرزدق عن اذن أمير المؤمنين قال قل قال يكتب إليه ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكماً وعلماً فسر بذلك وأمر له بعشرة آلاف درهم وخطب قتيبة بن مسلم على منبر خراسان عندما قدمها والياً فسقطت العصا من يده فتطير من ذلك فقام بعض الأعراب فمسحها وناوله إياها وقال أيها الأمير ليس كما ظن العدو وساء
الصديق ولكنه كما قال الشاعر
فألقت عصاها واستقرّ بها النوى
…
كما قر عيناً بالاياب المسافر
فسرى عنه ما كان وجده من الغم وأمر له بخمسة آلاف درهم وخرج طاهر بن الحسين لقتال علي بن عيسى بن ماهان وفي كمه دراهم يفرقها على الضعفاء وسها إنها في كمه فأسبل كمه فتبددت فتغير لذلك وتطير منه فأنشده شاعر كان معه
هذا تفرق جمعهم لا غيره
…
وذهابها منه ذهاب الهمّ
شيء يكون الهم نصف حروفه
…
لا خير في امساكه في الكم
ودخل أبو الشمقمق واسمه مروان بن محمد على خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني وقد قلده المأمون الموصول فلما دخل الموصل مر ببعض الدروب فاندق منه اللواء في بعض أبوابها فتطير خالد من ذلك فقال أبو الشمقمق يسليه عن الطيرة
ما كان مندق اللواء لطيرة
…
تخشى ولا سوء يكون معجلا
لكنّ هذا الرمح أضعف متنه
…
صغر الولاية فاستقل الموصلا
فسرى عنه ما كان وجده وكتب صاحب البريد إلى المأمون بذلك فزاده ديار ربيعة فأعطى خالد أبا الشمقمق عشرة آلاف درهم
وممن مثل من الأذكياء فأجاب
…
وأتت سرعة بديهته بالشيء العجاب
ما يحكى أن المأمون دخل يوماً ديوانه فمر بغلام جميل على أذنه قلم فأعجبه حسنه فقال من الشاب فقام وقال الناشئ في دولتك والمؤمل لخدمتك والمتقلب في نعمتك الحسن بن رجاء فاستحسن كلامه وأمر له بمائة ألف درهم ودخل محمد بن عبد الملك بن صالح على المأمون فسلم فقال من أنت قال سليل نعمتك وابن دولتك وغصن من أغصان دوحتك فأعجبه
وسأله عن حاجته فقضاها له وقال أبو عبادة البحتري دخلت يوماً دار الفتح بن خاقان فوجدت الشعراء في دهليز داره وبينهم صبي صغير السن قصير القامة فقلت ما أنت يا غلام فقال شاعر فتبسمت عجباً منه ثم قلت أجز ليت ما بين من أحب وبيني قال من البعد أم من القرب قلت من القرب فقال مثل ما بين حاجبي وعيني فقلت فإن أردناه من البعد فقال
مثل ما بين ملتقى الخافقين فأخذت بيده وأوصلته إلى الفتح وأخبرته بما دار بيني وبينه فعجب منه وأجازه لام السفاح خالد بن برمك على كثرة عطائه وصلاته فقال له خالد لم أر شكري يحيط بنعم أمير المؤمنين فاستعنت بألسنة الناس عليها ومثلها ما حكى إن الواثق قال يوماً لأحمد بن أبي دواد وقد ضجر من كثرة حوائجه يا أحمد قد أخليت بيوت الأموال من افراطك في الطلب للائذين بك فقال يا أمير المؤمنين نتائج شكرها متصلة بك وذخائر أجرها مكتوبة لك ومالي من ذلك الأعشق اتصال الألسن بخلود المدح فيك فقال الواثق والله يا أبا عبد الله ما منعناك ما يزيد في عشقك ويقوي من همتك وأمره إن يجري على عادته في عرض حوائجه وكان الفضل بن يحيى يرسل إلى القاسم بن إسحق البصري مع جوائزه رقاعاً مختومة فيرد الجواب برقاع منشورة فنقم عليه وكره ذلك منه فكتب إليه القاسم رقاعك تشتمل على بر ورقاعي تشتمل على شكر فأنت تكتم برك وأنا أنشر شكري فكل منا فعل ما وجب عليه وندب إليه وفد حاجب بن زرارة على باب كسرى وكان قد منع تميم ريف العراق فقال لحاجبه قل للملك إن بالباب رجلاً من العرب يريد الوفود عليك والمثول
بين يديك فأعلم الحاجب كسرى بما قال فأذن له فلما وقف بين يديه قال له من أنت قال سيد العرب قال ألست القائل للحاجب إنك رجل من العرب قال نعم قلت ذلك قبل وصولي إليك ومثولي بين يديك فأما وقد تشرفت بخدمتك وحظيت برؤيتك فقد صرت سيد العرب فقال كسرى زه وأمره أن يحشي فمه جواهر ورمى إليه وسادة تكرمة له فأخذها ووضعها على رأسه فتغامز عليه من كان حاضراً من المرازبة واستجهل فقال له كسرى ليس هذا مكانها إنما هي للجلوس عليها فقال علمت أيها الملك ولكني لما رأيت عليها صورتك أجللتها فوضعتها على أشرفه أعضائي ليتشرف بها فقال كسرى زه وأمر أن يسور فسور ورؤى كثير راكباً ومحمد بن علي الباقر رضي الله عنه يمشي معه فقيل أتركب ومحمد يمشي فقال هو أمرني بذلك فطاعتي له في الركوب أفضل من عصياني له في المشي ودخل عدي بن أرطاة على شريح القاضي فقال إني رجل من أهل الشام قال بعيد سحيق قال وإني قدمت بلدكم هذه قال خير مقدم قال وإني تزوجت قال بالرفاء والبنين قال وإن امرأتي ولدت غلاماً قال يهنؤك الفارس قال وقد كنت شرطت لها صداقاً قال الشرط أملك قال وقد أردت الخروج بها إلى بلدي قال الرجل أحق بأهله قال فاقض بيننا قال قد فعلت قال بشهادة من قال بشهادة ابن أخت خالتك ودخل عروة بن الزبير بستاناً لعبد الملك بن مروان وقد فتحت أزهاره وأينعت ثماره وبسقت أشجاره واطردت أنهاره وتغردت أطياره فقال له عبد الملك ما أحسن هذا البستان فقال أنت أحسن منه لأنه يؤتي أكله كل عام وأنت تؤى أكلك كل حين وقف المنذر على عجوز من العرب فقال ممن أنت قالت من طيء فقال ما منع طيأ أن يكون فيهم مثل حاتم قالت الذي منع الملوك أن يكون فيهم مثلك فعجب من سرعة جوابها وأمر لها بصلة وركب الرشيد وجعفر بن يحيى يسايره فرأى الرشيد في طريقه أحمالاً مقبلة فسأل عنها فقيل له هدايا خراسان بعث بها علي بن عيسى بن ماهان وكان الرشيد ولاه إياها بعد الفضل بن يحيى فقال الرشيد لجعفر أين كانت هذه أيام أخيك قال في منازل أصحابها يا أمير المؤمنين
نادرة ولي المنصور سليمان بن راشد الموصل وضم إليه ألفاً من العجم وقال له قد ضممت لك ألف شيطان تذل بهم الخلق فلما أتى الموصل عاثوا في البلاد وقطعوا السبل فانتهى خبرهم إلى المنصور فكتب إليه أكفرت النعمة يا سليمان فأجابه وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا فقبل المنصور عذره وصرفهم عنه وقال المتوكل لأبي العيناء ما أشد ما مر عليك في ذهاب بصرك قال فوت رؤيتك يا أمير المؤمنين وحكى أن الحجاج طاف ليله فظفر برجلين سكرانين فقال من أنتما فقال أحدهما
أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره
…
وإن نزلت يوماً فسوف تعود
ترى الناس أفواجاً إلى ضوء ناره
…
فمنهم قيام حولها وقعود
وسأل الآخر فقال
أنا ابن من ذلت الرقاب له
…
ما بين مخزومها وهاشمها
تأتيه بالرغم وهي صاغرة
…
يأخذ من مالها ومن دمها
فسأل الحجاج عن أبويهما فإذا أبو الأول باقلاني وأبو الاخر حجام فقال الحجاج أطلقوهما لأدبهما لا لنسبهما لئن أخطأ النسب فما أخطأ الأدب وقد أخذ بعض الشعراء قول الثاني فقال يمدح حجاماً في معرض التهكم والاستهزاء
أبوك حز النجاد عاتقه
…
كم من كميّ أدمى ومن بطل
يأخذ من ماله ومن دمه
…
لم يمس من ثائر على وجل
وممن رشق من الفهماء بسهام المقال
…
فزبرها بعارضة أحد من النصال
عروة بن الزبير وذلك أنه دخل على عبد الملك بن مروان يوماً فلما استقر به المجلس تجاذب الجلساء أذيال المذاكرة وتساقوا أكواب المحاورة فذكر أخاه
عبد لاله فقال كان أبو بكر يفعل كذا وكذا وكان أبو بكر يقول كذا فقال له انسان تكنيه عند أمير المؤمنين لا أم لك فقال إلي يقال لا أم لك وأنا ابن عجائز الجنة يعني إن صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم جدته وعائشة أم المؤمنين خالته وأسماء ذات النطاقين أمه ودخل شاب على المنصور فسأله عن والده فقال مرض والدي رحمه الله يوم كذا ومات رحمه الله يوم كذا وترك من المال رحمه الله كذا فانتهره الربيع وقال بين يدي أمير المؤمنين توالى بالدعاء لأبيك فقال الشاب لا الومك يا ربيع لأنك لم تعرف حلاوة الاباء فضحك المنصور وخجل الربيع وذلك إن الربيع كان مولى للمنصور لا يعرف له أب قال أبو الفرج الأصفهاني كان الربيع يدعى أنه ابن يونس بن أبي فروة وبنو فروة يدفعون ذلك ويزعمون إنه لقيط وجد منبوذاً وكفله يونس فلما كبر وهبه يونس للمنصور وقبل الخلافة فلما ولي الخلافة جعله حاجباً ثم جعله وزيراً وقال ابن عبدوس الجهشياري هو الربيع بن يونس بن محمد بن أبي فروة واسم أبي فروة كيسان مولى الحرث الحفار مولى عثمان بن عفان وكان يونس شاطراً بالمدينة فعلق أمة قوم بالمدينة ووقع عليها فجاءت بالربيع فاستعبد ولم يكن ليونس مال فيبتاعه فاتباعه زياد بن عبد الله خال أبي عبد الله السفاح فأهداه إليه ولم يزل يخدمه حتى مات فخدم أبا جعفر بعده فخص له واستولى على أمره لحذاقته ونباهته وحكى إن قرشياً سأل خالد بن صفوان بن الأهتم التميمي عن اسمه فانتسب له فقال القرشي إن اسمك لكذب ما أحد في الدنيا بخالد وإن أباك لحجر بعيد من الرشيح وإن جدك لأهتم والصحيح خير من الأهتم فقال له خالد قد سألت فأجبتك فممن أنت قال من قريش قال من أي قريش أنت قال من بني عبد الدار قال خالد لم تصنع شيأً يا أخا عبد الدار فمثلك يشتم تميماً في عزها وشرفها وقد هشمتك هاشم وأمتك أمية وجمحت بك جمح ورضخت رأسك فهر وخزمت أنفك مخزوم ولوت بك لؤي وغلبتك غالب ونفتك مناف وزهرت عليك زهرة وأقصتك قصي فجعلتك عبد دارها ومنهى عارها تفتح إذا دخلوا وتغلق إذا خرجوا فخر الرجل ميتاً من شدة الغيظ فكانت امرأته تنادي في أزقة البصرة صارخة خالد قتل بعلي بلسانه وادعى أهله على خالد بديته لأنه مات بسبب كلامه
وافتخر قوم باليمن عند هشام بن عبد الملك فقال لخالد ابن صفوان أجبهم فقال ما عسى أن أقول لقوم هم بين ناسج برد ودابغ جلد وسائس قرد ملكتهم امرأة ودل عليهم هدهد وغرقتهم فارة وقال معاوية لعقيل ما حال عمك أبي لهب قال في النار يفترش عمتك حمالة الحطب ودخل عقيل بعدما كف بصره على معاوية يوماً فقال له ما بالكم تصابون في أبصاركم يا بني هاشم يعرض به وبعبد الله بن عباس قال كما تصابون أنتم في بصائركم يا بني أمية وحكى إن هند ابنة عتبة بن ربيعة وقفت بالموسم وقالت يا بني هاشم أين أبي أين أخي أين عمي أين الذين كانت وجوههم تضئ للساري في الليل العاكر ونسق بمدحهم لسان الذاكر فقال لها عقيل بن أبي طالب إذا دخلت النار فخذي على شمالك ودخل يزيد بن أبي مسلم على سليمان بن عبد الملك فلما رآه دميماً حقيراً قال له لعنة الله على رجل أجرك رسنه وولاك خيله فقال يا أمير المؤمنين رأيتني والأمر عني مدبر فلور أتيني والأمر علي مقبل لاستعظمت مني ما استصغرت فقال له سليمان أترى الحجاج بلغ قعر جهنم بعد فقال يا أمير المؤمنين يجئ الحجاج يوم القيامة بين أبيك وأخيك قابضاً على يمين أبيك وشمال أخيك فضعه حيث شئت ودخل بعض الشعراء على أمير يريد مدحه فقال له الأمير ممن أنت قال من تميم قال الذين يقول فيهم الشاعر
تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا
…
ولو سلكت سبل المكارم ضلت
أخذت امرأة في زنا فطيف بها على جمل فقال لها بعض المجان كيف خلفت الحاج قالت بخير وكانت أمك في النفر الأول وقال رجل للفرزدق كيف عهدك بالحر قال منذ ماتت عجوزك وقال عبد الله بن طاهر لرجل ما بال شدقك معوجاً قال عقوبة عاقبني الله بها لكثرة ثنائي عليك بالباطل اجتمع أبو حنيفة النعمان بن ثابت وشيطان الطاق إبراهيم بن هرون عند المهدي بعد موت جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه وعن آبائه فقال أبو حنيفة لشيطان الطاق يعرض به مات أمامك فقال له ابشر فإن أمامك من
المنظرين إلي يوم الوقت المعلوم فقال المهدي لله درك لقد أجدت وأمر له بعشرة آلاف درهم ومازح المتوكل أبا العيناء فقال هل أبصرت طالبياً حسن الوجه فقال يا أمير المؤمنين وهل يسئل أعمى عن مثل هذا قال إنما سألتك عما سلف إذ كنت بصيراً قال نعم رأيت منهم ببغداد منذ ثلاثين سنة فتى ما رأيت أجمل منه ولا ألطف شمائل قال المتوكل نجده كان مؤاجراً ونجدك كنت قواداً عليه قال أبو العيناء وتفرغت لهذا يا أمير المؤمنين أتراني كنت أدع موالي وأقود على الغرباء قال اسكت يا مأبون قال مولى القوم منهم قال المتوكل أردت أن أشتفي منهم به فأشتفي لهم مني وقال رجل لمغنية أشتهي أن أقتلك قالت ولم قال لأنك زانية قالت فكل زانيه تقتل قال نعم قالت فابدأ بمن تعول لقي خالد بن صفوان الفرزدق وكان كثيراً ما يداعبه وكان الفرزدق دميماً فقال له أبا فراس ما أنت بالذي لما رأينه أكبرته وقطعن أيديهن فقال الفرزدق ولا أنت أبا صفوان بالذي قالت الفتاة لأبيها في خقه يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمير، رأى أبو نواس غلاماً جميلاً يمشي في بعض السكك فقال له ما تصنع الحور بين الدور فقال الصبي ما يصنع الشيطان بين الحيطان وحبس عمرو بن العاص عن جنده العطاء فقام إليه رجل حميري وقال أصلح الله الأمير إذا لم تعطنا شيأً فاتخذ جنداً من حجارة لا ياكلون ولا يشربون فقال له عمروا خسأ يا كلب فقال الحميري إن كنت كما ذكرت فأنت اذن أمير الكلاب
وممن تهكم في خطابه
…
واعتمد الهزل في جوابه
ما حكي أن خالد بن الوليد لما قدم اليمامة نزل عسكره على قصره من قصور الحيرة يقال له قصر بني بقيلة فسألهم أن يبعثوا له رجلاً من عقلائهم وذوي أنسابهم فبعثوا إليه عبد المسيح بن بقيلة فأقبل يدب في مشيه فقال خالد بعثوا إلينا شيخاً لا يفهم شيأً فلما وصل إليه قال أنعم صباحاً فقال خالد إن الله أكرمنا بتحية خير من هذه ثم قال له أين أقصي أثرك قال ظهر أبي فقال من أين خرجت قال من بطن أمي قال علام أنت قال على الأرض قال فيم أنت قال في ثيابي فقال له تعقل قال نعم وأقيد قال ابن كم أنت
قال ابن رجل وامرأة قال كم أتى عليك قال لو أتى علي شيء لقتلتني قال كم سنك قال ست وثلاثون قال خالد ما رأيت كاليوم أسألك عن شيء وتجيبني عن غيره قال ما أجبتك إلا عما سألت قال كم عمرك قال ثلثمائة وخمسون سنة فجعل لا يسأله عن شيء إلا أجابه وقال الحجاج لرجل من الخوارج أجمعت القرآن قال ما كان مفرقاً فأجمعه قال أفتحفظه قال ما خشيت فراره حتى أفحظه قال ما تقول في أمير المؤمنين قال لعنة الله ولعنك معه قال إنك مقتول فكيف تلقى الله قال ألقاه بعملي وتلقاه بدمي وكان المنصور قد ألزم الناس بلباس قلانس طوال وإن يطيلوا حمائل سيوفهم وإن يكتبوا عليها فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم وذلك في سنة خمس وخمسين ومائة وفي هذه السنة وفد الشافعي رضي الله عنه فدخل عليه أبو دلامة واسمه زيد بن الجون في هذا الزي فقال له كيف أنت يا أبا دلامة قال كيف حال من صار وجهه في وسطه وسيفه في استه ونبذ كتاب الله وراء ظهره فضحك منه وأمر بتغيير ذلك الزي وماتت حمادة بنت عيسى عمة المنصور فخرج في جنازتها فرأى أبا دلامة واقفاً على شفير قبرها فقال ما أعددت لهذه الحفرة يا أبا دلامة قال عمة أمير المؤمنين يؤتى بها الساعة فتدفن فيها فغلب المنصور الضحك حتى ستر وجهه بطرف ردائه حياء من الناس قال فتى لأبيه زوجني قال أو تحسن أن تعمل قال نعم أقيم أيرى وأسدد طعني وألصق عانتي وأشد صمي فقالت أمه لأبيه تعلم أسخن الله عينك من ابني فديته عرض رجل يقال له أبو البقر وكان ظريفاً مطبوعاً ماجناً على موسى بن عبد الملك فقال والله ما أعرف هذا فقال والله إنك لأعرف به من الترك بالبوم والغزاة بالروم والعرب بالشيح والقيصوم ولكنك ضجرت ضجر المحب من الرقيب فقال أنت أبو البقر قال أنا أبو القوم الذين بين يديك فضحك منه وقضى حاجته وتعرض أبو العير للمتوكل والمتوكل مشرف من قصره الجعفري وقد جعل في رجليه قلنسوتين وعلى رأسه خفاً وجعل سراويله قميصاً وقميصه سراويل فقال المتوكل علي بهذه المثلة فلما مثل بين يديه قال له أنت شارب قال لا بل عنفقة يا أمير المؤمنين قال إني أضع رجلك في الأدهم وأنفيك إلى فارس قال ضع رجلي في الأشهب وانفني إلى راجل قال أتراني في قتلك مأثوم قال لا بل ماء بصل يا أمير المؤمنين فضحك منه ووصله
وممن ليم على قبيح فعاله
…
فسدّده بمغالطات مقاله
ما ذكر إن رجلاً كان له أرض إلى جانب أرض لرجل آخر فكان الرجل يضم كل سنة قطعة منها إلى أرضه فقال له يوماً ما هذا النقصان في أرضي والزيادة في أرضك قال ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء قال فمن أين أتيت النقص قال يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم وسئل بعض الوعاظ لم لم تنصرف أشياء فلم يفهم ما قيل له فقال لسائله يا هذا اقتف آثار المهتدين ولا تسأل سؤال الملحدين أما سمعت قول من يحيي الموتى ويميت الأحياء يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء لقد ارتكبت بمخالفتك ذنباً عظيماً فاستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيماً وقرأ قارئ في روضة تخبزون فقال ماجن خشكاراً أم حوارى فقال ما ازاد وافقيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وقال يحيى بن أكثم لشيخ من أهل البصرة بمن اقتديت في تحليل المتعة قال بعمر بن الخطاب قال يحيى كيف هذا وعمر كان أشد الناس فيها لأن الخبر الصحيح أتى عنه إنه صعد المنبر فقال الله ورسوله أحل لكم متعتين وافى محرمهما عليكم وأعاقب من فعلهما قال فنحن نقبل شهادته ولا نقبل تحريمه وحكى إن الفضل بن الربيع قال كنت أقرأ كتاباً ورد علي وإلى جانبي رجل مدني ينظر فيه فقلت له ما تصنع ويحك قال بلغني إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من نظر في كتاب أخيه المؤمن بغير اذنه فكأنما تطلع في النار ولنا أشياخ تقدمونا فأردت أعرف أين مكانهم منها فشغلني الضحك منه عن الانكار عليه ولما قتل الحجاج بن يوسف عبد الله بن الزبير ارتجت مكة بالبكاء فأمر الحجاج الناس أن يجتمعوا إلى المسجد ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال يا أهل مكة بلغني بكاؤكم على ابن الزبير وكان من أحبار هذه الأمة حتى رغب في الخلافة ونازع أهلها فيها فخلع طاعة الله واستكن بحرم الله ولو كان شيأً مانعاً للعصاة لمنعت آدم عليه السلام حرمة الجنة لأن الله خلقه بيده ونفخ فيه من
روحه وأسجد له ملائكته وأباحه جنته فلما أخطأ أخرجه من الجنة بخطيئته وآدم أكرم على الله من ابتن الزبير والجنة أكبر حرمة من الكعبة وجلس نحوي إلى جانب مبر واعظ فلحن الواعظ فقال له النحوي أخطأت يا لحنة فقال الواعظ بديهاً أيها المعرب في أقواله اللاحن في أفعاله مالي أراك تائهاً منكراً أكل ذلك لأنك رفعت ونصبت وخفضت وجزمت هلا رفعت إلى الله يديك في جميع الحاجات ونصبت بين عينيك ذكر الممات وخفضت نفسك عن الشهوات وجزمتها عن اتباع المحرمات أو ما علمت إنه لا يقال يوم القيامة ألا كنت فصيحاً معرباً وإنما يقال لك لم كنت عاصياً مذنباً فلو كان الأمر كما زعمت لخواطب كما حكمت لكان هرون أحق بالرسالة من موسى إذ قال الله تعالى أخباراً عنه وأخي هرون هو أفصح مني لساناً فجعل الرسالة في موسى لفصاحة تبيانه لا لفصاحة لسانه فالفصاحة فصاحة الجنان لا فصاحة اللسان ثم أنشد
مجازف في الفعال ذو زلل
…
حتى إذا جاء قوله وزنه
قال وقد أعجبته لفظته
…
تيهاً وعجباً أخطأت يا لحنه
فقلت أخطأ الذي يقوم غدا
…
ولا يرى في كتابه حسنه
ومن أظرف ما قيل
ياه على الناس باعرابه
…
أي فاحذروني إنني ملسن
إن كان في أقواله معربا
…
فإنه في فعله يلحن
نظر رجل إلى مخنث ينتف لحيته فعنفه فقال له أتحب أن يكون في استك قال لا فقال شيء لا تحبه أن يكون في استك كيف أحب أن يكون في وجهي وقيل لمخنث لم تنتف لحيتك فقال لسائله وأنت أيضاً لم لا تنتفها وسمع بعضهم قارئاً يقرأ الأكراد أشد كفراً ونفاقاً فقال له ويحك إنما هي الأعراب فقال كلهم يقطعون الطريق عليهم لعنة الله وسخطه