المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من الأراذل والمبجلين - غرر الخصائص الواضحة

[الوطواط]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول في الكرم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني في اللؤم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث في العقل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع في الحمق وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس في الفصاحة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس في العي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السابع في الذكاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثامن في التغفل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب التاسع في السخاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الأول

- ‌الباب العاشر في البخل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الحادي عشر في الشجاعة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني عشر في الجبن وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث عشر في العفو وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع عشر في الانتقام وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس عشر في الاخوة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس عشر في العزلة وفيه ثلاثة فصول

- ‌في الكرم

- ‌في وصف الأخلاق الحسان

- ‌المتخلقة بها نفوس الأعيان

- ‌وعلى ذكر الحجاب وإن لم يكن من الباب

- ‌وصف أخلاق أهل الوفاق

- ‌عيون من مكارم الأخلاق الدالة على طيب الأعراق

- ‌من روائع عادات السادات ووشائع سادات العادات

- ‌جوامع ممادح الأخلاق والشيم

- ‌المتحلية بها ذوو الأصالة والكرم

- ‌الأسباب المانعة من السيادة سبعة

- ‌شرح ما ذكر من الأمثال الواقعة في هذا المثال

- ‌الفصل الثاني من الباب الأول

- ‌في ذكر الصنائع والمآثر المفصحة عن أحساب الأكابر

- ‌فمن مآثر ذوي الكرم في النجار

- ‌الذب عن النزيل وحفظ الجار

- ‌من صنيع من زكت في الكرم أرومه

- ‌صون المضيم بنفسه من عدو يرومه

- ‌من أمتن أسباب الحسب والديانة وفاء العهد وأداء الأمانة

- ‌من أحاسن فعلات الأشراف الاتصاف بالعدل والإنصاف

- ‌ومما اتفق على مدحه الأوائل والأواخر تواضع من حاز الفضائل والمفاخر

- ‌مما يدل على شرف الأبوة إلزام النفس بأنواع المروة

- ‌الفصل الثالث من الباب الأول

- ‌في ذم التخلق بالإحسان

- ‌إذا لم يوافق القلب اللسان

- ‌ومما يلحق بهذا أنّ عمل الرياء سالب عن صاحبه جلباب الحياء

- ‌الباب الثاني

- ‌في اللؤم

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم من ليس له خلاق

- ‌وما اتصف به من الأخلاق

- ‌من مساوئ أخلاقهم الذميمة

- ‌نقل الأقدام بالسعاية والنميمة

- ‌الفصل الثاني من الباب الثاني

- ‌في ذكر الفعل والصنيع

- ‌الدالين على لؤم الوضيع

- ‌من الصنيع الدال على لؤم الأصول

- ‌من كان بسيف جوره على العباد يصول

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني

- ‌في أنّ من تخلق باللؤم انتفع

- ‌الباب الثالث

- ‌في العقل

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح العقل وفضله

- ‌شوارد مجموعة في احتياج ذوي العقل والحلم

- ‌إلى اكتساب فضيلتي الأدب والعلم

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث

- ‌في ذكر الفعل الرشيد

- ‌العاقل من شغله عيبه عن عيب من سواه

- ‌ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث

- ‌في هفوات العقال

- ‌الباب الرابع

- ‌في الحمق

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع

- ‌في ذكر النوادر

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع

- ‌في احتجاج الأريب المتحامق

- ‌ومن احتجاج من أطلق نفسه من عقال العقل

- ‌وألقى عصاه عامداً في بيداء الجهل

- ‌من أحاسن أقوالهم في أنّ العقل طريق إلى العنا

- ‌وسدّ يمنع صاحبه من الوصول للغنى

- ‌مما ذكر إنّ الحظ أجدى لصاحب الحجا

- ‌الباب الخامس

- ‌في الفصاحة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌وما أحسن قول بعض الأعاجم يفتخر ويعتذر

- ‌ولأبي إسحق الصابي في الوزير أبي محمد المهلبي رحمه الله تعالى

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس

- ‌في يتحلى به ألباب الأدباء

- ‌ولنذكر من كلام الخطباء ذوي البراعة واللسن ما كان ذا لفظ بديع

- ‌ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الخطب التي حكمت فصاحتها بالعي لقس

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس

- ‌في إنّ معرفة حرفة الأدب مانعة من ترقى أعالي الرتب

- ‌وربما أعدت حرفة الأدب أهل الوراقة

- ‌الباب السادس

- ‌في العي

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌فيما ورد عن ذوي النباهة في ذم العي والفهاهة

- ‌لبعضهم فيمن يلثغ بالراء

- ‌قد يكون البليغ عيياً عند سؤال مطلوبه

- ‌ولبعض الصوفية

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس

- ‌في ذكر من قصر باع لسانه عن ترجمة ما في جنانه

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس

- ‌في أنّ اللسن المكثار لا يأمن آفة الزلل والعثار

- ‌احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس

- ‌الباب السابع

- ‌في الذكاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الفطن والاذهان

- ‌المعظمة من قدر المهان

- ‌وعلى أثر قبح الصورة يقول بعض الشعراء في جحظة

- ‌وأكثر ما يوجد الذكاء المفرط عند العميان

- ‌من اخترع من الأوائل حكمة بثاقب فكره

- ‌الفصل الثاني من الباب السابع

- ‌في ذكر بداهة الأذكياء البديعة

- ‌وأجوبتهم المفحمة السريعة

- ‌الفصل الثالث من الباب السابع

- ‌فيمن سبق بذكائه وفطنته إلى ورود حياض منيته

- ‌منهم من ارتقى بادعائه النبوة مرتقى صعبا

- ‌الباب الثامن

- ‌في التغفل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم البلادة والتغفل من ذوي التعالي والتنزل

- ‌وقد اخترت من مدام المتغفلين مما حسن وراق

- ‌الفصل الثاني من الباب الثامن

- ‌فيمن تأخرت منه المعرفة

- ‌ونوادر أخبارهم المستظرفة

- ‌الفصل الثالث من الباب الثامن

- ‌في أن أنواع التغفل والبله ستور على الأولياء مسبله

- ‌الباب التاسع

- ‌في السخاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل

- ‌ذكر الأجواد المعروفين ببذل الأموال

- ‌النوع الثاني

- ‌الفصل الثاني من الباب التاسع

- ‌في منح الأماجد الأجواد

- ‌وملح الوافدين والقصاد

- ‌ذكر من تبجح بذكر المعروف الذي أسدى إليه

- ‌الفصل الثالث من الباب التاسع

- ‌في ذم السرف والتبذير

- ‌إذ فلهما من سوء التدبير

- ‌الباب العاشر

- ‌في البخل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الإمساك والشح

- ‌وما فيهما من الشين والقبح

- ‌الفصل الثاني من الباب العاشر

- ‌في ذكر نوادر المبخلين

- ‌من الأراذل والمبجلين

- ‌من صان درهمه ولم يسمح به للعطاء

- ‌الفصل الثالث من الباب العاشر

- ‌في مدح القصد في الإنفاق

- ‌خوف التعيير بالإملاق

- ‌الباب الحادي عشر

- ‌في الشجاعة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الشجاعة والبسالة

- ‌وما فيها من الرفعة والجلالة

- ‌الفصل الثاني من الباب الحادي عشر

- ‌في ذكر ما وقع في الحروب

- ‌من شدائد الأزمات والكروب

- ‌يوم كربلاء

- ‌يوم الحرة

- ‌وصف النزال والقتلى

- ‌الفصل الثالث من الباب الحادي عشر

- ‌في ذم التصدي للهلكة

- ‌ممن لا يستطيع بها ملكة

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌في الجبن

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أنّ خلتي الجبن والفرار مما يشين بني الأحرار

- ‌الفصل الثاني من البال الثاني عشر

- ‌في ذكر من جبن عند اللقاء

- ‌خوف الموت ورجاء البقاء

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني عشر

- ‌فيمن ليم على الفرار والإحجام

- ‌فاعتذر بما ينفي عنه الملام

- ‌الباب الثالث عشر

- ‌في العفو

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح من اتصف بالعفو

- ‌عن الذنب المتعمد والسهو

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث عشر

- ‌فيمن حلم عند الاقتدار

- ‌وقبل من المسئ الاعتذار

- ‌ولنعقب هذا الفصل من لطيف الاعتذار

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث عشر

- ‌في ذم العفو عمن أساء

- ‌وانتهك حرمات الرؤساء

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌في الانتقام

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في التشفي والانتقا

- ‌ممن أحضر قسراً في المقام

- ‌ما اخترناه من كلام الحكماء وأقوال الكرام الأماجد

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع عشر

- ‌في ذكر من ظفر فعاقب

- ‌بأشدّ العقوبة ومن راقب

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع عشر

- ‌في أن الانتقام بحدود الله خير فعلات من حكمه الله وولاه

- ‌ما الدية فيه كاملة من جوارح الانسان وحواسه

- ‌ما تختص به المرأة دون الرجل

- ‌الباب الخامس عشر

- ‌في الاخوة

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح اتخاذ الاخوان

- ‌فإنهم العدد والأعوان

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس عشر

- ‌فيما يدين به أهل المحبة

- ‌من شرائع العوائد المستحبة

- ‌ومما يثني عطف الصديق إلى التألف

- ‌اعتذار من لم يهد شيأً

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس عشر

- ‌في ذم الثقيل والبغيض

- ‌بما استحسن من النثر والقريض

- ‌الباب السادس عشر

- ‌في العزلة

- ‌فيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الاستئناس بالناس

- ‌لتلون الطباع وتنافي الأجناس

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس عشر

- ‌فيما يحض على الاعتزال

- ‌من ذميم الخلائق والخلال

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس عشر

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌فيما نختم به الكتاب من دعاء نرجو أن يسمع ويجاب

الفصل: ‌من الأراذل والمبجلين

وقال الثعالبي أول من أخلف المواعيد وكذبها ولم يف بشيء منها إسمعيل بن صبيح كاتب الرشيد وما كانت الرؤسا قبل ذلك يعرفون المواعيد الكاذبة وما أحلى قول بعض الشعراء يخاطب من أخلف عدة وعده إياها من أبيات

ووعدتني عدة ظننتك صادقاً

فجعلت من طمعي أروح وأذهب

فإذا حضرت أنا وأنت بمجلس

قالوا مسيلمة وهذا أشعب

وقال بعض البلغاء يذم مخلف وعده فلان وعده في الخلاف كشجر الخلاف يريك نضارة المنظر ثم لا يجنيك شيأً من الثمر نظمه ابن الرومي فقال

ليس من حل بالمحل الذي أن

ت به من سماحة ووفاء

بذل الوعد للاخلاء طوعاً

وأتى بعد ذاك بذل العطاء

فغدا كالخلاف يحسن للعين

ويأبى الأثمار كل الاباء

آخر

على الدنيا وما فيها السلام

إذا ملكت خزائنها اللئام

راضيت من الأمور بكل شيء

قضاه الله وانقطع الكلام

‌الفصل الثاني من الباب العاشر

‌في ذكر نوادر المبخلين

‌من الأراذل والمبجلين

يجب علينا أن نذكر أولاً ما صدر عن الأمجاد العقلاء في التحذير من سؤال الأجواد والبخلاء ثقة بما ضمنه الله من رزقه الدار على سائر خلقه قالوا مكتوب في التوراة ابن آدم لا تسأل الناس فإن كنت فاعلاً فاسأل معادن الخير ترجع مغبوطاً محسوداً وفي كتاب كليلة ودمنه ينبغي للعاقل أن يرى إن ادخال

ص: 371

يده في فم التنين وابتلاعه سمه أهون عليه من سؤال الناس وقال إبراهيم بن حفصة لابنه يا بني صن شكرك عمن لا يستحقه واطلب المعروف ممن يحسن طلبك إليه واستر ماء وجهك بقناع قناعتك وتسل عن الدنيا بتجافيها عن الكرام وأنشده

هي القناعة فالزمه تكن ملكاً

لو لم يكن لك إلا راحة البدن

وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها

هل راح منها بغير القطن والكفن

وقال لقمان لابنه يا بني لا تخلق وجهك بطلب الحوائج إلى من هو دونك فإنه إن ردك ساق إليك محنة وإن قضى حاجتك أتخذها عليك منة واسأل الله فإن الله يحب من يسأله ويبغض من لا يسأله شاعر

الله يغضب إن تركت سؤاله

وبنيّ آدم حين يسئل يغضب

وقد روى عن سفيان الثوري دعاء ككلام لقمان كان يدعو به إذا احتاج يقول اللهم يا من يحب أن يسئل ويغضب على من لا يسأل وأحب عباده إليه من سأله فأكثر سؤاله وليس أحد كذلك غيرك يا كريم أعطني كذا ويسأل حاجته وقال محمد بن الحنفية رضي الله عنه ما كرمت على عبد نفسه إلا هانت عليه الدنيا شاعر

الحرّ حرّ عزيز النفس حيث ثوى

كالشمس في أيّ برج ذات أنوار

آخر

ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله

عوضاً ولو نال الغنى بسؤال

وإذا السؤال مع النوال وزنته

رجح السؤال وخف كلّ نوال

ص: 372

آخر

لا أستعين باخواني على الزمن

ولا أرى حسناً ما ليس بالحسن

إني كليل إذا استعطفت ذائقة

بما حوت كفه قد كان أغفلني

ذل السؤال وذل الشكر ما اجتمعا

إلا أضرّا بماء الوجه والبدن

لا ابتدى بسؤال لي أخاً أبداً

لو شاء قبل سؤالي منه أكرمني

له الثراء ولي عرض أوفره

عنه ويقنعني قوت يبلغني

محمد بن حازم

أضرع إلى الله لا تضرع إلى الناس

واقنع بيأس فإنّ العز في الياس

فالرزق عن قدر يجري إلى أجل

في كف لا غافل عني ولا ناسي

فكيف ابتاع فقراً حاضراً بغنى

وكيف أطلب حاجاتي من الناس

ولقد أحسن ابن شهيد كل الاحسان في قوله يصف من صان وجهه عن السؤال بقناع قناعته وكف وصبر على مضض الاحتياج بقدر استطاعته فعف

إنّ الكريم إذا نالته مخمصة

أبدى إلى الناس رياً وهو ظمآن

يطوى الضلوع على مثل اللظى حرقاً

والوجه طلق بماء البشر ريان

آخر

وكم قد رأينا من فتى متجمل

يروح ويغدو ليس يملك درهما

يبيت يراعي النجم من سوء حاله

ويصبح يلقى ضاحكاً متبسما

ص: 373

ذكر من كان يدين بالبخل من الملوك واتصف بما لا يحسن بالفقير الصعلوك عبد الله بن الزبير ويكنى أبا حبيب وإنما لم يعد من البخلاء لجلالة رتبته وأصالة أبوته فمما يحكى عنه أنه نظر إلى رجل من جنده قد دق في صدور أصحاب الحجاج في قتاله على مكة ثلاثة أرماح فقال له يا هذا اعتزل عن نصرتنا فإن بيت المال لا يقوم بهذا وفي هذه الحرب يقول معاتباً جنده أكلتم تمري وعصيتم أمري سلاحكم رث وكلامكم غث عيال في الجدب أعداء في الخصب وقال لرجل كان يتعاطى التجارة ما صناعتك قال أتجر في الرقيق فقال ما أشد اقدامك على الغرر وإضاعة المال قال بماذا قال ببضاعتك الملعونة التي هي ضمان نفس ومؤنة ضرس وأتاه عبد الله بن فضالة مستجدياً فأخذ يشكو إليه شدة فاقته وحفا ناقته ووعورة طريقه وبعد مسافته فقال له اخصفها بهلب وارقعها بسبت وانجدها ببرد خفها فقال ابن فضاله إنما جئتك مستجدياً لا مستوصفاً فلا بقيت ناقة حملتني إليك قال إن وصاحبها قوله إن بمعنى نعم قال أبو عبيدة معمر بن المثنى لو تكلف الحرث بن كلدة طبيب العرب من وصف علاج ناقة هذا ما تكلفه هذا الخليفة لعسر عليه ويقال إنه كان يأكل في كل سبعة أيام أكلة واحدة ويقول إنما بطني شبر في شبر وما عسى يكفيني ومن بخلاء الخلفاء عبد الملك بن مروان وكان يسمى رشح الحجر ولبن الطير أيضاً لبخله وهشام ولده كان ينظر في القليل من المال ويمنع السائل وإن ألحف في السؤال ويبيع ما يهدي إليه ويجعل السب صلة من يقرظه ويثني عليه من حكاياته إنه وفد عليه محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له مالك عندي شيء ثم قال إياك أن يغرك أحد فيقول لك لم يعرفك أمير المؤمنين أنت فلان بن فلان فلا تقيمن فتنفق ما معك فليس لك عندي صلة فبادر وألحق بأهلك وكان معاوية يبخل في طعامه مع كثرة جوده بالمال قال لرجل وأكله أرفق بيدك فقال له الرجل وأنت فاغضض من طرفك وبلغه أن الناس يبخلونه فقام على المنبر وقال إن الله تعالى يقول وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم

ص: 374

فلأي شيء نلام نحن فقام إليه الأحنف بن قيس وقال نحن ما نلومك على ما في خزائن الله ولكن نلومك على ما في خزائنك إذا اغتلقت بابك دونه والمنصور وكان يلقب أبا الدوانيق ولقب بذلك لأنه لما بنى بغداد كان ينظر في العمارة بنفسه فيحاسب الصناع والأجراء فيقول لهذا أنت نمت القائلة ولهذا أنت لم تبكر إلى عملك ولهذا أنت انصرفت لم تكمل اليوم فيعطي كل واحد منهم بحسب ما عمل في يومه فلا يكاد يعطي أجرة يوم كامل ويحكي عنه أنه قال لطباخيه لكم ثلاث وعليكم اثنان لكم الرؤس والأكارع والجلود وعليكم الحطب والتوابل ومن حكاياته الدالة على شدة بخله أن الربيع بن يونس حاجبه قال له يوماً يا أمير المؤمنين إن الشعراء ببابك وهم كثيرون وقد طالت أيام إقامتهم ونفدت نفقاتهم فقال اخرج إليهم واقرأ عليهم السلام وقل لهم من مدحنا منكم فلا يصفنا بالأسد فإنما هو كلب من الكلاب ولا بالحية فإنما هي دويبة ميتة تأكل التراب ولا بالحلي فإنما حجر أصم ولا بالبحر فإنه ذو غطامط فمن ليس في شعره شيء من هذا فليدخل ومن كان في شعره شيء من هذا فلينصرف فانصرفوا كلهم إلا إبراهيم ابن هرمة فإنه قال أدخلني فأدخله فلما مثل بين يديه قال يا ربيع قد علمت أنه لا يجيبك أحد غيره هات يا إبراهيم فأنشده القصيدة التي أولها

سرى نومه عني الصبا المتحامل

واذن بالبين الحبيب المزايل

حتى انتهى إلى قوله

له لحظات في حفا في سريره

إذا كرّها فيها عقاب ونائل

فأم الذي أمنت آمنة الردى

وأم الذي خوّفت بالثكل ثاكل

فرفع له الستر وأقبل عليه مصغياً إليه حتى فرغ من إنشادها ثم أمر له بعشرة آلاف درهم وقال له يا إبراهيم لا تتلفها طمعاً في نيل مثلها فما في كل وقت تصل إلينا وتنال مثلها منا فقال إبراهيم ألقاك بها يا أمير المؤمنين يوم العرض

ص: 375

وعليها خاتم الجهبذ ودخل المؤمل بن أميل على المهدي بالري وهو إذ ذاك ولي عهد أبيه المنصور فامتدحه بأبيات يقول فيها

هو المهدي إلا أنّ فيه

تشابه صورة القمر المثير

تشابه ذا وذا فهماً إذا ما

أنارا يشكلان على البصير

فهذا في الضياء سراج عدل

وهذا في الظلام سراج نور

ولكن فضل الرحمن هذا

على ذا بالمنابر والسرير

ونقص الشهر يخمد ذا وهذا

منير عند نقصان الشهور

ومنها

فإن سبق الكبير فأهل سبق

له فضل الكبير على الصغير

وإن بلغ الصغير مدى كبير

فقد خلق الصغير من الكبير

فأعطاه عشرين ألف درهم فكتب بذلك صاحب البريد إلى المنصور وهو بمدينة السلام بغداد فكتب إليه المهدي يلومه على هذا العطاء ويقول له إنما كان ينبغي لك أن تعطي الشاعر إذا أقام ببابك سنة أربعة آلاف درهم وأمر كاتبه أن يوجه إليه بالشاعر فطلب فلم يوجد وذكر أنه توجه إلى بغداد فكتب الكاتب إلى المنصور بذلك فأمر بعض القواد بارصاد المؤمل على باب بغداد فجعل القائد يتصفح وجوه الناس القادمين عليها ويسألهم عن أسمائهم وأسماء آبائهم حتى وقع على المؤمل فسأل عن اسمه فأخبره فقال أنت بغية أمير المؤمنين وطلبته قال المؤمل فكاد والله قلبي ينصدع خوفاً وفزعاً ثم أخذ بيدي فسارني إلى الربيع فأدخلني على المنصور فقال يا أمير المؤمنين هذا المؤمل بن أيمل قد ظفرت به فسلمت فرد السلام فسكن جأشي وزال استيحاشي عند ذلك واطمأن قلبي وزال روعي ثم قال لي أتيت غلاماً ما غرا فخدعته فانخدع فقلت يا أمير المؤمنين أتيت ملكاً جواداً كريماً فمدحته فحمله كرم أعراقه ومكارم شيمه على صلتي وبري فأعجبه كلامي ثم قال أنشدني ما قلت فيه فأنشدته القصيدة فقال والله لقد أحسنت ولكنها لا تساوي عشرين ألفاً يا ربيع خذ منه المال وأعطه منه أربعة آلاف درهم ففعل فلما ولي المهدي الخلافة قدم عليه المؤمل

ص: 376

فأخبره بما دار بينه وبين المنصور فضحك وأمر له برد ما أخذ منه فرد عليه وأشرف يوماً على الصياد فرأى صائداً اصطاد سمكة عظيمة فقال لبعض مواليه اخرج إلى المتسبب فمره أن يوكل بالصياد من يدور معه من حيث لا يشعر فإذا باع السمكة قبض على مشتريها وصار به إلينا ففعل المتسبب ما أمر به فلقى الصياد رجلاً نصرانياً فابتاع منه السمكة بثلثي درهم فلما صارت السمكة في يد النصراني وذهب بها قبض عليه الأعوان وأتى به المتسبب وأدخله على المنصور فقال له من أنت قال رجل نصراني قال بكم ابتعت هذه السمكة قال بثلثي درهم قال وكم عيالك قال ليس لي عيال قال وأنت يمكنك أن تشتري مثل هذه السمكة بمثل هذا الثمن كم عندك من المال قال ما عندي شيء فقال للمتسبب خذه إليك فإن أقر بجميع ما عنده وإلا فمثل به فأقر بعشرة آلاف درهم قال كلا إنها أكثر فأقر بثلاثين ألف درهم وأحل دمه إن وقف له على أكثر منها قال له من أين جمعتها قال وأنا آمن يا أمير المؤمنين قال له وأنت آمن على نفسك إن صدقت قال كنت جاراً لأبي أيوب فولاني جهبذة بعض نواحي الأهواز فأصبت هذا المال فقال المنصور الله أكبر هذا مالنا اختنته وأمر المتسبب بحمل المال واطلاق الرجل وقد حكى ابن حمدون في تذكرته أن المنصور حج في بعض السنين فحدا به سالم الحادي في طريقه يوماً بقول الشاعر

أبلج بين حاجبيه نوره

إذا تغذى رفعت ستوره

يزينه حياؤه وخيره

ومسكه يشوبه كافوره

فطرب المنصور حتى ضرب برجله المحمل ثم قال يا ربيع أعطه عشرة دراهم وفي رواية نصف درهم فقال سالم لا عيرنا أمير المؤمنين والله لقد حدوت لهشام ابن عبد الملك فأمر لي بثلاثين ألف درهم فقال المنصور ما كان له أن يعطيك من بيت مال المسلمين ما ذكرت يا ربيع وكل به من يستخرج منه هذا المال قال الربيع فما زلت أسفر بينهما حتى شرط عليه أن يحدو به في خروجه وقفوله بغير مؤنة وكان سالم هذا المذكور تورد له الابل بعد أن نظمأ السبعة أيام والثمان والتسع والعشر فيحدو لها فيلهيها بحدوه عن ورود الماء

ص: 377