المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عن الذنب المتعمد والسهو - غرر الخصائص الواضحة

[الوطواط]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول في الكرم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني في اللؤم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث في العقل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع في الحمق وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس في الفصاحة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس في العي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السابع في الذكاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثامن في التغفل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب التاسع في السخاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الأول

- ‌الباب العاشر في البخل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الحادي عشر في الشجاعة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني عشر في الجبن وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث عشر في العفو وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع عشر في الانتقام وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس عشر في الاخوة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس عشر في العزلة وفيه ثلاثة فصول

- ‌في الكرم

- ‌في وصف الأخلاق الحسان

- ‌المتخلقة بها نفوس الأعيان

- ‌وعلى ذكر الحجاب وإن لم يكن من الباب

- ‌وصف أخلاق أهل الوفاق

- ‌عيون من مكارم الأخلاق الدالة على طيب الأعراق

- ‌من روائع عادات السادات ووشائع سادات العادات

- ‌جوامع ممادح الأخلاق والشيم

- ‌المتحلية بها ذوو الأصالة والكرم

- ‌الأسباب المانعة من السيادة سبعة

- ‌شرح ما ذكر من الأمثال الواقعة في هذا المثال

- ‌الفصل الثاني من الباب الأول

- ‌في ذكر الصنائع والمآثر المفصحة عن أحساب الأكابر

- ‌فمن مآثر ذوي الكرم في النجار

- ‌الذب عن النزيل وحفظ الجار

- ‌من صنيع من زكت في الكرم أرومه

- ‌صون المضيم بنفسه من عدو يرومه

- ‌من أمتن أسباب الحسب والديانة وفاء العهد وأداء الأمانة

- ‌من أحاسن فعلات الأشراف الاتصاف بالعدل والإنصاف

- ‌ومما اتفق على مدحه الأوائل والأواخر تواضع من حاز الفضائل والمفاخر

- ‌مما يدل على شرف الأبوة إلزام النفس بأنواع المروة

- ‌الفصل الثالث من الباب الأول

- ‌في ذم التخلق بالإحسان

- ‌إذا لم يوافق القلب اللسان

- ‌ومما يلحق بهذا أنّ عمل الرياء سالب عن صاحبه جلباب الحياء

- ‌الباب الثاني

- ‌في اللؤم

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم من ليس له خلاق

- ‌وما اتصف به من الأخلاق

- ‌من مساوئ أخلاقهم الذميمة

- ‌نقل الأقدام بالسعاية والنميمة

- ‌الفصل الثاني من الباب الثاني

- ‌في ذكر الفعل والصنيع

- ‌الدالين على لؤم الوضيع

- ‌من الصنيع الدال على لؤم الأصول

- ‌من كان بسيف جوره على العباد يصول

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني

- ‌في أنّ من تخلق باللؤم انتفع

- ‌الباب الثالث

- ‌في العقل

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح العقل وفضله

- ‌شوارد مجموعة في احتياج ذوي العقل والحلم

- ‌إلى اكتساب فضيلتي الأدب والعلم

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث

- ‌في ذكر الفعل الرشيد

- ‌العاقل من شغله عيبه عن عيب من سواه

- ‌ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث

- ‌في هفوات العقال

- ‌الباب الرابع

- ‌في الحمق

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع

- ‌في ذكر النوادر

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع

- ‌في احتجاج الأريب المتحامق

- ‌ومن احتجاج من أطلق نفسه من عقال العقل

- ‌وألقى عصاه عامداً في بيداء الجهل

- ‌من أحاسن أقوالهم في أنّ العقل طريق إلى العنا

- ‌وسدّ يمنع صاحبه من الوصول للغنى

- ‌مما ذكر إنّ الحظ أجدى لصاحب الحجا

- ‌الباب الخامس

- ‌في الفصاحة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌وما أحسن قول بعض الأعاجم يفتخر ويعتذر

- ‌ولأبي إسحق الصابي في الوزير أبي محمد المهلبي رحمه الله تعالى

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس

- ‌في يتحلى به ألباب الأدباء

- ‌ولنذكر من كلام الخطباء ذوي البراعة واللسن ما كان ذا لفظ بديع

- ‌ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الخطب التي حكمت فصاحتها بالعي لقس

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس

- ‌في إنّ معرفة حرفة الأدب مانعة من ترقى أعالي الرتب

- ‌وربما أعدت حرفة الأدب أهل الوراقة

- ‌الباب السادس

- ‌في العي

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌فيما ورد عن ذوي النباهة في ذم العي والفهاهة

- ‌لبعضهم فيمن يلثغ بالراء

- ‌قد يكون البليغ عيياً عند سؤال مطلوبه

- ‌ولبعض الصوفية

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس

- ‌في ذكر من قصر باع لسانه عن ترجمة ما في جنانه

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس

- ‌في أنّ اللسن المكثار لا يأمن آفة الزلل والعثار

- ‌احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس

- ‌الباب السابع

- ‌في الذكاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الفطن والاذهان

- ‌المعظمة من قدر المهان

- ‌وعلى أثر قبح الصورة يقول بعض الشعراء في جحظة

- ‌وأكثر ما يوجد الذكاء المفرط عند العميان

- ‌من اخترع من الأوائل حكمة بثاقب فكره

- ‌الفصل الثاني من الباب السابع

- ‌في ذكر بداهة الأذكياء البديعة

- ‌وأجوبتهم المفحمة السريعة

- ‌الفصل الثالث من الباب السابع

- ‌فيمن سبق بذكائه وفطنته إلى ورود حياض منيته

- ‌منهم من ارتقى بادعائه النبوة مرتقى صعبا

- ‌الباب الثامن

- ‌في التغفل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم البلادة والتغفل من ذوي التعالي والتنزل

- ‌وقد اخترت من مدام المتغفلين مما حسن وراق

- ‌الفصل الثاني من الباب الثامن

- ‌فيمن تأخرت منه المعرفة

- ‌ونوادر أخبارهم المستظرفة

- ‌الفصل الثالث من الباب الثامن

- ‌في أن أنواع التغفل والبله ستور على الأولياء مسبله

- ‌الباب التاسع

- ‌في السخاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل

- ‌ذكر الأجواد المعروفين ببذل الأموال

- ‌النوع الثاني

- ‌الفصل الثاني من الباب التاسع

- ‌في منح الأماجد الأجواد

- ‌وملح الوافدين والقصاد

- ‌ذكر من تبجح بذكر المعروف الذي أسدى إليه

- ‌الفصل الثالث من الباب التاسع

- ‌في ذم السرف والتبذير

- ‌إذ فلهما من سوء التدبير

- ‌الباب العاشر

- ‌في البخل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الإمساك والشح

- ‌وما فيهما من الشين والقبح

- ‌الفصل الثاني من الباب العاشر

- ‌في ذكر نوادر المبخلين

- ‌من الأراذل والمبجلين

- ‌من صان درهمه ولم يسمح به للعطاء

- ‌الفصل الثالث من الباب العاشر

- ‌في مدح القصد في الإنفاق

- ‌خوف التعيير بالإملاق

- ‌الباب الحادي عشر

- ‌في الشجاعة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الشجاعة والبسالة

- ‌وما فيها من الرفعة والجلالة

- ‌الفصل الثاني من الباب الحادي عشر

- ‌في ذكر ما وقع في الحروب

- ‌من شدائد الأزمات والكروب

- ‌يوم كربلاء

- ‌يوم الحرة

- ‌وصف النزال والقتلى

- ‌الفصل الثالث من الباب الحادي عشر

- ‌في ذم التصدي للهلكة

- ‌ممن لا يستطيع بها ملكة

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌في الجبن

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أنّ خلتي الجبن والفرار مما يشين بني الأحرار

- ‌الفصل الثاني من البال الثاني عشر

- ‌في ذكر من جبن عند اللقاء

- ‌خوف الموت ورجاء البقاء

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني عشر

- ‌فيمن ليم على الفرار والإحجام

- ‌فاعتذر بما ينفي عنه الملام

- ‌الباب الثالث عشر

- ‌في العفو

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح من اتصف بالعفو

- ‌عن الذنب المتعمد والسهو

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث عشر

- ‌فيمن حلم عند الاقتدار

- ‌وقبل من المسئ الاعتذار

- ‌ولنعقب هذا الفصل من لطيف الاعتذار

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث عشر

- ‌في ذم العفو عمن أساء

- ‌وانتهك حرمات الرؤساء

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌في الانتقام

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في التشفي والانتقا

- ‌ممن أحضر قسراً في المقام

- ‌ما اخترناه من كلام الحكماء وأقوال الكرام الأماجد

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع عشر

- ‌في ذكر من ظفر فعاقب

- ‌بأشدّ العقوبة ومن راقب

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع عشر

- ‌في أن الانتقام بحدود الله خير فعلات من حكمه الله وولاه

- ‌ما الدية فيه كاملة من جوارح الانسان وحواسه

- ‌ما تختص به المرأة دون الرجل

- ‌الباب الخامس عشر

- ‌في الاخوة

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح اتخاذ الاخوان

- ‌فإنهم العدد والأعوان

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس عشر

- ‌فيما يدين به أهل المحبة

- ‌من شرائع العوائد المستحبة

- ‌ومما يثني عطف الصديق إلى التألف

- ‌اعتذار من لم يهد شيأً

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس عشر

- ‌في ذم الثقيل والبغيض

- ‌بما استحسن من النثر والقريض

- ‌الباب السادس عشر

- ‌في العزلة

- ‌فيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الاستئناس بالناس

- ‌لتلون الطباع وتنافي الأجناس

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس عشر

- ‌فيما يحض على الاعتزال

- ‌من ذميم الخلائق والخلال

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس عشر

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌فيما نختم به الكتاب من دعاء نرجو أن يسمع ويجاب

الفصل: ‌عن الذنب المتعمد والسهو

‌الباب الثالث عشر

‌في العفو

وفيه ثلاثة فصول

‌الفصل الأول من هذا الباب

‌في مدح من اتصف بالعفو

‌عن الذنب المتعمد والسهو

قال الله تعالى وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم وقال تعالى فمن عفى وأصلح فأجره على الله وقال تعالى وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوبا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقال مسلماً عثرته أقاله الله عثراته يوم القيامة وقال عليه الصلاة والسلام إن العفو لا يزيد العبد إلا عزاً فاعفوا يعزكم الله ويروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال ما من امام عفا بعد قدرة إلا قيل له يوم القيامة ادخل الجنة بغير حساب وقال معاذ بن جبل لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي ما زال جبريل يوصيني بالعفو فلولا علمي بالله لظننت أنه يوصيني بترك الحدود وقيل لأبي الدرداء من أعز الناس قال الذي يعفو إذا قدر وينصر إذا استنصر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عفا عمن ظلمه صغيرة أو كبيرة فاجره على الله ومن كان أجره على الله فهو من المقربين يوم القيامة

ص: 467

وحده على ما قاله بعض العلماء وقد سئل عنه هو ترك المكافأة عند القدرة قولاً وفعلاً وقال آخر هو السكون عند الأحوال المحركة للانتقام وهو يجمع أشرف الخلال وأكرم الخصال وأفضل شمائل الجلال وأعلى مراتب الكمال وركن متين وحصن حصين من استند إليه واعتمد عيه استنارت له الظلم وأمن من عثرات القدم وعصم من مواقع الندم ويكفي في شرفه إن الانسان لا يسمى حليماً حتى يكون عاقلاً عالماً محسناً صبوراً وحتى يجمع عظم القدر إلى سعة الصدر وقالوا الحليم من لم يكن حلمه لفقد النصرة وعدم القدرة وهو غريزة في الانسان يمنحها واهب الاحسان تصدر عن صدر سالم من الغوائل والأدواء صاف من شوائب الكدر ولاقذاء لا تستطاع بتعلم وتفكر ولا تدرك بتفقه وتبصر كما قال أبو الطيب المتنبي

وإذا الحلم لم يكن في طباع

لم يحلم تقدّم الميلاد

فقد يكون طبيعة ويكون مكتسباً مستفاداً بتمرن النفس إليه وتنقاد حباً في المحمدة إليه ويعضد هذا ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاشح عبد القيس يا أبا المنذر إن فيك خصلتين يرضاهما الله ورسوله الحلم والأناة فقال يا رسول الله أشيء جبلني الله عليه أو شيء اخترعته من قبل نفسي قال بل شيء جبلك الله عليه فقال الحمد لله الذي جبلني على خلق يرضاه الله ورسوله وقال المخالفون لهذا المذهب الحلم بالتحلم كما أن العلم بالتعلم واستدلوا لهذا القول بما يروى أن جعفر بن محمد الصادق كان إذا أذنب له عبد أعتقه فقيل له في ذلك فقال إني أريد بفعلي هذا تعلم الحلم وقيل كان له عبد سيء الخلق فقيل له ما بقاء مثل هذا عندك وأنت قادر على أن تستبدل به غيره قال لأتعلم به الحلم ومن ذلك قول الأحنف من لم يصبر على كلمة سمع كلمات وأنشد

وليس يتم الحلم للمرء راضياً

إذا هو عند السخط لم يتحلم

كما لا يتم الحلم للمرء موسراً

إذا هو عند العسر لم يتحشم

ص: 468

ومن أحاسن الكلام الصادر عن الحكماء في شرف الحلم ومن تخلق به من الحلماء قالوا الحلم والأناة توأمان نتيجتهما علو الهمة وهذا كما ورد عن علي رضي الله عنه أنه سأل رجلاً من أهل فارس عمن كان أحمد ملوكهم سيرة قال أنوشروان فقال علي أي أخلاقه كان أغلب عليه قال الحلم والأناة فقال على هما قوام الملك نتيجتهما علو الهمة والأناة ترك العجلة بالانتقام عند القدرة قال إبراهيم بن العباس الصولي

لن يدرك المجد أقواماً وإن كرموا

حتى يذلوا وإن عزو الأقوام

ويشتموا فترى الألوان مسفرة

لا صفح ذل ولكن صفح اكرام

وقال قابوس بن وشمكير العفو عن الذنب من واجبات الكرم وقبول المعذرة من محاسن الشيم ومن كلام التبوة كاد الحليم أن يكون نبياً ورأى حكيم نزقة من ملك فقال أيها الملك ليس التاج الذي يفتخر به عظماء الملوك فضة ولا ذهباً ولكنه الوقار المكلل بجواهر الحلم وأحق الملوك بالبسطة من حلم عند ظهور السقطة وقال معاوية لابنه يزيد عليك بالحلم والاحتمال حتى تمكنك الفرصة فإذا أمكنتك فعليك بالصفح فإنه يدفع عنك مضلات الأمور ويوقيك مصارع المحذور وقال الشاعر

لا تحسبن الحلم منك مذلة

إنّ الحليم هو الأعز الأمنع

إن جرعوك الغيظ فأجرعه لهم

تؤجر وتحمد غب ما يتجرع

آخر

إنّ التحلم ذل أنت عارفه

والحلم عن قدرة أفضل من الكرم

وقال معاوية أفضل ما أعطى الرجل الحلم فإنه إذا ذكر ذكر وإذا قدر غفر وإذا أساء استغفر وقالوا العفو يزين حالات من قدر كما يزين الحلي قبيحات الصور وقالوا الحلم مطية وطية تبلغ راكبها قصبة المجد وتملكه ناصية

ص: 469

الجد وقال بعض البلغاء من غرس الحلم شجراً وسقاه الأناة درراً جنى العز منه ثمراً وأثبت المكارم أثراً شاعر

إذا شئت يوماً أن تسود عشيرة

فبالحلم سدلاً بالتسرع والشتم

فللعلم خير فاعلمن مظنة

من الجهل إلا أن تشينه بالظلم

آخر

اخفض جناحك للقرابة والقهم

بتودد واغضض لهم ان أذنبوا

وصل الكرام فإن ظفرت بزلة

فالصفح عنهم والتجاوز قرب

آخر

إلا إنّ حلم المرء أكرم نسبة

تسامى بها عند الفخار كريم

فيا رب هب لي منك حلماً فإنني

أرى الحلم لم يندم عليه حليم

وقالوا الحلم حجاب الآفات وقالوا من غرس شجر الحلم اجتنى ثمر السلم وقال عمر بن عبد العزيز ما قرن الله شيأً إلى شيء أفضل من علم إلى حلم ومن عفو إلى قدرة وقال حكيم خير الأمور بغية العفو وخير العفو ما كان عن قدرة وقال الشاعر

العفو يعقب راحة ومحبة

والصفح عن ذنب المسئ جميل

وقال عمر أيضاً استدعوا العفو من الله بالعفو عن الناس والرحمة بهم والشفقة عليهم وقالوا اعف عمن لم يسلك من سخطك طريقاً حتى يأخذ من رجائك طريقاً ويروى عن عيسى عليه السلام أنه قال ليس الاحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك إنما تلك مكافأة وإنما الاحسان أن تحسن إلى من أساء إليك وقال سعيد بن العاص ما شاتمت أحداً مذ صرت رجلاً لأني ما أشاتم إلا أحد رجلين إما كريماً فأنا أحق أن أحتمله أو لئيماً فأنا أولى من رفع نفسه عنه وقال عمر بن الخطاب ادرؤا الحدود بالشبهات ولان يخطئ الامام في

ص: 470

العفو أحب إلي من أن يخطئ في العقوبة فإذا وجدتم مخرجاً للسلم فادرؤا الحدود شاعر

وما بال من أسعى لاجبر عظمه

سفاهاً وينوي من سفاهته كسرى

أظن خطوب الدهر بيني وبينهم

ستحملهم مني على مركب وعر

أعوذ على ذي الجهل والحلم منهم

بحلمي ولو عاقبت غرقهم بحري

أناة وحلماً وانتظاراً بهم غدا

وما أنا بالواني ولا الضرع الغمر

ألم تعلموا أني تخاف عزيمتي

وإن قناتي لا تلين على الكسر

من عرف بالعفو عند خطا الجاني

وصار بالأناءة عليه كالأب الحاني

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حليماً رحيماً رؤفاً عطوفاً يهب ويسمح ويعفو ويصفح وكان كسرى يقول عفوي عمن أساء إلي بعد قدرتي عليه أسر لي مما ملكت وكان معاوية يقول ما وجدت لذة ألذ عندي من غيظ أتجرعه ومن سفه بالحلم أقمعه وكان يقول إني لاكره أن يكون في الأرض جهل لا يشمله حلمي وذنب لا يسعه عفوي وكان المأمون ممن أوتي الحلم طبعاً لا تطبعاً ومنح العفو خلقاً لا تخلقاً فكان يقول إني لاستحلي العفو حتى أخاف إني لا أوجر عليه ولو علم الناس محبتي في العفو لتقربوا إلي بالذنوب فكأنه القائل بلسان كرمه وأفضاله لا بلسان نطقه ومقاله

وجهل رددناه بفضل حلومنا

ولو أننا شئنا رددناه بالجهل

رجحنا وقد خفت حلوم كثيرة

وعدنا على أهل السفاهة بالفضل

عامر العدواني

إني غفرت لظالمي ظلمي

وتركت ذاك له على علمي

فرأيته أسدى إليّ يداً

لما أبان بجهله حلمي

ص: 471

وكان يقول ليس في الحلم مؤنة ووددت أن أهل الجرائم عرفوا رأيي في الحلم حتى يذهب عنهم الخوف فتصفو إلي قلوبهم وكان يقول المذنبون ثلاثة فمنهم من ذنبه مقرون بعذره قد أماطه عنه وأخرجه سليماً منه ومنهم من ذنبه فاضح وعذره غير واضح وهو فرد لا أخ له وفذ لا توأم معه فالأولى به أن يقال إذا اعترف بالحوبة وأخلص لي التوبة ومنهم المتردد في هفواته والمتكرر في عثراته الجارية عادته أن يكثر التوبة إذا تاب ويفسخ عقد الانابة متى أناب فذاك الذي يعاقب بالاطراح ولا يطمع في شخصه بالفلاح وكان أسماء بن خارجة يقول ما أتاني أحد بما أكره إلا أخذت عليه بثلاث خصال فإن كان فوقي عرفت له فضل التقدم فاتبعته وإن كان دوني صفت نفسي عنه وإن كان مثلي تفضلت عليه نظم محمود الوراق هذه الكلمات في هذه الثلاثة الأبيات فقال

سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب

وإن عظمت منه عليّ الجرائم

فما الناس إلا واحد من ثلاثة

شريف ومشروف ومثلي مقاوم

فأما الذي فوقي فاعرف فضله

واتبع فيه الحق والحق لازم

وأما الذي دوني فإن قال منكراً

صفحت له عنه وإن لام لائم

وأمّا الذي مثلي فإن زلّ أو هفا

تفضلت إنّ الفضل بالحلم حاكم

الناشي في مثل هذا

إذا كان دوني من بليت بجهله

أبيت لنفسي أن أقابل بالجهل

فإن كنت أدنى منه في العلم والحجى

عرفت له حق التقدّم بالفضل

وإن كان مثلي في محلّ من النهى

أردت لنفسي أن أجلّ عن المثل

وقال المأمون وجدت المسئ إلي عبد الله ولو أساء إلي عبد لاخ لصفحت عنه اكراماً له فكيف لا أصفح عن عبد مسئ هو عبد الله تعالى

ص: 472

ولأبي فراس الحمداني

ما كنت مذ كنت الأطوع خلاني

ليست مؤاخذة الاخوان من شاني

يجنى الخليل فاستجلى جنايته

حتى أدلّ على عفوي واحساني

يجنى عليّ وأحنو دائماً أبداً

لا شيء أحسن من حان على جان

وقال رجل للأحنف في مشاجرة وقعت بينهما إن قلت كلمة لتسمعن عشر كلمات فقال الأحنف لو قلت عشراً لم تسمع واحدة ومن حكاياته الدالة على كرم نجره القاضية له بتضعيف أجره أن رجلاً جعل له ألف درهم على أن يغضبه فوقف الرجل وبالغ في سبه والأحنف يعرض عنه غير مكترث به فلما رآه لا ينظر إليه ولا يرد عليه أقبل يعض أنامله ويقول واسوأتاه والله ما يمنعه من جوابي إلا هواني عليه ولهذا قيل الحليم من صمت عن سماع الخنى وأغضت عيناه على مضض القذى

ما اخترناه وانتقيناه من غرر الممادح

المقولة فيمن أغضى عن المسئ القادح

مدح أعرابي رجلاً بالحلم فقال إن أذنبت إليه استغفر فكأنه المذنب وإن أحسن إليك اعتذر فكأنه المسئ الحسن بن رجاء في المأمون

صفوح عن الاجرام حتى كأنه

من العفو لم يعرف من الناس مجرما

وليس يبالي أن يكون به الأذى

إذا ما الأذى لم يغش بالكره مسلما

وقال آخر

يعفو عن الذنب العظي

م وليس يعجزه انتصاره

صفحاً على الباغي علي

هـ وقد أحاط به اعتذاره

ص: 473