الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى معاوية فسلموا عليه بالخلافة وبايعوه فكان علي رضي الله عنه بالعراق ومعاوية بالشأم إلى سنة أربعين وفي هذه السنة قتل علي رضي الله عنه في رمضان وهو ابن اثنتين وستين سنة وكانت مدة خلافته خمس سنين إلا شهراً واحداً ومدة ولاية معاوية أربعين سنة منها أميراً على الشأم لعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان عشرون سنة وخليفة عشرون سنة وتوفي سنة ستين ولما انفصل أهل الشأم وأهل العراق من هذه الحروب رجع ابن عباس وشريح بن هانئ إلى علي رضي الله عنه وكان علي رضي الله عنه إذا صلى الغداة لعن معاوية وعمراً وأصحابه فبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت لعن علياً وابن عباس وحسناً وحسيناً والأشتر ولم يزل الأمر على ذلك برهة من ملك بني أمية إلى أن ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة فمنع من ذلك وجعل مكان اللعن في الخطبة ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم وقتل بصفين من أهل العراق والشأم في مدة مائة يوم وعشرة أيام مائة ألف وعشرة آلاف وقيل سبعون ألفاً من أهل الشأم خمسة وأربعون ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفاً والله أعلم وكانت الوقائع تسعين وقعة وعدة من حضر في صفين من أهل الشأم مائة وعشرون ألفاً ومن أهل العراق مائة ألف وعشرة آلاف فيكون جملة الفريقين مائتي ألف وثلاثين ألفاً
يوم كربلاء
لما بويع يزيد بالخلافة وذلك في رجب سنة ستين خرج الحسين كارهاً للبيعة من المدينة إلى مكة فبلغ أهل الكوفة امتناعه فكتبوا إليه يحرضونه على المسير إليهم ويعرفونه بأنهم شيعته وشيعة أهل بيته وأنهم يقاتلون عدوه حتى يقتلوا أنفسهم دونه فقدم الكتاب على الحسين لعشر خلون من رمضان سنة ستين فبعث إليهم مسلم بن عقيل بن أبي طالب للمبايعة له فبايعوه فكتب بذلك عامل الكوفة من قبل يزيد وهو عبد الله بن مسلم إلى يزيد يعلمه بذلك فلما بلغ يزيد ذلك عقد لعبيد الله بن زياد بولاية الكوفة وأمره بقتل مسلم بن عقيل فسار حتى
دخل الكوفة على حين غفلة من أهلها وهو ملتئم يظنونه الحسين فجعل لا يمر على ملا من الناس إلا قالوا مرحبا بابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت خير مقدم فلما سمع مقالتهم حسر لهم عن وجهه فلما رأوه داخلهم كآبه وحزن وخاف مسلم على نفسه فاستجار بهانئ بن عروة فأرسل إليه عبيد الله يطلبه منه فقال لا أسلم إليك من استجار بي ظناً منه أن قومه سيمنعونه منه فتوعده وتهدده فقال والله لو كان تحت قدمي هاتين ما رفعتهما عنه فاصنع ما بدا لك فضربه على وجهه فأدماه وهشم أنفه وأمر به فحبس فلما بلغ مسلم ابن عقيل ذلك أمر أن ينادي في أصحابه وكان قد بايعه ثمانية عشر ألفاً فاجتمع حول داره منهم أربعة آلاف فجاء الصارخ بذلك إلى عبيد الله فخرج من المسجد إلى القصر فزعاً مسرعاً وأغلق أبوابه وأحاط مسلم بن عقيل به فيمن معه من كل ناحية ولم يكن مع عبيد الله في القصر إلا ثلاثون رجلاً من الشرط وعشرون من أشراف الناس فبينما هم كذلك إذ أقبل كثير بن شهاب فيمن أطاعه من مذحج فنادى أيها الناس ألحقوا بأهاليكم ولا تعرضوا أنفسكم للقتل فان هذه جيوش أمير المؤمنين يد مقبلة وقد أقسم الأمير عبيد الله لئن لم ترجعوا عن حربه ليأخذن البرئ بالسقيم والغائب بالحاضر حتى لا يبقى منكم باقية فتفرق الناس وجعل الرجل يخوف أخاه بجند الشام والمرأة تخوف ولدها فأمسى مسلم بن عقيل ومعه ثلاثون ألفاً فخرج متوجهاً نحو أبواب كندة فما بلغ الأبواب ومعه عشرة ثم خرج من الأبواب وما معه انسان فمضى على وجهه لا يدري أين يذهب فالتجأ إلى دار امرأة تسمى طوعة فمنعته الجلوس على بابها ولم تكن تعرفه فقال لها افعلي معي معروفاً لعلي أكافئك عليه بعد قالت وما ذاك قال أنا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم وغروني فرقت له وحنت عليه وأخذت بيده وأدخلته دارها وكانت للأشعث بن قيس فلما كان الغد صعد عبيد الله بن زياد المنبر فحمد الله على انتصاره ثم قال برئت الذمة ممن وجدنا مسلم بن عقيل في داره ومن جاء به فله ديته فقام محمد بن الأشعث وقال إن بلال بن أسيد أخبرني إن عقيل بن مسلم عند أمه فقال قم وأتني به فقام ابن الأشعث في ستة عشر رجلاً حتى أتوا الدار فلما سمع مسلم وقع حوافر الخيل نهض إليهم بسيفه فاقتحموا عليه الدار فضربهم حتى أخرجهم وخرج خلفهم مصلتاً سيفه ومانعاً عن نفسه فقال له ابن الأشعث يا فتى لا تقتل نفسك ولك الأمان وهو يدافع عن
نفسه ويقول
أقسم لا أقتل إلا حرّا
…
وإن رأيت الموت شيأً نكرا
كل امرئ يوماً ملاق شرّا
…
أخاف أن أكذب أو أغرّا
فقال ابن الأشعث لا تكذب ولا تغر أنا زعيمك بالوفاء والذمام فلما ألقى سلاحه تواثبوا عليه وأخذوه وحمل إلى عبيد الله فقال له يا فاسق إن نفسك منتك ما حيل بينك وبينه قتلني الله إن لم أقتلك قتله لم يقتلها أحد قبلك في الاسلام ثم أمر كثير بن حمران الأحمري أن يصعد به إلى سطح القصر وأن يرمي به ففعل فلما فعل به كذلك لم يمت فأمر بضرب عنقه فضربت ثم ضرب رقبة هانئ بعده وصلبت جثة مسلم وحمل رأسه إلى دمشق وكان قتل مسلم بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين وفي ذلك اليوم خرج الحسين من مكة قاصداً نحو الكوفة بعد ما وصله كتاب مسلم يخبره فيه أن أهل الكوفة معك فأقبل حين تقرأ كتابي فاني قد بايعتهم لك فبينما هو سائر بأصحابه نحو الكوفة إذ مر به رجل من أهلها فسئل عما وراءه فذكر أنه لم يخرج منها حتى قتل مسلم وهانئ ورآهما يجران بأرجلهما في السوق فهم بالرجوع فقال له بعض أصحابه والله ما أنت كمسلم ولو قدمت الكوفة لكان الناس أسرع إليك من السيل في المكان المنحدر فسار وإذا طلائع خيل قد أقبلت نحوه فنزل الحسين وأمر بالأخبية فضربت وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد اليربوعي وكان نازلاً على القادسية ينتظر قدوم الحسين فلما اجتمعا قال له الحر ما الذي أقدمك العراق قال له والله ما خرجت حتى أتتني كتبكم مع رسلكم فقال له الحر والله ما ندري ما هذه الكتب وقد أمرنا انا إذا لقيناك لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة فقال ثكلتك أمك الموت دون ما قلت فقال الحر لو غيرك قالها من العرب ما تركت ذكر أمه وإذ قد أبيت فخذ طريقاً لا تدخلك الكوفة ولا تردك إلى المدينة فأبى وسار والحر بن يزيد معه حتى أتوا على قرية فسأل الحسين عنها فقالوا العقر فقال نعوذ بالله منه أي من العقر وهي كربلاء فنزل فيها وذلك يوم الخميس الثاني من المحرم سنة إحدى وستين فلما كان من الغد قدم عليهم عمرو بن سعد بن أبي وقاص من
الكوفة في أربعة آلاف فارس فلما اجتمعوا كتب عمرو إلى عبيد الله يسعى في صلاح الحال معه وعوده انا قد اجتمعنا بالحسين في كربلاء ونحن ننتظر أمرك فيه فكتب إليه حل بين الحسين وبين الماء كما فعل بالزكي النقي عثمان بن عفان فمنعوه وأصحابه الماء ثم أنفذ إليهم الشمر بن ذي الجوشن وأمره أن يسمع لعمرو بن سعدان هو قاتل وإن أبى فتقدم أنت على العسكر فأقبل شمر على عمرو بن سعد وبلغه ما قال عبيد الله فاستعض لذلك وقال لا ولا كرامة ولكن أنا أتولى ذلك ثم نادى يا خيل الله اركبي وذلك عشية الخميس لتسع خلون من المحرم ثم تقدموا نحو الحسين فأرسل إليهم أخاه العباس يسألهم التأخير لصبيحة غد فأجابوه إلى ذلك فلما صلى الغداة يوم الجمعة وقيل يوم السبت وهو يوم عاشوراء خرج عمرو فيمن معه من الناس وخرج الحسين وأصحابه وكانوا اثنين وثلاثين فارساً وأربعين راجلاً ثم وقف فيهم على راحلته ونادى أيها الناس أجمعوا أمركم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين فسمعه نساؤه فبكين ثم قال انسبوني وانظروا من أنا هل على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري فسمعته أخته فاطمة فقالت اليوم ماتت فاطمة أمي وعلي أبي والحسن أخي يا خليفة الماضي وثمال اليتامى فقال مجيباً لها ولو ترك القطا ليلاً لناما فجاءه الحر بن يزيد اليربوعي فقال له ما جاء بك قال جئتك تائباً مما كان مني مواسياً لك بنفسي افترى ذلك لي توبة قال نعم يتوب الله عليك ويغفر لك ثم أقبل الحر بوجهه على أصحاب ابن زياد وقال لهم اتقوا الله في ابن بنت رسول الله نبيكم حلتم بينه وبين الماء الذي يلغ فيه الكلب ويرده الكافر وها أصحابه قد صرعهم العطش فبئسما خلفتم محمداً في أهل بيته فحمل عليه رجال منهم ونشب الحرب بينهم فجعل الحر ينشد يحمل على القوم ويقول
والله لا تقتل حتى أقتلا
…
ولن أصيب اليوم إلا مقتلا
أضربهم بالسيف ضرباً فيصلالا ناكلاً عنهم ولا مهللا ولم يزل يقاتل حتى قتل ثم حمل أصحاب عمرو بن سعد على أصحاب الحسين حملة رجل واحد فقتلوهم كلهم وكان أول من قتل من آل بني طالب علي بن الحسين الأكبر وبقي الحسين وحده وكان الناس قد توقوا قتله فكان
بعضهم يحيل على بعض وصاح شمر لعنه الله بأصحابه أن اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم فحمل عليه من كل جانب فضربه زرعة بن شريك بالسيف فقطع يساره وطعنه سنان ابن أنس النخعي بالرمح فصرعه ونزل إليه فاحتز رأسه من قفاه وأخذها ووجد فيه رضي الله تعالى عنه ثلاث وثلاثون جرحاً وثلاثون طعنة والكل فيما أقبل من وجهه وقيل مائة وعشرون جراحة ما بين طعنة برمح ورشقة بسهم ورمية بحجر وضربة بسيف وكانت عليه جبة خز دكناء فصارت كأنها جلد قنفذ من السهام ثم سلبه إسحق بن جنوة قميصه فبرص وسلبه يحيى بن كعب سراويله فعمي ونادى عمرو بن سعد من ينتدب للحسين فيطؤه بفرسه فانتدب له إسحق ابن جنوة وتسعة من أصحابه فوطؤا ظهره وصدره حتى رضوه رحمة الله تعالى عليه ولعن قاتله والمعين له وأتى سنان بن أنس براس الحسين إلى عبيد الله ابن زياد فلما دخل عليه قال
أوقرر كابي فضة وذهبا
…
انا قتلت السيد المحجبا
أكرم خلق الله أمّاً وأبا
…
وخيرهم إذ ينسبون النسبا
فظفر به المختار بن أبي عبيد فقتله وأحرقه ثم بعث بالرأس مع محفيد بن ثعلبة العائدي إلى يزيد بن معاوية فلما دخل عليه قال له جئتك برأس ألأم الناس ما ولدت مخدرة الأم وأوضع ثم جعل يضرب ثناياه بقضيب خيزران كان في يده وينشد
أبي قومنا أن ينصفونا فأنصفت
…
قواضب في ايماننا تقطر الدما
تفلق هاماً من رجال أعزة
…
علينا وهم كانوا أعق وأظلما
أما والله لوددت إني أتيت بك مسلماً ولو وليتك ما قتلتك ثم قدم إليه علي بن الحسين والحسن بن الحسن فقال لعلي أنت أبوك قطع رحمي ونازعني سلطاني فجزاه الله جزاء القطيعة للرحم فقال علي ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها فقال يزيد وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ويروى أنه لما قتل الحسين رضي الله عنه قدم على
يزيد المذحجي فقال له ما وراءك قال ابشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر رجلاً من أهل بيته وستين رجلاً من شيعته فرنا إليهم فألناهم أن يستسلموا وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله أو القتال فاختاروا القتال على الاستسلام فعدونا عليهم مع شروق الشمس فاحتطنا بهم من كل ناحية حتى أخذتهم السيوف مأخذها من هؤلاء القوم وجعلوا يلجؤن إلى غرور ويلوذون منا بالآكام والحفر لنادي الحمام من العقر فوالله يا أمير المؤمنين ما كان إلا قدر جزر جزور أو نومة قائل حتى أتينا على آخرهم فهاتيك أجسادهم مجردة وثيابهم مزملة وخدودهم معفرة تضربهم الشمس وتسفي عليهم الريح وفوقهم العقبان والرخم بقفر سبسب لا مكفنين ولا موسدين فدمعت عينا يزيد وقال كنت أرضى منكم ومن طاعتكم بدون قتل الحسين لعن الله ابن سمية أما والله لو أني بصاحبه لعفوت عنه فرحم الله الحسين فلم يصله بشيء ويقال إنه لما حمل رأس الحسين إلى يزيد ابن معاوية ووضع بين يديه خرجت كف يد من الحائط فكتبت في جبهته
أترجو أمة قتلت حسيناً
…
شفاعة جدّه يوم الحساب
وقتل رضي الله عنه وله من العمر خمس وقيل ست وقيل سبع وخمسون سنة وقتل معه ثمانية عشر رجلاً من أهل بيته وستون رجلاً من شيعته ولما وصل خبر مقتله إلى المدينة وكان والياً عليها يومئذ عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق قام منادياً فنادى بقتله فصاح نساء بني هاشم وخرجت ابنة عقيل بن أبي طالب حاسرة وهي تقول
ماذا تقولون إن قال النبيّ لكم
…
ماذا فعلتم وأنتم خيرة الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي
…
منهم أسارى ومنهم مضرج بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم
…
أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي
وفي يوم قتله من العام القابل قتل عبيد الله بن أبي زياد قتله المختار بن أبي عبيدة وقتل المختار مصعب بن الزبير وقتل مصعباً عبد الملك بن مروان فيا لله