المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إلى معاوية فسلموا عليه بالخلافة وبايعوه فكان علي رضي الله - غرر الخصائص الواضحة

[الوطواط]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول في الكرم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني في اللؤم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث في العقل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع في الحمق وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس في الفصاحة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس في العي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السابع في الذكاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثامن في التغفل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب التاسع في السخاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الأول

- ‌الباب العاشر في البخل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الحادي عشر في الشجاعة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني عشر في الجبن وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث عشر في العفو وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع عشر في الانتقام وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس عشر في الاخوة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس عشر في العزلة وفيه ثلاثة فصول

- ‌في الكرم

- ‌في وصف الأخلاق الحسان

- ‌المتخلقة بها نفوس الأعيان

- ‌وعلى ذكر الحجاب وإن لم يكن من الباب

- ‌وصف أخلاق أهل الوفاق

- ‌عيون من مكارم الأخلاق الدالة على طيب الأعراق

- ‌من روائع عادات السادات ووشائع سادات العادات

- ‌جوامع ممادح الأخلاق والشيم

- ‌المتحلية بها ذوو الأصالة والكرم

- ‌الأسباب المانعة من السيادة سبعة

- ‌شرح ما ذكر من الأمثال الواقعة في هذا المثال

- ‌الفصل الثاني من الباب الأول

- ‌في ذكر الصنائع والمآثر المفصحة عن أحساب الأكابر

- ‌فمن مآثر ذوي الكرم في النجار

- ‌الذب عن النزيل وحفظ الجار

- ‌من صنيع من زكت في الكرم أرومه

- ‌صون المضيم بنفسه من عدو يرومه

- ‌من أمتن أسباب الحسب والديانة وفاء العهد وأداء الأمانة

- ‌من أحاسن فعلات الأشراف الاتصاف بالعدل والإنصاف

- ‌ومما اتفق على مدحه الأوائل والأواخر تواضع من حاز الفضائل والمفاخر

- ‌مما يدل على شرف الأبوة إلزام النفس بأنواع المروة

- ‌الفصل الثالث من الباب الأول

- ‌في ذم التخلق بالإحسان

- ‌إذا لم يوافق القلب اللسان

- ‌ومما يلحق بهذا أنّ عمل الرياء سالب عن صاحبه جلباب الحياء

- ‌الباب الثاني

- ‌في اللؤم

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم من ليس له خلاق

- ‌وما اتصف به من الأخلاق

- ‌من مساوئ أخلاقهم الذميمة

- ‌نقل الأقدام بالسعاية والنميمة

- ‌الفصل الثاني من الباب الثاني

- ‌في ذكر الفعل والصنيع

- ‌الدالين على لؤم الوضيع

- ‌من الصنيع الدال على لؤم الأصول

- ‌من كان بسيف جوره على العباد يصول

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني

- ‌في أنّ من تخلق باللؤم انتفع

- ‌الباب الثالث

- ‌في العقل

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح العقل وفضله

- ‌شوارد مجموعة في احتياج ذوي العقل والحلم

- ‌إلى اكتساب فضيلتي الأدب والعلم

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث

- ‌في ذكر الفعل الرشيد

- ‌العاقل من شغله عيبه عن عيب من سواه

- ‌ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث

- ‌في هفوات العقال

- ‌الباب الرابع

- ‌في الحمق

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع

- ‌في ذكر النوادر

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع

- ‌في احتجاج الأريب المتحامق

- ‌ومن احتجاج من أطلق نفسه من عقال العقل

- ‌وألقى عصاه عامداً في بيداء الجهل

- ‌من أحاسن أقوالهم في أنّ العقل طريق إلى العنا

- ‌وسدّ يمنع صاحبه من الوصول للغنى

- ‌مما ذكر إنّ الحظ أجدى لصاحب الحجا

- ‌الباب الخامس

- ‌في الفصاحة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌وما أحسن قول بعض الأعاجم يفتخر ويعتذر

- ‌ولأبي إسحق الصابي في الوزير أبي محمد المهلبي رحمه الله تعالى

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس

- ‌في يتحلى به ألباب الأدباء

- ‌ولنذكر من كلام الخطباء ذوي البراعة واللسن ما كان ذا لفظ بديع

- ‌ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الخطب التي حكمت فصاحتها بالعي لقس

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس

- ‌في إنّ معرفة حرفة الأدب مانعة من ترقى أعالي الرتب

- ‌وربما أعدت حرفة الأدب أهل الوراقة

- ‌الباب السادس

- ‌في العي

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌فيما ورد عن ذوي النباهة في ذم العي والفهاهة

- ‌لبعضهم فيمن يلثغ بالراء

- ‌قد يكون البليغ عيياً عند سؤال مطلوبه

- ‌ولبعض الصوفية

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس

- ‌في ذكر من قصر باع لسانه عن ترجمة ما في جنانه

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس

- ‌في أنّ اللسن المكثار لا يأمن آفة الزلل والعثار

- ‌احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس

- ‌الباب السابع

- ‌في الذكاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الفطن والاذهان

- ‌المعظمة من قدر المهان

- ‌وعلى أثر قبح الصورة يقول بعض الشعراء في جحظة

- ‌وأكثر ما يوجد الذكاء المفرط عند العميان

- ‌من اخترع من الأوائل حكمة بثاقب فكره

- ‌الفصل الثاني من الباب السابع

- ‌في ذكر بداهة الأذكياء البديعة

- ‌وأجوبتهم المفحمة السريعة

- ‌الفصل الثالث من الباب السابع

- ‌فيمن سبق بذكائه وفطنته إلى ورود حياض منيته

- ‌منهم من ارتقى بادعائه النبوة مرتقى صعبا

- ‌الباب الثامن

- ‌في التغفل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم البلادة والتغفل من ذوي التعالي والتنزل

- ‌وقد اخترت من مدام المتغفلين مما حسن وراق

- ‌الفصل الثاني من الباب الثامن

- ‌فيمن تأخرت منه المعرفة

- ‌ونوادر أخبارهم المستظرفة

- ‌الفصل الثالث من الباب الثامن

- ‌في أن أنواع التغفل والبله ستور على الأولياء مسبله

- ‌الباب التاسع

- ‌في السخاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل

- ‌ذكر الأجواد المعروفين ببذل الأموال

- ‌النوع الثاني

- ‌الفصل الثاني من الباب التاسع

- ‌في منح الأماجد الأجواد

- ‌وملح الوافدين والقصاد

- ‌ذكر من تبجح بذكر المعروف الذي أسدى إليه

- ‌الفصل الثالث من الباب التاسع

- ‌في ذم السرف والتبذير

- ‌إذ فلهما من سوء التدبير

- ‌الباب العاشر

- ‌في البخل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الإمساك والشح

- ‌وما فيهما من الشين والقبح

- ‌الفصل الثاني من الباب العاشر

- ‌في ذكر نوادر المبخلين

- ‌من الأراذل والمبجلين

- ‌من صان درهمه ولم يسمح به للعطاء

- ‌الفصل الثالث من الباب العاشر

- ‌في مدح القصد في الإنفاق

- ‌خوف التعيير بالإملاق

- ‌الباب الحادي عشر

- ‌في الشجاعة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الشجاعة والبسالة

- ‌وما فيها من الرفعة والجلالة

- ‌الفصل الثاني من الباب الحادي عشر

- ‌في ذكر ما وقع في الحروب

- ‌من شدائد الأزمات والكروب

- ‌يوم كربلاء

- ‌يوم الحرة

- ‌وصف النزال والقتلى

- ‌الفصل الثالث من الباب الحادي عشر

- ‌في ذم التصدي للهلكة

- ‌ممن لا يستطيع بها ملكة

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌في الجبن

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أنّ خلتي الجبن والفرار مما يشين بني الأحرار

- ‌الفصل الثاني من البال الثاني عشر

- ‌في ذكر من جبن عند اللقاء

- ‌خوف الموت ورجاء البقاء

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني عشر

- ‌فيمن ليم على الفرار والإحجام

- ‌فاعتذر بما ينفي عنه الملام

- ‌الباب الثالث عشر

- ‌في العفو

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح من اتصف بالعفو

- ‌عن الذنب المتعمد والسهو

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث عشر

- ‌فيمن حلم عند الاقتدار

- ‌وقبل من المسئ الاعتذار

- ‌ولنعقب هذا الفصل من لطيف الاعتذار

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث عشر

- ‌في ذم العفو عمن أساء

- ‌وانتهك حرمات الرؤساء

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌في الانتقام

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في التشفي والانتقا

- ‌ممن أحضر قسراً في المقام

- ‌ما اخترناه من كلام الحكماء وأقوال الكرام الأماجد

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع عشر

- ‌في ذكر من ظفر فعاقب

- ‌بأشدّ العقوبة ومن راقب

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع عشر

- ‌في أن الانتقام بحدود الله خير فعلات من حكمه الله وولاه

- ‌ما الدية فيه كاملة من جوارح الانسان وحواسه

- ‌ما تختص به المرأة دون الرجل

- ‌الباب الخامس عشر

- ‌في الاخوة

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح اتخاذ الاخوان

- ‌فإنهم العدد والأعوان

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس عشر

- ‌فيما يدين به أهل المحبة

- ‌من شرائع العوائد المستحبة

- ‌ومما يثني عطف الصديق إلى التألف

- ‌اعتذار من لم يهد شيأً

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس عشر

- ‌في ذم الثقيل والبغيض

- ‌بما استحسن من النثر والقريض

- ‌الباب السادس عشر

- ‌في العزلة

- ‌فيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الاستئناس بالناس

- ‌لتلون الطباع وتنافي الأجناس

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس عشر

- ‌فيما يحض على الاعتزال

- ‌من ذميم الخلائق والخلال

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس عشر

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌فيما نختم به الكتاب من دعاء نرجو أن يسمع ويجاب

الفصل: إلى معاوية فسلموا عليه بالخلافة وبايعوه فكان علي رضي الله

إلى معاوية فسلموا عليه بالخلافة وبايعوه فكان علي رضي الله عنه بالعراق ومعاوية بالشأم إلى سنة أربعين وفي هذه السنة قتل علي رضي الله عنه في رمضان وهو ابن اثنتين وستين سنة وكانت مدة خلافته خمس سنين إلا شهراً واحداً ومدة ولاية معاوية أربعين سنة منها أميراً على الشأم لعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان عشرون سنة وخليفة عشرون سنة وتوفي سنة ستين ولما انفصل أهل الشأم وأهل العراق من هذه الحروب رجع ابن عباس وشريح بن هانئ إلى علي رضي الله عنه وكان علي رضي الله عنه إذا صلى الغداة لعن معاوية وعمراً وأصحابه فبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت لعن علياً وابن عباس وحسناً وحسيناً والأشتر ولم يزل الأمر على ذلك برهة من ملك بني أمية إلى أن ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة فمنع من ذلك وجعل مكان اللعن في الخطبة ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم وقتل بصفين من أهل العراق والشأم في مدة مائة يوم وعشرة أيام مائة ألف وعشرة آلاف وقيل سبعون ألفاً من أهل الشأم خمسة وأربعون ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفاً والله أعلم وكانت الوقائع تسعين وقعة وعدة من حضر في صفين من أهل الشأم مائة وعشرون ألفاً ومن أهل العراق مائة ألف وعشرة آلاف فيكون جملة الفريقين مائتي ألف وثلاثين ألفاً

‌يوم كربلاء

لما بويع يزيد بالخلافة وذلك في رجب سنة ستين خرج الحسين كارهاً للبيعة من المدينة إلى مكة فبلغ أهل الكوفة امتناعه فكتبوا إليه يحرضونه على المسير إليهم ويعرفونه بأنهم شيعته وشيعة أهل بيته وأنهم يقاتلون عدوه حتى يقتلوا أنفسهم دونه فقدم الكتاب على الحسين لعشر خلون من رمضان سنة ستين فبعث إليهم مسلم بن عقيل بن أبي طالب للمبايعة له فبايعوه فكتب بذلك عامل الكوفة من قبل يزيد وهو عبد الله بن مسلم إلى يزيد يعلمه بذلك فلما بلغ يزيد ذلك عقد لعبيد الله بن زياد بولاية الكوفة وأمره بقتل مسلم بن عقيل فسار حتى

ص: 422

دخل الكوفة على حين غفلة من أهلها وهو ملتئم يظنونه الحسين فجعل لا يمر على ملا من الناس إلا قالوا مرحبا بابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت خير مقدم فلما سمع مقالتهم حسر لهم عن وجهه فلما رأوه داخلهم كآبه وحزن وخاف مسلم على نفسه فاستجار بهانئ بن عروة فأرسل إليه عبيد الله يطلبه منه فقال لا أسلم إليك من استجار بي ظناً منه أن قومه سيمنعونه منه فتوعده وتهدده فقال والله لو كان تحت قدمي هاتين ما رفعتهما عنه فاصنع ما بدا لك فضربه على وجهه فأدماه وهشم أنفه وأمر به فحبس فلما بلغ مسلم ابن عقيل ذلك أمر أن ينادي في أصحابه وكان قد بايعه ثمانية عشر ألفاً فاجتمع حول داره منهم أربعة آلاف فجاء الصارخ بذلك إلى عبيد الله فخرج من المسجد إلى القصر فزعاً مسرعاً وأغلق أبوابه وأحاط مسلم بن عقيل به فيمن معه من كل ناحية ولم يكن مع عبيد الله في القصر إلا ثلاثون رجلاً من الشرط وعشرون من أشراف الناس فبينما هم كذلك إذ أقبل كثير بن شهاب فيمن أطاعه من مذحج فنادى أيها الناس ألحقوا بأهاليكم ولا تعرضوا أنفسكم للقتل فان هذه جيوش أمير المؤمنين يد مقبلة وقد أقسم الأمير عبيد الله لئن لم ترجعوا عن حربه ليأخذن البرئ بالسقيم والغائب بالحاضر حتى لا يبقى منكم باقية فتفرق الناس وجعل الرجل يخوف أخاه بجند الشام والمرأة تخوف ولدها فأمسى مسلم بن عقيل ومعه ثلاثون ألفاً فخرج متوجهاً نحو أبواب كندة فما بلغ الأبواب ومعه عشرة ثم خرج من الأبواب وما معه انسان فمضى على وجهه لا يدري أين يذهب فالتجأ إلى دار امرأة تسمى طوعة فمنعته الجلوس على بابها ولم تكن تعرفه فقال لها افعلي معي معروفاً لعلي أكافئك عليه بعد قالت وما ذاك قال أنا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم وغروني فرقت له وحنت عليه وأخذت بيده وأدخلته دارها وكانت للأشعث بن قيس فلما كان الغد صعد عبيد الله بن زياد المنبر فحمد الله على انتصاره ثم قال برئت الذمة ممن وجدنا مسلم بن عقيل في داره ومن جاء به فله ديته فقام محمد بن الأشعث وقال إن بلال بن أسيد أخبرني إن عقيل بن مسلم عند أمه فقال قم وأتني به فقام ابن الأشعث في ستة عشر رجلاً حتى أتوا الدار فلما سمع مسلم وقع حوافر الخيل نهض إليهم بسيفه فاقتحموا عليه الدار فضربهم حتى أخرجهم وخرج خلفهم مصلتاً سيفه ومانعاً عن نفسه فقال له ابن الأشعث يا فتى لا تقتل نفسك ولك الأمان وهو يدافع عن

ص: 423

نفسه ويقول

أقسم لا أقتل إلا حرّا

وإن رأيت الموت شيأً نكرا

كل امرئ يوماً ملاق شرّا

أخاف أن أكذب أو أغرّا

فقال ابن الأشعث لا تكذب ولا تغر أنا زعيمك بالوفاء والذمام فلما ألقى سلاحه تواثبوا عليه وأخذوه وحمل إلى عبيد الله فقال له يا فاسق إن نفسك منتك ما حيل بينك وبينه قتلني الله إن لم أقتلك قتله لم يقتلها أحد قبلك في الاسلام ثم أمر كثير بن حمران الأحمري أن يصعد به إلى سطح القصر وأن يرمي به ففعل فلما فعل به كذلك لم يمت فأمر بضرب عنقه فضربت ثم ضرب رقبة هانئ بعده وصلبت جثة مسلم وحمل رأسه إلى دمشق وكان قتل مسلم بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين وفي ذلك اليوم خرج الحسين من مكة قاصداً نحو الكوفة بعد ما وصله كتاب مسلم يخبره فيه أن أهل الكوفة معك فأقبل حين تقرأ كتابي فاني قد بايعتهم لك فبينما هو سائر بأصحابه نحو الكوفة إذ مر به رجل من أهلها فسئل عما وراءه فذكر أنه لم يخرج منها حتى قتل مسلم وهانئ ورآهما يجران بأرجلهما في السوق فهم بالرجوع فقال له بعض أصحابه والله ما أنت كمسلم ولو قدمت الكوفة لكان الناس أسرع إليك من السيل في المكان المنحدر فسار وإذا طلائع خيل قد أقبلت نحوه فنزل الحسين وأمر بالأخبية فضربت وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد اليربوعي وكان نازلاً على القادسية ينتظر قدوم الحسين فلما اجتمعا قال له الحر ما الذي أقدمك العراق قال له والله ما خرجت حتى أتتني كتبكم مع رسلكم فقال له الحر والله ما ندري ما هذه الكتب وقد أمرنا انا إذا لقيناك لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة فقال ثكلتك أمك الموت دون ما قلت فقال الحر لو غيرك قالها من العرب ما تركت ذكر أمه وإذ قد أبيت فخذ طريقاً لا تدخلك الكوفة ولا تردك إلى المدينة فأبى وسار والحر بن يزيد معه حتى أتوا على قرية فسأل الحسين عنها فقالوا العقر فقال نعوذ بالله منه أي من العقر وهي كربلاء فنزل فيها وذلك يوم الخميس الثاني من المحرم سنة إحدى وستين فلما كان من الغد قدم عليهم عمرو بن سعد بن أبي وقاص من

ص: 424

الكوفة في أربعة آلاف فارس فلما اجتمعوا كتب عمرو إلى عبيد الله يسعى في صلاح الحال معه وعوده انا قد اجتمعنا بالحسين في كربلاء ونحن ننتظر أمرك فيه فكتب إليه حل بين الحسين وبين الماء كما فعل بالزكي النقي عثمان بن عفان فمنعوه وأصحابه الماء ثم أنفذ إليهم الشمر بن ذي الجوشن وأمره أن يسمع لعمرو بن سعدان هو قاتل وإن أبى فتقدم أنت على العسكر فأقبل شمر على عمرو بن سعد وبلغه ما قال عبيد الله فاستعض لذلك وقال لا ولا كرامة ولكن أنا أتولى ذلك ثم نادى يا خيل الله اركبي وذلك عشية الخميس لتسع خلون من المحرم ثم تقدموا نحو الحسين فأرسل إليهم أخاه العباس يسألهم التأخير لصبيحة غد فأجابوه إلى ذلك فلما صلى الغداة يوم الجمعة وقيل يوم السبت وهو يوم عاشوراء خرج عمرو فيمن معه من الناس وخرج الحسين وأصحابه وكانوا اثنين وثلاثين فارساً وأربعين راجلاً ثم وقف فيهم على راحلته ونادى أيها الناس أجمعوا أمركم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين فسمعه نساؤه فبكين ثم قال انسبوني وانظروا من أنا هل على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري فسمعته أخته فاطمة فقالت اليوم ماتت فاطمة أمي وعلي أبي والحسن أخي يا خليفة الماضي وثمال اليتامى فقال مجيباً لها ولو ترك القطا ليلاً لناما فجاءه الحر بن يزيد اليربوعي فقال له ما جاء بك قال جئتك تائباً مما كان مني مواسياً لك بنفسي افترى ذلك لي توبة قال نعم يتوب الله عليك ويغفر لك ثم أقبل الحر بوجهه على أصحاب ابن زياد وقال لهم اتقوا الله في ابن بنت رسول الله نبيكم حلتم بينه وبين الماء الذي يلغ فيه الكلب ويرده الكافر وها أصحابه قد صرعهم العطش فبئسما خلفتم محمداً في أهل بيته فحمل عليه رجال منهم ونشب الحرب بينهم فجعل الحر ينشد يحمل على القوم ويقول

والله لا تقتل حتى أقتلا

ولن أصيب اليوم إلا مقتلا

أضربهم بالسيف ضرباً فيصلالا ناكلاً عنهم ولا مهللا ولم يزل يقاتل حتى قتل ثم حمل أصحاب عمرو بن سعد على أصحاب الحسين حملة رجل واحد فقتلوهم كلهم وكان أول من قتل من آل بني طالب علي بن الحسين الأكبر وبقي الحسين وحده وكان الناس قد توقوا قتله فكان

ص: 425

بعضهم يحيل على بعض وصاح شمر لعنه الله بأصحابه أن اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم فحمل عليه من كل جانب فضربه زرعة بن شريك بالسيف فقطع يساره وطعنه سنان ابن أنس النخعي بالرمح فصرعه ونزل إليه فاحتز رأسه من قفاه وأخذها ووجد فيه رضي الله تعالى عنه ثلاث وثلاثون جرحاً وثلاثون طعنة والكل فيما أقبل من وجهه وقيل مائة وعشرون جراحة ما بين طعنة برمح ورشقة بسهم ورمية بحجر وضربة بسيف وكانت عليه جبة خز دكناء فصارت كأنها جلد قنفذ من السهام ثم سلبه إسحق بن جنوة قميصه فبرص وسلبه يحيى بن كعب سراويله فعمي ونادى عمرو بن سعد من ينتدب للحسين فيطؤه بفرسه فانتدب له إسحق ابن جنوة وتسعة من أصحابه فوطؤا ظهره وصدره حتى رضوه رحمة الله تعالى عليه ولعن قاتله والمعين له وأتى سنان بن أنس براس الحسين إلى عبيد الله ابن زياد فلما دخل عليه قال

أوقرر كابي فضة وذهبا

انا قتلت السيد المحجبا

أكرم خلق الله أمّاً وأبا

وخيرهم إذ ينسبون النسبا

فظفر به المختار بن أبي عبيد فقتله وأحرقه ثم بعث بالرأس مع محفيد بن ثعلبة العائدي إلى يزيد بن معاوية فلما دخل عليه قال له جئتك برأس ألأم الناس ما ولدت مخدرة الأم وأوضع ثم جعل يضرب ثناياه بقضيب خيزران كان في يده وينشد

أبي قومنا أن ينصفونا فأنصفت

قواضب في ايماننا تقطر الدما

تفلق هاماً من رجال أعزة

علينا وهم كانوا أعق وأظلما

أما والله لوددت إني أتيت بك مسلماً ولو وليتك ما قتلتك ثم قدم إليه علي بن الحسين والحسن بن الحسن فقال لعلي أنت أبوك قطع رحمي ونازعني سلطاني فجزاه الله جزاء القطيعة للرحم فقال علي ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها فقال يزيد وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ويروى أنه لما قتل الحسين رضي الله عنه قدم على

ص: 426

يزيد المذحجي فقال له ما وراءك قال ابشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر رجلاً من أهل بيته وستين رجلاً من شيعته فرنا إليهم فألناهم أن يستسلموا وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله أو القتال فاختاروا القتال على الاستسلام فعدونا عليهم مع شروق الشمس فاحتطنا بهم من كل ناحية حتى أخذتهم السيوف مأخذها من هؤلاء القوم وجعلوا يلجؤن إلى غرور ويلوذون منا بالآكام والحفر لنادي الحمام من العقر فوالله يا أمير المؤمنين ما كان إلا قدر جزر جزور أو نومة قائل حتى أتينا على آخرهم فهاتيك أجسادهم مجردة وثيابهم مزملة وخدودهم معفرة تضربهم الشمس وتسفي عليهم الريح وفوقهم العقبان والرخم بقفر سبسب لا مكفنين ولا موسدين فدمعت عينا يزيد وقال كنت أرضى منكم ومن طاعتكم بدون قتل الحسين لعن الله ابن سمية أما والله لو أني بصاحبه لعفوت عنه فرحم الله الحسين فلم يصله بشيء ويقال إنه لما حمل رأس الحسين إلى يزيد ابن معاوية ووضع بين يديه خرجت كف يد من الحائط فكتبت في جبهته

أترجو أمة قتلت حسيناً

شفاعة جدّه يوم الحساب

وقتل رضي الله عنه وله من العمر خمس وقيل ست وقيل سبع وخمسون سنة وقتل معه ثمانية عشر رجلاً من أهل بيته وستون رجلاً من شيعته ولما وصل خبر مقتله إلى المدينة وكان والياً عليها يومئذ عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق قام منادياً فنادى بقتله فصاح نساء بني هاشم وخرجت ابنة عقيل بن أبي طالب حاسرة وهي تقول

ماذا تقولون إن قال النبيّ لكم

ماذا فعلتم وأنتم خيرة الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم أسارى ومنهم مضرج بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

وفي يوم قتله من العام القابل قتل عبيد الله بن أبي زياد قتله المختار بن أبي عبيدة وقتل المختار مصعب بن الزبير وقتل مصعباً عبد الملك بن مروان فيا لله

ص: 427